ترامب: لقاء بوتين وزيلينسكي في مرحلة التخطيط حاليا    بعد الإسماعيلي.. بيراميدز منتقدا التحكيم: 4 حالات طرد فى 3 مباريات فقط بالدورى    بالزغاريد والدموع.. والدة شيماء جمال تعلن موعد العزاء.. وتؤكد: ربنا رجعلها حقها    تنفيذ حكم الإعدام فى قتلة الإعلامية شيماء جمال.. والأسرة تعلن موعد العزاء    وسام أبو علي: أبحث عن الإنجازات الفردية والجماعية مع كولومبوس كرو    الإسماعيلي: لن نصمت على أخطاء الحكام تجاهنا    الداخلية: شائعة الإخوان بفيديو مفبرك محاولة يائسة لضرب الاستقرار    عايدة الأيوبي تتألق بمهرجان الصيف الدولي بمكتبة الإسكندرية.. وتُهدي غزة أغنية جديدة    بعد فوز ريال مدريد.. جدول ترتيب الدوري الإسباني عقب نهاية الجولة الأولى    راحة سلبية للاعبي المصري قبل الاستعداد لمواجهة حرس الحدود بالدوري    هشام يكن: محمد صلاح لاعب كبير.. ومنحته فرصته الأولى مع منتخب الناشئين    موعد مباراة منتخب مصر أمام الكاميرون في ربع نهائي الأفروباسكت    المقاولون العرب يهنئ محمد صلاح    1 سبتمر.. اختبار حاصلى الثانوية العامة السعودية للالتحاق بالجامعات الحكومية    الشيباني يناقش مع وفد إسرائيلي خفض التوترات في السويداء    ملخص وأهداف مباراة الريال ضد أوساسونا فى الدوري الإسباني    نقابة الصحفيين تعلن المرشحون للفوز بجائزة محمد عيسى الشرقاوي «للتغطية الخارجية»    «كنت بفرح بالهدايا زي الأطفال».. أنوسة كوتة تستعيد ذكريات زوجها الراحل محمد رحيم في عيد ميلاده    مع اقتراب تنفيذ اعترافه بفلسطين.. نتنياهو يجدد هجومه على ماكرون    عملية «الحصاد».. حكاية «تكنيك نازي» تستخدمه إسرائيل لقتل الفلسطينيين في غزة    «تصرف غريب ورفيق جديد».. كيف ظهر يورتشيتش من مدرجات بيراميدز والمصري؟    إسرائيل تبدأ استدعاء جنود الاحتياط تمهيدًا لعملية محتملة في غزة    حملة مسائية بحي عتاقة لإزالة الإشغالات وفتح السيولة المرورية بشوارع السويس.. صور    تخريج دفعة جديدة من دبلومة العلوم اللاهوتية والكنسية بإكليريكية الإسكندرية بيد قداسة البابا    تنفيذ حكم الإعدام في قاتل المذيعة شيماء جمال وشريكه    عاجل.. تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل الإعلامية شيماء جمال وشريكه بعد تأييد النقض    «مصنوعة خصيصًا لها».. هدية فاخرة ل«الدكتورة يومي» من زوجها الملياردير تثير تفاعلًا (فيديو)    أسعار الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025    رئيس وكالة «جايكا» اليابانية مع انعقاد قمة «التيكاد»: إفريقيا ذات تنوع وفرص غير عادية    «بعملك غنوة مخصوص».. مصطفى قمر في أحدث ظهور مع عمرو دياب    شاهد.. رد فعل فتاة في أمريكا تتذوق طعم «العيش البلدي المصري» لأول مرة    بعيدًا عن الشائعات.. محمود سعد يطمئن جمهور أنغام على حالتها الصحية    هشام يكن: أنا أول من ضم محمد صلاح لمنتخب مصر لأنه لاعب كبير    صيانة وتشجير قبل انطلاق العام الدراسي الجديد.. الشرقية ترفع شعار الانضباط والجمال    السيطرة على حريق بأسطح منازل بمدينة الأقصر وإصابة 6 مواطنين باختناقات طفيفة    رسميا الآن بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025    حدث بالفن| سرقة فنانة ورقص منى زكي وأحمد حلمي وتعليق دينا الشربيني على توقف فيلمها مع كريم محمود عبدالعزيز    أمين مساعد «مستقبل وطن»: الحزب يستعد لانتخابات مجلس النواب بجولات تنظيمية    رجال الإطفاء بين الشجاعة والمخاطر: دراسة تكشف ارتفاع إصابتهم بأنواع محددة من السرطان    «الإسكان» توضح أسباب سحب الأرض المخصصة لنادي الزمالك    الرقابة على الصادرات: 24.5 مليار دولار قيمة صادرات مصر في النصف الأول من 2025    اندلاع حريق في عقار سكني بالكرنك بالأقصر والدفع ب4 سيارات إطفاء (صور)    جهاز حماية المستهلك يكشف شروط الاسترجاع واستبدال السلع بالأوكازيون الصيفي    تحتوي على مواد مسرطنة، خبيرة تغذية تكشف أضرار النودلز (فيديو)    وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ بتابع سير العمل في مستشفى الحميات    رئيس الرقابة على الصادرات: معمل اختبار الطفايات المصري الثالث عالميا بقدرات فريدة    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    تعدّى على أبيه دفاعاً عن أمه.. والأم تسأل عن الحكم وأمين الفتوى يرد    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    أمين الفتوى ل الستات مايعرفوش يكدبوا: لا توجد صداقة بين الرجل والمرأة.. فيديو    مستقبل وطن بالغربية يكثف جولاته لدعم المستشار مجدي البري في إعادة الشيوخ    4374 فُرصة عمل جديدة في 12 محافظة بحد أدنى 7 آلاف جنيه    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    وكيل تعليم بالأقصر يتفقد التدريب العملي لطلاب الثانوية الفندقية على أساسيات المطبخ الإيطالي    المشدد 5 سنوات لعاطلين حاولا قتل عامل وسرقته بالإكراه في المعصرة    بالصور- وزير العدل يفتتح مبنى محكمة الأسرة بكفر الدوار    بالصور- افتتاح مقر التأمين الصحي بواحة بلاط في الوادي الجديد    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الكيلو 4.5».. وادى المنسيين الشهير ب «عزبة الهجانة»

لوحة فسيفساء، يُكوّن تفاصيلها مليون و200 ألف روح بشرية. يجمعهم وهم القادمون من شتى بقاع أرض مصر، الحلم فى السكن، والعيش فى كرامة رغم ضيق ذات اليد، ورغم وجود منطقتهم الواقعة فى منتصف الطريق بين أرقى أحياء مصر الجديدة فى منطقة الجولف من جانب، ومدن المال والسلطة والنفوذ فى «الرحاب» و«مدينتى» من جانب آخر.
الحديث عن منطقة الكيلو 4.5 التى لا تصدق مدى فقرها وعشوائيتها ومعاناة أهلها، عند التوغل فى شوارعها التى يجمعها والناس هناك وصف واحد هو «البؤس»، بينما الطريق لها عبر شارع الثورة أحد أرقى وأغنى شوارع مصر الجديدة- يحدثك عما صار بين المصريين من فروق شاسعة فى الثروة والمعاناة، ففى الداخل لا وجود للدولة، ليكون لسان حال سكان تلك المنطقة وهم يمرون فى صباحهم وغُدوهم على شوارع «المحروسة» المبتهجة، ويشاهدون إعلانات المدن الجديدة بملامحها الفتيّة التى تنفى عنهم الفقر، لمن لا يعرفهم: «حسبنا الله ونعم الوكيل».
على مساحة ما يقرب من 750 فدانا، تقع منطقة الكيلو 4.5 على طريق القاهرة - السويس، أما سبب تسميتها فيعود إلى أن المسافة بينها وبين منطقة هليوبوليس آخر حدود مدينة القاهرة قبل عام 1963، كانت تقدر ب4.5 كم. اسم آخر يُطلق على تلك المنطقة التى يعود تاريخها إلى عام 1898، هو «عزبة الهجانة» وهم نفر من العساكر الذين كانوا يستعملون الجمال، ويقصّون الأثر وكانوا يقومون بحراسة الحدود فى ذلك الوقت، وكانوا أول من سكن تلك المنطقة، مع أسرهم وبنوا فيها بيوتاً أشبه بمنازل الفلاحين المبنية من الطوب اللبن.
أما حدودها الحالية فتتحدد بأربعة مداخل هى: شارع الورشة، وطريق السويس، والحى العاشر فى مدينة نصر، ومدينة الشروق. وكما تتعدد مداخل تلك المنطقة، تتنوع هموم ناسها، كندرة المياه، والكهرباء، ومحطات الضغط العالى، وهناك البطالة، والجريمة، وبشر باتوا يحملون عشوائية المكان وبؤسه، فانطبعت عليهم عشوائية الطرق ووعورتها، وانتشار القمامة بها، رغم أن غالبيتهم يعملون فى جمع القمامة من شتى مناطق القاهرة!
وفوق كل هذا، تتناثر بين الحين والآخر شائعات عن وجود نشاط تنصيرى للكنيسة الكبيرة فى المنطقة، بشكل يهدد أحياناً بكارثة طائفية، يعززها وجود عشرة آلاف لاجئ أفريقى معظمهم من السودانيين، الذين يلقى بهم مكتب اللاجئين التابع للأمم المتحدة فى القاهرة، فى ذلك المكان لحين توفير فرصة إعادة توطين لهم فى الخارج، وهى فترة قد تطول لسنوات.
«المنطقة كلها وضع يد، جئنا هنا منذ الستينيات واشترينا الأرض من البدو، وكان البيع بخطوة القدم، فاشتريت الأرض التى بنيت عليها منزلى بخمسة وعشرين جنيها».. هكذا تحدث عم محمد، صاحب ورشة لإصلاح إطارات السيارات فى مدخل المنطقة من طريق السويس،
وأضاف: «المدخل الرئيسى للمنطقة هو الموجود على طريق السويس، فى منتصف السبعينيات تغير الحال، وبدأت سكينة السادات شقيقة الرئيس الراحل وزوجها فى تفويض سماسرة لبيع الأرض فى تلك المنطقة، فغلت الأسعار وباتت تباع بالفدان، فوصل سعره ل400 جنيه.
زاد السكان وبات كل واحد يبنى كما يحلو له، فى الوقت الذى لم يكن يوجد فيه بالمنطقة كهرباء ومياه شرب وصرف صحى، وحتى مطلع عام 2000 كنا نحيا على مولدات الديزل، والخطوط المسروقة، وبراميل المياه التى نشتريها بستة جنيهات للبرميل، وخزانات الصرف الصحى».
وتتوزع دماء أهل المنطقة وذنوبهم فيما بين حى مصر الجديدة الذى تتبع له منطقة الكيلو 4.5 إدارياً، بينما يتحمل حى مدينة نصر وزر المياه والكهرباء والصرف الصحى، ولا يعلم أهالى الكيلو 4.5 هل كان من حسن طالعهم أن يصدر قرار جمهورى بتطوير المنطقة وتزويدها بجميع الخدمات فى عام 2000،
وهو ما جعلهم يخرجون من قائمة العشوائيات؟ أم أنه كان من سوء حظهم حيث لم ينته المشروع حتى يومنا هذا رغم مرور تسع سنوات على صدوره، ليصبحوا كمن رقص على السلم، لا هم من العشوائيات ولا هم من سكان المناطق الآدمية!
«سمير نوار» مواطن من سكان المنطقة، يتعامل معه سكان الكيلو 4.5 من منطلق أنه الكبير والمتحدث الرسمى باسمهم، يطلقون عليه «مسؤول المجلس المحلى»، وهو لم ينل هذا الشرف بعد، يترأس جمعية خيرية أقيمت بالجهود الذاتية يطلق عليها اسم «المعز»، يمسك العصا من المنتصف، فهو المسؤول الذى تربطه علاقة بالمسؤولين وأعضاء مجلس الشعب الذين تتبعهم المنطقة، وعلى رأسهم مصطفى السلاب من ناحية،
كما تربطه علاقة وطيدة بالأهالى من ناحية أخرى، يجتمع الأهالى فى مكتبه يبثونه همومهم، التى تأتى فى مقدمتها مشكلة المياه، لا تعرف بأى لسان يتحدث، بلغة الموظفين التابعين للدولة، أم بلسان حال المكتوين بنار التجاهل؟
بدأ حديثه معنا مقاطعاً كل من جاء للشكوى بالقول: «مع صدور قرار تطوير المنطقة فى عام 2000 تم الانتهاء من 90% من مشروع الصرف الصحى، وبات لدينا محطتان، أما المياه فقد تم التخطيط لها على خمس مراحل، لم ننته حتى الآن إلا من المرحلة الأولى ونصف المرحلة الثانية فقط! المياه ضعيفة ولكنها موجودة».. تقاطعه الحاجة فاطمة غاضبة وهى تقسم أن المياه لم تدخل بيتها منذ ثلاثة أيام،
وأضافت: «نحن فقراء ولكن شرفاء لا نطلب سوى مياه شرب نظيفة تأتى ولو لساعة واحدة فى اليوم، بدلاً من شرائها ب 15 أو 20 جنيها فى اليوم الواحد، وهو ما يعنى أن نظل أنا وأسرتى بلا غذاء فى هذا اليوم، فإما ماء وإما طعام، هناك خط عشوائى مددناه من مدينة نصر، ولكنه كثيرا ما يتعرض لشروخ أو كسور فتختلط المياه بالصرف الصحى».
يلفت نظرك أثناء سيرك فى طرقات الكيلو 4.5، منظر عبوات المياه البلاستيكية التى تحملها رؤوس تختلف مراحلها العمرية، دون أن تفرق بين طفل أو صبية، وامرأة عجوز أو شابة، حتى الرجال لم ترحمهم الحاجة للمياه من الذهاب إلى حنفيات الشارع العمومى وانتظار وصول المياه، ليملأوا عبواتهم حتى لو اضطروا للتغيب عن أعمالهم.. كما تلمح تكرار اسم «السلاب» مقرونا بأرقام مسلسلة على بعض المنازل، وهو ما فسره لنا الأهالى بأنها أرقام المحابس التى نفذتها شبكة المياه بعدما تم تركيب عدد من العدادات لنحو 800 مشترك منذ عام 1996 مقابل 1070 جنيها لكل عداد، ولكن من دون أن تأتى المياه حتى يومنا هذا.
«أم مجدى» جاءت من المنيا مع زوجها منذ 12 سنة، لتقطن فى منزل ملك لهما فى مواجهة جمعية المعز الخيرية، لديها عداد مياه، وحوش فى مدخل منزلها تفتحه لجيرانها حينما تستشعر وصول الماء فى الحنفيات، ليملأوا عبواتهم لحين ميسرة، قالت لنا: «فى شهر أكتوبر الماضى جاء المهندس السلاب عضو مجلس الشعب هنا فى جمعية المعز، ومعه مسؤول المياه فى الحى، الذى قال لنا إنه فى 15 أكتوبر سيفتح كل منا الحنفية ليجد المياه فى أى وقت من ليل أو نهار، ولكن لم يحدث شىء».. وتضيف ساخرة: «ولكنه لم يحدد فى أى عام سيحدث هذا!».
المياه ليست المشكلة الوحيدة فى «عزبة الهجانة» أو «الكيلو 4.5»، التعليم أيضاً مشكلة، فمن يصدق أن منطقة بتلك المساحة لا يوجد بها سوى مدرستين ابتدائيتين هما «صلاح الدين»، و«المعتز» بهما 6000 تلميذ. عندما ذهبنا للقاء المسؤولين بهما لم نجد أحدًا رغم أن الوقت كان مبكراً على الانصراف، إلا أن شكوى الأهالى من سوء الوضع بهما تتلخص فى عبارة «جيهان» والدة أحد التلاميذ التى قالت لنا: «أى مدرس يحلم بالثراء، يمكنه المجىء إلى أى من هاتين المدرستين، فالإدارة تجبر الأولاد على أخذ مجموعات تقوية، وكل مجموعة تتكلف 25 جنيها فى الشهر،
وذات يوم سألت المدرسة لماذا تجبر ابنى على أخذ المجموعة، فقالت لى إنها شرط النجاح، ورغم ذلك فنسبة النجاح فى الشهادة الابتدائية فى المدرستين 21%، وعندما يذهب أبناؤنا الناجحون لمدارس إعدادية فى مناطق أخرى يعانون بشدة لعدم مقدرتهم على متابعة الدروس».
ويحكى الأستاذ سمير، رئيس جمعية المعز الخيرية، عن سوء وضع التعليم فى المنطقة بالقول: «يتخرج الأولاد وهم يعانون من الأمية لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، والفصول التى تصل كثافتها إلى 85 طالبا فى كل فصل، ليس بها مقاعد وإن وجدت فهى مكسورة غير صالحة للجلوس عليها، لقد صورنا أحد فصول مدرسة صلاح الدين العام الماضى وقد ربى المسؤولون فيها دواجن بدلاً من التلاميذ! وحينما نشكو لا أحد يهتم، حتى الوحدة الصحية لا تجد فيها أحدا، هل تصدقون أن أقرب نقطة شرطة لنا فى الحى العاشر بمدينة نصر، رغم ارتفاع معدل الجريمة».
حاولنا فهم سر عدم الاهتمام بسكان تلك المنطقة من موظفى الحى فى مدينة نصر، إلا أن الرد الذى تجده هناك فى انتظارك: «المنطقة كلها مخالفة، تحتاج لإبادة جماعية». تحتار فى أمرك مثل حيرة سكان الكيلو 4.5 بعد سماعك تلك العبارة، وتتساءل: هل هم ينتمون لمنطقة عشوائية مهملة، عليهم التكيف معها؟ أم من المفترض أنهم باتوا منطقة صدر لها قرار تطوير لم ينفذ منه شىء حتى الآن؟ وإذا كان غياب الخدمات بوجه عام، والمياه بوجه خاص، يحصد الصبر فى النفوس فى الكيلو 4.5، فإن الأسلاك الكهربائية للضغط العالى بالقرب من منازل الأهالى،
وفى الشوارع الضيقة غير الممهدة فى شكل هابط وصاعد بلا مبرر، تحصد أرواح البشر وبخاصة من الأطفال هناك، صعقاً بالكهرباء، سواء فى شارع «الورشة»، أو منطقة «مسجد شحاتة» التى تمثل أشد مناطق الخطر بالمنطقة كلها، حيث تتجمع فيها، وفى مساحة لا تتعدى الأمتار الثلاثة، أسلاك الضغط العالى.
«أكثر من حادثة مات فيها صبية وأطفال من المنطقة، طالبنا بإزالة تلك الأسلاك، أو منع البناء فى المنطقة المحيطة بها، ولكن شركة الكهرباء لا تهتم ولا يعنيها سوى كسب القضايا التى يرفعها السكان طلبًا للتعويض».. كما يعكس كلام عم محمد لا مبالاة المسؤولين، فإنه يطرح عدم الإحساس بالمسؤولية لدى المواطنين هناك، الذين يصرون على البناء فى منطقة يعلمون خطورة البناء فيها،
وهو ما يؤكده حديث المسؤولين عن خطوط الضغط العالى بالشركة المصرية لنقل الكهرباء، من أن الشركة ليست مسؤولة عما يحدث بمنطقة الكيلو 4.5، حيث تحصل قبل إنشاء أى خطوط، على جميع التصاريح اللازمة، وأنها غير مسؤولة عمن يقومون بالبناء فى محيط تلك الأسلاك.
ضيق الشوارع، والخوف من السرقة، سببان رئيسيان وراء عدم وجود صناديق للقمامة فى طرقات الكيلو 4.5 وعلى امتداد المنطقة بأكملها، لتزاحم القمامة الناس فى الشوارع، ولا يبقى أمامهم سوى حرقها وسط البيوت، وهى الوسيلة الوحيدة للتخلص منها، فى منطقة يعمل نسبة كبيرة من أهلها جامعى زبالة ينتشرون فى أحياء القاهرة المختلفة.
«مؤسسة الشهاب».. اسم يتردد فى منطقة الكيلو 4.5، ببعض الحذر كمنظمة مدنية تحصل على معونات دولية تقوم من خلالها بالمساهمة فى تنمية المنطقة، حيث يذكر السكان هناك فضل المؤسسة فى مد شبكة الصرف الصحى لنحو 720 منزلا عام 2004 من خلال منحة يابانية، وبناء أسقف جديدة مغطاة بطبقة مصنعة بطريقة خاصة وسميكة، لحماية السكان من طنين كابلات أعمدة الضغط الكهربائى المرتفع لنحو 50 منزلا، إلا أن الإنجازات لم تمنع تشكك الناس فى المؤسسة التى أثيرت حولها شائعات عن قيامها بنشاط تنصيرى بين سكان المنطقة.
«اتهمونا بالعمالة لأمريكا، وإسرائيل، ثم قالوا إننا نعمل على تنصير المسلمين، ولكننى لم أهتم سوى بتنفيذ ما بدأناه»..
هكذا تحدثت رضا شكرى، المدير التنفيذى لمؤسسة الشهاب، أمين الصندوق بها، وأضافت: «الجهل والفقر منبت جيد للشائعات، وفى منطقة تقدر فيها البطالة بنسبة 62%، والأمية بنسبة 77%، ونسبة الأسر التى تقطن غرفة واحدة 46%، لابد أن يحدث أسوأ من هذا،
وأؤكد أنه إن لم تتدخل الحكومة لحل الفوضى فى تلك المنطقة، فإن الكارثة واقعة لا محالة، فجهودنا غير مجدية فى منطقة يعيش كل سكانها تحت خط الفقر بمراحل، ولا أحد يتعاون معنا من المسؤولين، على سبيل المثال حصلت على منحة من السفارة اليابانية لتوصيل المياه لنحو 300 منزل، هل تتخيلون أن المسؤولين فى شبكة المياه يفضلون التعامل فى المناطق التى يعيش بها الأغنياء أكثر من تلك المنطقة، رغم أننى سأدفع تكلفة توصيل المياه والمواسير!
ولكنهم يماطلون فى التسليم وكأنه ليس من حق الفقير أن يحيا فى أدنى مستويات الخدمة، من يصدق أن منطقة تقع فى امتداد شارع الثورة، هنا فى الكيلو 4.5، تخرج النساء فيها لقضاء حاجتهن فى الشارع؟ المسؤولون لا يهتمون، ونواب مجلس الشعب لا يظهرون إلا فى وقت الانتخابات فقط، ثم يتلاشون تماماً».
اللاجئون الأفارقة جزء من نسيج منطقة الكيلو 4.5، التى يقطن بها نحو عشرة آلاف لاجئ أفريقى معظمهم من السودان، وتحديداً من الجنوب ودارفور، جميعهم هربوا من أوجاع الفقر والحرب والعنف واستحالة الحياة إلى مصر طمعاً فى عيشة أفضل رغم صعوبة الحصول على عمل مناسب،
وانتظاراً لفرصة سفر وتوطين فى إحدى دول أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو أستراليا عبر مكتب اللاجئين التابع للأمم المتحدة، غالبيتهم يحمل البطاقة الصفراء، يأتى للإقامة فى الكيلو 4.5 لرخص سعر الإيجارات بها، ولكن حالهم لا يختلف عن المصريين المقيمين هناك فى شىء، يعيشون ذات الفقر، ويتنفسون نفس البؤس.
ورغم هذا يتحملون، بمنطق «مجبر أخاك لا بطل»، مشاحنات المصريين القاطنين فى تلك المنطقة، الذين يتهمونهم بأنهم السبب فى غلاء كل الأسعار بدءاً من السكر والشاى، انتهاءً بأسعار الإيجارات.
جميل حسن، سودانى مسلم من الجنوب، جاء مصر منذ عدة سنوات لم يعد يتذكرها، ولكنه هنا صاحب مقهى السودانيين فى المنطقة، لا ينطبق وصف المقهى على ما يمتلكه جميل، ولكنه يقدم من خلاله الشاى والقهوة وبعض الأكلات السودانية الشهيرة مثل «الجاجاجيك» وهى عبارة عن وصفة تطهى فيها الكرشة،
كما يقدم «الكسرى» وهو نوع من الفطائر.. «اشتريت هذا المحل بكل ما جئت به من السودان، لابد من وسيلة أنفق بها على أهلى، لا أكسب الكثير ولكنه يكفينا، وأتمنى أن تأتى فرصة التوطين فى بلد ثالث، نسيت أن أعد سنوات عمرى هنا، قد تكون من نهاية التسعينيات».
مقاعد ومناضد مقهى السودانيين تكفل لروادها الجلوس مع بعضهم البعض ولعب الدومينو والكوتشينة فى انتظار أى فرصة عمل، تماماً كعمال التراحيل، إلا أن جميعهم ينتظمون فى الدراسة فى المعاهد الليلية لتعليم اللغة الإنجليزية، ومنها معهد «سانت بخيتة» التابع للكنيسة الكاثوليكية، ومدرسة «كوكا كاكا» التى تشرف عليها إحدى المؤسسات البريطانية.. والسبب هو أن يكونوا على علم باللغة فى حال ما جاءت أحدهم فرصة الهجرة التى ينتظرونها بفارغ الصبر.
مثل إسماعيل عبدالله المسلم الذى جاء من جبال النوبة السودانية فى عام 2005، ويحيا فى شقة بالكيلو 4.5 مع والدته وزوجته وطفليه، ويدفع إيجارا 400 جنيه فى الشهر، بينما دخله لا يتعدى 30 جنيها فى اليوم، أى ما يعادل 900 جنيه فى الشهر، إلا أن للكنيسة دورا مهما فى أن يكمل الشهر هو وأسرته، وهو ما يوضحه بالقول: «أنا مسلم ولكن الكنيسة هنا تساعد الجميع، دون أن تطلب منهم ترك دينهم، لا أحد يفعل ذلك، ولكن البعض يظن من تكرار ترددنا على الكنيسة أننا قد تركنا ديننا..
حينما كانت زوجتى حاملا فى طفلنا الثانى كانت تحصل على مساعدة شهرية من الكنيسة قيمتها 40 جنيها، وبعد الولادة استمرت فى الحصول على المعونة، هذا غير وجبات الطعام التى نحصل عليها عندما لا يكون فى البيت أى طعام، كما نلجأ لها فى حالات المرض دون أن يطلب منى أحد أن أتنصر».
سمها ما شئت، الكيلو 4.5 أو عزبة الهجانة، فالأسماء هنا لا محل لها من الاهتمام، ولكن التذكير بهم يبقى مهمة قومية، وقضية أمنية من الدرجة الأولى لا جدال فيها، الخوف من استمرار تجاهلهم لا يخلق سوى حالة من الرعب من الغد الذى يفقدون فيه الأمل فى الحياة كبشر، فيكون الحكم لقانون الانتقام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.