بايدن: نبذل كل ما في وسعنا لإنهاء الحرب على غزة    الحوثيون: تنفيذ 3 عمليات عسكرية ضد مدمرة أمريكية وسفينتين فى البحرين الأحمر والعربى    إريكسن أفضل لاعب في مباراة سلوفينيا ضد الدنمارك ب"يورو 2024"    تعادل منتخب الدنمارك مع نظيره السلوفيني بنتيجة 1 – 1 ضمن المجموعة الثالثة في يورو    بوفون: إسبانيا منتخب صلب.. وسيصل القمة بعد عامين    موعد مباراة البرتغال والتشيك في يورو 2024.. والقنوات الناقلة والمعلق    إقبال كبير لرحلات اليوم الواحد على شواطئ رأس البر    الحج السعودية: وصول ما يقارب 800 ألف حاج وحاجة إلى مشعر منى قبل الفجر    توفير 10 سيارات مياه ب 4 مناطق في الهرم بأول أيام عيد الأضحى (صور)    أول أيام عيد الأضحى المبارك.. سينمات وسط البلد كاملة العدد | فيديو    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    الرياضة: حملة بشبابها تشارك في احتفالات عيد الأضحى وزيارات للمحافظين للتهنئة    "Inside Out 2" يزيح "Bad Boys 4" من صدارة شباك التذاكر الأمريكي    ماذا يحدث في أيام التشريق ثاني أيام العيد وما هو التكبير المقيّد؟    وكيل «صحة كفر الشيخ» يتابع انتظام العمل بالمستشفيات في أول أيام عيد الأضحى    «أتوبيس الفرحة».. أمانة شبرا بمستقبل وطن توزع 3000 هدية بمناسبة عيد الأضحى| صور    سويسرا تعتزم إجراء محادثات مع روسيا بعد قمة السلام بشأن أوكرانيا    الغندور ينتقد صناع "أولاد رزق" بسبب "القاضية ممكن"    الدراما النسائية تسيطر على موسم الصيف    ريهام سعيد تبكي على الهواء (تعرف على السبب)    «العيدية بقت أونلاين».. 3 طرق لإرسالها بسهولة وأمان إلكترونيا في العيد    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    مرور مكثف على مكاتب الصحة ومراكز عقر الحيوان بالإسماعيلية    في أقل من 24 ساعة.. "مفيش كدة" لمحمد رمضان تتصدر التريند (فيديو)    وزير الداخلية الباكستاني يؤكد ضمان أمن المواطنين الصينيين في بلاده    فلسطينيون يحتفلون بعيد الأضحى في شمال سيناء    التصعيد مستمر بين إسرائيل وحزب الله    لتحسين جودتها.. طبيبة توضح نصائح لحفظ اللحوم بعد نحر الأضحية    قصور الثقافة بالإسكندرية تحتفل بعيد الأضحى مع أطفال بشاير الخير    موراي يمثل بريطانيا في أولمبياد باريس.. ورادوكانو ترفض    عيد الأضحى 2024.. اعرف آخر موعد للذبح والتضحية    وصية مؤثرة للحاجة ليلى قبل وفاتها على عرفات.. ماذا قالت في آخر اتصال مع ابنها؟    قرار عاجل في الأهلي يحسم صفقة زين الدين بلعيد.. «التوقيع بعد العيد»    وفاة ثانى سيدة من كفر الشيخ أثناء أداء مناسك الحج    يقام ثاني أيام العيد.. حفل أنغام بالكويت يرفع شعار "كامل العدد"    تقارير: اهتمام أهلاوي بمدافع الرجاء    هالة السعيد: 3,6 مليار جنيه لتنفيذ 361 مشروعًا تنمويًا بالغربية    «سقط من مركب صيد».. انتشال جثة مهندس غرق في النيل بكفر الزيات    ضبط 70 مخالفة تموينية متنوعة فى حملات على المخابز والأسواق بالدقهلية    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    روسيا: مقتل محتجزي الرهائن في أحد السجون بمقاطعة روستوف    القوات الروسية تحرر بلدة «زاجورنويه» في مقاطعة زابوروجيه    3 فئات ممنوعة من تناول الكبدة في عيد الأضحى.. تحذير خطير لمرضى القلب    رئيس دمياط الجديدة: 1500 رجل أعمال طلبوا الحصول على فرص استثمارية متنوعة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 16 يونيو 2024    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    قائمة شاشات التليفزيون المحرومة من نتفليكس اعتبارا من 24 يوليو    النمر: ذبح 35 رأس ماشية خلال أيام عيد الأضحى بأشمون    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    بالصور.. محافظ الغربية يوزع هدايا على المواطنين احتفالا بعيد الأضحى    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    ما هي السنن التي يستحب فعلها قبل صلاة العيد؟.. الإفتاء تُجيب    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحمن الأبنودي‏:‏ التنحي‏..‏ العبور الجديد لمصر مبارك حكمنا بعقلية موظف تموين‏!‏

مساء الجمعة‏11‏ فبراير‏2011‏ لحظة إعلان تنحي محمد حسني مبارك عن حكم البلاد‏..‏ عاش جموع الشعب المصري معني الفرحة الوطنية العارمة الكبري.. الفرحة التي لم تزره إلا مع عبور الجيش المصري خط بارليف المنيع ونجاحه في تحقيق النصر والعزة والكرامة. ومع مرور عام علي تلك اللحظة التي أنهت عصرا طويلا من الاستبداد والظلم إلا أننا مازلنا نحلم بتحقيق أهداف الثورة الحقيقية: العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
ومازال الطريق طويلا وصعبا
ومازال الشهداء يتساقطون
ومازالت المؤمرات تحاك
ومازالت بذور الفتنة قائمة
ذهبنا لنسأل عبدالرحمن الأبنودي الشاعر المناضل عن تلك اللحظة العظيمة وعن الميدان وأهله وعن حالات الانقسام والفرقة وعن حبنا لهذا الوطن وعن القصيدة والأمل..
وإليكم الحوار:
هل كان الميدان داخل ذلك الأتون يدرك كنه قوته؟
كان الميدان يدرك أنه صار بركانا ملتهبا سوف تصل ذروته إلي آخر حدود من ظلموه وأهانوه وسرقوه. وإنه يزلزل قلوب أعدائه ويرد لهم ديون إرهابه واستلابه التاريخي, وأن السنين تثأر لنفسها في تلك الليلات الحافلة.
كان الميدان محدودا قبل أن تطأ أقدام الثوار برودة أسفلته لتدفئتها وتباعدت عماراته بفعل زئيرهم, ظلت الشعارات العالية تخرج من الحنجرة الجماعية لتظل ثابتة في الهواء ولا تذوب مثل كلماتنا وأقوالنا.
هل كان أهل الميدان القادمون من كل بقاع مصر يدركون أنهم صاروا الآن أقوي من السلطة ببوليسها وكل أجهزتها القمعية وجرائدها الكاذبة وشاشاتها المزيفة؟
لا أظن, نعم لقد أدركوا أنهم أقوياء, بالذات حين اقتلعوا أمن النظام للانتقام من الفرعون الذي يعمل جميع الظالمين القساة واللصوص المتشكلين في عصابات بأمر منه وبرضاه..
لذلك ما إن أعلن عن( تخليه) عن السلطة وتكليف المجلس العسكري بإدارة شئون البلاد حتي هاج الميدان وماج فرحا وأحس أنه دخل إلي العالم الجديد, عالم يظلله العدل, ويصبح فيه الخلق سواسية كأسنان المشط, يستردون أموالهم المنهوبة وكرامتهم السليبة, فرحوا فرحة وطنية عارمة هي الأكبر منذ عبور أكتوبر لذلك ويا للعجب تسربوا إلي بيوتهم سعداء, يحتضنون أزواجهم وأولادهم ويحلمون لهم بغد لا سبيل لوقفه أو انكساره.
وماذا كنت تنتظر منهم أن يفعلوا أكثر من ذلك, وهل كان بإمكانهم البقاء؟
أنا أيضا انبهرت مثلهم بهذا الإنجاز المعجز, إنه حلم كتبته أشعاري علي طول مسيرتي, حلم داعب المخيلة, واحتجزت خلفه الضمير منذ بدأ قلمي يعرف السبيل إلي القصيدة, ولكنني مثل غيري من أهل الثقافة والمعرفة, أعلم جيدا وموقن بأن سقوط رأس النظام لا يعني سقوط النظام وتحقيق كل تلك الأحلام النبيلة التي سبح في دمائها شعبنا الذي اكتشف فيما بعد وحتي الآن أنه لم يعثر علي شاطئ وبدأ يتشكك في إمكانية العثور علي الشاطيء الذي حلم به, وبدأت العوامل الطبيعية تتكاتف وتتكاثف عليه من أمواج إلي رياح وعواصف وبرد وأمطار لم يعمل لها حسابا ولم يضعهما في اعتباره حين نزل إلي بحر أمنياته..., نظر من حوله فإذا بالبدن المهول المخيف يتفتت وفي طريقه لأن يتبدد ويبحث عمن قادوه إلي النصر وإسقاط الحاكم, فلم يجد حوله أحد يدله أو يسهم في إرشاده إلي بر النجاة..
وفي رأيي أن كل سر النجاح الماضي يكمن في عبقرية الشعب ووعيه بأصله الحضاري, ولم يكن عملا منظما له قادة يربطهم به تاريخ حميم وعلاقات قديمة, رأي بعضهم علي شاشات الفضائيات ولم يصله من كلامهم الكثير.. فهم يستعملون لغة تستعصي عليه.., بينما كل كلمة وكل تحرك في الميدان كان يفهمه بل ويبادر هو إليه ويتبعه الآخرون.
لم يعد يفهم لغتهم, صار الفرد فردا مرة أخري, وحيدا مرة أخري.
يحن للحظات الميدان, ولكن الوقت لا يوافيه والأحداث المعادية له تتابع, ولا يدرك أن ثمة شئ اسمه الثورة المضادة, تطل عليه في صور بلطجة وسرقات سيارات وسطو علي المتاجر واختطاف وفدية, وسطو بنوك مسلح.. وقتل بلا أسباب يعقلها..
وآلاف الناس يقطعون طرق السكك الحديدية والطرق الزراعية والصحراوية وكأن مصر لم تعد مصر وكأن الشعب أفسدها بثورته النبيلة..
كيف تري أو تفسر حال الانقسام الذي تراه الآن؟
انقسمت القوي التي أسهمت في الثورة وتولي النظام القديم تعميق الخلاف, لينضم جزء من قوة الجماهير إلي الدولة في عزل مقصود القوي الثورية الحقيقية, الجزء الذي بدأ التفكير في الثورة, وبدأ العمل من أجلها, وأول من وضع أقدامه في دائرة اللهب, أبعدته الصفقات الخفية, ليكتسح الآخرون السباق بعد أن أخفي أصحابه الصفقات وظهرت حداثة علاقاتهم بالجماهير الأرضية, وهم أبناء خبرة ومؤسسات قادرة علي جعلنا ندين أنفسنا نحن جماهير الثورة لذلك اختارت الجماهير الزائفة أو الجديدة نوعية تدين لهم بالولاء وهم علي علاقة قديمة بهم..
وماذا عن القوي التي اعتقدنا أنها فقدت أرضها ونفوذها؟
لم تفقد شيئا, هل تأثر من يستنزفون أموال الشعب وتجار قوته وملبسه وعلاجه؟ أبدا..
هل تأثر كل أهل النظام اللابدين في شرايين مؤسساته والذين يدينون بوجودهم للنظام الذي اعتقد أهل الميدان أنهم أسقطوه.. يوم أسقطوا رئيسه وأبناءه والكام واحد من الملتفين من حوله وكاتمي أسراره؟
هل حوكم رأس النظام وأتباعه محاكمات جادة ترضي الله والشعب؟ أبدا هل تغيرت القيادات الأمنية من هنا أو من هنا, وهل حصلت إعادة صياغة حقيقية للمجتمع؟ وهل نحن سائرون إلي غاية واضحة محددة علي الرغم من وعينا بما نريد وحلمنا بغد عظيم لأبناء شعبنا الصامد الصابر المثابر؟ أبدا
تاني معاكم رجعنا نحب كلمة مصر
تاني معاكم رجعنا نحب ضحكة بعض
هذه كلماتك الشعرية.. هل كنا توقفنا عن حب مصر؟
نعم كنا تراجعنا عن حب مصر.. لأن القوي القديمة كانت قد نجحت في تفريق وتجميد هذا الحب.. وكان لدينا شعور أننا تحولنا إلي جزر متفرقة.. لا رباط بين هذا وذاك ولا يوجد من هو مسئول أمام الآخر.. وبالتالي كل إنسان في المجتمع يحاول أن يأخذ أي شئ وحتي لو ليس له فيه حق.., وفي عالم الهبش وضياع الحقوق.. الناس تتباعد.. وظلت أكاذيب الحزب الوطني تملأ الإعلام والشاشات.. علشان مستقبل ولادك وفي الحقيقة أن عمليات السرقة والتجريف مستمرة وبشكل منظم..
وقد كانت ثورة يناير لتمحو هذه الأكاذيب وتزيلها.. ولذلك عدنا مرة أخري نفخر بكلمة مصر أمام العالم بأسره.
ونأمل في مستقبل حقيقي..
هذه الثورة في رأيي مادة رائعة لإزاحة الصدأ من كلمة مصر ومن علي ضحكتنا ومن علي إنسانيتنا.. ومن علي محبتنا لبعضنا البعض, هذه الثورة مثل الدواء الناجح لمحو كل أحزاننا القديمة ويأسنا وتخاذلنا القديم..
قبل ثورة25 يناير بشهور كتبت مقالا حزينا.. شرحت فيه أن المصريين تغيرت طباعهم مثلما تغير مجري نهر النيل بعد إنشاء السد العالي.. بمعني أننا لم نعد نثور.. ولكن ثار المصريون.. ما تعليقك؟
كنت أقصد أننا تركنا للمفسدين إفساد الكثير من قطاعات الشعب المصري تماما, كما سمحنا لكل المفسدون أن تكون مصانعهم نهر النيل..وتركنا المفسدين يفسدون روح شعبنا المصري العظيم.. ولكن الانسان المصري صاحب الشخصية التي لم نجدها تتكرر سواء في البقعة العربية كلها أو في العالم الخارجي في أوروبا وغيرها.. الإنسان المصري هو عملة نادرة وتكوين حضاري نادر.. نحن رأينا هذا يتم أمام أعيننا يوما بعد يوم.. مع فساد التعليم وفساد المنظومة الصحية, مع فساد الأمن وتفشي الظلم.. وضياع الحقوق.. وانسحاق الفقراء تحت أقدام الأغنياء وتسيد القيم المادية الفجة.. ومازال التعامل مع الإنسان المصري بقدر ما يملك وبقدر موقعه الاقتصادي في معظم الأحيان.. وللأسف مازالت بعض هذه القيم سائدة.. ومازالت بعض مراكز القوي هذه.. تتحرك لقتل الثوار وإعاقة المسيرة..
وما أريد أن أوضحه, أن فعلا الشعب المصري كان قد وصل لدرجة من الانسحاق تكاد تفقده كامل إنسانيته.. ومن أجل ذلك خرج لميدان التحرير مطالبا بالكرامة.. المطلب الأول.. كرامة حرية عدالة اجتماعية.. والكرامة هي العيش أيضا.. العيش الجميل غير الملوث بانسحاقنا أمام الأغنياء أو اندهاسنا تحت أقدام القوي المتمكنة.
وقديما أو قبل ذلك.. كان المثقفون أو كانت الحركات الثورية تنام قريرة العين في انتظار عبدالناصر الثاني!! وأنه سوف يأتي ويخلص الفقراء من فقرهم ويعاقب الخونة ومن سلبوا الشعوب رزقهم وسوف يملأ الدنيا عدلا وخبزا ولحما.. ولم يأت عبدالناصر آخر..
لأن عبدالناصر القديم كان خطأ تاريخيا لن تسمح الرأسمالية بحدوثه مرة أخري.. ولن تسمح الإمبريالية العالمية بأن يظهر مثل هذا الشخص مرة أخري. وعلينا أن نفهم أن أهداف ثورتنا الحقيقية سوق تتحقق من حوالي8 إلي21 سنة..
لماذا فاجأتنا بكل هذا الكم من القصائد الرائعة بعد الثورة ولم يفعل ذلك كثير من الشعراء؟
لاشك أن الثورة ألهمت الكثيرين.. فهي بالنسبة لي بئر ممتلئه لا تقلل من مائها دلائي المتواضعة أنه ليس إلهاما من فرد كقصيدة حب أو التغني بجمال وردة, وإنما هو فيض جماعي لملايين الزاحفين نحو يوم أفضل.. يحطمون أغلال الماضي وينطلقون تحت الشمس, وفي ظني أن فيضا رائعا من قصائد الشعراء مازال في انتظار أن يسطع إضافة إلي شعراء جدد قذف بهم الميدان وننتظر مزيدا من إبداعاتهم..
أما بالنسبة لي فإن تعبيري عن الثورة ما هو إلا امتداد حقيقي لمسيرتي الشعرية الطويلة التي انتظرت طويلا أن تحدث لترد لي يقيني بكل قناعاتي وإيماني بأن هذا اليوم الذي انتظره سوف يدق علي بابي لحظة ما..
الحرية.. ذلك الشعار الذي رفعته الثورة, كيف تراه؟
وإلي أي حد تعتقد أن الأجيال المقبلة قد تفهمه بالضبط وتحسه مثلنا؟
لا أصدق أن من يتمتعون بالحرية يحسون بها ويلمون بأطراف نعمتها.. لا يحس الحرية إلا من حرموا منها.. الحرية حرب قتال, شقاء, وقد يموت من يقاتلون من أجلها دون التمتع بها وهذا ليس عبثا ولا أعمارا ضائعة وإنما يكمل كل منا مشواره علي دربها الملتهب حتي يصل من هم بعدنا إلي جني ثمار كل مازرعنا ولم يمهلنا الزمن حتي اختطافه..
أحيانا أشعر أنني أريد أن أكتب قبل نشر كل قصيدة رسالة للأجيال الجديدة المقبلة.. يا أبنائي في عام كذا سنة كذا كان هناك ثورة قام بها أجدادكم سلكوا خلالها كذا وكذا واستشهد فلان وفلان وأحكي لهم كل شيء, وذلك لأني لاحظت أن كثيرا من أشعار من سبقونا فقدت فعلها سفي الواقع وجدواها لأن موضوعها الأصلي قد غيبه الزمن, وأشعار المتنبي والنابغة والمعري تفقد الكثير من إضاءاتها إذا لم ترشق بوقائعها ومبررات إبداعها.. لكن أعود وأقول: وهل كتبت القصيدة الا لموقف؟.. إذا بعد خمسين عاما سوف يحاكم شاب أمام القضاء العسكري ليس اسمه علاءعبد الفتاح وسوف يفقد طبيب نبيل عينيه واحدة بعد أخري.. قصدا.. ولن يكون اسمه أحمد حرارة ونفس الأمر بالنسبة لسميرة أخري, وعزة أخري وهكذا فأرتد عن التوغل في الفكرة..
كتبت جوابات حراجي القط في فترة بناء المشروع العملاق السد العالي في فترة المقاومة والاصرار.. الآن في هذا الوقت الصعب الذي تمر به مصر ويمر به المصريون من تكتب له جوابات الآن؟
جوابات حراجي القط.. هذا العمل يلخص نضال الستينيات, هذه الخطابات كانت مواكبة لفترة عظيمة في تاريخ مصر وجوابات حراجي القط لها قصة طويلة, وهي مرحلة ابداعية لاتتكرر مثل تجربة احمد اسماعين وديوان الرسائل اصبح غير موجود الآن, وعندما كتبت حراجي القط لم اكن اقصد ان اكتب شكلا جديدا في الشعر العربي غير موجود..
وتسأليني عن من الذي اكتب له جوابات الآن فأنا لا أعرف.. لانه عندما يكبر الانسان ويتعقد الوعي ويفقد الانسان بكارته الشعرية وتلقائيته.. يشعر بالخوف.. بالخوف من حكم التاريخ علينا!!
وزمان كانت الكتابة شديدة التلقائية, الآن هناك نقاط رقابة شديدة..
وماذا تري في الوضع الثوري الآن وبعد مرور عام كامل علي اسقاط الرئيس المخلوع؟
كان من الممكن ان يصيبني اليأس ايضا, فعلي الرغم من كوني احد زراع الامل في اقسي الظروف واكثرها ظلمة.
فالعدوان والتآمر مازال يحيط بالثوار, الجماعات الدينية ذات الاهداف الخاصة جدا والتي استخدمت الثورة واستفادت منها باحتراف وهبشوا الجزء الاكبر من الكعكة بالقدر الذي سمح لهم به المجلس العسكري الذي تبوأ موقع الرئيس المخلوع, والوزارات الضعيفة الشكلية تتوالي وهنا اتذكر قصيدتي لسه النظام ما سقطش.
وانت اللي دافعت عني في عركة التغيير
بكره حتقتلني بإيديك في ميدان التحرير.
ولم تخلف الأيام علي مدي العام ظن القصيدة!!
فلقد تساقط الشهداء في كل الأرجاء كالفاكهة التي جاءت في غير أوانها واغتسل الميدان بدمائهم الطاهرة الي جانب ماسبيرو وشارع محمد محمود وشارع مجلس الوزراء وفي السويس وبورسعيد والاسكندرية وبني الجيش الاسوار لتحول بينه وبين شباب الثورة وهو يجهل ان الثورة يقوم بها شباب في عمر هؤلاء الذين سلطوا يوما في عام73 خراطيم المياه علي الساتر الترابي في البر الشرقي للقنال ليعبروا الي المستحيل, فماذا تفعل السواتر والهتاف نفس الهتاف يهز الكون في ميدان التحرير ميدان القتال الجديد.
في الذكري الاولي للثورة خرج شعب مصر ليملأ الميدان من جديد وليعيد تدفق الدماء في شرايين مصر وشراينينا.
ادرك الشعب ان ثورته في خطر, ادرك ان هناك من يتربص به سواء الذين يسخرون من عدائهم او الذين يختبئون خلف اقنعة الحب وهم يتآمرون علي الثورة ليل نهار..
تنشر الآن حلقات كتاب الأستاذ هيكل الجديد مبارك وزمانه من المنصة إلي الميدان يرسم فيها ملامح رئيس حكمنا سنوات وسنوات.. ولكننا لم نعرف من هو؟
الأستاذ هيكل أستاذنا في الكتابة السياسية بلا منافس, ونجد عنده دائما أصداء لكثير من أفكارنا وكأنه يلتقطها منا مبهمة ويعيدها إلينا واضحة وضوح الشمس في أسلوب أقرب للشعر والإنشاد وما يرسمه من ملامح تقريبية للرئيس المخلوع, شئ يعرفه كل من أتيح له أن يجالس الرجل وأن يستمع إليه منفردا وعن قرب, وأنا واحد من هؤلاء.. إذا إن للرئيس السابق, جملا أو عبارات من الممكن أن تصيب الإنسان بالشكوك والفزع حين يتخيل أن هذا الرجل هو الذي يحكم هؤلاء الخمسة والثمانين مليون عبقري, وقد أتيح لي أن أجالسه.. وبعيدا عن الأعين وتكلم كثيرا عن أنه أول من يستيقظ في مصر لكي يضمن أن الخبز وصل إلي أيدي الناس, وتعجبت كثيرا أن تكون هذه المهمة التي تليق بموظفي وزارة التموين هي العقلية التي تحكم مصر وأشياء من هذا القبيل.. وفي النهاية فإن الإنسان منا حين يغادر الجلسة يكتشف أنه لم يستفد شيئا, وأنه لم يقابل رئيس جمهورية مصر بل قابل رجلا بلا رؤية حقيقية لأرض مصر وأهلها.
وأذكر دائما حين كنت أمرض, وحين كان يهاتفني وحين أقول له لقد كبرنا, فإنه ينزعج بصورة مبالغ فيها ويرد بعصبية لا احنا لم نكبر!! وكأن السن عيب وكأننا نمشي خارج النهر, وربما كانت صبغة الشعر الفاحمة هي نوع من تأكيد مقاومة تواتر السنين والدخول إلي دوائر العجز والشيخوخة.
لذا فإن أستاذنا هيكل حين يورد كل هذه الأقوال التي تعكس صفات الرجل, فإننا لا نتعجب علي الإطلاق, وأعلم واتأكد من صدقه من تلك الشواهد الصغيرة التي استقبلها عقلي أيضا في لقائي بالرجل شخصيا أو عبر الهاتف.
الأستاذ هيكل رجل صادق جدا وعلينا نحن دائما أن نصدقه وهذه المرة بالذات علينا أن نعلم أنه يرسم صورة مقربة جدا وحقيقية لرجل حكمنا دون أن يستشعر مسئولية أنه يحكم مصر ودون أن يكون مؤهلا لذلك.
كيف توقعت نهاية محمد حسني مبارك كحاكم قبل تنحيه؟
أنا أعيش كما تعلمين في قرية صغيرة علي أطراف مدينة الإسماعيلية وأحيي تفاصيل الميدان من خلال المشاهد علي الشاشة وأقوال الأصدقاء وحواراتي مع البسطاء من حولي وأصدقائي الذين يزورونني ولكن مثل كل مصري, ومنذ أول لحظة كنت واحدا من شباب الميدان رغم كهولتي وابتعادي في المكان عن ميدان التحرير.. وفي موقعة الجمل وبعد أن شاهدت تلك المشاهد البشعة والمحاولة العلنية لقتل الثورة والثوار, لم أجد أمامي غير القصيدة التي تدفقت والتي أحفظها والتي أعرفها من قبل.. رافعا شعار آن الأوان أن ترحلي يا دولة العواجيز.. علي الرغم من أنني كنت عجوزا مثلهم ونشرت القصيدة يوم6 فبراير, وصارت القصيدة أنشودة الثوار في الميدان وتتابعت قصائدي.. لسه النظام ما سقطش وحتي ضحكة المساجين.
ما ملامح رئيس مصر الجديد الذي تبحث عنه؟
بعد اعتذار الدكتور محمد البرادعي الذي له عذره فيه.. نري حمدين صباحي بعين الإخوة والصداقة.. ولا أشك في شرف حمدين صباحي الإنسان وتوجهاته العربية المخلصة وإيمانه بمصر.. ومازلت أري أن الشعب المصري هو الرئيس الحقيقي لمصر الآن ومستقبلا, ولذلك يجب علي الرئيس القادم أن تكون قامته في علو وعظمة هذا الشعب وفي جبروت ثورته وإنسانيته.. وهي مسألة صعبة جدا, حين نحملها لشخص من أصدقائنا أو ممن نراهم يتناثرون علي الشاشات, وتملأ صورهم الصحف.
حتي الآن لم أختر رئيسا ومازلت أري أن الشعب المصري أكبر منا جميعا.. ونتمني أن يخرج لنا هو من قلب تجمعاته ومن ربيع أحلامه وعظمته.. ذلك الرئيس الذي يستحق أن يحكمنا جميعا وأن نطيعه في الخير وأن يرضيه أن نقف أمامه وضده عند أول بادرة انحراف.
وكيف تري الأمور في مستقبلها؟
مازلت أردد اغنيتي القديمة مع عبدالحليم حافظ
أبدا.. بلدنا للنهار
بتحب موال النهار
لما يعدي في الدروب
ويغني.. قدام كل دار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.