هو صوت مصر وقلبها النابض بالأمل والحرية والوطنية, وهو طائر الرومانسية العذب المتوج علي عرش شعر العامية, وهو النبع الصافي الذي روي حياة المصريين في الريف والحضر في الصعيد والبوادي وفي قلب الأدغال. يطوي الجبال المسكونة بالرهبة والجبروت. إنه عبد الرحمن الأبنودي.. ترنيمة حب وعشق ونزق وتمرد عبر كلمات تستطيع أن تصالحك.. تبكيك وتشقيك تجعلك تنتشي فرحا طفوليا, وتتنقل بين الزهور كفراش تواق للضوء. هو الباعث في نفسك الشجن وجذوة الشوق والحنين, والمانح لك قدرة فائقة علي تجرع الهزيمة والعبور بجسارة المقاتل المصري الصلب عاري الصدر وصولا إلي بوابات الحرية والنصر. وفي حواره مع ملحق الجمعة يقدم لنا شاعرنا الكبير عبد الرحمن الأبنودي رؤيته حول ثورة52 يناير وغيرها من الثورات في حياة المصريين, ويعرج بنا عبر رحلة حياته المفعمة بالألم والأمل ليرسم لنا لوحة مصر المقبلة علي طريق الحرية والديمقراطية, الحاضنة لكل أبناء هذا الوطن, وإليكم التفاصيل: أيام ويمر عام علي ثورة52 يناير.. هذه الثورة التي أزاحت الخوف والظلم والتي نادت وتنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية.. كيف تري الثورة وميلادها؟ نحن جيل عاش علي فكرة الثورة, جيل الستينيات لم يحلم بشيء إلا بتغيير الأوضاع لهذه الأمة وبناء مستقبل لأبنائها وعاش شعراء وأدباء وقصاصون وروائيو هذا الجيل علي فكرة أن نغيير هذا العالم, ومن النادر أن تلتقي واحدا منهم لم يدخل السجن ولم يعتقل, نحن جميعا دفعنا ثمن فكرة وهمية أو حلم في غيامات الرؤي اسمه الثورة المصرية, وأتعجب الآن حين أعود لأشعاري فأجدها مواكبة وبصورة مطابقة للواقع الحالي وربما ينبهني إلي ذلك شباب الثورة.. فقد عثروا علي قصائدي ونشروها علي الفيس بوك واليوتيوب.. وكأنها كتبت اليوم للميدان والثورة, ويصرون علي أن هذه هي آخر قصائدي!! مثل قصيدة الأحزان العادية, وقد كتبتها من ثلاثين عاما عن الضابط الذي يضرب الثوري.. وكذلك قصيدة الجنر والمر عن مظاهرات الشباب في ميدان الإسماعيلية ميدان التحرير الآن ونادرا ما يصدق الشباب أن هذه القصيدة كتبت من سنوات طويلة, لأنه لم تحدث ثورة منذ ثلاثين عاما فكيف يمكن أن يكون هذه الرؤي مطابقة تماما.. ففي قصيدة الأحزان العادية أقول: وفجأة هبطت علي الميدان من كل جهات المدن الخرسة ألوف شبان زاحفين يسألوا عن موت الفجر استنوا الفجر وراء الفجر إن القتل يكف أن القبضة تخف ولذلك خرجوا يطالبوا بالقبض علي القبضة وتقديم الكف الدم.. الدم وحين أتحدث عن الضابط وأقول يهين المعني الضابط ويدوس بالجزمة علي الحلم ربنا رازقه بجهل غانية عن كل العلم.. وهي كلها مشاهد عن شباب الثورة الذي استبيح في الميدان, والذي قدم للمحاكمات العسكرية, والذي ذهب إلي سجن الاستئناف.. فإذا بهذه القصائد القديمة تعود مرة أخري.. وهناك قصيدة الميدان وقد كتبتها بسرعة استجابة لما حدث في الميدان..ولم يكن قد تخيل أحد أن حسني مبارك من الممكن أن يزاح عن السلطة هو وأبناؤه والعادلي... ثم كتبت قصيدة لسه النظام ما سقطش وهذه القصيدة فتحت الباب لقصائد كثيرة وجرأت الشعراء.. وقصائدي تلك هي مزج بين الإبداع والصدق والخيال السياسي.. ودائما هناك قضية تطرح, وهي أن الكتابة في السياسة تعني السقوط في المباشرة.. وطبعا المباشرة مرفوضة لأن الشعر المباشر سرعان ما يتبخر في الهواء.. ولا يستطيع النبت في أرض الواقع وأرض الحقيقة وأرض الشعر وأرض المستقبل هناك شعراء كبار وأساتذة مثل أراجوان وناظم حكمت ولوركا و برخيت والوار, كتبوا أشعارا سياسية تعيش حتي الآن, ولها فعلها ليس في الواقع الإقليمي للشاعر نفسه ولكن علي مستوي العالم كله, وقصيدة الميدان التي اقتطعت أحد الفرق الموسيقية وهي وسط البلد جزءا منها وغنوها وكأنها كتبت أمس.. وهي علي رغم من تناولها للثورة المباغتة التي قامت إلا أن موضوع الثورة نفسه ليس جديدا في شعري بل استكمالا لمسيرة طويلة. لكن ماذا عن قصيدتك التي كتبتها عن علاء عبد الفتاح وأحمد حرارة؟ هي من القصائد الثورية, وقد أهديتها لعلاء عبد الفتاح وأحمد حرارة أحب أن أشير إلي أنها تتوج خبرتي مع الزنازين فأقول في بدايتها.. تغازل العصافير قضبانها زنزانة لأجلك كارهة سجانها دوق زينا حلاوة الزنازين.. وهذه الكلمات تدل علي عشرة قديمة بيني وبين الزنازين.. كتابة من داخل التجربة الذاتية الخاصة جدا, وليست تلك هي القصيدة الوحيدة, وفي رأيي أن الشعر هو الذي يستدعي هذه القصائد, وحين يقصد الإنسان أن يكتب قصيدة بعينها فإنه لا يكتبها.. فالشاعر الحقيقي يشعر أنه ثمة عاصفة مقبلة تخرجه من سياق الواقع والبيت والعالم واهتماماته.. وهو ما يسمي مجازا الوحي أو الالهام شيطان الشعر.. وأنا نادرا ما أعرف ما الذي سأكتبه وإلي أين سوف تأخذني القصيدة.. وهذا إن دل علي شيء فهو يدل علي أن التصاقي بشعري أصدق من التصاقي بأي شئ آخر بما فيهم زوجتي التي أحبها وأبنائي الغاليين جدا.. وذلك لأن الشعر عندما يأتي يلغيني ويلغيهم.. هذه الأشياء تصبح أشبه بالظلال علي جدار الحقيقة والواقع. أعود لضحكة المساجين وأقول لك إنها تذكرني تماما بموال النهار لعبد الحليم حافظ ذلك الموال الذي بشر يتجاوز الهزيمة في76 والانطلاق نحو صنع النصر في37, وقد كان له مفعول السحر في إيقاظ نبض الشارع من جديد. انطلاقا من حدسك الشعري الذي يشترف المستقبل, تري ما أخطر ما يواجه ثورة52 يناير؟ أولا لسنا جميعا ثوريين, ولسنا جميعا نحلم بنجاح الثورة.. كل القوي انقسمت إلي أكثر من قوي.. منهم من هم مع الثورة وهم الثوار والمتعاطفون معهم وأحبابهم ومن راهن عليها بكل ما يملك, وهناك من هم ضد الثورة ويتمايلون ويسلكون سلوكا يعتقدون به أنهم أذكياء, ولكن الثورة أذكي وتدرك جيدا ما يفعلون.. وهؤلاء الذين يضيعون المراحل علي الثورة, ويعطلون برامجها, ويرهقون الشعب, ويصنعون الفتنة في صفوف الشعب بحيث يتحول البعض إلي موقف الرافض للثورة بعد أن كانت مصر كلها مع هذه الثورة. وفي رأيي أن أخطر ما يواجه الثورة هو تفتت القوي الثورية.. تلك العشرات أو المئات من الاختلافات المسماه بالائتلافات.. وهو مرض الحركة الثقافية منذ القدم.. لأننا في الحقيقة فراعنة ولا نجيد الذوبان في بعضنا البعض.. وحينما فعلنا ذلك في ميدان التحرير كنا قوة زلزلت العالم.. وللأسف المصري دائما يحاول أن يظهر مهاراته الفردية علي حساب فكرة الجماعة.. ومن هنا لابد من جبهة توحد كل الفئات والأحزاب والأشخاص, وإذا اجتمعت الفرق والحركات في جبهة واحدة مع الاحتفاظ باستقلالية كل منهم.. سننتصر علي الفشل, وإذا لم نحقق ذلك فسوف نظل في هزيمة دائمة.. أيضا للحركة الثورية أن تنظر إلي نفسها من جديد, وأنا دعوت منذ فترة لإقامة اتحاد ثقافي لمبدعي مصر جميعا ومفكريها وسياسيها لأن آن الآوان أن يتكون هرم ضخم في هؤلاء المبدعين الذين لا مثيل لهم في الأمة العربية في هذه اللحظة الفاصلة. اشتعلت ثورة52 يناير واستمرت ومازالت بدون قائد.. ألا تري ضرورة وجود قائد للثورة أو علي الأقل أب روحي لحمايتها ويكون بمثابة قائد يلتف حوله الجماهير والسياسيين والثوار..؟ لا شك أن التفتت في الحركة الثورية أدي إلي هذه النتيجة..وذلك لأننا تعلمنا بالعلم وليس بالعاطفة أن الثورة يصنعها حزب جماهيري تنخرط فيه كل قطاعات الأمة الراغبة في الثورة علي الأوضاع.. ونحن لا نملك هذا الحزب.. ولا أحد يلتفت لسعار الاحتكاكات القيادية التي تملك الساحة.. وفي رأيي لا يمكن أن تنجح بدون العمل الجماعي, لابد أن نتنزه عن الصراعات اليومية بين هذا وذاك.. ونتنزه عن صراعتنا من أجل الرئاسات.. وفي رأيي القائد لا يأتي إلا من خلال حزب جماهيري كبير تمثل فيه كل القوي الثورية الراغبة في التغيير وأصحاب المصلحة.. وأتذكر هنا قصيدتي الدائرة المقطوعة وهي تحكي عن غربة المثقفين عن القوي الاجتماعية التي يتوههون أنهم بعبرون عنها بدون النزول إلي الجماهير والتلاحم معهم حتي يحدث التغيير الحقيقي الذي يقودنا إلي شاطئ الأمان. وأشير إلي أن قصيدتي الدائرة المقطوعة تشير إلي معني التلاحم المطلوب, فلو كان هناك شابان في قرية مثلا يهتمان بالثقافة.. ويتعرفا علي بداية طريق التثقيف والمعرفة.. فإن أول شيء يفعلاه هو أن ينعزلا عن القرية في مقهي خارج القرية.. مع أن الأصل في الأمر أننا نتثقف من أجل التنوير ومن أجل التغيير ولكن ما يحدث هو العكس.. ونفس الظاهرة تتكرر مع المثقفين في المدينة الكبيرة.. وينفصلون عن شعوبهم ولا يعرفون شيئا عنهم.. وتغيب الشعوب رويدا رويدا ثم تتحول إلي كلمة الشعب.. الأمة.. الثورة.. وتصبح ألفاظا بلا مضامين حقيقية, ولذلك لم أباغت ولم أفاجيء بنتائج الانتخابات, لأنني أعلم!! ولو كنت بوغت بها لما كنت كتبت هذه القصيدة منذ03 عاما وهي قصيدة الدائرة المقطوعة. { من وجهة نظرك الشخصية كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة وكيف نكمل الدائرة المقطوعة؟ لابد لشباب الثوار الذين أخفوا أسفلت ميدان التحرير وما حوله.. لو كل منهم تحدث مع أسرته.. لو كل منهم عاد إلي أهله وبتواضع تحدث معهم عن الثورة وعن المستقبل,هنا يستطيع أن يقودوهم ببساطة.. ومن مجموع هذه التكوينات الصغيرة يتكون البدن الكبير.. قليل من التواضع ضروري للشباب, وأيضا لابد أن نعلم أن الثورة لن تسقط لنا مع الندي والمطر في الصباح, الثورة عمل يدوي إن لم نشقي فيه فلن نصل إلي جوهره ولن نحقق أي شئ.. لأن الثورة عمل وليس مجرد كلمات.. { هذا يعني أننا مازلنا في بدايات الثورة, في رأيك فيما تحقق بين انجازات, وما هي أهم الأهداف التي لم تحققها الثورة بعد؟ مالم يتحقق من أهداف الثورة لا أستطيع حصره..ولكن أهم هدف حققته ثورة52 يناير هو أنها أثبتت أننا قادرون علي صنع ثورة بهذا الحجم, وثانيا: نجحنا في إسقاط جدار الخوف.. ونزع السلاسل عن القلوب والوجدان والأيدي واللسان.. لم يعد الآن أحدا خائفا, برغم أن الأمور تأخذ منحنيات خاطئة أحيانا.. بالتجاوزات من البعض.. كقطع الطريق والسكة الحديد, ولكن هذا لقلة فعلنا بين الناس ولعدم وجودنا بحيث ألا نجعل الثورة تتخذ هذه المجالات المنحرفة, وعادة ما هناك قوة غشيمة تلعب هذا الدور في قيادة الجماهير نحو الثورة المضادة. وهي بذلك تخدم النظام السابق ولا تخدم الثورة.. هذا ما حققته الثورة, وهو أنني أتحدث بحرية بعد أن كنت أتحدث خائفا.. وعلينا ألا نترك الفرصة للقوي المضادة لكي تستعيد مكانتها مرة أخري ونحن نري ما يحدث الآن, فالفتنة الطائفية هي محاولة لقيام حرب أهلية فعلينا ألا نترك لهؤلاء أي فرصة لأنهم يعملون بخبث شديد لحساب بعض البلدان المحيطة بنا أو من الخارج. ويجب أن نتذكر أن أوروبا لم تصبح أوروبا الحديثة إلا بعد أن تخلصت من قيود العصور الوسطي وحطمت سطورة الكنيسة وجبروت الأفكار الكهنوتية وقوانين هذه الكنيسة التي كانت تعوق التقدم, فأصبحت أوروبا الحديثة.. أما نحن كما تري اكتشفنا فجأة أننا لم نمر بالعصور الوسطي فقررنا أن نسلك الطريق الصحيح وهو أن نترك كل تحضرنا وأن نذهب للدخول في العصور الوسطي المظلمة مرة أخري, ولكن أملي كبير في حماقة هذه القوي التي تريد أن ترتد بنا للخلف!! وأملي كبير في العقل المصري وقدرته علي الحفاظ علي مكتسباته ووعيه و مكانته في قيادة هذه الأمة العربية بل و الإسلامية أيضا. { كيف نصل بجسور التفاهم والالتقاء والتعاون بين خبرة الكبار وحكمتهم وبين شجاعة وبراءة الشباب في كل مصر.. في المؤسسات, في الأحزاب, في البرلمان, في الميدان..؟ حين قامت الثورة فوجئت بأن الكثير من رموزها من الشباب شديدي الغرور, ولهم صدور خرسانية.. أي أنك حينما تطرقين باب قلبه أو عقله لا يستمع إليك.. ويعتقد هذا الشباب أن ثورته جاءت بوعيه هو!! وفكره هو!! ونضاله هو فقط!! وأن الأجيال التي سبقته كأنها لم يكن لها تاريخ وهذا من أكبر الأخطاء والجرائم!! لولا نجيب محفوظ لما ظهر جمال الغيطاني وإبراهيم أصلان وخيري شلبي وإبراهيم عبد المجيد وعلاء الديب.. ولولا عبد الله النديم لما ظهر فؤاد حداد ولا صلاح جاهين ولا الأبنودي ولا سيد حجاب, ولولا نضالات كل من ناضل من قبلنا لما وجدنا هذه اللغة التي نخاطبك بها الآن.. فهذه اللغة التي نتكلم بها ليست لغتي ولكنها لغة موروثة من نضال أناس سبقونا وماتوا شهداء. ونحن بدورنا كتبنا كل قصائدنا التي نشرت في السنوات الماضية.. ألم تساهم في اضاءة الطريق نحو الثورة لهؤلاء الشباب!؟ في رأيي من أكبر أخطاء الشباب الثوريين أن كل شاب منهم يتصور أنه زعيم! وهذا خطأ كبير, لأن الزعيم هو الذي يستطيع أن يوحد لا أن يفرق.., فأنا كشاعر لا أستطيع أن أدعي انني شاعر السماء والأرض والأولين والآخرين!! وإنما أنا شاعر وسط كوكبة من الشعراء أموات وأحياء وقادمين.. كل منا يرصف جزءا من الطريق الذي سيمر عليه الثوار من أجل انقاذ هذه الأمة؟ { حسب تصورك المبني علي تلك الأسس الراسخة في التراث المصري والعربي ما الخطوة الأولي لبناء الجسر؟ أظن أن الظروف القادمة والعقبة للثورة المصرية والمأزق الذي دخلت فيه الثورة أو كما أقول دخل الربيع في أغبي كمين هذا الوضع سيجبر الثوار علي التعلم من جديد وسوف ينبت فكرة الجماعية في قلوبهم ووعيهم سواء أرادوا أو لم يريدوا.. { قلت منذ شهور انك مازلت خائفا علي ثورة52 يناير أن تفقد سر اندلاعها.. هل مازلت خائفا؟ حتي لو الثورة أصبحت هي القوة الوحيدة الموجودة علي أرض مصر فإن الخوف سوف يلازمني دائما, لأن الثورة هي ثورة ضد قوي كبيرة وهذه القوي ليست بلهاء.. هذه القوي لها مصالح ربما تعيها أكثر مما نعي نحن مصالحنا في الثورة. أنا خائف باستمرار علي الثورة لأن ثمة أعداء مستيقظين ومتربصين بالثورة لأن الثورة بتفضح مواقعهم الاقتصادية اللصوصية والسرقة والفساد الكبير. وهذه القوي دائما ستريد التخلص منا ومن الثورة في أقرب وقت, إلي جانب هؤلاء الذين يعتقدون اننا ملحدون وعلمانيون وكفرة بالله!! ويريدون أن ينظروا فلا يروننا علي سطح الأرض.. كيف أطمئن إليهم؟!! وأنا أري أن هؤلاء المستقرين في فسادهم هم أقوياء جدا ويمارسون يوميا العمل ضد الثورة بصورة أو بأخري.. لا أريد أن تتحول الثورة إلي فكرة رومانسية.. فهذه هي الخطيئة الكبري!! إذا تصورنا أن الثورة عمل سهل.. الثورات تتم بالدماء والحروب.. التاريخ يحكي لنا عن ذلك في الثورة الروسية والفرنسية.. وكل ثورات العالم.. الثورة عمل يدوي مشقي جدا ويحتاج لقدر كبير من الشقاء والوعي. { هل الحالة الثورية والتغيير يفقد الشعوب أو يغير من المنظومة الأخلاقية الثابتة لهذا المجتمع بسبب اندلاع العنف والمواجهات وفقدان الأمن والنظام.. إذا طبقنا علي الواقع الذي عشناه ومازلنا منذ قيام الثورة.. نجد أن الشعب المصري عاني من فساد وتجريف لكل القيم الأخلاقية والتطلعية وقضي علي أحلامه, من أكبر الأحلام إلي أصغرها, وأن يكون رافضا لكل ذلك في لحظة, هذا يدلنا علي جوهر هذا الشعب. ورأيي دائما أن الظروف هي التي تصنع الإنسان.., الناس في الاتوبيس المزدحم يشتمون بعضهم البعض بضراوة والناس في الأتوبيس الخالي يقفون لبعضهم البعض ويتعاملون بإنسانية, فالظروف هي التي تصنع الإنسان, وهناك قول يقول إن كانت الظروف هي التي تصنع الإنسان فعلينا أن نصنع الظروف الإنسانية لأننا لو وضعنا ظروفا إنسانية حصلنا علي إنسان نادر, وهذا ما أوصل الشعب المصري للقيام بالثورة أو للسير خلف هؤلاء البشر الذين كانوا يعتقدون أنهم في طريقهم إلي ميدان التحرير يوم52 يناير ليتم ضربهم كالعادة ويعودون آخر الليل منهكين وضميرهم راض!! وإذا بهم يفاجأون بالشعب المصري كله خرج لأول مرة, والمعروف أن الشعب المصري لا يثق في أصحاب الياقات البيضاء كثيرا.. والشعب المصري هو أول شعب في العالم اخترع القناع!!, وإذا تحدثت مع الفلاح تأكد أنه لن يتحدث بالصدق!! والحاكم الذي يحكم بلدا مثل مصر بالذات يخطئ إذا اعتقد أن ما يراه علي وجوه الناس الحقيقة!! والفلاح لا يقول الحقيقة بسبب ما تعلمه من ظروف القسوة والاحتلال والتعسف والاهلاك.. الشعب المصري تعلم أن يظهر للحاكم وجها ليس هو الوجه الحقيقي لكي تستمر الحياة. {منذ52 يناير1102 ومصر تمر بأيام ليست سهلة رغم نسائم الحرية.. ولم تكن الحياة هادئة رغم نجاح الثورة في خلع حسني مبارك,, فالثورة المضادة قائمة ومازالت هناك مواجهات وأزمات.. في رأيك الأيام الصعبة انتهت أم لم تنته بعد؟ نحن لم ندخل بعد في الأيام الصعبة.. نحن أنشدنا قصيدة وأطلقنا بعض الهتافات وزرعنا بدايات الثورة في أسفلت التحرير وش محمد محمود والسويس وحتي الصعيد الذي لم أكن أتخيل أنه سيتحرك.. ولكن تحرك شبابهم وهكذا.. ولكن المشوار طويل, وأنا في رأيي أن كل ما حدث هو بروفة الثورة, كل هذا النضال الذي نراه وكل هذا الفيض من المشاعر الانسانية, ومن دماء الشباب النبيل ما هو إلا البروفة الأولي للثورة وأي إنسان ذو علم وذو رؤية يوافقني علي ما أقوله.. وأقول هذا ليس ليدب اليأس في قلوبنا أو نذهب إلي بيوتنا ولكن لنعلم أن النضال طويل.. وعلينا أن نتذكر أن جماعة الاخوان المسلمين استمرت تناضل ثمانين عاما تحت الأرض.. وعلينا أن نعلم أن مشوارنا يبدأ من الآن والمشوار طويل..