رئيس جامعة أسيوط يفتتح المعرض والحفل السنوي للأقسام العلمية بكلية التربية النوعية    البنوك تحقق أرباحا بقيمة 152.7 مليار جنيه خلال 3 أشهر    في أول هجوم نهارا.. إسرائيل تعلن إطلاق إيران صواريخ نحوها وتفعيل حالة التأهب في عدة مناطق    كريم رمزي: مروان عطية نجح في ايقاف خطورة ميسي    توقعات بتأثيرات سلبية على سلاسل الإمداد العالمية بسبب الضربات الإسرائيلية الإيرانية    محافظ المنيا عن امتحانات الثانوية العامة: اليوم الأول مر بلا شكاوى    دينا نبيل عثمان رئيسًا لقناة النيل الدولية Nile TV    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بسبب وفاة شقيقها: الله يرحمك يا روحي    دعاء دخول امتحان الثانوية العامة لراحة القلب وتيسير الإجابة    تجديد تعيين جيهان رمضان مديرا عاما للحسابات والموازنة بجامعة بنها    صحيفة أحوال المعلم 2025 برابط مباشر مع الخطوات    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    تأجيل نهائي كأس أمير الكويت لأجل غير مسمى بسبب أحداث المنطقة    محافظ الشرقية يستقبل أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق    المصرف المتحد الأفضل للحلول الاستثمارية في مصر خلال 2025    إحالة أوراق المتهم بخطف طفل وقتله لسرقة دراجته في الشرقية إلى المفتي    ضبط 4 أطنان سلع مجهولة المصدر في حملة تموينية مكبرة بمركز ومدينة بسيون    مدبولى: مخطط طرح أول المطارات المصرية للإدارة والتشغيل قبل نهاية العام الجاري    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    ما يقرب من 2 مليون.. تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "المشروع X"    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    تصعيد خطير بين إيران وإسرائيل.. دمار واسع ومخاوف من موجة هجمات جديدة    فيلم "شرق 12" يشارك في الدورة الثامنة من أيام القاهرة السينمائية    مكتبة الإسكندرية تطلق أحدث جوائزها للمبدعين الشباب    استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 508 آلاف طن قمح منذ بدء موسم 2025 بالمنيا    لطلبة الثانوية العامة.. تناول الأسماك على الغداء والبيض فى الفطار    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    بالأرقام.. كل ما قدمه أحمد زيزو في أول ظهور رسمي له بقميص الأهلي في مونديال الأندية    ماشى بميزان فى سيارته.. محافظ الدقهلية يستوقف سيارة أنابيب للتأكد من الوزن    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    شكوك حول مشاركة محمد فضل شاكر بحفل ختام مهرجان موازين.. أواخر يونيو    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    النواب يحذر من تنظيم مسيرات أو التوجه للمناطق الحدودية المصرية دون التنسيق المسبق    حزب العدل والمساواة يعقد اجتماعًا لاستطلاع الآراء بشأن الترشح الفردي لمجلس الشيوخ    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    محافظ أسيوط: استمرار حملات تطهير الترع لضمان وصول المياه إلى نهاياتها    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    انقلاب ميكروباص يقل 14 من مراقبي الثانوية العامة وإصابة 7 بسوهاج    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد الثاني من بؤونة بكنيسة العذراء والشهيدة مارينا بالعلمين (صور)    دراسة: لقاح كوفيد يحمى من تلف الكلى الشديد    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    أخر موعد للتقديم لرياض الأطفال بمحافظة القاهرة.. تفاصيل    التعليم العالى: المؤتمر ال17 لمعهد البحوث الطبية يناقش أحدث القضايا لدعم صحة المجتمع    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    تعرض مقر وزارة الدفاع الإيرانية في طهران لهجوم إسرائيلي    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    لافتة أبو تريكة تظهر في مدرجات ملعب مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من " الشباب " إلي الساخر العظيم محمود السعدني : شكراً !!
نشر في بوابة الشباب يوم 04 - 05 - 2012

" تصوروا كيف أصبح حالي عندما أخبرني الطبيب أنني صرت مريضا وعلي العبد لله أن يأكل بحساب ويشرب بحساب .. والطرشي ممنوع والمسبك ' رجس من عمل الشيطان' .. وقتها هتفت مثل الشاعر طرفة بن العبد : الآن .. باطن الأرض خير لنا من ظهرها ' ! ' .. هذه كانت كلمات للراحل محمود السعدني الذى يمر اليوم عامان علي وفاته ، وهذه الكلمات من مقال له بمجلة الشباب من 18 سنة .. وكأنه كان يلخص حاله بعدها ، وعلي مدي نحو 15 عاما في الفترة بين 1987 وحتي 2002 ظل الأستاذ السعدني من أهم كتاب مجلة الشباب وضيوفها الدائمين في ندوات كان حريصا علي أن يلتقي من خلالها بجيل تمني أن يفهمه ، وكانت البداية بالتحديد في عدد مارس 1987 بمقال' ألا ليت لا تعود' وكان التقدير الكبير لقيمة وموهبة هذا الكاتب الكبير واضحا لدرجة أنه في وجود كتاب كبار بالمجلة وقتها مثل أنيس منصور وصلاح منتصر ومصطفي محمو
بداية الأستاذ محمود السعدني الصحفية كانت في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي والتي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة وخلال ندوة حضرها بالمجلة في ديسمبر 1995 سأله قارئ اسمه إيهاب جريس عن مشواره الصحفي .. فرد قائلا ' بدأت في صحف كانت مأوي لعدد كبير من النصابين والأفاقين ويقول عن بدايته الصحفية ' من النظرة الأولي شعرت بمدي بؤس الصحفيين وفقرهم كان أول عمل لي في مجلة اسمها الضباب والتقيت فيها بالرجل الذي باع الترام كانوا ينصبون علي الخواجات والحكام وأصحاب النفوذ لدرجة أن أحد معاونيهم كان يقبض عليه ثم يتبرأون منه أمام البوليس وقبل ' صباح الخير ' كتبت مقالات وموضوعات تكفي باعة اللب والسوداني في إفريقيا وكانت بدايتي في صباح الخير من خلال باب ' هذا الرجل ' وأذكر أنه من ضمن الذين غضبوا من نقدي في هذا الباب الفنان يحيي شاهين الذي وصل الأمر به إلي رفع 7 دعاوي قضائية لأنني وصفته ب ' أبو كوفية ' !
وخلال حوار للمجلة معه نشر في مايو 2001 قال عن سبب عدم تكملة تعليمه بعد حصوله علي التوجيهية قال ' كنت أحترفت العمل الصحفي بالفعل وبالتالي لم أهتم بالحصول علي شهادة جامعية كما أنني كنت أثق في قدراتي الصحفية بشكل مثير للضحك كان أول موضوع كتبته في حياتي سنة 1944 عن حي الزمالك الذي كان وقتها ملكا للأجانب بالكامل في مجلة ' نداء الوطن ' التي كانت تصدرها المدرسة وكنت فخورا بجواهر الكلمات التي كتبتها لدرجة أنني تخيلت انسحاب الإنجليز من مصر بعد صدور المجلة بل وأقنعت زملائي بضرورة حفظ المقال لأنه سيكون السؤال الأول في امتحان مادة التربية القومية ! ورغم أن المجلة صدر منها 3 آلاف نسخة عرفت طريقها جميعا لمحلات الفول والطعمية فإنني اعتبرت نفسي من كبار الصحفيين في العالم العربي .. ومنذ تلك اللحظة حملت قلمي علي كتفي وسرحت في مكاتب الصحف وعملت في صحف لم يسمع عنها أحد مثل الحقيقة والأزهار والخبر وأغرب مجلة عملت بها كانت النيل مع طوغان وضياء الدين بيبرس وكان الشرط الوحيد للمحرر الذي يريد العمل فيها هو أن يشتري لنفسه مكتبا لأن شعارها ' العين بصيرة واليد قصيرة ' ولذلك اشتغلت بها لفترة واقفا فقط ! '
وعن أبرز ملامح حياته الخاصة قال في رده علي سؤال لقارئ اسمه سمير علي ' زمان كان عندنا جهاز راديو نستخدمه أحيانا كراديو وأحيانا كنبة بسبب حجمه الكبير .. وعندما كنا نريد إصلاحه كنا نأتي بالنجار وكنت أتصور أن بداخله أحدا يتكلم .. وبعد انتهاء إرساله تطفئ جميع البيوت أنوارها .. أما آلان في زمنكم فقد كنت منذ أيام جالسا في الرابعة صباحا في مقهي بالجيزة وحولي شباب يلعبون الكرة .. هذا عالم تاني غير اللي كنا فيه .. عالم زحمة وأنا كنت تلميذا في مدرسة المعهد العلمي الثانوية بجوار محكمة السيدة زينب .. وكانت مدرسة متخصصة في تخريج عباقرة مثلي .. فزميلي الذي كان يجلس بجواري هو الآن أكبر جزار في المدبح .. وزميلي الآخر الذي كان يحملني في المظاهرات الآن هو حانوتي حي الخضير بالسيدة .. وأحدهم مازال يرتدي طربوشا حتي الآن .. لكن عموما أنا إنسان بسيط شقيت كثيرا وطوال حياتي كنت كلما أقتربت من هدفي وجدت من يشنكلني فأقع علي الأرض . ' والطريف أنه كانت له تجربة في التمثيل وهو صغير يرويها قائلا ' مدرس الألعاب في المدرسة الثانوي كان شقيق الفنان حسين صدقي .. وأخذني مرة مع 40 طالبا لنشترك في فيلم اسمه الأبرياء وظلوا يصورون في مشاهدنا 3 أيام وكل يوم أقول لزملائي بفخر ' أنا رايح التصوير ' .. وفي يوم العرض ذهبت لمشاهدة الفيلم وكانت النتيجة مجرد مشهد مدته 3 ثوان لمجموعة طلبة بيجروا في مظاهرة ومش باين منهم ولا واحد ! .
وعن تجربة السجن قال السعدني في رده علي سؤال للقارئة منال لطفي في ندوة تم نشرها في عدد سبتمبر 1993 ' خيل لي أن اسمي هو ' محمود المسجوني ' وليس السعدني بسبب كثرة ذهابي للسجون ' وعن زواجه قال خلال خلال نفس الندوة ' كنت أتمني أن أكون مثل عمدة ليالي الحلمية لأنه تزوج نازك هانم ثم تزوج الخادمة .. أما أنا فتزوجت زواجا كاثوليكيا لا انفصام فيه طول العمر ' وعن أهم الشخصيات التي قابلها خلال حياته يقول عن بيرم التونسي ' شرفت بمعرفته وزاملته في جريدة الجمهورية وجلست معه في غرفة واحدة وكانت هذه الفترة من أسعد فترات حياتي وعندما رأيته لأول مرة ولشدة بساطته تصورت أنه بياع بصل ' وعن الموسيقار محمد عبد الوهاب قال في ندوة بمجلة الشباب في يناير سنة 2000 ' عاصرت قمم المطربين والأدباء والكتاب والصحفيين كان لدينا عبد الوهاب وعبد الحليم وأم كلثوم وكامل الشناوي وحتي في الهلس كان عندنا قمم .. عبد الوهاب كان طيبا ويصدق أي شيء وفي مرة قلت له أريد أن يعرف الناس عبد الوهاب الشهم ابن البلد الذي يرتدي الجلباب ويمسك بسلطانية الطرشي والمثقف الذي يقرأ لأرسطو وأفلاطون وعلي برعي .. فقال لي ' والنبي يا أستاذ محمود مين علي برعي ده ' !
وعن أفضل الشخصيات التي قابلها في حياته يقول : عرفت محمد الخامس ملك المغرب بعد عودته من منفاه وقابلت الرئيس التونسي بورقيبة عقب خلع ' الباي ' وإعلان الجمهورية عرفت شكري القوتلي رئيس سوريا وكان لطيفا للغاية .. وجلست مع الرجل العربي البسيط الشيخ زايد بن سلطان رئيس الإمارات وقت لم تكن فيه أبو ظبي سوي صحراء وسماء وبلغ إعجابي بالزعيم السوري أكرم الحوراني أن قمت بإطلاق اسمه علي ابني .. جذبني الملك فهد بتواضعه ونكروما بأحلامه وبالنسبة للفنانين لا يمكنني نسيان يوسف وهبي فنان الشعب والولد الطيب عبد الحليم حافظ .. ولكن أكثر من لفت نظري شاب صغير كان يجلس صامتا علي مقهي بالجيزة وكان دائما يردد أن سبب شروده هو أحلامه بأمة عربية متحدة .. وقد أصبح هذا الشاب بعد ذلك الرئيس العراقي صدام حسين '.
وعن أصدقاء العمر قال لنا الأستاذ في حواره معنا الذي تم نشره في مايو 2001 ' قديما كان لي صديقان في المدرسة وهما ' عبد السلام ' والذي كان يقول إن العلم ليس له آخر وبالتالي فضل التوقف عن التعليم وأصبح أشهر حانوتي في القاهرة الكبري .. والثاني هو ' حنبلة ' الذي هجر الدراسة وشق حياته بمطواة قرن غزال وأصبح فتوة الحبانية واختفت أخباره لفترة ثم عرفت أنه سقط شهيدا في معركته التاريخية ضد فتوات حي بولاق ' ! وفي رده علي سؤال بخصوص قلة عدد الصحفيات قال ' هذا كلام مبالغ فيه .. ففي عام 1965 زارتني في صباح الخير شابة تكتب القصة فأبديت إعجابي بقصتها ولكنني طلبت منها أن تعمل بالصحافة وبالفعل عملت صحفية إلي أن عينت رئيسة لتحرير إحدي المجلات .. وهي إقبال بركة وهناك دور صحف حاليا لا تعين إلا البنات لأن البنت تعمل لمدة سنتين ثم تتزوج وتنجب وتجلس في البيت لإعداد الملوخية والسلطة ولا تذهب للعمل .. وعموما الرجال في الصحافة أكثر رذالة من السيدات ! ومن القصص الطريفة التي رواها عن الشخصيات التي ساعدها في بداياتها يقول ' عادل إمام أرسلته مع صلاح السعدني وسعيد صالح للاختبار في فرق التليفزيون المسرحية .. وأوصيت عليهم المسئولين وكانت اللجنة مكونة من سيد بدير ومحمود السباع وجلال الشرقاوي وسعد أردش .. ولم ينجح الثلاثة ونجح ممثل اسمه أبو الفتوح عمارة وقال عن ' الحكاء الكبير ' زكريا الحجاوي ' للأسف الشديد كانت أكثر إبداعاته طلقات طائشة في الهواء لأنه لم يكتب كثيرا وهذا عيبه .. وكان رجلا عظيما وبالنسبة لي لم يكن ' أبويا ' وإنما كان ' أمي ' وكنت أشعر معه بذلك ' وعن الغربة قال ' شعرت بالبؤس الشديد في لحظة خروجي من مصر لأقضي نحو 100 شهر مشردا في الغربة .. السجن عندي كان أفضل لأنني كنت أقابل فيه نخبة مفكري مصر وكأنني في صالون أدبي .. ولكنني أعتقد أن سوء الحظ يكون متعة لصاحبه أحيانا إذا تعود علي الحياة الصعبة .. وأنا لم أحزن بسبب عدم حصولي علي جوائز طوال حياتي لأن الخلود ليس في الأوسمة والصحفي يعيش بالتفرد والأصالة والنبوغ ' والطريف أنه خلال أحد ردوده علي سؤال بالتليفون لقارئ بخصوص المهنة التي كان يتمني أن يعمل بها لو لم يكن صحفيا .. قال ' كنت أتمني أن أكون نصابا لأن النصابين هم الذين ينعمون بالحياة .. يعني أن أنشيء مثلا شركة توظيف أموال و ' أهبر ' كام مليون جنيه وأدخل السجن عدة شهور وبعدين أخرج أتمتع بالفلوس .. أنا دخلت السجن كثيرا ولم آخذ شيئا هناك في مصر الآن ' حزب سري ' أريد أن أكتشفه .. فأنا أخرج في المساء للتنزه فأشاهد ركاب السيارات الفارهة كلهم من لابسي الجلاليب والطواقي .. ولابد أن يعرفوا أن ما يقومون به هو استفزاز لمشاعر الناس .. زمان لم يكن هناك أغنياء بين العرب سوي المصريين .. لكن الآن الوضع اختلف ! .
مع صلاح السعدنى
وجهة نظر عابرة للزمن !
لو تتبعنا آراء الأستاذ محمود السعدني لوجدناها تصلح لأي وقت لدرجة أنها صالحة تماما للتفكير فيها في وقتنا الحالي وبالعودة إلي كلام الأستاذ السعدني من خلال ندوات الشباب لن نراه ' مكعبل ' أو عبارة عن مصطلحات عميقة ومعقدة .. بل كان الجو العام كما وصفه الأستاذ محمد عبد الله والذي كان المسئول وقتها عن هذه الندوات ' جلسة علي المصطبة الفكرية ' بمنتهي البساطة ووسط ضحكات عالية وعقول تحاول الفهم وتشترط الحرية قبل أي شيء وكان شعار الأستاذ دائما في بداية كلامه ' اكسبوا الشباب تضمنوا المستقبل ' وأكد أنه يسعده جدا الخطابات التي تصله من طالب بالإعدادية لأنه قد يعيش لسبعين عاما .. وبالتالي إذا كانت كلماته لا تصل إلا إلي عجوز فمعني هذا أنه سيكون في طي النسيان بعد بضعة شهور ! وقال خلال ندوة في سبتمبر 1993 إنه كتب في مجلة الشباب من أجل قرائها لأنهم جيل هو حريص علي أن يفهموه لأنه كاتب بسيط ولا يحب ' الحنجوري المتشنكح في الشنجوري ' .. والثقافة ليست نفخا للعضلات وكلما كنت بسيطا أصبحت أكثر بيانا وأوضح وأعمق تأثيرا وفي تحليل له للحوادث الإرهابية التي كانت تضرب مصر خلال فترة التسعينات وعملية السلام بين العرب وإسرئيل قال في هذه الندوة - منذ 17 عاما - ' ظهور الحركات العنيفة مرتبط بالهزيمة .. وحين تهزم الأمة يظهر الإرهاب .. ونحن أمة مهزومة من المحيط إلي الخليج وهناك 3 ملايين يهودي تعاونهم ' فتوة العالم ' أمريكا وكنا زمان نقول لا مفاوضة ولا كلام ولا سلام .. والآن نقول لهم ' والنبي فاوضونا ' ولكنهم يقولون لماذا ونحن لدينا الأرض , عندنا أشياء كثيرة يجب أصلاحها أولا .. سائق التاكسي ياخد علي قفاه لو أخطأ والبيه اللي بيتفسح في الشارع نضرب له تعظيم سلام .. هل هذا معقول ! '
وعن فوضي الغناء قال في ندوة تم نشرها في أكتوبر 1993 في رده علي سؤال للقارئ محمد إبراهيم ' أنا أفكر في إصدار آلبوم بصوتي .. لم لا والكل يغنون وبعض المطربين لا يمتازون عني بشيء .. وظاهرة الزحمة موجودة في كل شيء .. وحتي قارئو القرآن زمان كانوا لايزيدون علي ثمانية والآن وصلوا إلي 15 ألف قاريء ' كما يسرد حكاية طريفة قائلا ' عندما كنت ألعب الكرة مع أصدقائي في فرقة ' الأسهم النارية ' ورشح والد أحد أصدقائنا نفسه في الانتخابات .. فدخلنا لجنة الانتخابات لنعطيه صوتنا أكثر من 100 مرة وكنا ندخل ونخرج بدون أن يعترضنا أحد .. وما نعيشه اليوم أفضل بكثير وقد عدت إلي مصر بعد اغتيال الرئيس السادات لأمارس حياتي كرجل مستقل أكتب ما أريد أو علي الأقل 85% مما أريد وأمارس حياتي الطبيعية وسعيد جدا وآخر عظمة ولكنني لست عضوا في أي حزب وأقول رأيي في كل الأحزاب بداية من الحزب الوطني وحتي حزب الأمة لصاحبه الحاج أحمد الصباحي وشركاه ' وعن تحميل البعض للإعلام كل السلبيات الموجودة في المجتمع قال خلال الندوة نفسها في رده علي سؤال لقاريء اسمه عصام شحتة ' الإعلام في مصر هو ملطشة الجميع .. وبخصوص أحلام السفر للخارج لدي بعض الشباب .. روي الأستاذ في حوار سابق مع مجلة الشباب نشر في مايو 2001 أنه تلقي خطابا في سنة 1975 - أي من 35 سنة من شاب يقول فيه ' أنا مصري سافرت إلي إيطاليا عن طريق البحر .. وقد أكرمني الله ونجحت في تسجيل نفسي كلاجئ وأعيش في سعادة غامرة ' وطلب مني نشر صورته حتي تراه أمه وتقتنع بأن ابنها حصل علي وظيفة سياسية مرموقة في أوروبا ! '
والطريف أن أحد قراء المجلة قال له في مرة إنه يكتب الشعر منذ 10 سنوات ولكنه لم يجد فرصة للنشر .. فقال له ببساطة ' أنا سعيد بك لأنك لم تيأس .. فالنجاح هو نوع من أنواع الصبر .. ونصيحتي لك أنه إذا مرت 5 سنوات أخري بدون أن تحقق شيئا توقف عن كتابة الشعر ' .. وبعد مرور 15 عاما علي هذه النصيحة يبدو أن صاحبها التزم بها تماما بدليل أننا لم نسمع عن شاعر اسمه ' محمد مصطفي أحمد '!
سياسة .. علي طريقته !
رغم أنه لم يمارس السياسة بشكل مباشر لكنه عاش عمره كله بين أركانها .. وبسببها تعرض لمشاكل كثيرة جدا بدأها وخرج منها بطريقته الخاصة جدا .. وفي رد علي سؤال للقارئة منال لطفي خلال ندوة بالمجلة نشرت في عدد سبتمبر 1993 عن بداية نشاطه السياسي قال ' كان لساني يخونني أحيانا .. وأنا قد أكذب في الحياة ولكنني لا أكذب حينما أكتب .. ويوم حريق القاهرة سنة 1952 نزلت الشارع مع بداية حظر التجوال ففوجت بجندي يحمل بندقية فيها سونكي ويسألني ' فين التسريح ' ويقصد التصريح .. فخشيت أن أقول له معنديش فيضربني بالسونكي فقلت له نعم معي وبحثت في جيبي علي أي ورقة فلم أجد سوي ورقة يانصيب تحمل صورة ' الدبة ' فأعطيتها له .. فأخذها الجندي ووقف تحت عامود النور لمدة دقايق يتفحص في الورقة ثم عاد وقال لي ' لكن إنت مش شكل الصورة ' .. فقلت له معلش لأنها صورة قديمة .. وقبضوا علي بتهمة الاشتراك في حريق القاهرة ومكثت أياما في السجن وفي سنة 1959 جاءني ضابط بالمنزل وقال لي تسمح تيجي معانا 5 دقايق .. فذهبت وعدت بعدها بسنتين ! وفي المرة الأخيرة في مايو 1971 أنا الذي قمت بتسليم نفسي للبوليس وحين ذهبت إلي السيد فهمي مدير المباحث وقتها والذي أصبح وزيرا للداخلية فيما بعد قال لي ' نريدك أن تبقي معنا يومين ' فقلت له : لا يومين كتير قوي .. ده يعني 20 سنة سجن علي الأقل .. ومكثت هذه المرة عامين أيضا .. المهم أن لي اتجاها سياسيا من البداية .. أنا مع الوطن .. أنا مصري جدا ولم أخن بلدي ودافعت عنها بما أعتقده والتزمت به .. يجوز ما أعتقده خطأ ولكنني لم أكتب كلمة في حياتي وندمت عليها وفي عدد يناير 2000 وبالتحديد في ليلة رأس السنة .. سهر محمود السعدني مع محرري وقراء مجلة الشباب ليودع معهم القرن العشرين .. وقال ' كان أبشع قرن مر علي البشرية وما حدث للكرة الأرضية خلاله لم يحدث ل ' بديعة ' في سالف أيامها .. وأنا عشت كل الأحداث التي مرت بمصر فنحن جيل ليس له مثيل .. تفتحت أعيننا علي الحرب العالمية الثانية ورأينا أناسا من جميع ملل الأرض في مصر .. ضربنا الإنجليز بالطوب وشاركنا في المظاهرات لقد جاء وقت علينا كنا لا نجد فيه الخبز وتعلمنا تدخين السجائر لأنها كانت ملقاة في الشوارع .. وأتذكر رجلا في الجيزة كان اسمه ' عم حسين المخدماتي ' وكان مسئولا عن إمداد البيوت بالطباخين والسفرجية والخادمات .. كان رجلا أنيقا جدا لكن كل الطباخين تركوه ليعملوا في معسكرات الإنجليز والخادمات ذهبن لشارع الهرم حتي أنني رأيته في أواخر أيامه يجلس أمام دكانه بملابسه الداخلية بعد أن باع هدومه .
وحضر محمود السعدني في يناير 1996 لمجلة الشباب ليرد علي استفسارات القراء عبر التليفون وكانت انتخابات مجلسي الشعب والشوري قد تمت قبلها بأيام .. وكان تعليقه عليها منذ 14 عاما - كالتالي ' الانتخابات لم تكن بين أحزاب وبعضها لكنها كانت بين أفراد .. فلم ينتخب أحد الحزب الوطني أو حزب الوفد ولكنهم انتخبوا ' عبده أبو السباع وسعيد أبو الركب ومحمدين أبو شفتورة ' فالمسألة كانت صراعا بين عائلات وعصبيات وعموما يوجد في مصر حزب كبير اسمه ' حزب الحكومة ' وليس في هذا العهد فقط وإنما في كل العهود .. وهذا الحزب هو صاحب الأغلبية دائما في الانتخابات لأن الحكومة تملك مصالح كثيرة للناس والمصري بطبيعته رجل عاقل ' وفهيم ' ويبحث عن مصلحته .. ونحن في مصر ليست لدينا أحزاب يمكنها أن تعبر عن مصالح الجماهير وهذه هي الكارثة '
الطريق إلي زمش !
من خلال سلسلة ' الطريق إلي زمش ' التي نشرها الأستاذ أولا في مجلة الشباب .. يروي أنه تصادق مع شرطي في سجن الواحات كان يروي له كل يوم الحكايات ليرحمه من تكسير الحجارة في الجبل وليقاسمه التدخين من سيجارة واحدة وذات يوم وبينما كان منهمكا في الحكي والضحك فوجئ بالشرطي يكشر عن أنيابه ويسأله : لما انت سافرت ولفيت كدة .. سافرت يأجوج ومأجوج ولا لأ وهنا ارتبك السعدني فلكزه الشرطي العفي لكزة أسقطته من أعلي التل الذي كان يراقب من فوقه المساجين ويتابع عملهم واستكمل الشرطي سبه ولعنه للسعدني قائلا : صحيح ما انت شيوعي كافر ! ولأن السعدني من أكبر مؤيدي الوحدة العربية وضعه هذا التأييد غير المشروط في موقع المراسل بين مصر وسوريا خلال فترة الوحدة ويروي في أحد المقالات المنشورة في عدد ديسمبر 1999 أنه لم يكن يعرف أنه حمل من القيادة السورية خطاب اعتقاله عندما حمل منهم رسالة تهديد للرئيس جمال عبد الناصر فدفع ثمنها السجن لمدة عامين باعتباره ' شيوعيا ' يقف مع الجانب السوري وما إن انفضت الوحدة المصرية السورية لم يعد يصنف السعدني شيوعيا بل أصبح عضوا في حزب ابتكر له اسما غامضا من باب السخرية هو ' زمش ' ويعني ' زي ما انت شايف ' !
إيه يا بحر !
وضمن سلسلة ' إيه يابحر ' كتب الأستاذ محمود السعدني في عدد ديسمبر 2001 يقول ' لم أكن في يوم من الأيام سباحا ولن أكون ولكن خطر لي في يوم من الأيام وأنا أقيم بانجلترا أن أزور شاطئ المانش وأن أمتع نظري بمياهه وخدعني البحر فقد كان هادئا كترعة بلدنا , وخيل إلي أن باستطاعتي أن أعبره وأن أحدث ضجة كتلك التي فعلها مرعي حسن حماد , ولكن بعد نزولي إلي الماء علي مقربة من الشاطئ شعرت بأنني علي وشك الموت لشدة الصقيع والبرد وكان معي مصور طلبت منه أن يلتقط صورتي وأنا في الماء , وفعل المصور بينما كنت أرتعد من شدة البرد وذهبت بالصورة إلي صديق عربي يصدر جريدة عربية في لندن يوزعها مجانا ولها عشرة مشتركين اشتركوا فيها مجاملة وقلت في نفسي هذه سترة ولن يشعر بها أحد . ونشر الصديق الصورة وكتب تحتها ( السعدني من تماسيح النيل , في أول محاولة له لعبور المانش ) ثم حديث مع العبد لله عن السبب في فشل المحاولة وتقليد السباح عبد المنعم عبده صاحب مطعم فول المانش , والذي قامت شهرته علي أساس محاولاته المتكررة لعبور المانش وفشل أكثر من مرة , ولكنه كان يعاود المحاولة مصرا علي عبور المانش . قلت لصاحب الجريدة ( لقد امتنعت عن عبور المانش لأنني كنت مصابا بالبرد , ولكنني مصر علي إعادة المحاولة عندما أبرأ من المرض , ) وقلت لقد وضعت السر في بير فهذه المطبوعة لا يقرؤها أحد ولا يمكن لأحد أن يسعي إلي قراءتها أو حتي تصفحها ولكني بعد أيام فوجئت بصديق يتصل بي تليفونيا من بلده العربي ويسألني عن حقيقة الأمر واضطررت أن أكذب عليه , فقلت له : لقد حاولت ولكني عدلت عن المحاولة . سألني : هل تفكر في القيام بالمحاولة مرة أخري قلت : لم أقرر حتي الآن , وأنا تركت الأمر للظروف .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.