حالة من القلق الشديد ذهبنا بها إلى الدكتور جمال عصمت، نائب رئيس جامعة القاهرة خبير منظمة الصحة العالمية وهو المسئول عن أبحاث اللجنة القومية المصرية لمكافحة الفيروسات الكبدية.. القلق منبعه انتشار فيروس سي بشكل كبير في مصر الفترة الحالية وخاصة بين الشباب.. وحدوث مشاكل كثيرة بسببه تقريبا في كل بيت مصري، ولكن المفاجأة أن الدكتور جمال عصمت بدد هذا القلق وحوله لحالة من الاطمئنان من أن المسألة ليست سوداء كما نتصور فضلا عن كشفه خبايا كثيرة تغيب عن الكثيرين حول هذا المرض.. فضلا عن بساطة علاجه أو حتى التعايش معه دون مشاكل. الدكتور جمال عصمت : - كونك مصابا بفيروس "سي" لا يعني أنك "خلاص هتموت" - تبادل الشباب للأغراض الشخصية وفقا لمبدأ "ده صاحبي" هو السبب في انتشار الفيروس بينهم - فيروس سي من الفيروسات الضعيفة جدا وقد يظل في الجسم حتى 30 عاما دون أن يحدث مشاكل حوار – هشام المياني: تصوير – محمد عبد المجيد: · لدينا قلق كبير كشباب من انتشار فيروس "سي" بين الشباب وصغار السن وفي الحضر والمدن وليس كما كان في الماضي بالريف أو كبار السن فقط.. ما الأسباب التي أدت لذلك رغم تقدم العلم؟ - الحقائق تقول إن مصر من أكثر البلاد المنتشر فيها فيروس "سي"، والرجال أكثر إصابة به من النساء، والريف أكثر من الحضر، وكبار السن أكثر إصابة من صغار السن أو الشباب، هذه هي الحقائق. - الانتشار زاد جدا في الفترة ما بين 1940 إلى 1980 حينما كنا نستخدم علاج البلهارسيا بحقن زجاجية كان يحقن بها أكثر من مريض وهذه الحقن كان لا يتم تعقيمها جيدا ولم تكن ظهرت الحقن البلاستيكية التي تستخدم مرة واحدة وترمى، ومن ثم تسبب في انتشار فيروس سي بشكل كبير في المناطق التي كان منتشرا بها مرض البلهارسيا أما المناطق التي لم يكن فيها بلهارسيا مثل مرسى مطروح أو سيناء أو الوادي الجديد فلم ينتشر فيها فيروس سي. · ولكن نحن أوقفنا علاج البلهارسيا بالحقن الزجاجية في الثمانينات، فلماذا انتشر فيروس سي أكثر هذه الأيام؟ - حينما تم وقف الحقن الزجاجية لعلاج البلهارسيا كان لدينا عدد كبير من المصابين بفيروس سي، وانتقل المرض لآخرين عبر أدوات الحلاقة أو أدوات أطباء الأسنان أو أطباء الجراحة أو الوشم إذا لم يتم تعقيم هذه الأدوات جيدا، كما أن هناك مشكلة خاصة بالشباب وهي أن الأصدقاء مع بعضهم البعض يتبادلون الملابس أو الأدوات الشخصية مثل فرشاة الأسنان أو أدوات الحلاقة بقولهم "إن ده صاحبي"، وهنا تكمن المشكلة، فصديقك قد يكون مصابا بفيروس سي من سنوات طويلة دون أن تظهر عليه أعراض المرض، وهذه هي المشكلة، إن الفيروس لا تظهر أعراضه إلا في المراحل المتأخرة جدا وبعد سنوات طويلة ووقتها يكون همنا معالجة الكبد وليس معالجة الفيروس نفسه لأن المسألة تكون تخطت الفيروس لمشاكل أكبر بالكبد. · ولكن يبقى السؤال.. لماذا نكتشف حالات إصابة كثيرة بالفيروس حاليا وخاصة عند الشباب وصغار السن؟ - لأن وسائل الاكتشاف تحسنت والتحاليل أصبحت متقدمة وأقوى، والوعي زاد والناس تذهب من نفسها للاطمئنان وإجراء تحاليل بشكل دوري، ولأننا أدخلنا التحاليل في أماكن كثيرة لم تكن موجودة فيها من قبل، فأي شاب يتم تجنيده حاليا يجرى له تحاليل الكشف عن فيروس سي ومعالجته قبل التجنيد، وأيضا دخلت التحاليل للجامعات، من ثم زاد اكتشافنا للحالات ونشعر أنها كثيرة، ولكن هذه ميزة لأننا نكتشف الحالات مبكرا قبل أن تحدث مضاعفات ومن ثم يسهل علاجها. · ما حقيقة أن عدم اكتشاف الفيروس مبكرا يكون من أهم مسببات السرطان للكبد؟ - كي نكون واضحين ففيروس سي من الفيروسات الضعيفة جدا ويظل في الجسم حتى 30 عاما دون أن يحدث مشاكل، والمفاجأة أنه علميا ثبت أن 20 % فقط ممن لديهم فيروس سي هم الذين يعانون من مشاكل منه وبعد مرور ما لا يقل عن 20 عاما من الإصابة به و80 % لا يحدث لهم أية مشاكل، ولكننا مع هذا نشعر بوجود أزمة فيروس سي في مصر لأن المصابين به في بلادنا بالملايين ومن ثم فنسبة 20 % منهم معناها رقم ضخم جدا، لكن الخلاصة التي نريد التأكيد عليها أن "مش كل اللي عنده فيروس سي هيموت منه أو هيعاني من مشاكل بسببه". · ولكن ما هي العوامل التي تجعل الفيروس يتطور ويحدث مشاكل عند بعض الناس دون غيرهم؟ - هذه العوامل تتمثل في التدخين الشره والسمنة المفرطة والسكر غير المنضبط والتلوث البيئي والدهون العالية على الكبد وهناك عوامل لم يتوصل إليها العلم بعد، ولكن ما ثبت حتى الآن أن المصاب بفيروس سي ويريد أن يعيش به دون أن يتطور أو دون مشاكل لابد أن يبعد عن هذه العوامل التي ذكرناها وتؤدي لتطور المرض، كما أن الإصابة بالفيروس مع بلهارسيا يضاعف المشاكل وأيضا الإصابة بفيروس بي مع فيروس سي يضاعف المشاكل. · الأخطر فيروس بي أم فيروس سي؟ - الأخطر هو بي ولكن الميزة أن له تطعيما للأطفال في الصغر ضد الإصابة به، وبدأنا التطعيمات ضده منذ 20 عاما فكل الشباب في سن 20 سنة فأصغر ليس لديهم إصابة به ومن ثم هذا الفيروس غير منتشر حاليا لأننا بدأنا التطعيمات ضده مبكرا. · ألم يتم التوصل إلى تطعيمات ضد فيروس سي حتى الآن؟ - على مستوى العالم لا توجد بوادر بأنه سيكون لدينا تطعيمات ضده على الأقل خلال السنوات الخمس القادمة. - · من خلال قراءتي علمت أن أزمتنا تتمثل في أن لدينا الجيل الرابع من فيروس سي والعالم ليس لديه هذا الجيل ومن ثم العقاقير العالمية لا تفيد مع النوع المنتشر لدينا.. فكيف تتعامل الدولة مع الأمر؟ - هذه ليست أزمة، ولكنه التزام على علماء وأساتذة الكبد في مصر بتركيز أبحاثهم على اكتشاف أدوية للسلالة الجينية الرابعة من فيروس سي ولا يعتمدون على الأبحاث الأجنبية التي أجريت على السلالات الأولى والثانية والثالثة، بالفعل ركز مجموعة من علماء الكبد في مصر أبحاثهم على السلالة الرابعة وبالفعل نشر 4 أبحاث أجريت على هذه السلالة واعتمدتهم الجمعية الأمريكية لدراسة الكبد في نوفمبر الماضي وهذا يوضح لك مدى تميز علماء الكبد في مصر واهتمامهم باكتشاف دواء للسلالة الموجودة في مصر من فيروس سي. · هل هذه الأبحاث نتج عنها أدوية بالفعل لحل مشاكل فيروس سي في مصر؟ - هذه الأبحاث يجري وفقا لها تطبيقات إكلينيكية أولا قبل إنتاج أدوية وفقا لها وتطبيقها على البشر، ولكن نحن بشكل عام حاليا ليس لدينا أزمة في أدوية فيروس سي، فنحن أدخلنا جميع الأدوية الأجنبية الملائمة للسلالة الموجودة لدينا بدءا من السوفالدي وغيره من الأدوية كما أن الجديد حاليا أن الأدوية الأجنبية لفيروس سي أصبح لها بدائل مصرية بنفس الفعالية وبأسعار أقل. · لو طلبنا منك تقديم روشتة علاج لأي شاب أو مصاب بفيروس سي فكم ستكلفه رحلة العلاج حتى يشفى تماما من هذا المرض؟ - أولا أوضح أن منظمة الصحة العالمية قالت إن مصر فعلت ما لم تقدر عليه أي دولة نامية أخرى في علاج فيروس سي، هذا المجهود يتمثل في أن مصر أتاحت علاج الفيروس مجانا إما عبر التأمين الصحي أو على نفقة الدولة، وأيضا استطعنا تخفيض ثمن هذه الأدوية، فالقرص منها كان يباع في أمريكا بألف دولار وفي مصر كان ب 10 دولارات فقط وبعد إنتاج مثيله المصري أصبح بدولارين فقط، ومن ثم ففي كل شهر هناك تخفيض في سعر دواء فيروس سي، وبناء عليه فمن أراد علاج نفسه سريعا على نفقته الخاصة بعيدا عن التأمين الصحي أو نفقة الدولة ولكن تحت إشراف طبي فتكلفة العلاج شهريا ألف جنيه ومع بداية عام 2016 تصبح التكلفة الشهرية 600 جنيه فقط ومدة العلاج 3 أشهر فقط أي أن تكلفة العلاج من فيروس سي لن تتخطى 3 آلاف جنيه، وبالطبع فمن لا يقدر على هذا المبلغ فالتأمين الصحي ونفقة الدولة يتيحان نفس العلاج مجانا، ولكن على الناس عدم القلق من انتظار دورهم في التأمين أو نفقة الدولة، فاكتشاف الإصابة ليس معناه أن المصاب "هيموت بكرة"، فالفيروس كما قلنا يظل حتى 30 عاما دون مشاكل، ومن ثم لا تقلق إذا تأخرت في صرف العلاج لشهر أو شهرين أو حتى ثلاثة أشهر، المهم البعد عن العوامل التي تؤدي لتطور المرض والتي ذكرناها سابقا. · حتى المصابون بالجيل الرابع منه لا خطورة من الانتظار لصرف الأدوية على نفقة الدولة؟ - لابد من توضيح أن الجيل الرابع من فيروس سي ليس معناه أن الجيل الأخطر من فيروس سي هو الجيل الثالث او السلالة الثالثة وهذه منتشرة في الهند وأفغانستان وليست في مصر الحمد لله، ولكن الجيل الرابع في مصر كانت مشكلته فقط أنه لا يستجيب للعلاج التقليدي بحقن الإنترفيرون أما حاليا فهو يستجيب للأدوية الحديثة التي أدخلناها في منظومة العلاج. · ما حقيقة أن وزارة الصحة لجأت للبدائل المصرية من أدوية فيروس سي لتوفير العملة الصعبة التي كانت تنفق على الدواء الأجنبي وأن الدواء المصري ليس بفاعلية الأجنبي؟ - هذا كلام غير حقيقي والدواء المصري مثل الأجنبي تماما والمادة الفعالة واحدة ونحن في اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية لا نعتمد أي دواء مصري أو أجنبي في منظومة علاج المصريين إلا بعد التأكد من فعاليته تماما. 0 0 0