استطاع دار بن لقمان أن يصمد فى مكانه طوال عشرة قرون ، فقد شهد هذا الدار ميلاد المنصورة ونهاية أكبر عدوان على مصر والشرق فى التاريخ ، وبين أركانه أسر المصريون لويس التاسع قائد الحملة الصليبية السابعة حيث تم سجنه فيه فترة حتى افتدى نفسه . تصوير : محمد لطفى
قالوا عنه مؤخرا أنه تعرض للإهمال بتحويل جزء منه لقاعة أفراح ، فذهبنا لنعرف الحقيقة وكانت المفاجأة أن الدار قد تم ترميمه ولايزال يحظى بمكانة عالية بين أهالى المدينة وقد تم تحويله لمتحف قومى ويزوره سكان المنصورة لمعرفة أهم حكاية فى تاريخهم .. التفاصيل فى السطور التالية .. الدار عبارة عن مبنى صغير فوق بابه العتيق توجد عبارة مكتوبة بخط عربى جميل تقول " دار بن لقمان هنا أسر لويس التاسع فى الفترة من 2 محرم إلى 3 صفر سنة 648 هجرية الموافق 7 أبريل إلى 7 مايو سنة 1250 ميلادية بعد عدة معارك أراد بها أن يمد عدوانه إلى مصر فقوبل بمقاومة باسلة حددت نهاية هذا العدوان وحررت هذه المنطقة من حملاته ولا تزال الدار محتفظة بكيانها من الدخل حيث السقف الخشبى المكون من عروق النخيل والمشاعل المضيئة كما توجد ساحة صغيرة وسلم خشبى للصعود للدور الثانى المكون من غرفة واحدة صغيرة بها كرسى كبير وكنبة وخزينة أشبه بالشباك كما تحوى أيضا تمثال يجسد لويس التاسع وهو جالس فى حالة حزن . وعلى مايبدو أن هذا هو الجزء الوحيد المتبقى من الدار أما الجزء الثانى فقد تعرض للهدم وأقيم مكانه صالة على الطراز الحديث لعرض متعلقات الحملة الصليبية الأخيرة على مصر وتحكى الحدوتة بشكل طريف للزوار . أول ما يلفت الإنتباه فى هذه الصالة الخطاب الذى وجهه لويس التاسع إلى الملك نجم الدين أيوب حيث حذره فيها من جيوشه القادمة فى هذه الفترة حيث يقول بكل غطرسة : أما بعد فإنه لم يخف عنك أنى أمين الأمة العيسوية ( نسبة إلى عيسى عليه السلام ) كما أنى أقول أنك أمين الأمة المحمدية ، وأنى غير خاف عنك أن أهل جزائر الأندلس يحملون إلينا الأموال والهدايا ونحن نسوقهم سوق البقر ، ونقتل منهم الرجال ونرمل النساء ونستأثر البنات والصبيان ونخلى منهم الديار وقد أبدينا لك ما فيه الكفاية ، وبذلك لك النصح إلى النهاية ، فلو حلفت لى بكل الإيمان ودخلت على القساوسة والرهبان وحملت قدامى السمع طاعة للصلبان ، ما ردنى ذلك عن الوصول اليك وقتالك فى أعز البقاع عليك ، فإذا كانت البلاد لى فيا هدية حصلت فى يدى وإن كانت البلاد لك والغلبة عليك فيدك العليا ممتدة إلى وقت عرفتك وحذرتك من عساكر قد حضرت فى طاعتى تملأ السهل وعددهم كعدد الحصى وهم مرسلون إليك " . وكان رد المصريين على خطاب لويس التاسع ملك فرنسا كالتالى : أما بعد فقد وصل كتابك وأنت تهدد فيه بكثرة جيوشك وعدد أبطالك ضمن أرباب السيوف .. وما قتل من قرن إلا جددناه ولا بغى علينا باغ إلا دمرناه وفتحنا منكم الحصون والسواحل و الديار الآواخر والأوائل لكان لك أن تقضى على أنا ملك بالندم ولابد أن تزل بك القدم فى يوم أوله لنا وآخره عليك فهناك تسىء بك الظنون وسيعلم الذين ظلموا إلى أى منقلب ينقلبون فإذا قرأت لى هذا فكن فيه على أول سورة النحل " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " ، وكن على آخر سورة ص " قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين " ثم تعود إلى قول الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " ، وإلى قول الحكماء " إن الباغى له مصرع وبغيك مصرعك وإلى البلاد يقلبك .. والسلام " . كما يوجد عدد كبير من اللوحات الزيتية المرسومة التى تنقل الزائر الى عام 1250 ميلادية فاللوحات تسجل معركة المصريين ضد قوات لويس التاسع بالمنصورة ، منها لوحة يظهر فيها لويس وهو ماشى فى شوارع المدينة أسيرا ذليلا مقيدا بالسلاسل بعد أن تم القبض عليه ، ومن محتويات الدار أيضا عدد من الخوزات التى احتفظ بها الدار طوال هذه القرون الى جانت عدد من السيوف الفرنسية والسيوف المصرية وبعض الخناجر والسكاكين المصنوعة من الصلب وذات مقلبض خشبية . ربما لهذه الأسباب تكثر زيارة دار بن لقمان حيث صادفنا عددا من الزوار من أهل المنصورة ، حمادة السيد (23 سنة ) ليسانس آداب لغة فرنسية يقول : التاريخ دائما جذاب وجميل وفى هذا المكان نحن نتعرف على فترة مهمة من تاريخنا وكيف استطعنا أن نتحدى وننتصر وهذه الدار هو عبارة عن متحف قومى للمدينة وهو حاجة أثرية والزيارة لها بصراحة ممتعة جدا يعنى الحكاية مثل المتحف المصرى وأى شىء عن التاريخ القديم أكيد يكون من المهم معرفته . أما رامى السيد (24 سنة ) طالب بكلية الفنون الجميلة ، فيقول : طبيعة دراستى تفرض على زيارة مثل هذ الأماكن ، وعلى كل حال أغلب أهالى المنصورة يعتزون بزيارة هذا المكان خصوصا مع الأولاد والشباب لرؤية التاريخ فى هذه اللوحات الجميلة .