لا يمكن تصنيف العشوائيات بأن بعضها »خطرة»، وأخري بعيدة عن الخطورة، فمجرد كونها منطقة عشوائية، فهي بكل تأكيد »خطرة». ما دعاني لتسليط الضوء علي المسألة، والتوقف أمامها، حديث د. مدبولي رئيس الوزراء بشأن التوجيه السياسي للحكومة، بسرعة القضاء علي ظاهرة المناطق »العشوائية الخطرة». ولا أظن أن أي مسئول سوف ينظر لقضية العشوائيات، إلا باعتبارها »حزمة واحدة»، إلا أن مكامن الخطر متعددة، ومتفاوتة ليس إلا. من ثم فإن وصفها ب »سبة في جبين مصر» ، يقطع أي محاولة للإلتفاف بشأن تفاوت درجات الخطورة، علي الأقل لأنها تصبح أسلوب حياة لمن قادته ظروفه، لأن يكون أحد ضحاياها. في العشوائيات سلم مختلف للقيم، وفي جوانبها المظلمة تنمو سلوكيات تكون بمثابة البيئة المثالية لإنتاج بشر مشوهين - علي كل الأصعدة - إلا من رحم ربي. مناخ المنطقة العشوائية يكون مواتيا دائما لصناعة إنسان ناقم علي كل من لا ينتمي لعالمه، كاره لحياته، عاجز في غياب من يمد يده لمساعدته علي تجاوز واقعه، من ثم فإن أشد مخاطر العشوائيات إنها تفرخ كل يوم، بل كل ساعة أنماطا من الصعب أن تتكيف مع أفكار للتحديث، أو التطلع للمستقبل بعين متفائلة، دون إعادة تأهيل نفسي وثقافي، فالأمر لا يجب أن يقتصر علي نقل سكان هذه المنطقة العشوائية أو تلك لموقع تم بناؤه وفق أرقي مستويات الإسكان، إذ إن هذه الخطوة تظل الأبسط، إذا كان الهدف إبعاد شبح الخطر من سماء دنيا العشوائيات. رائع أن يتم تخصيص جزء من مشروع - أو مشروع بأكمله - لنقل سكان إحدي المناطق العشوائية، لكن الأروع والأهم امتلاك خطة لإعادة تأهيلهم، لينفصلوا عن أسلوب حياة ومنهج تفكير إذا انتقل معهم يظل الخطر قائما.