بعد 25 يناير قال 'طلع الشباب البديع قلبوا خريفها ربيع'.. ولكن بعدها شعر بالقلق علي الثورة فقال ' لو عن سقوط النظام.. لسه النظام ماسقطش'.. وعندما توالي سقوط شهداء في أكثر من حادثة قال باكيا:'شهدا وجرحي والحساب يتقل.. وبهية حالة شعرها بتسأل كل العباد ع اللي قتل ياسين'.. فما الذي يقوله الخال عبد الرحمن الأبنودي بعد عام من الثورة ؟! أول كلامي أهنئ الشعب أبو الثوار .. اللي خلق ثورته تحت الرصاص والنار '.. بماذا تشعر بعد مرور عام علي ثورة 25 يناير؟ ! أصحاب التجارب السياسية أمثالنا الذين جربوا التصادم مع الأنظمة وسجنوا لم يباغتوا بحدوث الثورة ولم يفاجأوا , وإنما هم يعتقدون أنها ثمرة لأشجار أسهموا في زراعتها ودفعوا ثمنا لذلك علي فترات متقاربة أو متباعدة , وبالنسبة لي كرجل سجن في عهد الزعيم عبد الناصر وقدم للمدعي الاشتراكي بمقتضي قانون العيب في زمن السادات , ولم يقصر في التعبير عن رأيه سواء بالشعر أو بالنثر خلال عهد مبارك , وبصفتي واحدا من خريطة كاملة متشابكة من مفكري مصر ومثقفيها ومبدعيها الذين لم يناموا عن الحق ولم يتجاهلوا أمراض الواقع التي تستفحل يوما بعد يوم والذين يسمعون أنين الفقراء ومعاناة فاقدي الكرامة قبل أن يثوروا لكرامتهم .. فإننا كنا دائما نقبض علي الحلم بثورة مقبلة , وحتي في أغنياتي حين كنت أري وحدة المثقفين تتفكك وأن أمراض المجتمع قد تصيبهم هم ضليعة هذه الأمة كنت أقول كما في أغنيتي : لو مش هاتحلم معايا .. مضطر أحلم بنفسي .. لكني في الحلم حتي .. عمري ما هاحلم لنفسي , فكان الحلم يراودنا ويقتحمنا ويفلت من بين أيدينا فنلهث خلفه , وإذ بهذه الثورة غير المتوقعة تحدث فجأة فتضيء مثل نيزك سقط من ارتفاع شاهق إلي قلب الظلمة فأضاءها ولم ينطفئ مثل بقية النيازك . أظننا عرفنا مصر وطريقها .. من بعد طول العطش بل الأمل ريقها '.. فكيف رأيت مصر في هذا العام وخصوصا أن هناك من لم يرض بما وصلنا إليه؟ نحن وجدنا أننا في مواجهة الحلم العظيم ونحن لا ندري ماذا نفعل به , أو كيف نتحاور معه , والحلم أيضا أظهر من السلوك ما يسفر عن عدم احتياجه لنا أو الاستماع إلي آرائنا , فإن من حققوا الحلم التفوا حول بعضهم البعض وكأنهم عثروا علي كنز بلا صاحب , و ( كوشوا ) عليه بكل ما يملكون , ولم أجد أمامي غير القصيدة أقف بها مع ثوار لا أعرفهم , وإن كنت لم أشك في مدي إخلاصهم ومحبتهم لهذا الوطن , وهكذا تواترت قصائدي التي بدأت بقصيدة الميدان من قبل أن يتنحي الرئيس السابق بفترة كافية ثم تواترت الأحداث وسارت القصائد تحاورها وتحول الفترات ومباغتاتها ومفاجآتها وكتبت قصيدتي الكبيرة لسه النظام ماسقطش , وهذا ما أعبر به عن السنة الماضية في الحقيقة . الثورة كالزحلفة ولكنها ثورة .. كانها لعبة ولعبناها في محاورة .. كسبنا دورة وغيرنا كسبوا ميت دورة '.. هذا ما قلته بعد الثورة بفترة قصيرة وتحقق بالفعل .. فهل الثورة بالفعل سرقت؟ قصائدي تعتبر وكأنها مرآة صادقة لمفارقات الأحداث علي طريق الثورة المتعرج الشائك الذي تنقض عليه مباغتات القوي المضادة , وذلك الصراع العجيب بين ثورة لا يملكها أو لا يملك إدارتها فرقة محددة يتقدمهم شخص محدد نتعامل ونتفاهم معه , وبين ثورة مضادة تنفلت من مصالح محددة في مواجهة رومانسية الثورة , وتستفيد في تجنيد كل عصابات النظام السابق وأدواته في مواجهة هذه الثورة بالفعل . الحزن طايح في قلوبنا بجد .. مافضلش غير الشوك في شجر الورد '.. فما الذي أوصلنا لذلك؟ الثورة تشبه قصيدة الشعر التي أنشدتها جموع الأمة في ليلة ما , ثم انصرفوا إلي أحيائها وقراها وبلدانها البعيدة , وتركت الثوار في عراء الميدان بمفردهم يتشبثون بالحلم , لينقض من أنقض علي الثورة ليحتويها سواء كانوا أحزابا كانت تعمل تحت الأرض أو أحزابا كانت لا تهتم بالسياسة أصلا , فإذ بها تلتقم مناقيرها منجزات الثورة وحرارتها وعفويتها باحتراف واضح , وبتوافق مع القوي السياسية غير الراغبة في الثورة , والتي تري أن مهمة الثورة انتهت بمجرد إدخال حسني مبارك وابنائه منطقة الإدانة المؤقتة , وهذا هو الخطأ . كل اللي زرعوا ما بينا سور الفرقة .. ويقسمونا فرقة تكره فرقة .. في النية مصر الواحدة تبقي اتنين '.. فما الذي كنت تقصده من ذلك .. وهل تؤمن بالمؤامرات التي سمعناها طوال السنة؟ هناك من التقم الثورة باحتراف , وطبعا بمجرد أننا أفصحنا عن أن هناك ثورة و أن هناك ثورة مضادة في المقابل فإن مصر أصبحت اثنين , كما أنها الآن تمارس أدوارها في العلن وبدون خشية من أحد وبدون خشية من شباب الثورة الذين حين حاولوا التصدي لمؤامرات الثورة المضادة نالت مصر ذلك القدر الأكبر من الشهداء الذين تناثرت دماؤهم علي وجهها و ثيابها واستباحت القوي كل تقاليد الخلق المصري . ياللي حاكمني ما صدقت إني صدقتك .. يومها احتميت بي .. وأنا اتداريت في دبابتك '.. فأكثر حاجة كانت مميزة في سنة أولي ثورة الخلاف مع المجلس العسكري .. فما السبب في ذلك من وجهة نظرك؟ عندما نزل العسكر اعتقد الثوار يومها أنهم حلفاؤهم علي طريق المستقبل , ولكنهم استباحوا شرف الأمة واخترقوا كل محرماتها من هتك عرض فتياتنا علي أسفلت نفس الميدان الذي نبتت فيه الثورة , وحكاية كشف العذرية والعبث بشرف فتيات الأمة بل وأبنائها , وكل تلك التي مزقت قلوبنا , وكأننا لم نكن ندري أن ذلك سوف يحدث , إذ ان الجيش حينما نزل إلي الميدان بعد انسحاب الداخلية إنما نزل ليحافظ علي الوضع الجديد حيث كانت تتهدده فكرة انتقال الشرعية من القوات المسلحة إلي ابن الرئيس المخلوع , وبمجرد تنحي مبارك وسحب أبنائه وبعض الفاسدين إلي طرة اعتقد المجلس العسكري أنه آن الأوان لانسحابنا إلي بيوتنا ليسير الأمر كما كان يرغب فيه المجلس العسكري ليس كما يرغب فيه الثوار , ومنذ هذه اللحظة خلق التناقض , وقد قلت ذلك في قصيدة لسه النظام ماسقطش , بما معناه أنه كان يحتاج هذا الانقلاب لكي يحتمي فيه . وإنت اللي دافعت عني في عركة التغيير .. بكرة حتقتلني بإيديك في ميدان التحرير '.. فمن الذي كنت تقصده وهل بالفعل أنك كنت تخاطب الإخوان؟ نعم لقد قلت في هذه القصيدة المبكرة هذا الكلام مخاطبا الجماعات الإسلامية , وكنت أقصد أن تحالف الاتجاهات الدينية مع القوي العسكرية سوف يؤدي في النهاية إلي الانقلاب علي الثورة وقتل الشهداء من الثوار الحقيقيين , وقد تم كل ذلك علي الرغم من أني كتبت القصيدة من قبلها وقد تبدو غريبة جدا , فالواقع حقق كل ما جاء في قصائدي وآخرها ضحكة المساجين والتي أهديتها إلي علاء عبد الفتاح وأحمد حرارة الذي يري بعينيه , هذا بجانب الخوف بعد سيطرتهم علي البرلمان . وجاي تفرق ما بينا تشقنا نصين .. وتقول مسيحي ومسلم .. إنت عايش فين '.. فمن أبرز ما رأيناه أيضا في هذا العام ظهور السلفيين وفتاواهم .. فما رأيك في ذلك؟ أحيانا أتعجب وأقول إن أوروبا لم تصبح كذلك رائعة ومتقدمة في الإنجازات والاختراعات وحققت للإنسان كل ما يحلم به إلا بعد أن هدمت قوي الكنيسة المسيطرة والمهيمنة علي العصور الوسطي وخرجت إلي الحلم والنور وأنظر إلي حالنا وأقول ولكننا تجاوزنا كل ذلك فهل اكتشفنا فجأة أننا لم نمر بالعصور الوسطي وقررنا أن نعود لكي نمر من خلال العصور الوسطي أولا فنفقد كل قناعتنا بالحضارة ونعود إلي اليشمك وقضايا عدم أحقية المرأة في الحياة لكي نسلبها حقها في العمل وحقها في قيادة السيارات وأن تكون قاضية وحاكمة , فأي دين هذا الذي يمنعني أن أحيي وأهنئ أخي القبطي في عيدي ونحن حاربنا معا وبنينا المجتمع معا فهذه الفئة الغاشمة والقادمة إلينا من كافة جحور الظلام أخشي علي الأمة منها . يا شعبي ياللي أنت طالع م الضلام للنور .. أصحي لكل اللي متحنجل وراك بيدور فكيف نواجه ما تقوم به تلك التيارات؟ بالرغم من كل ذلك ولكني واثق أننا لن نجعل تلك التيارات تعود بنا إلي وهابياتها وإلي الأماكن التي تمولها وتعيد صياغة مجتمع عظيم اسمه المجتمع المصري استقر علي توجهاته واستقر إلي طريقه ويسير فيه بخطي حثيثة , وهم أول من يلعبون دور الثورة المضادة , وكأننا صنعنا ثورة عظيمة لكي يجرها كل هؤلاء ويسلموها إلي بعض البلدان العربية المتخلفة التي يأتمرون بأمرها ويسيرون علي درب مخططاتها التي لن تنجح أبدا . ولا كانش فيه ثورة ولا ثوار .. ولا شعب مصر الغاضب الجبار .. لا حداشر ابصر ايه ولا عشرين '.. فما الذي يقوله الواقع الحالي؟ الآن الوضع كما نري الثورة المضادة هي المسيطرة علي الموقف ككل وهي التي تتواجد في كافة الميادين بعد أن سهل لها المجلس العسكري بالانتخابات ومن قبل الاستفتاء علي مواد الدستور إلي كل هذه الألاعيب التي تظهر عيانا بيانا والتي يعرفها الناس ويصمت عنها البعض ويتحدث البعض , ولكن المسألة صارت شديدة الوضوح بهذا الزواج الذي لا أعتقد أنه سوف يدوم طويلا بين غلظة المجلس العسكري وبين غطرسة أصحاب الاتجاهات الدينية وإحساسهم أنهم يملكون الكون وكأن أمراض الرئيس السابق وحزبه وأبناءه انتقلت إلي القيادة الجديدة . سامحيني يا أم الشهيد ماجبتلوش حقه .. ابنك عريسنا اندفن ورصاصته في حلقه '.. فالبعض يري أنه من الممكن أن يخرج مبارك بريئا أو يفرج عنه .. فما الذي تراه؟ نحن نري المحاكمات وتهافتها , ونري تبرئة الضباط من قتل الشهداء , وبالتالي إذا كان الضباط برئوا من قتل الشهداء , فلماذا لم يبرأ من أرسلهم لقتل هؤلاء الشهداء وضياع دمائهم؟ ! الثورة مش حكر لا ملكك ولا ملكي .. ملك اللي يومها سند صدره علي السونكي '.. ألا تري أن هناك من يحاول أن يحتكر الثورة؟ شاهدنا كيف تناثرت كل القوي الثورية إلي كل هذه الأعداد المهولة من الائتلافات والاختلافات , إنها أمراض اليسار القديم نستحضرها معنا تحت قمصاننا , لماذا لا يتنازل كل شخص عن غطرسته وعن إحساسه أنه زعيم وأنه لا يصح له أن يعمل تحت زعامة زعيم آخر وكأننا 86 مليون زعيم وفرعون , وهو طابع عام في حياتنا إذ اننا نعيش فرديتنا بامتياز ولا نتعامل كفريق واحد , فنحن في كرة القدم مجموعة رائعة من الموهوبين وكأننا نأنف أن نتعامل كفريق , وإنما يريد كل منا أن يظهر مواهبه , وهذا ما يجعلنا نخسر ونفقد النجاح في كثير من المرات , ولذلك فانني أتمني قبل أن أرحل أن أري كل الثوار في كيان قوي يقف أمام كل هذه الدعاوي التي يغرقنا بها أصحاب التخلف وقوي الظلام الفكري الغريبة .