كان يقف أمام ضريح الشيخ فرج مجموعة من الشباب، يدخنون السجائر، ويتكلمون بصوت عالٍ. وقفتُ بعيداً عنهم. وقفتُ وظللتُ أحدق في الضريح. كان وجودي بالنسبة لهم غريباً. أخرجتُ الموبايل من حقيبتي لأصوّره، وكانوا هم بدورهم يصورونني بأعينهم. كنتُ مرتبكة قليلاً، ليس منهم، إنما من الضريح، الذي كان مُغلقاً بحسمٍ، كما لو أنه لا يريد من أحدٍ الاقتراب منه. هو عبارة عن غرفة متوسطة الحجم. غرفة وحيدة. بُنيت له خصيصاً، كالغرف التي تُبني للعجائز في العشوائيات. بابه خشبي. كُتب فوقه باللون الأخضر (هذا مقام العارف بالله الشيخ فرج رضي الله عنه وأرضاه). كما كُتب ذلك أيضاً في لوحة رخامية، عُلقت فوق الشباك الخشبي المحاط بسياج حديدي، والذي يقف أمامه الناس، ليقرؤوا له الفاتحة. يجاور الضريح ورشة، لم أتأملها جيداً، ولا أذكر إن كانت لتصليح السيارات، أم لغسلها. ويجاور الورشة كشك، تجلس أمامه امرأتان. سألتهما عن الضريح. قالتا إن مفتاحه مع شخص يُدعي عمرو السيد. وتطوعت إحداهما بالنداء عليه. كان عمرو يقبع خلف إحدي السيارات. ظهر سريعاً، كما لو أنه شبح. رحب بي، وتنهد، قائلاً: أخيراً هفتحه لحد. الضريح يشغل الغرفة كلها. ضخم للغاية. ولم يكن مُحاطاً بمقصورة حديدية. ولم يكن يُغطيه هذا الغطاء الأخضر المنقوش عليه آيات قرآنية. إذ كان ضريحاً من الرخام. وهو ما أعطاني إحساساً أنه قبر. ولأن القبور دائماً مُعتمة، استخدمت كشاف الموبايل، لأري الكتابات المدوّنة علي الجدران، وكانت كُكل الكتابات التي رأيتها من قبل؛ (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، و(اللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله)، بالإضافة إلي منحوتة مُعلقة، تقول إن الأمير محمد أغا هو من قام بتجديد المقام، ويبدو أنها منحوتة قديمة للغاية، لأن الشكل الحالي للمقام، تم بيد الأهالي. وحكي لي عمرو قصة تجديدهم له، أنه منذ تسع سنوات تقريباً كان الضريح عبارة عن مقلب قمامة، وحدث أن رمي أحدهم -دون قصد- عود ثقاب علي سطحه، فاشتعل، حتي كادت النار أن تلتهمه بالكامل، لكنهم استطاعوا أن يخمدوها، ما دفعه هو ومجموعة من الأهالي إلي ترميمه، حتي يعود كما كان، وهو الآن يجلس وعيناه طيلة الوقت عليه، حتي لا يُلقي أحد مرة ثانية أي قمامة علي سطحه، أو أمام بابه. لا يعرف عمرو من هو الشيخ فرج، ولا يعرف إن كان حقاً هناك أحد مدفون هنا أم لا، كل ما يعرفه أن الله سوف يرضي عنه لما فعله مع الضريح. قبل أن أتركه سألته إن كان هناك أضرحة أخري في هذه المنطقة، فقال إن هناك ضريح محمد المنوفي، يقع في حارة سُميت باسمه، ومتفرعة من شارع الشيخ ريحان. عدتُ للشارع، ومشيت قليلاً، وعند محل جزارة توقفت لأسأل عن الحارة، فأخبروني أنني أقف علي ناصيتها. بمجرد أن دخلتها شعرت بالوحشة. إذ كانت هادئة للغاية، وكانت بيوتها الأولي علي الصف الأيمن مُزالة، وهو ما جعل الضريح أول شيء أصادفه. لا يختلف ضريح محمد المنوفي عن ضريح الشيخ فرج، من حيث الشكل، والحالة، فهو مثله غرفة منفردة، ومُغلقة. لم يكن هناك أحد في الحارة لأسأله، وبالصدفة مر عليّ رجل، فأوقفته، ربما يعرف شيئاً، وبالفعل دلني علي البيت الذي يسكن فيه الناس الذين يخدمون الضريح. ذهبت إلي هناك مباشرة، والتقيت بامرأة عجوز، قصيرة، ترتدي خماراً، وتحمل بيدها شنطة في داخلها طماطم. -اسمك ايه يا حجة -اسمي زنوبة.. اسمي وحش مش كدا ضحكتُ، وضحكت هي أيضاً، ثم قالت إن ولديها هشام وعلي إسماعيل يخدمان الضريخ، وإن لا أحد منهما موجود الآن. كما قالت إن الحارة كان اسمها من قبل حارة الزير المُعلق، وصارت تسمي باسم حارة المنوفي منذ فترة طويلة. وأضافت: »صحيح أن الأعمار بيد الله.. لكن الناس هنا يعيشون أطول من سكان الحارات المجاورة، وذلك ببركة المنوفي». وسألتني: هما هيشيلوا الضريح ولا إيه.. فرددتُ: ماحدش يقدر يشيل ضريح..