في شارع المعز الذي يتميز بأبنيته الشاهقة، يبدو جامع الأقمر قزما بين عمالقة، لكنه يعرف كيف يفتن الأنظار بنقوش واجهته، التي كانت الأولي من نوعها في العمارة الإسلامية بمصر، صمدت جماليات النقوش في وجه تقلبات الزمن لتصل إلينا، ومعها ملامح فترة عجيبة من تاريخ الخلافة الفاطمية، أصبح الوزير فيها أقوي من الخليفة، وكلمته الأكثر حسما قد تُحدد مصائر الحُكام، لدرجة أن منصب الوزارة صار يُورّث من الأب لابنه! بعد تجاوز المدخل، يشعر الزائر أنه أمام حالة غريبة، فصحن المسجد بكل ما يحيطه يبدو مائلا بالنسبة للواجهة، التي كانت أول واجهة تقام بمحاذاة الشارع. قبلها كان تأسيس المساجد يراعي اتجاه القبلة، ويبدأ بناء الجدران علي أساس هذا الاتجاه، دون أن يأخذ وضع الشارع الخارجي في الاعتبار. لا توجد نماذج باقية، لأن معظم الجوامع السابقة لم تصمد في مواجهة الزمن. غير أنه يُحسب لمهندس »الأقمر» أنه نبّه من جاءوا بعده إلي حق الطريق فتمت مراعاته. مؤسس الجامع هو الآمر بأحكام الله. تولي الخلافة عام 1101، وعمره خمس سنوات وشهر، وكان الوزير وقتها هو الأفضل شاهنشاه، الذي ورث الوزارة عن أبيه بدر الدين الجمالي. كان الخليفة الجديد طفلا، ويبدو أنه خلال تقدمه التدريجي في العمر، وعي دروس التاريخ جيدا، وعندما أصبح في ريعان شبابه، بدأ يضيق من الصلاحيات التي منحها شاهنشاه لنفسه. تعرّض الوزير لمحاولتي اغتيال فاشلتين، لم يكن هناك دليل دامغ علي وجود دور للخليفة الشاب فيهما، لكن الثالثة نجحت في عيد الأضحي عام 1121م. ضحي الخليفة بوزيره وأشاع أن طائفة الحشاشين قتلته، ثم اختار وزيرا آخر هو المأمون البطائحي. في تلك الفترة قرر الآمر أن يبني مسجده، وأوكل الأمر للبطائحي الذي انتهي من تشييده عام 1125، وكتب اسمه مع الخليفة في لوحة التأسيس، وفي نفس العام قبض عليه الخليفة وسجنه، ليستأصل سطوته المتنامية وينفرد بالحكم. بعد أن تخلص الآمر من وزيره بخمس سنوات، خرج في إحدي جولاته، عندما فاجأه مسلحون وطعنوه بسيوفهم. مرافقوه قليلو العدد فشلوا في حمايته، وبعد إعادته إلي قصره مات متأثرا بجراحه. لم يكن عمره يتجاوز أربعة وثلاثين عاما، قضي 29 منها في الحكم، ولم يبق من منشآته المعمارية الكثيرة في مدن عديدة، سوي هذا المسجد البديع.