في اليوم التالي لوصولي إلي بلجراد فوجئت بخالد عبد الناصر يتصل بي بالفندق الذي أقيم به ليخبرني أن حمدين قادم الآن إلي بلجراد علي متن طائرة يوغسلافيا من مطار القاهرة، وطلب مني أن أحجز له مكانا بنفس الفندق . وبينما كنت مشغولا بإتمام إجراءات الحجز لحمدين ، فوجئت باتصال آخر من الدكتور خالد ليخبرني بأن أيمن نور في طريقه أيضا إلي بلجراد قادما من إثيوبيا فاعترتني الدهشة من سفر أيمن نور من إثيوبيا . فهو كمن قرر الذهاب إلي الهرم عن طريق الإسكندرية . وحين لاحظ خالد ذلك أخبرني بأن أيمن اضطر لركوب الطائرة الإيطالية المتجهة إلي أديس أبابا ثم إلي روما فبلجراد بعد أن عجز عن العثور علي مكان له في أقرب وقت علي متن إحدى الطائرات المتجهة مباشرة إلي بلجراد فاضطر للسفر إلي أديس أبابا، ومنها إلي روما وبعدها إلي بلجراد .
إلي هذا الحد كان أيمن حريصا علي أن يكون بين يدي خالد عبد الناصر في اللحظة المناسبة التي تسمح له بالحصول علي سبق صحفي. خاصة أنه كان يعلم بوجودي قبله لدي خالد فأراد أن يشاركني الفرصة.
وقد كان وجود حمدين وأيمن نور حافزا لي علي السبق الذي حرصت عليه، فأردت أن أعلن عن وجودي قبلهما وأحصل منه علي تصريح صحفي أؤكد به حصولي علي السبق دونهما . بعد أن طلب مني خالد تأجيل الحوار معه إلي حين وصول حمدين وأيمن ليكون الحوار معه مشتركا بدلا من ثلاث حوارات متتالية في ثلاث صحف مختلفة، خشيت الوقوع في بعض التناقضات التي قد تضر بموقفي القانوني بالقضية فاستأذنت خالد في نشر تصريح له أقول فيه- علي لسانه-: "ليتني كنت حجرا في يد طفل فلسطيني"، فقد كانت الانتفاضة الفلسطينية في ذروتها في ذلك الوقت, وتصريح بهذه الصيغة يؤكد فيه خالد موقفه الرافض لإسرائيل، وأن الحكم بإعدامه في قضية ثورة مصر لم يغير موقفه الرافض لإسرائيل والإسرائليين .
وفي اليوم التالي بادرت بنشر تصريح يقول فيه- تعليقا علي اتهامه في القضية-: (شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها ) . هكذا أعلنت عن وجودي أنا وصحيفتي لدي خالد عبد الناصر قبل أي صحفي آخر.
وقد وصل حمدين بالفعل فاستقبلته بالفندق وقد لاحظت أنه لم يبد ارتياحا لوصول أيمن نور لنفس الغرض، بل ومن المؤكد أنه لم يبد ارتياحا لوجودي أنا شخصيا؛ لأنه كان يريد الاستئثار بخالد. ولما تعذر وجود غرفة منفصلة حسب رغبته. اقترحت عليه أن يقيم معي بنفس الغرفة التي تحتوي علي ثلاثة أسرة متجاورة، فرفض في البداية، ربما لأنه توقع أن يكون السرير الثالث من نصيب أيمن نور عند وصوله. ولأنني أعرف حقيقة حمدين الذي ربطتني به علاقة حميمة منذ سنوات دراستنا بالجامعة. فقد فهمت أن سبب رفضه يعود إلي حرصه علي التميز والشعور بالاختلاف. بعد أن وضع حمدين حقائب سفره بالغرفة اختفي عن نظري لساعات. وحين عاد سألته عن سبب اختفائه فجأة فقال: إنه كان عند خالد في مقر إقامته لترتيب بعض الأمور السياسية والقانونية الخاصة بموقفه في القضية.
هكذا أراد حمدين أن يعلن منذ اللحظة الأولي أنه جاء إلي هنا كزعيم سياسي وليس فقط مجرد صحفي. ليبدو مختلفا عنا أنا وأيمن نور، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري أراد أن يوحي إلي بأنني هنا تحت وصايته كمسئول سياسي، وحين أردت أن أعيده إلي مهمته الأولي كصحفي بعيدا عن السياسة.
سألته عمّ إذا كان تحدث مع خالد حول الحوار الصحفي الذي وافقني عليه؟ فقال: إن خالد كلفه بوضع الأسئلة ومراجعتها علي ألا يسمح لي أو لأيمن بالمشاركة في وضعها. فالحوار - كما قال - ذو طابع سياسي. ويجب أن يكون تحت إشراف كامل من المسئول السياسي وإلاعلامي عن قضية ثورة مصر وهو حمدين شخصيا. لم تعجبني منه هذه التبريرات التي خشيت أن أناقشها معه أو مع خالد فأفتح بابا للخلاف لا داعي له الآن في ظل هذه الظروف.
وحين وصل أيمن نور التقي ثلاثتنا بخالد. فأخبرنا بأن هدي عبد الناصر وأشرف مروان غير راضيين عن وجودنا هنا. واتهمونا بأننا نسعى إلي سبق صحفي علي حساب مصلحة خالد في القضية. ولكن خالد عاد ليؤكد أن الأستاذ أحمد الخواجة- نقيب المحامين- وقتها ومحامي خالد في القضية. بل ورئيس هيئة الدفاع عن المتهمين كان في صفنا مؤيدا لإجراء حوار صحفي يمهد الرأي العام في مصر والعالم للضغط علي النظام وحسني مبارك شخصيا لصالح خالد والمتهمين معه باعتبارها قضية وطنية تحظي بدعم وتأييد الرأي العام.