كثيراً ما نسمع أن هناك حداً فاصلاً كالشعرة بين الثقة بالنفس والغرور ، لكننا لم نسمع من قبل أن هناك حداً آخراً يفصل بين رفض الذات وفقدان السعادة الذاتية أو عدم الاستقرار النفسي أو ضياع القدرة على النجاح أو حتى غياب التوافق بين الأزواج ! وقالوا قديماً أن الذي يريد أن يصلح شرخاً في الحائط ؛ لا يقوم بطلائه ؛ بل يبحث عن أصل الشرخ في عمق الجدار عندما يولد الإنسان تولد معه واحدة من أهم مهاراته الشخصية ؛ وهي ( مهارة الاكتشاف ) .. لكن الكثير من الناس يتوقف عند هذه المرحلة حتى آخر عمره . ونحن نرى كثير من الشباب ما بين العشرينيات أو الثلاثينيات توقفت مهاراتهم عند أعوامهم العشر الأولى ! وعلماء النفس يقولون أن العقل لا يعرف التوقف عن العمل أو الإنجاز ، فإذا أدخلت له مهارات النجاح ؛ ستصبح أنجح الناس .. وإذا أدخلت له مهارات الفشل ؛ ستصبح أيضاً ناجح .. لكن في الفشل . وهكذا فإن العقل إذا توقف عند مهارات محددة ، فإنه يتحول بشكل تدريجي إلى محاربة أي مهارة جديدة أو فكرة متطورة لا يعرفها . والحكمة تقول " الناس أعداء ما جهلوا ! ". في علم النفس وعلوم الاجتماع والتطوير المجتمعي يقولون أن الإنسان الناجح يمر بأربع مراحل خفية في ذاته ، تظهر لنا على شكل نتائج أو سلوكيات ، تتطور وتتأصل داخله على مدار الوقت ، تلك المراحل هي التي تكون إدراك الإنسان عن صورته الذاتية . و هي ( الاكتشاف – التقبل – التطوير – التقييم ) ، وهذه المراحل ليس لها عمر محدد ، لأننا نراهم في كل وقت بشكل متوازن واذا تحدثنا عنهم بالتفصيل سنجد الأتى. 1. الاكتشاف هذه المرحلة نراها بشكل أكبر وبوضوح في سن الطفولة ( اكتشاف الأشياء واللغات والحواس ...... وهكذا ) ، والمراهقة ( اكتشاف التطورات السيكولوجية والفسيولوجية والأفكار الجديدة ومواجهة المجتمع واكتشاف الحرية والخصوصية ) ، والشباب ( اكتشاف أعمق للأفكار والرغبات والجنس الآخر ) ، ومرحلة ( ما بعد الشباب أو النضج ) ويبدأ الإنسان فيها باكتشاف قيمة كل ما حوله من الأشياء والأشخاص ، ويكتشف حتى قيمة الذكريات . وهكذا فإن الإنسان لا يتوقف أبداً عن الاكتشاف في ذاته والعالم من حوله . 2. تقبل / رفض الذات مرحلة من أخطر ما يمر به الإنسان من تكوينه النفسى ، لأنه حينها سيقع في المواجهة والاختيار ؛ إما التقبل ( السلام ) أو الرفض ( الصراع ) ، وبكل بساطة ، إذا لم يتقبل الإنسان ذاته وشخصيته ؛ وقع معها في صراع دائم لا هدف منه ولا مغنم ، وسيخرج دائماً هو الخاسر الوحيد باستمرار فنحن ابدا لم نخلق فى صورة الكمال . إسم الله ( الحكيم و العادل والرزاق ) يكفيك هذا الصراع ، كيف ؟! دعني أخبرك كنت أقول دائماً : أن النقص هو عين الكمال ، والكمال هو عين النقص ! مثال : لو خلق الله الناس في هيئة كمال ، ما كانت هناك حياة أصلاً .. لكن ، خلقنا الله في هيئات نقص لسببين ؛ - إما أن تسعى لتكمل هذا النقص بنفسك ( حيث أعطاك الله كل القوة اللازمة لتستعين بها على ضعفك .. فقط ابحث عنها بالاستعانه بصاحبها .. وهو الله ) ، - أو أن يأتي أحد – كشريك الحياة أو الصديق – ليكمل لك هذا النقص بنفسه ( وهنا رزقك الله بإنسان تعيش معه ويكمل ضعفك ) . ويتجلى عندنا معنى الحكمة والعدل والرزق . عندما لا تقبل ذاتك ، فإنك تصبح شديد الحساسية تجاه رفض الآخرين لك .. عندما لا تقبل ذاتك ، فأنت لن تضر أحداً غير نفسك ، وسيصبح همك الوحيد هو إرضاء الآخرين فقط .. عندما لا تقبل ذاتك ، فلن ترى الجوانب الإيجابية التي تمنحك القوة للتغلب على ما لا ترضى فيك ! عندما لا تقبل ذاتك ، ستظل عند هذه المرحلة ، ولن تتجاوزها لتطوير نفسك .. عندما لا تقبل ذاتك ، لا تطلب من العالم إذا أن يتقبلك ! ## 3. التطوير كما أشرت مسبقاً أن تقبل الذات ما هو إلا بداية طريق إنجاز السعادة ، وعندما يتقبل الإنسان ذاته يصبح لديه متسع من الوقت والفكر والمجهود ليطور نفسه ويواجه أضعف الأركان في شخصيته ، ويدق بقوة وبثقة في عمق الجدار ، ولا يخاف الشروخ الظاهرة . والتطوير الذاتي نوعان هما : أ. التطوير ذهاباً السعادة ( وهذا هو النوع الإيجابي ) . ب. والتطويرهروباً من الألم ( وهذا هو النوع السلبي ) لذلك أنصحك بأن تجلس مع نفسك كثيرا لأنك حتما سترجع الى نقطة البداية التى بدأت منها عدم التقبل الذاتى وتسأل نفسك ما الذى احتاج أن أقوم بتطويره فى نفسى ولماذ وكيف أقوم به ثم تعرض اجاباتك على شخص حيادى أو متخصص فى الإرشاد الذاتى لتعيد إكتشاف نفسك من جديد. 4. التقييم قد يظن البعض أن التطوير هي آخر مرحلة في تقبل الذات ، لكن الحقيقة لو استمر الإنسان بتطوير ذاته دون تقييمها سيواجه عقبات واضطرابات سلوكية أكبر وأخطر من عدم قبول الذات ، مثل الغرور والتعالي وفقدان المرونة وعدم مواكبة المجتمع ........ الخ . تذكر أن التقييم الناجح يحتاج لأكثر من طرف يشهد عليه .. - قم بتقييم نفسك وأدائك مبدئياً ( قم بكتابته ولا تطلع عليه أحداً ) . - اختر إثنين أو ثلاثة من أصدقائك واسألهم عن تطورك الفترة السابقة . - اذهب لأحد المتخصصين في الإرشاد الذاتي واطرح عليه تقييمك وتطورك والجوانب الصعبة التي تواجهها . قبل أن تبدأ في تطوير نفسك ، تذكر : • (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) . - القرآن الكريم ( سورة الرعد : آية 11 ) . • إن الله يساعد هؤلاء اللذين يساعدون أنفسهم ! - إبراهام لينكولين . أراكُم بَينَ أسْطُرٍ قَادِمَة إِنْ شَاءَ الله . د . محمد مهدى أستاذ التحليل النفسى والإستشارات الزوجية