رقمان قياسيان ينتظران صلاح أمام توتنام    سعر الدينار الكويتي اليوم الأحد 5-5-2024 مقابل الجنيه في البنك الأهلي بالتزامن مع إجازة عيد القيامة والعمال    وزير المالية: 3.5 مليار جنيه لدعم الكهرباء وشركات المياه و657 مليون ل«المزارعين»    وزيرة إسرائيلية تهاجم أمريكا: لا تستحق صفة صديق    استعدادا لشم النسيم ..رفع درجة الاستعداد بالمستشفيات الجامعية    الاتحاد يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة الأهلي.. وأتوبيسات مجانية للجماهير    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثي سير منفصلين بالشرقية    الإسكان: 98 قرارًا لاعتماد التصميم العمراني والتخطيط ل 4232 فدانًا بالمدن الجديدة    «الري»: انطلاق المرحلة الثانية من برنامج تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي والدلتا    الإسكان تنظم ورش عمل حول تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء    استقرار ملحوظ في سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه المصري اليوم    العمل: توفير 14 ألف وظيفة لذوي الهمم.. و3400 فرصة جديدة ب55 شركة    ماكرون يطالب بفتح مجال التفاوض مع روسيا للوصول لحل آمن لجميع الأطراف    مسؤول أممي: تهديد قضاة «الجنائية الدولية» انتهاك صارخ لاستقلالية المحكمة    أوكرانيا تسقط 23 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    رئيس الوزراء الياباني: ليس هناك خطط لحل البرلمان    قصف مدفعي إسرائيلي على الحدود اللبنانية    يصل إلى 50 شهاباً في السماء.. «الجمعية الفلكية» تعلن موعد ذروة «إيتا الدلويات 2024» (تفاصيل)    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    اتحاد القبائل العربية: نقف صفًا واحدًا خلف القيادة السياسية والقوات المسلحة «مدينة السيسي» هدية جديدة من الرئيس لأرض الفيروز    فيديو.. شعبة بيض المائدة: نترقب مزيدا من انخفاض الأسعار في شهر أكتوبر    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    كرة طائرة - مريم متولي: غير صحيح طلبي العودة ل الأهلي بل إدارتهم من تواصلت معنا    «شوبير» يكشف حقيقة رفض الشناوي المشاركة مع الأهلي    شوبير يكشف مفاجأة حول أول الراحلين عن الأهلي بنهاية الموسم    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأحد في الأسواق (موقع رسمي)    الزراعة: حديقة الأسماك تستعد لاستقبال المواطنين في عيد شم النسيم    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    حدائق القاهرة: زيادة منافذ بيع التذاكر لعدم تكدس المواطنيين أمام بوابات الحدائق وإلغاء إجازات العاملين    التصريح بدفن شخص لقي مصرعه متأثرا بإصابته في حادث بالشرقية    السيطرة على حريق التهم مخزن قطن داخل منزل في الشرقية    وفاة كهربائي صعقه التيار بسوهاج    نجل الطبلاوي: والدي كان يوصينا بحفظ القرآن واتباع سنة النبي محمد (فيديو)    يعود لعصر الفراعنة.. خبير آثار: «شم النسيم» أقدم عيد شعبي في مصر    تامر حسني يدعم شابا ويرتدي تي شيرت من صنعه خلال حفله بالعين السخنة    سرب الوطنية والكرامة    الكاتبة فاطمة المعدول تتعرض لأزمة صحية وتعلن خضوعها لعملية جراحية    حكيم ومحمد عدوية اليوم في حفل ليالي مصر أحتفالا بأعياد الربيع    رئيس «الرعاية الصحية» يبحث تعزيز التعاون مع ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة    صحة الإسماعيلية تنظم مسابقات وتقدم الهدايا للأطفال خلال الاحتفال بعيد القيامة (صور)    أخبار الأهلي: تحرك جديد من اتحاد الكرة في أزمة الشيبي والشحات    وزير شئون المجالس النيابية يحضر قداس عيد القيامة المجيد ..صور    إنقاذ العالقين فوق أسطح المباني في البرازيل بسبب الفيضانات|فيديو    كريم فهمي: مكنتش متخيل أن أمي ممكن تتزوج مرة تانية    مخاوف في أمريكا.. ظهور أعراض وباء مميت على مزارع بولاية تكساس    مصر للبيع.. بلومبرج تحقق في تقريرها عن الاقتصاد المصري    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصرياً .. صلاح منتصر يروى حكاية مبارك من العرش إلي البورش (1)
نشر في بوابة الشباب يوم 06 - 04 - 2012

مبارك وعائلته ومشوارهم من القمة إلي القاع سيظل مثار حديث ملايين المصريين لسنوات طويلة مقبلة .. وخلال 12 شهرا فقط سمعنا وقرأنا حكايات وصلت فيها درجة المبالغة إلي الغليان , مبارك مثلا كان يستورد طعاما من الخارج لكلبه ' البرنس ' , أما جمال مبارك فكان يعالج ' سرا ' في مستشفي نفسي في لندن , بينما ثروة علاء مبارك من التحف والأنتيكات يمكن أن تسدد ديون مصر , أما سوزان مبارك فقد تفرغت طوال 30 عاما للإيقاع بين الوزراء وزوجاتهم ..
المشكلة أن هذا الكلام جذاب للقراء والمشاهدين ويصدقه الكثيرون لكنه يدعو للحياة وسط بحر من النميمة التي لا تفيد , مجرد كلام عائم عن أشخاص مصائبهم الحقيقية أكبر من ذلك .. ومن هنا تأتي أهمية الكلام مع الكاتب الكبير صلاح منتصر الذي أصدر كتابا متميزا بعنوان ' الصعود والسقوط .. من المنصة إلي المحكمة ' , الانطباع الأول الذي ينتابك بعد قراءته أنه الوحيد صاحب الروايات الذي كان يضع في نهاية كل معلومة كلمات ' شاهدت ' أو ' سمعت ' أو ' عرفت ' واستعان بشهادات لأشخاص علي قيد الحياة موجودين ويمكنهم التأكيد أو النفي , لا مكان هنا للشائعات والأكاذيب والإثارة , 10 فصول بدأها الكاتب الكبير بأن أقسم بالله وكأنه أمام محكمة التاريخ علي صدقه وأنه لم يخترع شيئا من عنده بعدما اختلطت علي مدي عام كامل الحقيقة بالكذب , كما أنه حرص علي الابتعاد عن ' مبالغات ما بعد الثورات ' حسب تعبيره , بل يؤكد أن هناك حقائق كان ممكنا أن يعتبرها البعض مبالغة .. ولذلك لم ينشرها .
في السطور التالية لن نتكلم عن مجرد كتاب كان من الممكن عمل عرض مبسط له .. لكنها دعوة للتأمل فيما كان يجري في مصر , كما أن الأستاذ صلاح منتصر لم يكتب كل ما عنده , وقريبا جدا بإذن الله حسب وعده لكاتب هذه السطور سيكشف في مجلة ' الشباب ' عن أمور كثيرة عاشها وشاهدها ودونها علي مدي 30 عاما في مذكراته , وسنبدأ الحكاية من بدايتها .. علي أن نستكملها في العدد القادم بإذن الله .
في البداية سألت الأستاذ صلاح منتصر عن الهدف من وراء هذا الكتاب .. فقال : جمعتني جلسة مع الدكتور حسام بدراوي الذي تولي أمانة الحزب الوطني لأيام معدودة قبل تنحي مبارك , لم يكن في ذهنه أنني سأكتب .. ولم أفكر أنني سأنشر , لكنني راجعت نفسي وقلت إنه من اللائق أن أنشر في وجود كل من سيرد ذكره حتي يمكنه التكذيب , وقد نشرت الفصل الأول من الكتاب في الأهرام بعد مرور شهر علي تنحي مبارك , وكل أركان النظام السابق مثل مبارك نفسه وولديه جمال وعلاء وصفوت الشريف وفتحي سرور وأحمد عز وزكريا عزمي كانوا مطلقي السراح ويمكنهم الرد علي لو أرادوا , وساعدتني هنا عدة أمور , منها : أنني من النوع الذي يكتب ملاحظات حول كل ما يمر أمامه واختزنها لربما أحتاجها , كما أنني عشت 9 سنوات خلال فترة رئاستي لمجلة ' أكتوبر ' قريبا بشكل كبير من مبارك بحكم عملي , وخلال هذه الفترة حاورته عدة مرات وسافرت معه كثيرا وشاهدت وسمعت بنفسي , وبالمناسبة .. نظرا لطبيعة عملي فقد أتاحت لي الظروف الاقتراب من كواليس أحداث مهمة وأشخاص كثيرين , ولذلك كتبت بعد الإعلان عن وزارة عصام شرف الثانية أنني اصبحت ' خارج التاريخ ' لأن بعض الوزراء كنت اسمع عنهم لأول مرة وهذا لم يحدث معي نهائيا علي مستوي كل الوزراء في عهدي السادات ومبارك , أنا مدرك تماما أنني أكتب عن أحداث مازالت في حالة سيولة , لكن سيأتي وقت ربما بعد 10 أو 15 سنة ستكون هناك نظرة إلي الماضي وسيسألون : ماذا كان ؟ وهنا حاولت قدر الإمكان أن أجيب عن هذا السؤال بحقائق وليس مجرد رأي .. وبوثائق مؤكدة بعيدة عن الحكايات , وفي النهاية أنا أملك جزءا من الحقيقة .. وليس كل الحقيقة , وعرضت كل شيء أعرفه ومتأكد منه عن مبارك بأمانة .. بما له وما عليه , هناك أشياء كثيرة لم أكتبها ليس فقط لأنني غير متأكد منها .. بل أيضا لأنني نسيتها أو لأنها كانت منسوبة إلي شهود غير موجودين , أو منسوبة إلي مبارك نفسه ولا شاهد عليها غيره وبالتالي إذا قال هو إنها لم تحدث سأكون وقتها كذابا , وبالمناسبة .. أصعب شيء واجهني كان عنوان الكتاب , فأنا أقدم تأريخا موضوعيا ومحايدا ولا مجال هنا للرأي أو وجهة النظر علي عكس الكتابة للصحافة مثلا , أنا لم أقدم مجرد حكايات عن حواديت القصور أو نميمة تنهش في لحم صيد ثمين استسلم في قفص الاتهام . بعد ذلك بدأنا نقلب صفحات أيام مبارك من الصعود إلي عرش القصر .. حتي الهبوط إلي البرش , حتي ولو كان وقت كتابة هذه السطور برشا حريريا في غرفة مكيفة بمركز طبي عالمي يتنقل بينها وبين جلسات محاكمته بطائرة هيلكوبتر ' .. وهنا لابد من ملاحظة مهمة لأمانة العرض .. هذا لم يكن الترتيب الذي اختاره الأستاذ صلاح منتصر , فقد بدأ بالأحدث ثم الأقدم بطريقة السيمفونيات الموسيقية التي تبدأ بأصوات عنيفة ثم تهدأ .. لكننا هنا نركز فقط علي ما يخص مبارك بشكل لا يخل بموضوعات كثيرة في الكتاب لن نتطرق إليها , مثل أحداث الثورة وائتلافات الشباب ومناورات ال 18 يوما وكفاح ميدان التحرير والأسباب التي أدت للثورة , ولذلك سنتابع الحكاية من بدايتها .
كيف جاء بالصدفة ؟
عندما استدعاه الرئيس السادات في أبريل 1975 وأبلغه بقراره اختياره نائبا للرئيس كان مهموما .. وذكر لأقرب أصدقائه أنه لا يعرف في السياسة ويخشي علي نفسه أن يحطمه الآخرون , وحسب شهادة صديق قريب من حسني مبارك في تلك الأيام والذي استدعاه مبارك لمشاورته , فقد قال لصديقه : أروح فين من سيد مرعي ومن ممدوح سالم وعثمان أحمد عثمان ومن أشرف مروان وكل منهم يستند إلي علاقة قرابة وخبرة مع الرئيس وأضاف مبارك بالحرف دول حيحطوني تحت أسنانهم ويقرقشوني , لكن أحدا لم يحطمه كما توقع بل بدأ الصعود حتي وجد نفسه جالسا علي القمة رئيسا لمصر ولفترة لم يسبقه إليها أحد , وقد خدمته الظروف كثيرا .. فبعد تحرير سيناء بعد حرب 1973 تأكد الرئيس الراحل أنور السادات أن شرعية ثورة يوليو التي حكمت مصر منذ عام 1952 قد انتهت وأن شرعية جديدة بدأها جيل اكتوبر أصبحت الأجدر لقيادة مصر , وقد وجد السادات أمامه خمسة مرشحين يمثلون هذا الجيل للاختيار أولهم هو المشير أحمد اسماعيل علي القائد العام في حرب اكتوبر والذي توفي مبكرا في ديسمبر 1974 وبقي أمام السادات الأربعة الآخرون فاختار أصغرهم علي أساس أن يبقي معه 7 سنوات يدربه نائبا للرئيس ثم يترك الحكم عام 1982 بعد تحرير سيناء كما كان يفكر وهذا ما قاله مبارك نفسه في أول خطاب له بعد توليه الرئاسة , والغريب أن الأستاذ صلاح منتصر قال : إنه سمع من مبارك في أول حديث أجراه معه لمجلة اكتوبر في مارس 1985 قصة تعيينه نائبا للرئيس لكنه أي مبارك - طلب وقتها ألا ينشرها لأنه كان وقتها يتوقع ألا يبقي في رئاسة مصر أكثر من فترة واحدة أو فترتين لكن رئاسته امتدت إلي 30 عاما انتهت بالإطاحة به ومحاكمته , وكان حسني مبارك يعرف قدره جيدا في ذلك الوقت فحرص أن يكون التلميذ الشاطر الذي يراقب ويتعلم , لدرجة أن مسئولا لبنانيا التقي بالرئيس السادات وخرج ليقول إنه لم يسمع صوت نائبه مبارك الذي كان يقف إذا وقف الرئيس ويجلس إذا جلس وإن اجتماعه مع السادات انتهي دون أن ينطق نائبه بكلمة وعندما نقل الي السادات قول هذا المسئول اللبناني كان تعليقه أن طلب تسجيل شريط لصوت مبارك وأرسله إليه في بيروت !
عقدة مبارك !
منصور حسن رئيس المجلس الاستشاري حاليا كان هو عقدة مبارك , فهو من مواليد 1937 وكان النجم الصاعد الذي احتضنه السادات فور أن تعرف عليه وجذبته اليه حيويته الشابة ولغة حديثه الهادئة السليمة التي تخاطب العقل وشجاعته في إبداء رأيه حتي لو كان مخالفا للرئيس وإجادته الانجليزية نتيجة دراسته في كلية فكتوريا بالاسكندرية ثم في لندن ثم العلوم السياسية في كلية التجارة قبل إنشاء كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , وقد تعرف السادات علي منصور من خلال الحزب الوطني الذي أنشأه عام 1978, في يونيو 1979, ظهر اسم منصور وزيرا للدولة لأول مرة في وزارة د . مصطفي خليل وبعد عشرة أشهر فقط في مايو 1980 أصبح وزيرا للثقافة والإعلام , وعندما أجري السادات تعديلا رأس فيه الوزارة في يناير 1981 أضاف إلي منصور وزارة شئون رياسة الجمهورية , وهكذا فإنه في أقل من سنتين صعد نجم منصور حسن بسرعة بالغة لدرجة توقع معها بعض المراقبين انه ' الرجل القادم في مصر ' كما وصفته مجلة ' الحوادث اللبنانية ' أشهر المجلات العربية في ذلك الوقت , وكان منصور حسن العقبة الوحيدة التي برزت في طريق حسني مبارك بعد أن خلا له الطريق من الأربعة الذين كان يخشاهم وقال : إنهم سيضعونه تحت أسنانهم ويقرقشونه , فعثمان أحمد عثمان خرج من الوزارة سنة 1976 ولم يعد له دور تنفيذي خاصة بعد ردود الأفعال التي أحدثها كتابه ' صفحات من تجربتي ' وهجومه فيه علي جمال عبد الناصر وبالنسبة لممدوح سالم الذي كان رئيسا للوزارة فقد انتهي دوره في اكتوبر 1978 وخلفه الدكتور مصطفي خليل وكذلك خرج سيد مرعي الذي كان رئيسا لمجلس الشعب وخلفه في عام 1978 الدكتور صوفي أبو طالب أما أشرف مروان فقد أنهي عمله رئيسا للهيئة العربية للتصنيع عام 1979 وتفرغ لأعماله الخاصة ولكن القدر كما أبعد الأربعة من طريق مبارك فإنه فعل ذلك مع منصور بطريقة غير متوقعة , وكما روي منصور حسن للأستاذ صلاح منتصر .. فقد كان خلافه مع الرئيس الراحل أنور السادات لسبب وحيد هو قرارات 5 سبتمبر 1981 التي تضمنت اعتقال 6351 مصريا من الشخصيات العامة التي تمثل مختلف الأحزاب والتيارات والقوي السياسية بسبب معارضتهم اتفاقية كامب ديفيد ولم يقتنع منصور بمبررات القرارات وإنما علي العكس رآها ضد مبادئه وضد السادات نفسه الذي وحد بقراراته مشاعر غضب جميع قوي المعارضة , ومن المفارقات أن مبارك فعل قبل نهايته بشهر واحد نفس الشيء عندما وحد ضده مشاعر غضب كل القوي المعارضة بصورة غير مسبوقة من خلال نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر 2010 . وهكذا فإنه بينما أودع السادات معارضيه السجون فإن مبارك أطلق معارضيه في الشارع ولم يبق علي واحد يدافع عنه .
حصرياً .. صلاح منتصر يروى حكاية مبارك من العرش إلي البورش (1)
أولهم مبارك .. وآخرهم شفيق !
8 رؤساء للوزراء عملوا مع مبارك .. وربما لا يتذكر الكثيرون أن أول رئيس وزراء في عهد مبارك كان مبارك نفسه لمدة 10 أسابيع , فقد توفي الرئيس السادات وهو رئيس الوزراء بينما كان فؤاد محيي الدين نائب رئيس الوزراء , وبعدما جاء مبارك تولي نفس المنصب حتي قام بتكليف محيي الدين بتشكيل الوزارة وكان أقوي من تولي هذا المنصب خلال الثلاثين عاما الماضية لدرجة أنه كان يعاقب أي وزير يتصل بالرئيس دون علمه أو اتصل به الرئيس دون إبلاغه , وقد توفي وهو في مكتبه يوم 5 يونيو 1985 عن 85 عاما ليفاجأ مبارك بأن عليه أن يختار رئيسا جديدا للوزارة , ولم يكن الأمر سهلا بالنسبة لمبارك الذي لم يكن حتي ذلك الوقت يعرف لعبة الاختيار ولذلك ظلت الوزارة التي رأسها فؤاد محيي الدين تتولي تسيير الأمور 40 يوما .. وبعدها سأل مبارك الدكتور أسامة الباز : هو مين أقدم في الوزراء الموجودين؟ وعندما أجابه الباز : الفريق كمال حسن علي قال مبارك : ما هو كويس أهو , وهكذا رأس كمال علي الوزارة بحكم الأقدمية التي كانت مقياسا مهما لحسني مبارك الرجل العسكري , إلا أن مبارك سرعان ما بدأ يشكو من كمال علي ويتطلع إلي إبعاده في الوقت الذي كان كمال علي نفسه قد زاد عليه مرض الروماتويد الذي كان يشكو منه ويتحمل آلاما شديدة بسببه , وبحسب السيناريو الذي خططه حسني مبارك مع الدكتور مصطفي الفقي سكرتير الرئيس لشئون المعلومات لإنهاء وزارة كمال علي تم إبلاغ الفريق كمال علي بموعد للقاء الرئيس في الوقت الذي أعد الدكتور مصطفي الفقي خطاب استقالة الوزارة , وحسب الاتفاق فإنه بعد وصول كمال علي وخلال لقائه مع مبارك يدق مبارك الجرس للفقي فيدخل عليهما بخطاب الاستقالة , وبالفعل دق الجرس ودخل الفقي حاملا الاستقالة التي سبق أن أعدها ليوقعها الفريق كمال علي وهو يشكر الرئيس لأنه أراحه وأزال عنه الحرج بعد أن زاد عليه المرض , وكان تفكير مبارك متجها إلي اختيار كمال الجنزوري رئيسا للوزراء .. لكن المشير عبدالحليم أبوغزالة اعترض علي الجنزوري بسبب معيار ' الأقدمية ' فقد كان الجنزوري في ذلك الوقت تولي الوزارة منذ ثلاث سنوات فقط , وقد أيد الدكتور مصطفي خليل رئيس الوزراء الأسبق في عهد أنور السادات والذي كان يتولي نائب رئيس الحزب الوطني , واقترح أبو غزالة علي مبارك شخصية سبقت أقدمية الوزراء الموجودين في الوزارة وهو الدكتور علي لطفي الذي كان وزيرا للمالية لفترة ثمانية أشهر ثم بعد خروجه من الوزارة تولي رئاسة البنك التجاري , وقد تصادف أن كان علي لطفي في زيارة لأمريكا وتم استدعاؤه منها وجاء وهو لايدري ماذا حدث , وكانت مفاجأة له ولكل المصريين تكليفه رئاسة الوزارة . لكن الظروف كانت ضده .. فقد صادفت وزارته التي استمرت 13 شهرا أحداثا خطيرة مثل واقعة سليمان خاطر يوم 5 أكتوبر 1985 , وبعدها بيومين وقعت أزمة الباخرة السياحية أكيلي لاورو التي اختطفها أربعة من جبهة التحرير الفلسطينية وقتلوا راكبا أمريكيا , وتدخلت مصر ونجحت في ترتيب نقل الخاطفين إلي تونس , ولكن المقاتلات الأمريكية اعترضت الطائرة المصرية التي تقلهم وأرغمتها علي الهبوط في صقلية في إيطاليا وكانت واحدة من كبري الأزمات السياسية بين مصر وأمريكا , وبعدها بشهرين وقعت أزمة تنظيم ثورة مصر الذي كان يقوده ضابط مخابرات سابق اسمه محمود نور الدين وقد دبر التنظيم هجوما علي سيارة إسرائيلية تضم المشاركين في جناح إسرائيل بمعرض الكتاب وأصيب في الحادث بعض الاسرائيليين , ثم وقعت أحداث الأمن المركزي التي استدعت نزول القوات المسلحة في أزمة هزت البلاد , وكان طبيعيا أن يجري التفكير في إنهاء وزارة علي لطفي والاتجاه إلي كمال الجنزوري لولا رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الذي اعترض عليه واقترح اسم د . عاطف صدقي رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات , واستمرت وزارة عاطف صدقي 10 سنوات وكانت أطول فترة لرئيس وزراء في تاريخ مصر , وحسب تعبير الأستاذ صلاح منتصر فإن عاطف صدقي جمع في وزارته عددا ممن أطلق عليهم مجموعة فرنسا اثناء فترة عمله مستشارا ثقافيا في باريس إلي جانب ' شلة الطاولة ' في مصيف زهراء المعادي المجاور لساحل العجمي قبل ظهور مارينا , فهو الذي جاء بفاروق حسني وفتحي سرور وجلال أبو الدهب وممدوح البلتاجي , وبعد فترة طويلة .. جاء الدكتور كمال الجنزوري رئيسا للوزراء في يناير 1996 .. والغريب أن المشروعات التي بدأها منذ 15 عاما مثل توشكي هي نفسها التي يحاول إنهاءها الآن .
وفي 26 سبتمبر 1996 أعيد الاستفتاء علي مبارك للمرة الرابعة ونجح كالعادة .. وفي 5 أكتوبر ذهب إلي مجلس الشعب لافتتاح الدورة البرلمانية الجديدة فسأله د . الجنزوري إذا كان من المناسب وطبقا للتقاليد مع مدة الرئاسة الجديدة أن تتقدم الوزراة باستقالتها فأجابه مبارك بسرعة : أيوه ما أنا هعمل تغيير وانت هتمشي ! وبمجرد خروج الجنزوري أسدلت عليه ستائر النسيان .. وظل سنوات طويلة مستبعدا من أي احتفال بعد أن نقل إلي مبارك انه إذا دخل أي مكان يقابل بالتصفيق , ثم جاء د . عاطف عبيد .. فزاد الفساد حيث زاد حجم الأموال المختلسة وشهدت مصر أكثر من 80 ألف حالة فساد ووصل حجم الكسب غير المشروع إلي 100 مليار جنيه وحجم الرشي إلي 500 مليون جنيه وحجم غسيل الأموال إلي أكثر من خمسة مليارات جنيه مع تزايد إهدار المال العام .. وقد ضمت وزارة عاطف عبيد 31 وزيرا كان الدكتور أحمد نظيف في المركز قبل الأخير .. لكن جمال مبارك جاء به إلي رئاسة حكومة جديدة .. وهي الوزارة التي أطلق عليها وعلي أعضائها اسم ' وزراء الثروة والسلطة ' رغم ان حسني مبارك سبق أن أعلنها صراحة انه لن يصبح أحد رجال الأعمال رئيسا للوزراء ولا وزيرا , والغريب أن نظيف هو الذي زرع وسائل انتشار الثورة .. عندما أصبحت أهم انجازات الحكومة هي نفسها التي أصبحت الوسائل الأساسية التي استخدمها الشباب في سرعة الاتصالات وتحريك الجموع واشعال الاحتجاجات , ثم كان الفريق أحمد شفيق آخر رئيس أدي اليمين أمام مبارك تحت ضغط مطالب المتظاهرين .. والغريب أن المجلس العسكري أقاله - بعد 32 يوما فقط في منصبه أيضا تحت ضغط مطالب المتظاهرين !
مبارك الطيب أصبح أقطاي آخر !
جملة شهيرة جاءت علي لسان شجرة الدر .. لكنها معبرة هنا فيما حدث لمبارك , فخلال السنوات العشر الأولي لحكمه كان بشهادة كثيرين نظيف اليد ومتواضعا , لكنه أصبح فيما بعد مستبدا وفاسدا , وحسب تأكيد الأستاذ صلاح منتصر فإن القول بأن ال 30 عاما كلها كانت ضياعا وهوانا يوجه إهانة غير مباشرة لشعب مصر لأنه ظل صامتا طوال تلك السنوات , ونافق حاكمه , وتحمل مالاقاه وعاشه من فساد , لكنه في البداية كان جيدا , مثلا .. بعد أشهر من حكمه قدمه المذيع صبري سلامة باعتباره أحد الضباط الأحرار , فكتب الأستاذ صلاح منتصر في عموده ' مجرد رأي ' ينتقد هذه المعلومة الخاطئة , فاتصل به مبارك وأيده في كل ما قاله مشيرا الي أنه من شدة خجله ' حط وشه في الأرض ' واضطر للصمت رغم أن الرجل ' لم يقل الحق ' , كان في بداية حكمه معروفا بعادة ودود جدا وهي أنه كلما تواجد في مكان يمر علي الجميع في أماكنهم ليسلم عليهم حتي ولو كان عددهم كبيرا , ومما يروي عنه غضبه الشديد في سنة 1989 عندما عرف أن عددا من رجال الرئاسة مثل زكريا عزمي ومصطفي الفقي وجمال عبدالعزيز وشريف عمر حصل كل واحد منهم علي 10 أفدنة من أراضي النوبارية لاستصلاحها , ورغم أن ما حدث كان بشكل قانوني لكنه رفض وأمرهم برد العقود وقال : إنهم استغلوا وظائفهم وأرادوا التكسب من ورائها وهذا لا يليق بمن يعمل مع حسني مبارك .
لكن بمرور السنوات نسي حكاية الكفن الذي ليس له جيوب وأصبح همه الأول هو تأمين حياته بأي ثمن , ويروي الأستاذ صلاح منتصر أنه قال لمبارك يوما : إن هناك من يتضرر من إغلاق الشوارع لفترة طويلة قبل مرور موكبه , وكان قد توقع أن يبدي تعاطفا مع المواطنين , لكنه فوجيء بقوله : أصلها بتحصل مرة واحدة وبعدين تسألوا إزاي حصل ده وتلوموا الأمن ! وكان ثلث الجالسين في مؤتمراته من الأمن وتسير خلفه 10 سيارات حراسة .. وفي مرات كثيرة كان يطلب سلاح حراسة ليقوم بتجربته بنفسه , كما كان يرفض نهائيا وجود أي حقائب في طائرته خلال رحلاته للخارج , لدرجة أن الحرس في إحدي المرات رفضوا صعود حقيبة طبيب القلب د . محمد عطية والتي بها سماعته الطبية وجهاز الضغط وبعض الأدوية .. رغم أن وظيفته هي ملازمة الرئيس في كل سفرياته ! مبارك بدأ مشواره مع الرئاسة وهو يقول للصحفيين ردا علي اسئلتهم المحرجة ' بلاش السؤال ده لأني لو جاوبت مش حاقول الحقيقة ' , وانتهي وهو لا يرد أصلا لأنه لا يعرف .. ولو تكلم كذب , وكما قال في التحقيقات بفرض أنه صادق فإنه أنهي مشواره مجرد ' مشاهد ' بعدما قال إن كل معلوماته خلال الثورة كان مصدرها الرئيسي هو التليفزيون , لكن هناك حكاية فعلا تستحق أن تروي لنكتشف كيف تغير مبارك .. ففي بداية توليه للرئاسة كان بعدما ينتهي من لعب الاسكواش يقوم بعادة دائمة وهي أنه يأخذ برتقالة ويقشرها ويأكلها .. عادي .. لكن مدير أمن مقر المركز الرياضي أمر بأن يتم غسل البرتقالة وتقشيرها وتوضع أمام الرئيس , فقال : علشان إيه ده كله .. ما أنا متعود أقشرها وأكلها , لكن بعد ذلك عندما وضعوا له البرتقالة بنفس الطريقة المعتادة غضب وقال : دي طريقة تقدموا بيها البرتقال ؟ وبمرور الوقت تغيرت طريقته في الملابس أيضا .. وخاصة زوجته كذلك , وتزامن ذلك مع تصورات حاشيته له بأنه ' منقذ مصر ' ثم تم صك شعار ' مصر مبارك ' وكان من حوله يقولون عنه ' المعلم ' .. وبعد ذلك استخدموا كلمة ' الباشا ' , وكما يصفه الأستاذ صلاح منتصر بأنه بطيء , مبارك كان يبرر ذلك بأنه ' يحسبها كويس قوي قبل أن يتخذ القرار ' بينما الواقع أنه كان يخشي أصلا اتخاذ أي قرار , وربما لذلك يقول د . مصطفي الفقي إنه في الوقت الذي سيحاسب فيه التاريخ عبد الناصر والسادات علي القرارات التي أصدرها كل منهما .. سيحاسب التاريخ مبارك علي القرارات التي لم يصدرها , ورغم فخره بأنه يحمل دكتوراة في العند .. فإن هذا سبب له وسواسا وشكا فيمن حوله , وقد اعترف مبارك ذات مرة لأحد رجال الحراسة القريبين منه أنه كان يفكر فعلأ في تغيير الدكتور أحمد الرزاز وزير المالية في وزارة الدكتور عاطف صدقي بسبب الهجوم الكبير الذي يتعرض له خاصة من أحمد رجب ومصطفي حسين .. لكنه تراجع حتي لا يعتقد الصحفيون أنه بإمكانهم تغيير من يريدون .. وبذلك هم الذين يحكمون ! بل وصل عناده المريض لدرجة أنه أضر نفسه بعدما فقد السمع بإحدي أذنيه بسبب عدم الأخذ برأي أحد الأطباء المصريين المشهورين مفضلا انتظار الطبيب الفرنسي الذي يعالجه .. وربما هذا ما يفسر طبيا ضيق مبارك من الاجتماعات الطويلة وتشتت ذهنه وعدم متابعته لما يقال بسبب سوء السمع رغم الميكروفونات الصغيرة جدا التي يضعها في أذنيه , وبينما كان يقول عقب نهاية الفترة الثانية : إنه لم يكن ينوي التجديد .. جاء في 2006 وقال بالنص ' باق في منصبي مادام في الصدر قلب ينبض ' واستقبل نواب مجلس الشعب العبارة بالتصفيق الحاد .. وبالمناسبة كان ضمنهم ال 88 عضوا الذين ينتمون للاخوان المسلمين ! وكما يؤكد الأستاذ صلاح منتصر فإن مبارك كان متأكدا تماما أنه لن يضار من وجوده في مصر بعد التنحي , كان يعتقد أنه فعل الكثير لوطنه ومهما حدث فلن يهان , ولذلك رفض بعناده المعروف الهروب رغم عروض كثيرة تلقاها من شخصيات عربية ليسافر , لقد كان بداخله صراع بين عدم الاستمرار او الاستمرار .. والاحتمال الثاني زينه في عينيه منافقو الحزب الوطني , وعلي عكس ما يروج البعض حينما يلقون بالمسألة علي زوجته .. هو الذي كان يريد توريث ابنه الحكم بدليل المادة 76 والتي تعتبر فعلا من أهم وثائق هذه الفترة , يكفي أنها المادة الوحيدة بين كل دساتير العالم التي يصل عدد كلماتها ل 735 كلمة .
( غداً فى الجزء الثاني من حكاية مبارك من العرش إلي البورش )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.