قبل أن أكتب فيلمي الأول ظللت لفترات طويلة أراجع كل الأفلام المصرية التي حققت نجاحا جماهيريا و يفضلها الناس بل إنهم يحفظون مقاطع من حواراتها , واكتشفت أن معظم هذه الأفلام متشابهة بالرغم من اختلاف القصص و المؤلفين (علي رأي اللمبي عندما مر به مشهد لعبد الحليم و زبيدة ثروت فنظر لهما ثم قال لفيحاء : عملوا 200 قصة مع بعض) . ليست القصة واحدة بالطبع و لكن هناك دائما خلطة ثابتة تشبه خلطة كنتاكي , تلك الخلطة التي إن خاطرت بالتجديد فيها فستتحول إلي مكان شبه مهجور مثل الطازج أو ثقيل الدم مثل تكا , مع احترامي لهما فهما في غاية النظافة و الرقي لكن ينقصهما التحابيش والشطشطة التي يلهث خلفها الناس , خلطة الأفلام المصرية نشأ بينها و بين المشاهد نوع من الألفة جعلته مدمنا لها دون أن يتوقف لمجرد التفكير فيها , تلك الخلطة التي خلفها دائما سيناريست نظرته للشخصيات الثانوية في المحتمع ثابتة لا تتغير , فالمنحرفة مدخنة بالطبع ويفضل أن تكون مدخنة بمبسم ( علي أساس أن المبسم حاجة مثيرة ), والمأذون لا يتحدث إلا بالعربية الفصحي ( وأين العروس إن شاء الله؟ ) فصحي كوميدية تجعله دائما ( نصف عبيط ), والجزار دائما مستبد , ورجل الأعمال لا يدخن سوي السيجار و كذلك زعيم العصابة ( حاول أن تستخرج 18 فرقا بين الشخصيتين ), و المدرس ضعيف الشخصية وعلي عجلة من أمره في الدرس الخصوصي ليلحق بدرس آخر , والموظف روتيني ومتكاسل , ومدير أعمال الراقصة شاذ جنسيا , والبواب نوبي أما الصعيدي فهو مغفل , والدجال يتحدث بلغة غير مفهومة والميكانيكي دائم التلطيش في صبيانه وهو في حاجة طوال الوقت ل ( مفتاح 18), السمسار نصاب والبارمان رجل وقور والمجذوب رجل حكيم والعمدة رجل ثري و مفتري والسكران رجل خفيف الدم ( مبسوط شوية ) أما المحامي فهو دائما ( حاضر مع المتهم ) أما الشيطان فلابد من اسناد دوره لنجم كبير , سيناريست لابد أن يضع في الأفلام الاجتماعية المشهد الذي تزن فيه البطلة بإلحاح علي البطل طالبة الطلاق , فيضطر البطل تحت هذا الضغط أن يقولها صريحة ( طيب انتي طالق ), فتنهار البطلة و تبدأ في البكاء بحرقة , وهي وجهة نظر درامية مستقاة من حدوتة آدم وحواء عندما زنت حواء علي مسألة أكل التفاحة حتي انهارت الحياة الجميلة التي كانا يعيشانها في الجنة , وكانت أول كلمة قالها آدم لحواء بعد أن خرجا من الجنة هي نفسها الكلمة التي يقولها البطل للبطلة بعد أن خرب بيتهم وهي كلمة ( استريحتي ؟ ). سيناريست لا يشعر براحة ضميره المهني إلا إذا جعل فقدان البطل لصوابه مبررا دراميا حيث يصاب البطل بالسعار الجنسي عندما يري الشغالة ( وهي بتمسح الأرض أو بتمسح قدام الشقة ), أو عندما يراها نائمة علي بطنها وقد انزلق الغطاء من عليها وارتفع فستانها إلي منتصف جسدها , أو عندما يراها جالسة علي طشت الغسيل و قد ابتلت ملابسها تماما حتي التصقت بجسدها , أو عندما يراها وخلاص . سيناريست من ثوابته المشهد الذي يطلب فيه البطل من البطلة أنه ( مابلاش حضرتك دي او مابلاش يا أفندم .. قولي لي يا مجدي علي طول ), فتبتسم البطلة بخجل و تبدأ جملتها التالية ب ( اصل حضرتك او أصل يا افندم ), فيكرر البطل طلبه فتكرر البطلة ابتسامتها فيصبح هذا المشهد بداية سقوط الحواجز بينهما بالسهولة نفسها التي سقطت بها لويزا في ( الناصر صلاح الدين ) أو سقطت بها ( العباية ) في ( محامي خلع ). وهناك أيضا الحوار الكلاسيكي الذي يبدأ بجملة ( أنا عامل لك مفاجأة ) وينتهي بالحكمة البليغة ( لو قلت لك مش هتبقي مفاجأة ), سيناريست يجعل مصدر الصراع الدرامي ( العصابة , زوجة الأب الخائنة , الحقيبة التي تم استبدالها بطريق الخطأ , الشبه بين البطل وزعيم العصابة أو مجرم خطير أو شخصية عامة , الكمبيالات التي قارب موعد استحقاقها , الصور أو شريط الكاسيت او الفيديو التي تدين شخصا ما , الألماظة المفقودة , العثور علي خريطة الكنز , حول العلاقات العاطفية أو دراما الحب من أربعة أطراف , شهوة الانتقام , الحصول علي ميكروفيلم أو السي دي التي تضم معلومات مهمة عمرنا ما عرفنا هي ايه بالضبط؟ ) , ويجعل المطر حليفا للدراما , فتري السماء ( التي يلعب دورها خراطيم المطافيء ) تمطر عندما يتلقي البطل صدمة عاطفية أو عندما تقود البطلة سيارتها بعد اكتشاف خيانة زوجها أو عندما يموت شخص عزيز علي الفيلم أو عندما يفقد البطل إيمانه أو في اللحظة التي تحبس فيها البطلة البطل في البلكونة أو في مشهد الولادة المتعسرة أو في مشهد ترك طفل الخطيئة أمام باب الملجأ , و يجعل التدخين بطلا دراميا ودليلا علي استغراق البطل في التفكير ( غالبا أزمة عاطفية ) أو مروره بمشكلة ضخمة ( شكله عامل عملة ) أو أثناء وضع خطة سرقة البنك مع العصابة أو لشعوره بالملل ( من النادر أن تجد بطلا يدخن سيجارة بعد الأكل عادي ). ثوابت كثيرة تشكل الخلطة التي نجحت بها الأفلام المصرية , لكنني عندما قمت بكتابة فيلم ( طير أنت ) قررت أن أتخلص من كل هذه الثوابت في خطوة جريئة قد تهدد مستقبلي كله , لكن و الحمد لله نجح الفيلم بشكل ساحق فآمنت أن الناس قد ملت هذه الخلطة الثابتة , المشكلة الوحيدة بس إنه من ساعة الفيلم ده ما نزل وماحدش عايز يشتري مني أفلام تاني .