في صبيحة يوم السبت الموافق 31/5/1975 انعقدت محكمة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار برهان الدين العبد وعضوية المستشارين عبد اللطيف المراغي (يمين) ومحمد وجدي عبد الصمد (يسار) للنطق بأحكامها فيما عُرف إعلامياً بقضية »الفنية العسكرية». وقد نص البند الأول من المنطوق علي الحكم بإجماع الآراء بالإعدام شنقاً علي كل من: صالح عبد الله سرية »القائد السابق لجيش التحرير الفلسطيني»، وطلال عبد المنعم الأنصاري »الطالب بهندسة الإسكندرية» ، وكارم عزت الأناضولي »الطالب بالفنية العسكرية»، وما إن رُفعت الجلسة حتي انطلقت الهتافات في جنبات القاعة مرددة بلا توقف (الله غايتنا، الرسول زعيمنا، القرآن دستورنا والموت في سبيل الله أسمي أمانينا) . في عام 1976 تم تنفيذ الحكم في المحكوم عليهما الأول والثالث ليغدو إعدامهما بمثابة شرارة لإطلاق تيارات العنف الأيديولوجي المسلحة في المنطقة بأسرها، أما المحكوم عليه الثاني »طلال» فكان ابناً للشاعر الكبير محمد عبد المنعم الأنصاري ما دفع ثلاثة من أصدقائه من كبار الأدباء : توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وثروت أباظة إلي التقدم بعريضة لرئيس الجمهورية موقعة منهم ومن بعض أعضاء اتحاد كتاب مصر يلتمسون فيها تخفيف الحكم علي ابنه ، كما وقع علي العريضة أيضاً بعض الرموز الفنية أذكر منهم الفنان عادل إمام، وقد استجاب الرئيس أنور السادات لوساطة اتحاد الكتاب واستخدم صلاحياته لتخفيف الحكم علي طلال وحده من الإعدام إلي السجن المؤبد ماجعل الفتي يعاني في سجنه من اتهام زملائه له بالخيانة. وهكذا قُدر لطلال الأنصاري أن يعيش لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً إضافية مريرة حتي وفاته عام 2012 ، وقُدر لي أن أستمع منه إلي بعض أسرار ذلك التنظيم الذي يعد في الحقيقة الأب الشرعي لتيارات العنف الإسلامي المعاصرة، والذي كانت أدبياته البسيطة التي لم تجاوز مخطوطة »رسالة الإيمان» لصالح سرية، وشريط الكاسيت الذي حمل مرافعة كارم الأناضولي خلال محاكمته بمثابة البذرة التي أنبتت سائر أدبيات ذلك التيار. تلك الأسرار هي بعض المصادر التي استعنت بها في إنجاز روايتي »بلا وطن» التي تصدر عن دار الكرمة للنشر خلال أيام .