حين وجد خالد نفسه فى مواجهة طوفان من الاعتراضات على قرار الخروج بالأزمة إلى العلن، بإطلاق التصريحات التى يعبر فيها عن رأيه حول اتهامه بالمشاركة فى تنظيم ثورة مصر قرر أن يضع معارضيه أمام الأمر الواقع متحملا المسئولية كاملة بمفرده، مهما كان نتيجة ذلك، دعانا – أنا وحمدين وأيمن نور– للحضور إلى مقر إقامته ليقول لنا: "فلنبدأ الآن وفورا، أين الأسئلة التى أعددتموها"، أخرجت الورقة من جيبى وناولتها له، فألقى عليها نظرة سريعة، ثم قام بإرسالها عبر الفاكس بجواره إلى الأستاذ أحمد الخواجة نقيب المحاميين ورئيس فريق الدفاع عنه فى القضية، وبعد دقائق معدودة تلقى الرد على نفس الورقة بعد أن أجرى الأستاذ الخواجة تعديلا طفيفا بقلمه على السؤال القائل: ماذا تقول فى اتهامك بالمشاركة فى... ليأتي التعديل كالآتي"ماذا تقول فيما هو منسوب إليك" ولأن أيمن نور هو الوحيد بيننا حينئذ الذي كان قد درس القانون فقد رأى أن التعديل الذي أجراه نقيب المحاميين على السؤال مجرد "حذلقة" قانونية، إذ لا فرق– كما قال– بين ما جاء فى صيغة سؤالنا والتعديل الذى أجراه الخواجة، ولكن خالد تجاهل أمر أيمن نور وأصر على توجيه السؤال وفقا للصيغة التى رآها الخواجة، رغم عدم إدراكنا لمغزاها القانوني الذى لابد أن يكون الخواجة قد انتبه إليه، بدأ الحوار بإجابة خالد عن السؤال قائلا: "إنها تهمة تشرفني وتليق بى حتى وإن أنكرتها فى غير استنكار، فهى تتعلق بموقفي المبدئي والثابت بعدائي لإسرائيل كدولة معتدية ومغتصبة"، ثم توالت الأسئلة منا، وتوالت الإجابات من خالد، قاطعة وحاسمة، فهو لا يستنكر الاتهام ولكنه ينكره، وكانت هذه الصيغة بالذات من اقتراحي أنا، وقد استحسنها خالد بعد أن أفضت في شرح الفرق بين الإنكار والاستنكار، فإنكار التهمة مسألة تتعلق بالاتهام قانونا، أما عدم استنكار التهمة فيتعلق بقبولها سياسيا، لأنها تتناسب ومواقفه المبدئية من عدائه لإسرائيل، وبعد الانتهاء من الحوار قام خالد بإرساله كاملا إلى الأستاذ الخواجة ليبدى ملاحظاته القانونية عليه، فأعاده إلينا بعد برهة بكلمة واحدة: "موافق وبرافو"، دون أي تعديل يذكر، أعطى خالد سكرتيره المرافق الحوار ليصوره أكثر من نسخة حصل كل منا على واحدة منه، وسارعنا بالانصراف لإرساله إلى صحفنا كل بطريقته، اتجهت من فوري إلى السفارة الكويتية وقابلت الملحق الثقافي الكويتي الذي تم استدعاؤه من بيته- على عجل- عن طريق أحد كبار موظفي السفارة بعد أن أدرك خطورة المهمة، وتم إرساله إلى صحيفة الأنباء الكويتية مباشرة، وقد علمت أنها أعادت تجهيز صفحتها الأولى لتفرغها بالكامل لأهم عناوين الحوار، ولم تكتف إدارة الأنباء بذلك، بل أرسلت نسخة كاملة من الحوار إلى وكالة الأنباء الكويتية "كونا" لتقوم ببثه إلى صحف ووكالات العالم نقلا عن صحيفة الأنباء، وفى صباح اليوم التالى كان حوار خالد عبد الناصر حديث معظم الصحف العالمية عربية ودولية، وقد احتفت الصحف المصرية كثيرا بالحوار فنشرت مقتطفات مطولة منه فى صدر صفحاتها الأولى، وحين عدت إلى الفندق سألت حمدين وأيمن عما فعلاه بالحوار؟ فأخبراني بأنهما قد حجزا على متن الطائرة المتجهة صباح الغد من بلجراد إلى القاهرة، لينشرا الحوار بعد وصولهما، لتعذر وجود وسيلة أخرى لإرسال الحوار بطريقة أسرع، فأخفيت عنهما خبر إرساله ونشره بالكويت، حتى لا أثير حفيظتهما ضدى، بل طلبت منهما أن يحملا نسخة الحوار الخاصة بي لتسليمها لمكتب الأنباء بالقاهرة، لتعذر حصولى على مقعد بالطائرة التى ستقلهما غدا، هكذا تمكنت من هزيمة أيمن وحمدين بلمس الأكتاف فى مباراة صحفية قصدت منها إعطاءهما درسا فى كيفية التصرف فى التجارب الصحفية المشتركة.