كل الجراح تندمل بمرور الوقت، إلا جرائم صدام حسين، التي فتحت المنطقة علي مصراعيها للجيوش الأجنبية، ومهدت الطريق أمام الجماعات الإرهابية »داعش وأخواتها»، لترتكب مجازر ضد الإنسانية. كان طبيعياً أن يكون العراق من أغني دول العالم، ولكن صدام بدد ثروته وأدخله في حروب تلو حروب، وبعد أن انتهت حربه مع إيران، اتجه لدول الخليج ممارساً أسوأ أنواع الابتزاز، فقد تحول إلي قرصان وقاطع طريق. أمريكا قدمت له الطعم وابتلعه، بإشارات سربتها له السفيرة الأمريكية ابريل جلاسبي عام 1990، عندما قالت له كلاماً ليس له معني، ففهم منه أو هكذا صور له خياله، أن أمريكا ترضي عن سياساته العدوانية في المنطقة. وبعدها عقد قمة عربية في بغداد، وتخيل البعض أنها الأفضل والأكثر نجاحاً في تاريخ القمم العربية، ولكنها كانت خديعة كبري، ليداري بها جريمته التي خطط لها تجاه جارته الكويت، ووجهت له مصر 30 نداءً في ليلة واحدة، أن يتراجع ولا يتهور، ولكن يبدو أن العربة الطائشة التي ركبها، انطلقت وكان من المستحيل إيقافها. تلك كانت الطعنة النافذة في قلب العمل العربي المشترك.. ولم تعد إسرائيل هي رقم واحد في أجندة مهددات الأمن القومي العربي، بل أصبح صدام، الذي غير المفاهيم والاستراتيجيات، ووضع المنطقة في فوهة البركان. جاءت إيران إلي بعض دول المنطقة، لتبقي حتي لو رحلت الجيوش الأجنبية، ولا تعتبر نفسها غازياً سيأتي عليه يوم للرحيل، بل صاحبة أرض ونفوذ، كما فعلت مع حزب الله الذي يدين لها بالولاء، ويعتبر نفسه جزءاً من ولاية الفقيه، والوكيل الشرعي لآيات الله في لبنان. إيران تخطط لأن يكون لها في بعض دول المنطقة جناح سياسي وعسكري علي غرار حزب الله، ومعظم أفراده من الشيعة المرتبطين مذهبياً بمرشدي الثورة الإيرانية، وهذا الارتباط الأيديولوجي يجعل الميليشيات الكائنة في الدول العربية، أكثر ولاءً لإيران من دولها الأصلية. نلوم من ونختلق الأعذار لمن، بعد أن وصلت المنطقة العربية إلي هذا المصير المتأزم ؟ ومن الذي أوصلها لذلك ؟ أخطاء ديكتاتور العراق وخطاياه، لم يدفع ثمنها الشعب العراقي وحده، بل كل شعوب المنطقة.. فهل تذكرون ماذا فعل صدام وإيران مع مصر ؟ صدام هو الذي شكل جبهة الصمود والتصدي، بعد مبادرة السلام، ليس لحصار إسرائيل عن طريق دول الطوق، بل لخنق الشعب المصري وتجويعه، عقاباً للسادات، لأنه بادر بتحرير أرضه سلماً بعد حرب أكتوبر المجيدة، وكأنه كان مطلوباً من مصر أن تتجرع مرارة الاحتلال في صمت، وتظل سيناء محتلة. وإيران هي التي أضفت البطولة علي قاتل السادات، وأنشأت ميداناً باسم خالد الإسلامبولي، وصنعت له تمثالاً في قلب الميدان، رغم أن التماثيل عندهم حرام، وكانت مصر الدولة الوحيدة التي قطعت العلاقات مع طهران، ولم تقبل تآمرها ودس أنفها في الشأن الداخلي للبلاد. سوف يأتي يوم تفتح فيه خزائن الأسرار، ويقف التاريخ شاهداً علي من أساءوا للعروبة ومن دافعوا عنها، ومن الذي تصالح مع بلده، ومن الذي أعطي شعبه طعاماً مسموماً، مغلفاً بعبارات البطولة والشجاعة والتضحية والوطنية، ولما انهارت صروح الأوهام، وقعت المنطقة في براثن الشيطان. قالها بوش الابن: »لو كنت أعلم أن صدام لا يمتلك نووي ولا كيماوي، كنت أيضاً سأغزو العراق»!. انتهي دوره.. فقرروا التخلص منه.