في الثاني من سبتمبر 2012، تُوفي طلال عبد المنعم الأنصاري أحد قيادات أول محاولة انقلابية عسكرية استهدفت اسقاط نظام الحكم في مصر بالقوة عام 1974، وهذه القضية المعروفة إعلامياً ب'تنظيم الفنية العسكرية'، واعتمد التنظيم في خطته الأولي علي تنفيذ عملية لاغتيال الرئيس أنور السادات مع كبار قيادات الدولة في مطار القاهرة عند عودته من زيارة خارجية ليوغوسلافيا، وتم إلغاء الخطة لعدم قيام مجموعة من التنظيم بتنفيذ المهام المُوكلة إليهم، ومن ثم لجأ التنظيم إلي خطة بديلة تتمثل في اقتحام الكلية الفنية العسكرية بالقاهرة، والاستيلاء علي ما بها من أسلحة وذخائر ومدرعات بمساعدة مجموعة من طلاب الكلية، ثم التوجه بما حصلوا عليه إلي مقر الاتحاد الاشتراكي أثناء اجتماع الرئيس السادات مع قيادات الدولة، ودخول المبني كمجموعة عسكرية جاءت لإبطال مفعول متفجرات داخل المقر، ثم محاصرة السادات وقيادات الدولة أثناء اجتماعهم، وإعلان تنحي الرئيس عن الحكم، وأعد قائد التنظيم صالح سرية بيان الانقلاب بخط يده ووقعه بصفة رئيس الجمهورية. ومع بداية التحرك تراجع اثنان من أعضاء التنظيم, وتوجه أحدهما إلي وزارة الداخلية والثاني إلي رئاسة الجمهورية وقاما بالإبلاغ عن الخطة, وبعد مرور وقت من التحقيق والاستجواب, توجهت قوات الأمن إلي الكلية الفنية العسكرية, ليتم إحباط العملية في بدايتها بعد اشتباكات مسلحة مع حرس الكلية أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات, وتم القبض علي أعضاء التنظيم، وصدر الحكم بإعدام الفلسطيني صالح سرية قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وكذلك المتهم الثالث طلال عبد المنعم الأنصاري، وتم تخفيف الحكم علي الانصاري إلي السجن المؤبد بقرار من الرئيس السادات، وقيل إن السادات وافق علي تخفيف الحكم بعد وساطة من الأدباء نجيب محفوظ، وثروت أباظة، وتوفيق الحكيم والفنان عادل إمام، والذين تربطهم صلة صداقة بوالده الشاعر السكندري عبد المنعم الانصاري، وتم الإفراج عنه عام 1994. وبعد وفاة الأنصاري عاد الحديث مرة أخري عن علاقة جماعة 'الإخوان' بهذا الإنقلاب الفاشل، بسبب برقية التعزية التي أرسلها الداعية الإخواني وجدي غنيم من قطر إلي أسرة الأنصاري، ومشاركة عناصر إخوانية وكوادر إسلامية في تشييع جثمانه، رغم أن الجماعة اتهمت الأنصاري بالكذب والافتراء عليها بما قاله في في مذكراته عن قيامهم بتنفيذ العملية بموجب اتفاق سري مع جماعة 'الإخوان'، وكان هذا الاتفاق يقضي بأنهم كأعضاء عاملين في الجماعة، وبايعوا المرشد العام الثاني حسن الهضيبي سيعلنون تحملهم مسئولية العملية في حالة فشلها، أما في حالة نجاحها فيتم إعلان الحقيقة. والثابت في هذا الجدال، ومن واقع أقوال 'الإخوان'، ومؤيديهم، أن الفلسطيني صالح سرية قائد التنظيم كان عضواً في جماعة 'الإخوان'، وكان يتردد علي المرشد الثاني حسن الهضيبي ومنزل الحاجة زينب الغزالي، وأن التعارف بين طلال الأنصاري وصالح سرية تم في منزل زينب الغزالي، وكان الخلاف فقط في قول 'الإخوان' إن هذه الاجتماعات كانت زيارات ودية، وأن صالح سرية ومن معه تركوا التنظيم بعد خلاف علي منهج التغيير. لكن الغريب أنه رغم نفي 'الإخوان' لوجود أية صلة بأعضاء تنظيم الفنية العسكرية، إلا أنهم كلفوا مجموعة من المحامين بمهمة الدفاع عن جميع المتهمين وكان في مقدمة فريق الدفاع المحامي الإخواني الكبير الدكتور عبد الله رشوان، وحضر عبد المنعم أبو الفتوح جميع جلسات القضية بشخصه وبصفته رئيساً لاتحاد طلاب كلية طب القاهرة – آنذاك - لدعم ومساندة اثنين من المتهمين في القضية، حسب قوله في شهادته علي 'تاريخ الحركة الإسلامية'، التي نشرتها جريدة الشروق علي حلقات في يوليو 2009، حيث تحدث الدكتور أبو الفتوح عن قضية الفنية العسكرية، وقال: ' حين وقعت المحاولة التي كان محكوما عليها بالفشل وأعلن عنها في الصحف وجدنا أن بقائمة المتهمين عضوين في تنظيم الفنية العسكرية يعملان معنا في العمل العام بكلية طب قصر العيني، وهما مصطفي يسري وأسامة خليفة، ولم نكن نعرف أنهما منضمان لهذا التنظيم، إذ لم يخبرا أحدا منّا، ولم يكن هناك ما يدل – من سلوكهما – علي أنهما بصدد القيام بعمل عسكري. وباعتباري رئيسا لاتحاد الطلاب فقد حضرت جميع جلسات القضية مدافعا عن الطلبة المتهمين باعتباري رئيسا لاتحاد الكلية التي يدرسان بها، كما وكّل اتحاد الطلاب المحامي الأستاذ الدكتور عبد الله رشوان للدفاع عنهما.. وقد حكم عليهما في القضية بالسجن بعد فشل عمليتهم'. ويؤكد أبو الفتوح في مذكراته أن ما نشرته مجلة 'روز اليوسف' علي لسان طلال الأنصاري أحد قيادات تنظيم الفنية العسكرية عن اتفاق 'الإخوان' معهم علي تنفيذ العملية، غير صحيح ويقول ابو الفتوح: '.. وقد لاحظت أن طلال يكرر في هذه الشهادة الحديث عن علاقته بالإخوان بما يوحي بصلة 'الإخوان' بالتنظيم أو وقوفهم وراء محاولته الانقلابية، وهو يدلس في هذه الشهادة حين يدعّي وجود صلة من هذا النوع بالإخوان، فالحاصل أن 'الإخوان' كانوا آنذاك محط احترام الشباب وكان من الفخر لأبناء جيلنا أن يجلس أحد منا مع أحد 'الإخوان' الخارجين من المعتقلات حديثًا، ولا مانع أن يكون طلال قد اتصل بهم كما اتصل بهم كل الشباب الإسلامي من أبناء جيلنا دون أن يكون ذلك دليلا علي صلة تنظيمية'. ويؤكد عبد المنعم أبو الفتوح أن ما ذكره طلال في شهادته محض افتراء والدليل علي ذلك أن أحدا من المتهمين الآخرين لم يذكر 'الإخوان' في أقواله من قريب أو بعيد، كما لم يتم التحقيق مع أي من أفراد جماعة 'الإخوان' في هذه القضية، واضاف أبو الفتوح: ' ومن ثم فلا أستبعد أن ما يقوله عن علاقته بالإخوان هو من خياله أو تأليفه'!!! لكن طلال الأنصاري أكد من جانبه - في تسجيل مصور- أن ما قاله أبو الفتوح لا يمت للحقيقة بصلة، ويبدو أن أبو الفتوح قد تسرع في استشهاده ببقية المتهمين في القضية، فقد خرج هاني الفرنواني المتهم الرابع والعشرون بعد ذلك، وأكد صحة ما قاله طلال الأنصاري بشأن صلة الإخوان بالتنظيم وقال في حديث لموقع محيط الإخباري تم نشره في الأول من أكتوبر 2011: 'كنا ما بين خيارين، أما أن نتحمل القضية منفردين بعيدًا عن 'الإخوان' حتي لا يضاروا بسببنا، أو نقول أننا فرع من 'الإخوان' ويتحمل معنا 'الإخوان' الأمر، واخترنا الخيار الأول وهو أن نتحمل القضية منفردين بعيدًا عن الأخوان تماماً'. وقال الفرنواني: 'كنت أجلس بجانب طلال الأنصاري بعد القبض علينا، وكنت مصاباً بإصابات شديدة، ودخلت الحاجة زينب 'رحمها الله' وكانت تسير مع فؤاد علام مقدم أمن الدولة آنذاك، وقمنا إليها تقديراً واحتراماً، وكأنها مثلاً السيدة عائشة 'رضي الله عنها'، وكنا نحترمها احتراماً شديدا، فقمنا للسلام عليها، وبمجرد وصول طلال الأنصاري إليها فوجئنا بها تبصق علي وجهه، وقالت له: يا كلب يا مجرم، وكان ذلك في مقر مباحث أمن الدولة بلاظوغلي'. ويضيف الفرنواني 'تقابلت مع ضابط أمن الدولة وكان اسمه حامد سيف النصر، وقال لي رأيت ما حدث مع طلال الأنصاري وزينب الغزالي، فقلت له: يستاهل لأن طلال الأنصاري غلطان ويستحق ذلك الأمر، وكان في قرارة نفسي أننا يجب ان نتحمل القضية وتبعاتها منفردين، وهذه القناعة يبدو أنها انتقلت إلي 'الإخوان'، وصدق 'الإخوان' أنفسهم بعد ذلك. ويؤكد الفرنواني أن 'الذي كان يدرك الحقيقة الحاجة زينب، وسارت القضية، وابتعد 'الإخوان' عن القضية تماماً حتي بداية المحاكمة، وعند بدء المحاكمة أرسلوا لنا شخصا يدعي فايز عبد المعز محامي من قبل الجماعة، وهذا المحامي جمعنا له من القضية 86 توكيلاً من المتهمين، من إجمالي 92 شخصاً في قرار الاتهام، وأرسلوا هذا الشخص لكي تدور المحاكمات في سياق لا يمس 'الإخوان المسلمين'، ونحن تعاونا معه علي هذا الأساس، وكنت أنا أكثر المتحمسين لهذا الأمر، ومنذ ذلك الأمر انتهت علاقتنا بالإخوان تماماً. وقال هاني الفرنواني: 'الحقيقة أن الحاجة زينب هي التي أتت بطلال وصالح سرية وعرفتهم علي بعض لكي يستمر التعاون، وكانت في السابق تخفي اسم طلال وتقول: عصام قريبي، أو ابن أختي، وعند اللحظة الفارقة، جمعتهم وقالت: هذا طلال الأنصاري وهذا صالح سرية، ورفعت يدها إلي السماء، وقالت: اللهم هذا غرسك وحرثك، وعلي بركة الله، وتم تسليم مجموعة طلال إلي سرية. وفي شهادة ثانية حول صلة الإخوان بتنظيم الفنية العسكرية يقول ياسر سعد أحد المتهمين في القضية في حوار مع صحيفة اليوم السابع: '.. هذه القضية تحرك فيها صالح سرية، الكادر الإخواني، من العراق، وجاء إلي مصر، والتقي زينب الغزالي وكثيرًا من جماعة 'الإخوان'، والتقي المرشد العام للجماعة آنذاك حسن الهضيبي، وعرفته زينب الغزالي بمجموعة كانت قد بايعت من قبل المرشد الهضيبي، ونحن أدبياتنا هي أدبيات 'الإخوان'، ولم نختلف عنهم في شيء، ولم يطلق علينا في هذا الوقت اسم تنظيم الجهاد، وكنا نعتبر أنفسنا 'إخوان مسلمين'، فقراءتنا كانت الرسائل، وأركان البيعة العشرة، والظلال، ومعالم علي الطريق لسيد قطب، وأي كتابات خارجة من 'الإخوان' كنا نقرأها، والمشايخ الذين كنا نتردد عليهم كانوا تابعين لجماعة الإخوان، مثل الشيخ محمود عيد، شيخ الإسكندرية المفوه، وكان يخطب صلاة الجمعة بمسجد السلام بالإسكندرية، وكان يؤمّنا في صلاة الفجر بمسجد اسمه مسجد 'درويش'، وهذا المسجد كان قريبًا من منزلي، وقد تعرفت فيه علي طلال الأنصاري، المتهم المشهور في قضية الفنية العسكرية.. '. وقال ياسر سعد: '.. نحن مجموعة بدأنا وكنا ننتمي لتنظيم الإخوان فكريًا وأدبيًا، وكنا أعضاء- حسب مفهومنا، تابعين لمرشد العام للجماعة الهضيبي، وهذا يكفينا'. وأكد ياسر سعد أن الذي وضع الخطة طلاب في السنة الخامسة بكلية الفنية العسكرية، وصالح سرية صاحب الفكرة في الأساس، وقال: 'الإخوان لم يعترفوا قط به، وأنكروه لأنه يضر مصالحهم السياسية، فأنا كجندي كيف أعرف أن المرشد كان عالمًا بهذه الخطة، بسبب العلاقات الوطيدة بين صالح سرية وحسن الهضيبي، المرشد العام، وزينب الغزالي، والشيخ عبده إسماعيل'. وفي شهادته التي سجلها أمام مختار نوح المحامي والصحفي محمد حسين بكر علي أبوهميلة، الشهير ب 'محمد علي'، تحدث طلال الأنصاري عن نشاطه الإسلامي قبل خروج قيادات الجماعة من السجون ثم عضويته في التنظيم بعد الإفراج عن قياداته وبيعته لمرشد 'الإخوان' الثاني حسن الهضيبي ويقول: '.. جلسنا ننتظر الأستاذ المرشد، وبدأ التوتر والقلق الذي أصاب الشيخ علي 'القيادي الإخواني علي عبده إسماعيل' يتسرب اليَ في ظل هدوء قاتل للمنزل.. ودخل علينا المرشد وعرض عليه الشيخ علي كل تفاصيل التنظيم الذي انتمي اليه، ثم طلب مني ان أمد يدي لأبايع المرشد بيعة 'الإخوان' الشهيرة فمددت يدي، وبايعت المرشد مردداً نص البيعة كما كان يقولها الشيخ علي، ثم احتضنني المرشد وبكي، وشاهدت دموعه تنساب من تحت نظارته.. وجلسنا لدقيقتين ثم خرجنا من المنزل وعدنا للأسكندرية واشاع الشيخ علي الخبر بين 'إخوان' الاسكندرية وبعض التجمعات الاسلامية، وبشكل يحدد شرعية وجود تنظيمنا كاخوان مسلمين وقد أخبرت وقتها أحد قيادات 'الاخوان' وهو الأستاذ جمعة امين 'نائب المرشد العام حالياً' بتفاصيل بيعتي للاستاذ الهضيبي، وتعجبت من حالة التدهور التي أصابته وعرفت سببه فيما بعد.استمرت علاقتنا بالمرشد عن طريقي أنا شخصياً وكنت أقابله مرة أو مرتين كل شهر في منزله وتمتد الجلسه لساعه او إثنين وأحكي له عن أوضاعنا ومنهجنا الثقافي وأفرادنا وكان لا يعترض علي أكثر ما اعرض عليه بل يوافق.. '. والعجيب أنه بعد نجاح عملية اغتيال السادات في السادس من أكتوبر عام 1981 وفشل عملية الإنقلاب الذي كان يستهدف اسقاط النظام بالكامل، قامت جماعة 'الإخوان' بتكليف مجموعة من المحامين بالدفاع عن المتهمين في القضية – كما فعلت في قضية الفنية العسكرية- ويذكر أحد المحامين أن مجموعة من 'الإخوان' المصريين العاملين بالخارج أرسلوا مبلغاً وقدره مائتين وخمسين ألف جنيه لعدد من المحامين المشاركين في هيئة الدفاع عن أعضاء تنظيم الجهاد، الذين تحول أكثرهم بعد الثالث من يوليو 2014 إلي قيادات في تحالف دعم 'الإخوان' الذي يستهدف اسقاط نظام الحكم في مصر!!!