العقود مهما كانت هي مجرد »حبر علي ورق»، وشكل من أشكال التوثيق لضمان الحقوق، ومع هذا من النادر جداً أن تصل الأمور إلي المحكمة، ولا يحضرني سوي مثال واحد لخلاف وقع بين مترجم وناشر، لكنه انتهي بالصلح في النهاية. أنا شخصياً حينما يؤخِّر ناشر ما مستحقاتي المالية لا أفكر أبداً في الذهاب بعقدي إلي محامٍ، كل ما أفعله أن أوسِّط صديقاً مشتركاً بيني وبين الناشر، ومثلاً حينما شعرت باليأس ذات مرة هددت باللجوء إلي اتحاد الناشرين، هذا أقصي ما أفكر فيه، ولا أظن أن أحداً من الطرفين، سواء الناشر أو المترجم يفكر في اللجوء إلي المحاكم، وبالتالي لا تكون المسألة »ما المكتوب في العقد»، بقدر »الطريقة نفسها في التعامل»، مع العلم أن أي ناشر هدفه الربح، لأنه صانع وتاجر في نفس الوقت، وهذا يخرجه، أحياناً عن »التركيز في الصنعة» بقدر »تركيزه علي التجارة نفسها»، وبالتالي يصبح غير مهتم بجودة الترجمة ودقتها، وممكن »يسترخص»ويستعين بمترجم »درجة تانية»، أو يضغط علي مترجم مميز لإنهاء العمل سريعاً وبمبلغ أقل، وهذا كله من أجل تحقيق ربح معقول. والسؤال: ما الذي يريده المترجم سوي إتاحة وقت معقول أمامه؟ إنه لا يريد الشعور بالضغط، حتي يُخرج العمل علي أكمل صورة، ويريد كذلك أن يشعر بالأمان، وهو لن يشعر بهذا دون أن يحصل علي مبالغ تكفيه وتضمن له حياة كريمة، ولكن هذا لا يتوفر في معظم الحالات. من الأمور التي يفعلها الناشرون كذلك لتحقيق ربح سريع وسهل أنهم يحصلون علي منح للترجمة من جهات أجنبية لترجمة كتب معينة، ليست عظيمة في الأغلب، وليست ملحَّة بمعايير ما تحتاجه المكتبة، ويدفعون جزءاً صغيراً للمترجم من هذه المنحة، وكل هذا لا يصب في مصلحة القارئ الذي سيذهب إليه المُنتَج في صورته النهائية. كما أن الناشرين، معظم الوقت، هم من يختارون العناوين، وعلي المترجم الرفض أو القبول، وفي الأغلب يقبل، لأنه »عايز ياكل عيش»، أما الحالات التي يختار فيها عنواناً جيداً ويستطيع إقناع الناشر به، ويحصل علي أجر جيد، فهي تمثل استثناءات نادرة جداً. لقد أصبحت العلاقة بين المترجم والناشر محكومة بمصلحة الناشر، الذي يتعامل معه باعتباره »صنايعي» لا يجب أخذ رأيه، مع أننا في الواقع نستطلع رأي »الصنايعي» أحياناً. وفيما يتعلق بالجهات الحكومية هناك مشاكل أيضاً، وعلي سبيل المثال ترجمتُ كتاب »المسرح وفنون الأداء.. سياسات الذاكرة في الأرجنتين» وكنت أتوقع أن يكلف المركز القومي للترجمة أحد المتخصصين في المسرح بالمراجعة لكنهم لم يفعلوا ذلك، ربما لأنهم شعروا بأن الترجمة جيدة، فقرروا أنها لا تحتاج إلي ذلك، وبالتالي منحوا الكتاب لمصحح مباشرة، وفي حالات أخري لا أشعر أن المراجع عنده الحساسية اللازمة للتصدي لترجمة معينة. وتظل مسألة الأجر، في النهاية، ضرورة كبيرة، فلو تصدي المترجم لعمل أو اثنين فقط في العام وحصل مقابلهما علي مبالغ تكفيه فلا شك أن العائد سيكون عظيماً، لأنه سيُركِّز، ولن يشعر بالضغط، وبالتالي لن يضطر إلي إنهاء ترجمة سريعاً ليحصل علي فرصة ترجمة ثانية، ولا شك أن جزءاً من النجاح سيعود عليه، لأن الجميع سيطلبه باعتباره اسماً مميزاً. كذلك لا يفوتني الحديث عن التفاوت الرهيب في الأجر بين دور النشر الخاصة، وكذلك بينها وبين الدور مثيلاتها العربية، وأيضاً بينها وبين الحكومية، لا يوجد معيار واضح يقول إن هذا هو متوسط الأجر الخاص بالمترجم، ولذلك أتمني أن تتعاون كل هذه الجهات في وضع معيار واضح ومقبول له.