أولاً: يجب أن نتفق في البداية أننا نتحدث عن المترجمين الاحترافيين وعن دور النشر الاحترافية. الدور غير الاحترافية لها حسابات مختلفة، والمترجم الذي يتعامل معها هو الآخر حساباته مختلفة، قد لا يهمه المستحقات المادية بقدر اهتمامه بترسيخ اسمه في سوق الترجمة، أو بترجمة كتاب معين له قيمة خاصة لديه، أو بتحقيق مكسب مادي أقل لأن هذه، ببساطة، هي الفرصة المتوفرة أمامه. ثانياً: يجب أن نتفق أيضاً علي أن المترجم والناشر ليسا خصمين، هما في مركب واحدة. من مصلحة المترجم أن يربح الناشر. كلما ازداد ربح الناشر ازداد عدد الناشرين، وعدد الكتب المنشورة، وازدادت الفرص المتاحة أمام المترجم، واتسعت السوق أمام المترجمين عموماً. أنا شخصيا أكون سعيداً جداً إذا استطاع الناشر تحقيق أرباح جيدة من مشروعنا المشترك »الكتاب المُترجَم»، وأعتبر هذا نجاحاً لي. عندما يترجم معي كتاباً ناجحاً علي المستوي المادي، سوف يسعي للتعاقد معي علي كتاب ثان وثالث. سبق وأن عملت لسنوات في مجال النشر وبيع الكتب، واطلعت علي خفايا هذا المجال بصورة جيدة. وأنا أعرف كم التفاصيل المعقدة التي يخوضها الناشر، وصعوبات المهنة. الناشر لديه مصروفات لا تحصي: »مصروفات تشغيل الدار، شراء الحقوق، مصروفات الترجمة، الغلاف، شراء الورق وأسعاره المتغيرة، الطباعة، النقل، التخزين، خصم المكتبات الذي يلتهم نصف سعر الكتاب تقريبا، إلخ»، ويواجه تحديات لا ينتبه إليها معظمنا »تزوير الكتب، القرصنة، إلخ». وهو يتعرض للمساءلة القانونية أحياناً، وتُمنَع كتبه في المعارض العربية في أحيان أخري. كل هذه التفاصيل تجعله من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة. فهو يحقق النجاح الساحق في عدد قليل من الكتب، ويحقق النجاح في بعض الكتب، وكثير من الكتب لا تنجح وتبقي في المخازن، بخسارة أو بربح بسيط. أنا شخصياً، كمترجم، لا أطمح في »مشاركته» أرباحه. هو ببساطة يشتري مني »حقوق» الترجمة، مقابل مبلغ مقطوع. إذا دفعه لي في الموعد المتفق عليه، وأخرج الكتاب بالصورة المثلي، سأعتبره شريكاً رائعاً، وسأظل أتعامل معه. أما أن أطلب منه »نسبة» من الربح علي النسخ المبيعة، فهذا أمر غير عملي، للأسباب السالف ذكرها. هو »يغامر» في مشروعه، أما أنا فليس لديَّ أي قدر من المغامرة. أنا أترجم الكتاب وأتقاضي حقوقي، والسلام عليكم. وبالمناسبة، الدور الاحترافية معروفة، والدور غير الاحترافية معروفة أيضاً. وما يدفع المترجم إلي التعامل مع الدور غير الاحترافية هو أن »السوق ضيّقة». لذلك أقول إن مصلحتنا جميعاً، نحن المترجمين، أن يحقق الناشر الأرباح، وأن تتسع السوق. الناشرون ليسوا، ويجب ألا يكونوا، خصوماً للمترجمين. إنهم شركاء في مشروع واحد وسوق واحدة تعود بالنفع علي الجميع في حالة اتساعها وتنظيمها.