قصص النجاح كثيرة وأسبابها مختلفة , حتي الذين فشلوا في دراستهم يمكن أن ينجحوا , وقد كان الكاتب والشاعر كامل الشناوي يشير إلي أحد المسئولين الفاشلين ويقول إنه كنموذج يعتبره أهم واحد بين زملائه , لأنه يعطي كل أم أنجبت ابنا تصورته فاشلا ألا تيأس من رحمة الله ومن تصاريف القدر التي يمكن أن تقذف بابنها إلي أعلي كما حدث مع هذا الشخص الذي كان يتحدث عنه كامل الشناوي سرا في ا وكثير من الذين يتحدثون عن النجاح يؤكدون علي ضرورة أن يضع الإنسان لنفسه هدفا يسعي إليه .. وقد يكون ذلك صحيحا ولكن ليس في جميع الأحوال .. فأشهر أثري في العالم وهو الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار في مصر ظل حتي تخرج في الجامعة وهو لايفكر في الآثار .. كان زاهي وهو من مواليد دمياط (28 مايو 1947) يتمني أن يلتحق بكلية الحقوق ويصبح محاميا , وبالفعل نجح في تحقيق حلمه ودخل الحقوق ولكنه بعد شهر واحد كره الكتب التي اشتراها فلم يدخل دماغه شيء منها , ورمي الكتب وجري يبحث عن كلية أخري بعد بدء الموسم الدراسي فلم يجد سوي كلية آداب الإسكندرية .. ولم يجد سوي قسم الآثار في الكلية الذي به أماكن خالية فالتحق به .. وتخرج زاهي في سنة الهزيمة عام 1967 وكانت الدولة في ذلك الوقت ملتزمة بتعيين الخريجين فعينته بمصلحة الآثار .. ويحكي زاهي أنه ذهب إلي المصلحة فوجد العاملين كل منهم يقدم شكوي في زميله .. وأبلغه مدير الآثار أنه عينه في الحفائر بالصعيد فثار زاهي وغضب , فالوظيفة تعني مكتبا وجرسا يدوسه فيهرول إليه الساعي بفنجان القهوة . أما أن يركع علي الأرض ويلطخ ثيابه في التراب ويتنقل في الصحراء فهذه إهانة . ولأنه لم يكن أمامه إلا خيار قبول ماهو معروض أو مع السلامة وشوف مصلحتك فقد قبل زاهي الموقف متضررا خاصة وأنه لم يكن يستند علي واسطة أو شخصية كبيرة تجعله يركب الأسانسير . إلي أن جاء يوم طلب إليه فيه أن يقوم بتنظيف أحد التماثيل المصرية القديمة في مقبرة مكتشفة منذ سنوات . ويحكي زاهي أنه عندما نزل المقبرة لأول مرة شم رائحة الحياة والتاريخ والمجد . وعندما احتضن التمثال المطلوب منه تنظيفه وأمسك بالفرشاة وراح ينظف التمثال وكانت أول مرة يمسك فيها بتمثال , أحس بحب جارف له , وقد راح يتأمل كل قطعة ينزاح عنها التراب الذي أزاله ويعجب بنفسه كإنسان ينتمي إلي تاريخ الفنان الذي صنع هذا التمثال . وكانت لحظة فارقة في حياته اكتشف فيها حبه الذي كان يبحث عنه , ومنذ ذلك اليوم أعطي حياته لعمله الذي نجح فيه نجاحا لم يسبقه إليه أحد واصبح من الرموز المشهورة في العالم واختارته مجلة ' تايم ' الأمريكية بين أهم 100 شخصية في العالم . وقد اشتهر بقبعته التي سجلها وتولت إحدي الشركات تصنيعها وبيعها وهي موقعة باسمه من الداخل , وقد بلغت حصيلة بيع القبعة مئات الآلاف من الدولارات خصصها للمشروعات العلمية والمتحفية . وقد التقي زاهي حواس بكبار شخصيات العالم الذين كان يصحبهم إلي الهرم وتوت عنخ آمون , ولكنه يقول إن أجمل من قابلها كانت الأميرة ديانا ويقول إن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عندما زار مصر بعد خروجه من الرئاسة صحبه حواس إلي الهرم ودار الحديث حول نفق أثري أحاطت من نزله حكايات مختلفة عن لعنة الفراعنة , وكان رد كلينتون أنه لو نزل هذا النفق مااصابته اللعنة التي واجهته ! وكان يقصد بالطبع حكايته المعروفة مع مونيكا لوينسكي في البيت الأبيض وماجري له من جراء هذه العلاقة التي عرضته لمحاكمة كان سيدفع منصبه وتاريخه ثمنا لها ! ولكن المثير في زاهي حواس أنه لايكتفي بزيارة مناطق الآثار وتتبع كل جديد فيها وإنما كتابة الكتب التي وصلت إلي عشرة كتب وكتابة المقالات الأسبوعية في صحيفتي الأهرام والشرق الأوسط والقاء المحاضرات في مختلف الدول . هذا رجل لم يكن يعرف الآثار حتي يحبها فلما عرفها عشقها ونجح , والمعني أن النجاح الحقيقي أن تحب عملك حتي لو لم تخطط له ! وقصص حب الناجحين لأعمالهم كثيرة لكنني أحب في هذه المناسبة أن أشير إلي قصة فاروق إبراهيم المصور العظيم الذي رحل عنا في الشهر الماضي , وقد عشق فاروق الكاميرا إلي درجة أنها لم تكن تفارقه رغم انه يحمل مع الكاميرا حقيبة كبيرة كانت قبل اختراع الكاميرا الرقمية تضم بطاريات الفلاش والأفلام الضرورية للتصوير والتي كانت 36 صورة إلي جانب معدات أخري ثقيلة كان فاروق يحملها دوما علي كتفه دون شكوي , وحتي آخر أيامه ظل فاروق يمارس عمله كأصغر مصور رغم أن كاميرته صورت العظماء والمشهورين من رؤساء مصر إلي كبار نجومها وشخصياتها الأدبية والفنية والرياضية وكان لعبد الحليم حافظ وحده في أرشيفه 35 ألف صورة سجلها له في كل الأماكن التي ذهب إليها عبد الحليم فقد اختاره عبد الحليم ليسجل مشواره مصورا وكذلك اختارته أم كلثوم ليرافقها في جميع رحلاتها إلي الخارج ويكون العين الفنانة التي تسجل حفلاتها وأسفارها ذلك أنهما اكتشفا فيه الفنان المرهف الذي يعرف كيف يسبق الزمن وهو يسجل اللقطة ليس لأنه يعرف كيف يصور ولكن لأنه يحب عمله فأحبه عمله الذي ظل يمارسه حتي آخر لقطة في فيلم حياته !