لأشهر طويلة كان الحديث عن انتقال الفرنسي بول بوجبا – أو بالأدق عودته – من اليوفنتوس الإيطالي إلي مانشيستر يونايتد الإنجليزي، وكانت الأرقام تتفاوت بين 100 إلى 160 مليون يورو كقيمة محتملة للصفقة، أما الآن فقد أصبح الأمر رسميا، ليس فيما يخص عودة بوجبا إلى بيته الأول مانشستر الإنجليزي فقط ، وإنما كتأكيد على أنها الصفقة الأعلى في تاريخ انتقالات لاعبي كرة القدم في العالم. فقد استقرت القيمة النهائية للصفقة عند 120 مليون يورو، واللافت في هذه الصفقة ليس في كون بوجبا كان أصلاً لاعباً في صفوف النادي الإنجليزي قبل سنوات قليلة واستغني عنه بالمجان ليرحل لليوفنتوس حيث صقلوا موهبته ونجح معهم في الفوز بعدة بطولات محلية والظهور بشكل جيد أوروبيا.. كما كان ضمن كتيبة المنتخب الفرنسي الذي خسر نهائي اليورو الماضي أمام البرتغال، والآن جاء مانشيستر يونايتد بضغط من مدربه الجديد البرتغالي مورينيو وتفاوض مع النادي الإيطالي والذي كان يريد تعويض مبلغ ال94 مليون يورو الذي دفعه للتعاقد مع الأرجنتيني هيجوايين من نابولي، وكانت النتيجة أن أصبح بوجبا هو الأغلي في التاريخ.. بل وحصل مينو رايولا مدير على " سمسرة " وصلت لنحو 20 مليون دولار كاملة.
ولكن السؤال الآن: بخلاف هذا المبلغ الذي سيحصل عليه الفريق الإيطالي .. ماذا عن نصيب بوجبا نفسه ؟
حسب الصفقة فاللاعب الفرنسي الذي لا يتعدي عمره 23 عاما سيبلغ الدخل الأسبوعي له 230 ألف يورو، وبالتالي لو قمنا بتحويلها بالجنيه المصري – حسب السعر الرسمي - نحو 2 ملايين و300 ألف جنيه، أي نحو 343 ألف جنيه يومياً، ولو قلنا إنه سيلعب – حسب نظام البطولات الإنجليزية - متوسط مبارتين اسبوعياً.. أي 180 دقيقة، فهذا يعني بشكل آخر أن دقيقته في المباراة الرسمية تساوي ألف و280 يورو، وهذه الأرقام تطرح أسئلة أكثر مما تفتح الطريق أمام إجابات..
فمثلاً .. بوجبا ليس وجهاً إعلانياً سيعود بأرباح طائلة علي ناديه مثلما هو الحال للبرتغالي كريستيانو رونالدو والذي دفع فيه ريال مدريد 80 مليون يورو إلى مانشيستر يونايتد ولكنه جنى من وراءه ضعف هذا المبلغ على الأقل، والحال نفسه لزميله الويلزي جاريث بيل والذي تعدت صفقته ال106 ملايين يورو، فهل سيحقق بوجبا عائداً إقتصادياً لناديه – بعيداً عن قيمته كلاعب موهوب – يعوض المبلغ المدفوع في التعاقد معه ؟
ففي الموسم الماضي كان بوجبا ثامن أكثر اللاعبين بيعًا للقمصان التي تحمل اسمه وتحديدًا 667 ألف قميص ليوفنتوس .. ولكن الرقم القياسى مسجل باسم النجم الأرجنتينى ليونيل ميسي في صفوف برشلونة وتم بيع نحو 2 مليون قميص يحمل اسمه في عام واحد، وبالتالي لو أراد برشلونة بيع ميسي .. كم سيطلب؟.. كما أن بوجبا لا شك أنه موهوب.. فهو يلعب في مركز وسط الملعب، ويتميز بقدراته ومهاراته في المراوغة، والتحكم في الكرة، والتسديدات القوية بكلتا القدمين من مسافات مختلفة، يساعده في ذلك لياقة بدنية وجهد كبيران طيلة المباراة، ولكنه لا يصل أبدا لمستوى رونالدو وميسي وبيل وسورايز ونيمار، ولم يصل حتى الآن لما يجعله ضمن المرشحين للفوز بجائزة الكرة الذهبية على سبيل المثال. ومن أطرف التعليقات علي الصفقة بعض التقارير التي نشرتها الصحف العالمية حول ما كان يمكن لفريق مانشيستر يونايتد فعله بالمبلغ الذي دفعه للتعاقد مع بوجبا.. مثلاً كان يمكنه أن يتعاقد بنفس المبلغ مع فريق بأكمله يضم 11 لاعباً موهوبين أمثال الحارس مانداندا والمدافعين داني ألفيس وجيريرو والمهاجمين ديمبلي والبرتغالي ناني ونجمنا محمد صلاح والإسباني خيسي والفرنسي بن عرفة، أيضا حسب صحيفة ليكيب الفرنسية.. يمكن شراء بقيمة صفقة انتقال بوجبا طائرتا إيرباصA320، تبلغ قيمة الواحدة 60 مليون يورو تقريبًا، أو 4 قطارات فرنسية من نوعية القطارات فائقة السرعةTGV ، أو 50 سيارة فاخرة من طراز بوجاتي شيرون، أو 450 سيارة فيراري من طرازGTC4 Lusso ، أو 1231 سيارة بورش من فئة كاريرا 911 ، أو 7142 سيارة رينو كليو.
وقيمة انتقال بوجبا تعادل تقريبًا 5 أضعاف ميزانية نادي أنجيه صاحب المركز التاسع في الدوري الفرنسي الموسم الماضي.. وهي قيمة استئجار الجناج الملكي في فندق ريتز الشهير بالعاصمة الفرنسية باريس لمدة 38 عامًا، ورغم أن متوسط الأجور في فرنسا مرتفع.. ولكن العامل الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور في فرنسا عليه أن يعمل ما يقارب 8692 عامًا حتى يجمع 120 مليون يورو، كما يمكن بهذه القيمة إنتاج ما يقرب من 35 فيلما هندياً.. ودفع أجور كل لاعبى فريق ساسولو الإيطالي لأكثر من 4 سنوات، أو شراء ما يزيد عن 84 ألف فراش نوم من أجود الأنواع العالمية والتى تصنع خصيصا للملوك فقط، مع فترة ضمان لعشر سنوات.
أيضاً ما يثير الدهشة أن اللاعب ترك فريقاً حاشداً بالنجوم ويحتكر الألقاب المحلية في إيطاليا ويحقق نتائج جيدة في دوري أبطال أوروبا.. وعاد لفريق تخلى عنه بالمجان قبل سنوات وقال إنه غير صالح للعب في أندية كبرى.. كما أن الفريق ليس في أفضل حالاته ولم يعد ضمن الأربعة الكبار في إنجلترا.. كما أنه لن يشارك في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، فهل فقط سحر موريينو وانضمام السويدي إبراهيموفيتش كان كافياً لإقناعه بالعودة؟
عموماً .. هناك إجماع كامل بين عشرات النجوم الكبار حول العالم بعدم وجود أي لاعب في العالم يستحق أن تدفع فيه الأندية أكثر من 40 مليون دولار.. ولكن المنافسة الشديدة ودخول رجال الأعمال والسماسرة لعالم الكرة جعل المسألة أشبه بالمزاد.. والمتفوق حالياً من يدفع أكثر، خاصة وأن بعض رجال الأعمال – خصوصاً العرب – مدعومين من بلدانهم بشكل سخي.. فلولا أن قطر مثلاً تقف وراء باريس سان جيرمان الفرنسي ما استطاع انفاق كل هذه المبالغ الضخمة للتعاقد مع لاعبين، أيضاً المكاسب الكبيرة التى تحققها الأندية من وراء المستثمرين والرعاة والنقل التلفزيوني والإعلانات.. جعلت اللاعبين يتساءلون عن نصيبهم، فمثلاً .. الملاك الأمريكيون لنادي مانشيستر يونايتد ليسوا مجانين لدفع كل هذه الملايين وهم يخسرون.. والعجيب أن النادي رغم أنه لم يفز باللقب في الموسم الماضي ولن يشارك في دوري أبطال أوروبا ولكن أرباحه في موسم 2015 بلغت 518 مليون يورو بدون احتساب صفقات اللاعبين.. كما أن الشراكة بين شركة أديداس الرياضية ومانشستر يونايتد تعتبر الأغلى فى العالم بقيمة 940 مليون يورو على 10 سنوات.. ويمكن أن ترتفع مع قدوم الفرنسي الذى ترعاه الشركة نفسها ، وهو مبلغ باختصار يمكنه أن يصبح ميزانية دولة فقيرة في أفريقيا.
ولمن لا يتابعون أخبار بول بوجبا.. هو لاعب فرنسي من أصول غينية وبدأ مسيرة احترافه موسم 2011/2012 مع نادي "مانشستر يونايتد" الإنجليزي حيث لعب للفريق الأول سبع مباريات، لكن عدم اعتماد مدرب الفريق فيرجسون عليه أتاح له الانتقال إلى نادي "يوفنتوس" نهاية العام 2012 وتألق في صفوفه، بعد أن لعب له 124 مباراة حتى منتصف العام 2016، سجل خلالها 28 هدفا.
وشارك بول بوجبا منذ عام 2009 في مختلف الفئات العمرية للمنتخب الفرنسي، وقاد منتخب الشباب لأقل من 20 عاما إلى الفوز ببطولة كأس العالم في تركيا عام 2013 لأول مرة في تاريخ فرنسا، وفي 22 مارس 2013 لعب بوجبا أول مباراة له مع المنتخب الأول أمام جورجيا، وأصبح بعد ذلك لاعبا أساسيا في المنتخب، وشارك معه في نهائيات كأس العالم 2014 بالبرازيل، التي خرج فيها المنتخب من دور الربع النهائي أمام ألمانيا كما لعب معه في كأس الأمم الأوروبية يورو 2016 ، ورغم صغر سنه توج بول بوجبا بلقب الدوري الإيطالي أربع مرات مع نادي "يوفنتوس" أعوام 2012 و2013 و2014 و2015، وكأس إيطاليا عامي 2015 و2016 وكأس السوبر الإيطالي عامي 2012 و2013، كما حصل على جائزة "الفتى الذهبي" أفضل لاعب شاب في أوروبا عام 2013، وأختير أحسن لاعب في بطولة العالم للشباب عام 2013 ، وأختير في صيف العام 2014 كأفضل لاعب شاب بكأس العالم في البرازيل.