محمد يزيد اضطر للسفر بسبب خلافات أسرية.. والغربة أخذت من عمره 15 عامًا دون جدوى محمود المصرى سافر وراء هواية التنقل فوقع فى فخ الغربة ولم يعد قادرًا على العودة
محمد أسامة دفعته زوجته للغربة لتحسين أوضاعهم فسافر وجلس بدون عمل
وليد السوهاجى وقع فريسة طموحاته وأحلامه التى جعلته أسيرًا فى الغربة
يسافرون بدافع تحقيق أحلامهم، يرون فى العمل خارج البلاد حلا لمشاكلهم المادية، يحزمون حقائبهم ويعدون العدة، ويضعون فى خطتهم بضع سنوات لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، بعدها يعودون إلى موطنهم، لكن الواقع الذى يعيشه غالبية المغتربين يأتى على عكس خططهم. يقعون فى دوامة التطلع إلى الأفضل وتحقيق المزيد، أو ربما تعويض ما فات من سنوات لم يحصدوا منها شيئًا. وإذا كان فى الغربة كما يقولون “سبع فوائد” ففى السطور التالية نطرح عليك قصصا حقيقية أصحابها مغتربون منذ سنوات. ويأتى الدفع سفر أصحابها السفر مختلفًا من شخص لأخر، فتكون عند الغالبية العظمى لأسباب مادية بسبب الظروف الاقتصادية، وعند البعض الآخر تكون الغربة هدفا فى حد ذاته من أجل السفر والرحيل من عالم يرفضه ليبحث عن عالم آخر وواقع مختلف. وهذا ما نعرفه من خلال معرفة قصص بعض المغتربين. فى البداية يقول محمد يزيد، الذى يعيش فى دولة الإمارات منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، كان فى بداية دراسته الجامعية رافضا فكرة الغربة فى حد ذاتها، متمسكا بحياته البسيطة المتواضعة وسط شلة أصحاب، يلعبون دورا مهما جدا فى حياته، إلى أن دفعته الظروف المعنوية للسفر خارج مصر. ويضيف: لم يكن طموحى الغربة ولم تكن لى احتياجات مادية متأججة، لكنى هرولت إلى الغربة بحثا عن راحة البال، لأن زوجتى التى سعيت سنوات طويلة للارتباط بها ووقفت فى وجه أسرتى للارتباط بها، وبعد الزواج واجهت صراعا كبيرا بين زوجتى ووالدتى، واستحالت الحياة والعمل وسط هذه الصراعات التى كنت أحتفظ دائما لنفسى فيها بصورة المتفرج. ومن هنا قررت السفر إلى الخارج، برغم أننى كنت أعمل موظفا فى شركة خاصة، وكنت أتقاضى راتبا شهريا متميزا. ويضيف محمد قائلا: بعد السفر كنت أشعر أننى على عكس كل المصريين الذين يبحثون عن المادة، ويتركون أسرهم وهم فى أسوأ حالاتهم النفسية، لكننى وجدت سنوات الغربة تأخذنى ونسيت الهدف الأساسى الذى دفعنى لها وهو الابتعاد عن صراعات أمى وزوجتى، وبدأت تتولد فى نفسى طموحات مادية، وعام تلو عام وجدت سنوات عمرى تسرق منى، فأنا مغترب من أكثر من خمسة عشر عاما وفى كل عام أقول لنفسى هذا آخر عام لى فى الغربة إلى أن فقدت الأمل فى العودة لبلدى مصر مرة أخرى. أما محمود المصرى الذى اكتسب لقب المصرى، بعدما سافر للعمل فى أحد المقاهى فى أبوظبى، فلم يكن يومًا ما بحاجة لتحسين مستواه المادى ولكن يعشق السفر والتنقل بين البلدان المختلفة فهو يرفض الاستقرار فى مكان بعينه، ومن هنا قرر السفر بعدما قام ببيع سيارته من أجل الحصول على تذكرة الطيران وتصريح دخول البلد. ويقول المصرى: لم أجد وسيلة للعيش فى هذا البلد إلا من خلال العمل فى أحد المقاهى الذى تقاضيت فيها راتبا لم يكن كبيرا، لكننى لا أقوى على العودة مرة أخرى لوالدى الذى رفض سفرى منذ البداية وحاول نصحى كثيرا، لكنى رفضت وتمسكت برأيى للسفر وكنت أقول لنفسى سأسافر وأعمل فى الإمارات ومن بعد سأتقاضى راتبا كبيرا يمكننى من السفر والتنقل من بلد لآخر، وهى هوايتى المفضلة لكن أحلامى تضاءلت وأخذتنى السنين وظللت أعمل فى هذه القهوة أكثر من خمس سنوات، إلى أن أصبحت نية العودة إلى بلدى بعيدة عن بالى وكأن الغربة مغناطيس لا يمكن الابتعاد عن مجاله. وتحكى المهندسة هند الصاوى قصة غربتها قائلة: تخرجت فى كلية الهندسة وتزوجت وكان راتب زوجى لا يكفينا عشرة أيام من كل شهر، وبحثت عن عمل لى كمهندسة لكننى لم أستطع الاستمرار فيه بسبب طبيعته الشاقة فى الوقوف مع العمال، ووجدتنى مقصرة فى حق أولادى وأصبحت لا أراه. بحثت عن عمل آخر اتجهت إلى التدريس نظرا لإجادتى مادتى الحساب واللغة الإنجليزية، وبعد العمل كمدرسة فى إحدى المدارس الدولية التى تم إغلاقها بعد فترة. بعدها وقعنا ثانية فى أزمة مادية، اضطرتني للسفر للعمل فى لبنان، وظللت عاما كامل أنا وزوجى نعيش معا فى لبنان بينما أولادنا فى مصر، إلى أن نجحت فى إلحاقهم بمدارس هنا، وبالفعل نعيش جميعا هنا منذ أكثر من خمس سنوات، وأرى أننى لا يمكننى العودة مرة أخرى إلى مصر، خصوصا بعد أن التحقت بالعمل فى مهنة التدريس ولا أنوى العودة مرة أخرى لمصر. أما محمد أسامة الذى سافر إلى السعودية، فكان هدفه تحسين أوضاعه المادية، بعد أن ضاقت به الحال هو وزوجته. ويقول: كنت أعمل موظفا فى إحدى شركات السيارات الخاصة، وكان راتبى صغيرًا، ومع مرور الوقت ضاق الحال وكانت زوجتى دائما تقترح على السفر للعمل مع أقاربها بالسعودية، وبرغم أننى كنت رافضا لهذا الحل، فإننى وجدت نفسى مضطرا لقبوله. وسافرت للبحث عن فرصة عمل لكننى واجهت هناك ألما نفسيا أكبر وهو الجلوس فى البيت بدون عمل شهورا طويلة. كان أقارب زوجتى فى البداية يتكفلون بى ماديًا، بعدها كان والدى يرسل لى ما يكفينى ماديًا بعض الشىء إلى أن اضطررت للعمل باليومية، وكل فترة أتخذ قرارا بالعودة نهائيا إلى مصر ويغلبنى شوقى لزوجتى وأطفالى، لكننى أتذكر الوضع الذى كانت تعيش عليه أسرتى وعام يجر عاما ولا أعرف نهاية لوضعى. أما وليد السوهاجى الذى اختار لنفسه العمل بين مصر والمغرب، فكان يبيع السلع المصرية فى المغرب، ويأتى بالسلع المغربية إلى مصر، كما تزوج بسيدة مغربية مطلقة أصرت على أن يعيش معها ببيتها فى مدينة الجديدة المغربية، بينما كان يحلم بالغربة والبحث عن وسيلة عمل مناسبة فى أى دولة عربية يستطيع من خلالها أن يكون مستقبله. ويضيف: كثيرا ما نخطط فى حياتنا لأهداف ونرتب أحلاما لكن الواقع الذى نعيشه يفرض علينا أوضاعا قد تسير بنا عكس الاتجاه تماما، وقد تأكدت تماما من ذلك عندما تركت واقعى وحياتى وعالمى وحبيبتى وذهبت لأتزوج مغربية، وأعيش معها فى بلدها بدون عمل، بينما هى امرأة عاملة مالكة للسكن الذى نعيش به والسيارة. الآن أبحث عن رائحة بلدى بين المغتربين أمثالى الذين يأتون إلى المغرب للبحث عن فرص عمل وإن كانوا قليلين، وتضاءلت أحلامى وانتحرت طموحاتى، ومع الوقت أصبحت أعيش فى خلافات زوجية كثيرة جدا، لكننى لا أقوى على الانفصال عن زوجتى فكيف لى أرجع بعد أحد عشر عاما فى الغربة خالى اليدين. ويتحدث مسعود الدغمان عن تجربته مع الغربة قائلا: أحد أهم مشكلات الغربة الأساسية، هى أن الشاب يقبل فكرة الغربة بشكل مؤقت لفترة يحقق فيها أحلامه وطموحاته المادية وبعدها يعود المغترب إلى بلده، لكن الخدعة فى كون الطموحات المادية لا تقف عند حد، وكلما حقق منها تتزايد أهدافه ورغباته المادية التى لا تنتهى ولا تقف عند حد وهى ليست شكواى أو مشكلتى بمفردى، بل نجلس جميعا كأصدقاء نتحدث ونستعرض سنوات عمرنا التى ضاعت، وفى كل عام نقول هذا آخر عام لى فى الغربة وعام تلو العام، حتى يجد المغترب نفسه يعود ليدفن على أرض بلده، وقد يعتقد البعض أن الذى يعيش فى الغربة إنسان سعيد وفى حالة ثراء مادى ولا يعرفون حالة الغربة التى بداخله، فدائما ما أشعر بأننى غريب فى هذا المجتمع، وفى نفس الوقت بلدى لم تكن كما تركتها قبل سفرى، فأجد نفسى شخص غير سعيد، ولا أشعر بالألفة عند زيارتى لمصر، وأجد نفسى غريبا سواء على أرضها أم حتى فى البلد الذى عددت سنوات طويلة تتجاوز العشرين عاما على أرضها. وعلى نفس المنوال تأتى حكاية محمود كعبيش مع السفر إلى البحرين منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما، على أساس أن سفره وغربته لمدة عام أو عامين على الأكثر، ليجمع ما يمكنه من شراء شقة والزواج من الفتاة التى كان يعشقها، وبعد سفره فوجئ بأن السمسار الذى أتى له بفرصة السفر يشترط عليه أن يرد له مبلغا قد يحتاج لسداده راتب ثلاثة أشهر كاملة من راتبه فى أحد الفنادق، وبالفعل بعد سداد هذا المبلغ أصيب بغضروف فى ركبته أجبره على الالتزام بعدم الحركة وظل ملازما الفراش قرابة خمسة أشهر كاملة، كان زملاؤه يتولون الإنفاق على علاجه بالدين. ويضيف كنت أعيش ألمين الأول نفسيا، بسبب عجزى عن العمل، وحاجتى لمن يقرضنى كل يوم كم دينار لتوفير العلاج وكشف الطبيب، وفوق كل ذلك مصروفات أكلى وشربى، والألم الثانى العضوى بسبب عدم قدرتى على مغادرة السرير بسبب الغضروف. وجدت نفسى أعمل ليل نهار بكل ما أملك من قوة حتى أسدد ديونى، وبعدما نجحت فى ذلك وجدت نفسى أسقطت سنة كاملة من حياتى لم أدخر شيئا، وبعدها مكثت فى البحرين قرابة العشر سنوات ومازلت هناك، وأقول لنفسى كيف لى العودة لمصر، وأنا لم أحقق أى تقدم فى حياتى؟ وكيف أواجه أهلى وكل أسرتى، بأننى ضيعت من عمرى عشر سنوات دون جدوى.