كان ثاني الأضرحة التي أعرفها، هو ضريح حمزة الصحابي، الذي يقع في شارع هدي شعراوي. والذي أشعر أنني تعلقتُ به دون قصد، إذ أمرُ عليه دوماً حين أكون ذاهبة إلي مكتبة تنمية، أو إلي مطعم فلفلة. كان هدوؤه، وأناقته، يثيران استغرابي. وجوده في هذا الموقع أصلاً مُثير للاستغراب. فهو علي نفس الصف الذي به بار (ستلا)، ويعتبر قريباً جداً من مقهي (ريش)، وهو ما جعلني أنشغل كثيراً بفكرة السُكر وعلاقتها بالتصوف، وأن لا عيش لمن عاش صاحياً، كما قال ابن الفارض، وجعلني أيضاً أتخيل المثقفين وهم خارجون من ستلا أو ريش بعد منتصف الليل في حالة من الفقدان التام للوعي، ويدخلون إليه ليصلوا، أو ليقيموا ليلة مدح. كما أنه قريب من قهوة زهرة البستان، مقصد الكُتّاب. وقريب أيضاً من بطريركية الأرمن الكاثوليك. فإذا وقفت علي باب الضريح، ورفعت رأسك قليلاً، سوف تري الصليب الذي يعلو القبة المخروطية. كان يثير استغرابي أيضاً، المرأتان اللتان تجلسان بجوار بابه، حيث عرفت اسم واحدة منهما بالمصادفة، إذ كنتُ ذات يوم أنتظر أحداً أمام الضريح، وسمعتُ رجلاً ينده ويقول: يا ست صباح. رن الاسم بداخلي حينها، وحفظته. وكنت كلما مررتُ من أمامها، أسلم عليها في سري. ربما يعتبر البعض هذا هبلاً، أو جنوناً. لكنني حقاً كنت أفعل ذلك، ولم يكن لديّ أي تفسير لهذا. كما لم يكن لديّ تفسير لتحفظي علي أن أسألها عن الضريح. شعرتُ من داخلي أنها طيبة، وأنها ليس لها في شيء، رغم أن مظهرها، الذي يبدو بالمقارنة للنساء اللاتي نجدهن دائماً في أي ضريح، كان مُغايراً، إذ ترتدي دوماً بنطلوناً وبلوزة يكون في الغالب لونها زاهياً، وسادة، كما يقولون. - ازيك يا ست صباح - ايه دا انت تعرفيني منين؟ - دا أنتِ مشهورة خالص ضحكت، وضحكت المرأة الأخري التي تجلس بجوارها، والتي عرفتُ منها أن اسمها نورا، وأنها أختها. كانتا تمسكان بأيديهن سبحتين. ففهمت علي الفور أنهما خادمتا الضريح. وكان هذا شيئاً ثالثاً مُثيراً للاستغراب. لأننا اعتدنا دوماً أن يكون الخادم رجلاً، خصوصاً لو كان الضريح لرجل. سألتهما عن حمزة الصحابي. كانتا خائفتين من الرد، بالأحري، من وزارة الأوقاف. قلت لهما إنني أريد فقط أن أعرف ما لديهم من معلومات. أشارت صباح إلي اللوحة الرخامية المُعلقة بجوار الباب، والمكتوب عليها أنه (ضريح العارف بالله سيدي حمزة بن محمد بن هبة الله بن عبد المنعم/ الصاحب الشهير بالشيخ حمزة الصحابي)، أما نورا فاصطحبتني إلي الداخل. كان الضريح في غرفة ضيقة للغاية، ومنفصلة عن المسجد الصغير المُلحق به. وبدا عليه الاهتمام. حيث السجاجيد النظيفة، وغطاء المقام المصنوع خصيصاً له، إذ كان مكتوباً عليه اسم الشيخ. عدتُ لصباح، لأدردش معها قليلاً، فخرجت منها بمعلومات لا بأس بها، أنه منذ بناء وكالة أنباء الشرق الأوسط، التي علي بعد خطوات منّا، لم يتم إقامة المولد السنوي لحمزة الصحابي، وأن آخر مولد عاصرته له، كان وهي عمرها خمسة عشر عاماً تقريباً، وأنها ورثت هي وأختها خدمة الضريح بعد وفاة والدها، وأن الزيارات شحيحة جداً، حتي من يدخل ليصلي قد لا يقرأ الفاتحة له، قد لا يلاحظه أصلاً، وبررت ذلك بأن حمزة الصحابي كان لا يريد أن يكون مشهوراً! -عرفتِ منين؟ -.............. -طيب متأكدة إن فيه حد مدفون هنا؟ - آه طبعاً.. أمال الراحة النفسية اللي بنحسها هنا جاية منين.. وريحة المسك اللي بتظهر فجأة. لكنها عادت، وقالت إنها ليست معنية بهذا كله، هي فقط عاملة في وزارة الأوقاف، وتفعل ما يمليه عليها ضميرها. قبل أن أتركهما سألتهما إن كانتا تعرفان أضرحة أخري قريبة، فأخبرتاني أن هناك ضريحاً لشيخ اسمه حمزة أيضاً يقع في شارع البلاقسة، وأن هناك ضريح الشيخ معروف، فأخبرتهما أنني ذهبت للأخير، وأنني أعرف ضريحاً آخر يقع بجوار وزارة الأوقاف، فقالتا إنهما لا تعرفان عنه شيئاً .