نبحث عما يمكننا أن نعبر به إلي أرواحنا التي تقع علي الضفة الأخري من واقعنا المادي، نبحث عن مفاتيح لفتح الأبواب، لجسر أو لسبيل ما يمكننا من العبور.. من هذا المنطلق اختارت الفنانة أسماء الدسوقي »المعدية» رمزا لفلسفة العبور لتقدمها بتنويعات مختلفة في معرض حمل نفس العنوان واستضافته كلية الفنون الجميلة بالزمالك .. إذ تحولت المعدية حسب ما ذكرته الفنانة إلي حلقة الوصل النفسية للانتقال الروحي الحامل طيه الشغف والطموح للوصول إلي المبتغي. قدمت الفنانة 18عملا احتلت المعدية فيها البطولة بتنويعات مختلفة، وربما يكون استخدام عنصر واحد لا غير في معرض بالكامل مكبلا للفنان إلا أنه علي العكس في حالة أسماء الدسوقي، إذ تري أن كل عمل يكشف جانبا من روحها ومن مشاعرها ليتجاوز فكرة كون المعدية عنصرا من عناصر الطبيعة الصامتة إلي رمز يكشف المزيد في كل مرة، إذ تقول: منذ الطفولة ورحلة المعدية للانتقال إلي البر الثاني من قريتي إلي القرية الأخري وتأرجح المعدية علي سطح المياه يشعرني بالاحتواء والذي ارتبط أيضا بالمنظر الطبيعي المختزل من خلال قريتي الريفية. وتضيف : إلا أن للأمر بعدا فلسفيا آخر في حياتي ارتبط بفكرة الانتقال »بالمعدية» من زخم الحياة التي نعيشها إلي البر الثاني من حياتي وبداية حياة مستقرة أسعد ببنائها. تضيف الفنانة: علي الجانب الآخر ذكرتني المعدية بحالة خروج نبي الله يونس من قريته غاضبا منهم يبغي وصوله إلي مكان آخر ناجيا بنفسه، فإذا بالسفينة التي ركبها توشك علي الغرق وحين اقترعوا علي من يُلقي بنفسه في البحر، فإذا بالاختيار يقع علي نبي الله يونس ليقفز من السفينة فتحولت القصة من فكرة الخروج نفسها للعبرة. وقد عبرت الفنانة عن تلك القصة بتوظيف الألوان حيث قامت بدمج اللون الأزرق بلمسات خفيفة في بعض الأعمال كدلالة علي الروح والانتقال من حالة إلي أخري مستخدمة في ذلك القلم الجاف الأسود الذي يدل علي الاستقرار في العالم المرئي ومنه إلي درجات الأزرق في مساحات بسيطة ولكنها مؤثرة لتقودنا إلي العالم غير المرئي. ويبدو اهتمام الفنانة أسماء الدسوقي بالروح اهتماما ممتدا، إذ لم تكن تلك تجربتها الأولي في مغازلة الروح والاقتراب منها، حيث قدمت في معرض سابق فكرة الروح والجسد، والذي تنوعت فيه الأعمال بين البورتريه موظفة أوراق الشجر التي تتساقط كدلالة علي تساقط أوراق العمر إلي أن ينتهي، أما في بعض الأعمال فقد قدمت جسدا خاليا بعد أن فارقته الروح، تلك التي تحتفظ بجمالها ورونقها حتي بعد خروجها من الجسد. أما المشروع الفني الثالث الذي عالجت فيه الدسوقي قضية الروح فنراه في مجموعة باب الوزير، حيث تقول : في زيارتي إلي منطقه المقابر في باب الوزير اتسعت الرؤية لأجد نفسي أتفقد المكان الذي سكنت فيه الأجساد وتحررت منه الروح، وعلي الرغم من حواري مع الأطفال في المكان والرسم معهم، والوقت الممتع الذي قضيته معهم وتقديمهم الأطعمة لي أو ما يعرف »بالرحمة والنور» ليتقربوا إليّ لأني تعاملت معهم بشكل أرضي طفولتهم لم أفكر في رسم تلك اللحظات، ولكن شغلتني الروح التي لم يرها أحد والتي سكنت القبر، ومن المشاهد التي تعايشت معها لحظة دخول المتوفي القبر.. فهناك لم يكن أمامي غير الصمت والانتظار، وفكرت أن باب القبر هو بوابة العبور، إذ يري من بداخلها أما من خارجها فلا يري وقد عبرت عن تلك اللحظة بشكل الباب البالي .. وهناك مشهد آخر للمكان كله ولكني ركزت علي الحالة الصوفية في المشهد وذلك لظهور الروح من خلالها.. المعرض كان رسما بالقلم الجاف ورسم بالريشة والأحبار السبيا. جدير بالذكر أن أسماء الدسوقي تشغل منصب أستاذ مساعد بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان .. وقد حصلت علي درجة الدكتوراه عام 2010، وقد أقامت العديد من المعارض الفنية التي تجسد تطور تجربتها الفنية والتي يغلب عليها أيضا علاقتها بالمكان والتي اتضحت في العديد من أعمالها التي تعكس المكان في علاقته بالإنسان بكل تداخلاتها وأبعادها.