علي مسافة لا تزيد عن عدة كيلومترات يمكن قطعها فى 10 دقائق بالكثير من منطقة المهندسين الصاخبة ، هناك يقع ذلك الكفر الحزين الذى يسكنه نحو 50 ألف مواطن ضاعت حقوقهم الإنسانية ، لا كلام هنا عن الثورة أو الدستور أو الانتخابات ، فالناس تفقد أبسط حقوقها مثل الحق فى السير فى الشارع بأمان ، والحق فى دخول الحمام ، والحق فى كوب مياه نظيف من الحنفية والحق فى نسمة هواء نقية بلا أتربة ... حكايات من الكوميديا السوداء يسمعها ويراها كل من يذهب إلى هناك خلف ذلك الرماد والدخان المتصاعد باستمرار ، الكفر إسمه برك الخيام تابع لمدينة كرداسة ، وواضح طبعا أن إسم على مسمى فهو عبارة عن بركة كبيرة يعيش بداخلها ناس على هامش الحياة .. الغريب فى الأمر أن هذا المكان أصبح مركزا نشطا لجمعيات حقوق الانسان التى تذهب إلى هناك وترى دون أن تتحرك فعلى ما يبدوا أن المسألة بالنسبة لها عبارة عن مجرد سبوبة .. التفاصيل فى السطور التالية .. يقول سيد مصطفى ( 51 سنة ) منجد ومن سكان برك الخيام : بتوع حقوق الإنسان جاءوا هنا كذا مرة وكل ما يفعلوه أنهم يتفرجوا علينا ويتصوروا ويمشوا دون أن يقدموا أى تبرعات أو حتى ينقلوا صوتنا للمسئولين وكنت أتمنى أن يكون لهم دور فعلى غير الكلام والمجالس ، لأن حقوق الإنسان والحيوان كمان ضاعت تماما من هنا ، عارف حضرتك أنا عمرى ما شعرت إنى بنى آدم أبدا فى هذا المكان ، أولا نحن نشرب مياه ملوثة مخلوطة بالطين والصرف الصحى ، ثانيا نحن نتنفس هواء غير نقي ، ثالثا أغلب الأطفال عندهم فشل كلوى وأمراض خطيرة وكل يوم حالات وحميات ووفيات ولا يلتفت إلينا أحد ، رابعا الحكومة لا تهتم بنا ولم يسأل عنا أحد ولم يتكلم عن مشكلتنا أى برنامج فضائى ، خامسا نحن ناس فقراء جدا ويا دوب ماشيين (نحسس)على ظهر الدنيا ولو كان عندنا فلوس كنا هاجرنا أو انتقلنا لأى منطقة أخرى أرحم من هذا العذاب لكن نعمل إيه الفقراء ربنا معاهم ، سادسا الزبالة والحشرات فى كل مكان وحرق المخلفات عند مدخل البلد يوميا عينى عينك وخذ عندك دخان وسموم وبلاوى زرقاء ، المشاكل كثيرة جدا وبجد الحياة صعبة ، سابعا مفيش حكومة ولا نقطة شرطة ولو حدثت جريمة الشرطة تصل هنا بعد ساعة وكل يوم هناك مصائب وكوارث ومعاناة ، ثامنا الشوارع غير مستقيمة وعشوائية وكلها برك وخطرة على أطفالنا لإن البلاعات مكشوفة ، تاسعا أنا قرفت من الدنيا ومش عايز أتكلم تانى . وفى أثناء سيرنا فى الشارع قابلنا سيدة فقيرة كانت تملأ جركن مياه من حنفية فى الشارع فقالت لنا : الله يبارك فيكم قولوا للحكومة بتاعة مصر إن فيه ناس هنا تموت كل يوم من الميه منهم إبنى الشهر اللى فات بعدما شعر بمغص وألم ودخل فى غيبوبة طويلة ، إبنى كان مثل الوردة البيضة أخذها الموت ، الحياة هنا صعبة يابيه ولا حد سأل عنا ولا قال لنا أنتم من أهل مين ؟! برك الخيام أما المهندس مرضى عبد الظاهر الحبشى ، صاحب مصنع ألوميتال فى الكفر فيقول : أنا أنتمى لعائلة من أساس هذه البلدة حيث أننا أول من سكن هنا منذ حوالى 300 سنة ، وسر تسمية برك الخيام بهذا الإسم أنه كان يعسكر بها الجنود الإنجليز أيام الإحتلال وكانوا يقيمون بها بعض الخيام وفى نفس الوقت كانت المنطقة كلها برك ومستنقعات ومن هنا الإنجليز أطلقوا عليها هذا الإسم الذى لم يتغير حتى الآن ، وهذا الكفر ليس بعيدا عن القاهرة أو الجيزة حيث يفصلنا عن المهندسين وأرض اللواء حوالى 5 كيلو متر ولكننا على الأطراف داخل المنطقة الزراعية ، والمشكلة أن البنية التحتية والأساسية هنا خربانة ومنهارة تماما ولك أن تتخيل أن مواسير الصرف ومياه الشرب كلها ضاربة تحت الأرض وبيوتنا غرقت أنا شخصيا عملت موتور شفط مياه إنقاذا للبيت ويوميا أستخرج أكثر من 20 مترأً مكعباً من الأرض ، وطبعا الحى والوحدة المحلية لا تهتم بنا على الإطلاق وقدمنا شكاوى لا حصر لها وتظلمنا لكنهم لا يتعاملون معنا باعتبارنا بشر وهم لم يقدموا لنا أى خدمات ، وهذه البلدة بها حوالى 50 ألف نسمة ولا يوجد بها سوى مدرسة إبتدائية واحدة والفصل الواحد بها يسع 120 تلميذ فقط ولا توجد مستشفى ولا مرافق ولا مركز شباب ولا نادى ولا نقطة شرطة علاوة على المخدرات والبانجو والدعارة والسرقة والقتل ، كل ما نطالب به نظرة اهتمام تحسسنا أننا مواطنون فى هذا البلد مش مجموعة مهمشين . والغريبة أن أغلب شوارع هذا الكفر تحمل أسماء زعماء وشخصيات هامة فالشارع الرئيسى مثلا يسمى شارع الزعيم جمال عبد الناصر وهو إسم على غير مسمى على الإطلاق حيث توجد به كم كبير من البرك ، والأغرب أيضا أن فى كل شارع وعلى كل بيت عبارة على اللوحة التى تحمل رقم المنزل عبارة تقول " مع تحيات الوحدة المحلية والمجلس الشعبى المحلى " !!