السينما.. تلك الشاشة البيضاء التي تنقلنا إلى عوالم أخرى، عوالم افتراضية تنهل من الواقع أساطيرها وحكاياتها، لتبث فينا آمالاً بغد أفضل، وأحلاماً يرى كل واحد فينا نفسه فيها؛ محاولاً اختراق نواميس الطبيعة ليدلف إلى عالم الخيال الخصب. ولأن السينما أصبحت محط أنظار الغالبية العظمى من البشر فى العصر الحديث، كان لابد أن تتجه إليها أنظار رجال المال والأعمال فى كل العقود وعلى كل المستويات وفى كل البقاع، لتتحول من عالم الترفيه إلى عالم الرأسمالية والأرباح، ويصبح الخيال أهم رافد من روافد المكسب، ولأن هناك من فطن إلى أهميتها كصناعة يمكن أن تكون الفرخة التى تبيض ذهباً، صعدت السينما لتصبح فى الولاياتالمتحدة؛ أكبر دولة فى الغرب؛ أهم صناعة، وتنتبه لها الهند فى الشرق لتكون المصدر الأول للدخل القومي. بدأت علاقة مصر بالسينما فى نفس الوقت الذى بدأته فى العالم، كان أول عرض سينمائى تجارى فى العالم فى ديسمبر 1895 فى باريس وتحديدًا الصالون الهندي بالمقهى الكبير (الجراند كافيه) الكائن بشارع كابوسين بالعاصمة الفرنسية باريس، وكان فيلما صامتاً للأخوين «لوميير»، وبعد هذا التاريخ بأيام قدم أول عرض سينمائى فى مصر فى مقهى (زوانى) بمدينة الإسكندرية فى يناير 1896، وتبعه أول عرض سينمائى بمدينة القاهرة فى 28 يناير 1896 فى سينما (سانتى)، ثم كان العرض السينمائى الثالث بمدينة بورسعيد فى عام 1898. افتتحت أول (سينما توغرافي) ل«لوميير» بالإسكندرية وذلك في منتصف يناير 1897، وحصل على حق الامتياز «هنري ديللو سترولوجو» حيث قام بإعداد موقع فسيح لتركيب آلاته، واستقر على المكان الواقع بين بورصة طوسون وتياترو الهمبرا، ووصل إلي الإسكندرية المصور الأول لدار لوميير «بروميو» الذي تمكن من تصوير «ميدان القناصل» بالإسكندرية وميدان محمد علي، ويعد هذا أول تصوير سينمائي لبعض المناظر المصرية تم عرضها بدار سينما لوميير، واعتبر 20 يونيو 1907 بداية الإنتاج السينمائي المصري. وقد أرسلت دار لوميير الفرنسية عام 1897 مبعوثاً لها إلى مصر ليقوم بتصوير أول شرائط سينمائية عن بعض المناظر فى الإسكندرية، والقاهرة، والمناطق الأثرية على نيل مصر، وبلغ عدد هذه الشرائط 35 شريطاً عرضت في جميع دول العالم. وأقيم أول عرض سينمائى في مصر في ديسمبر 1897، بمدينة الإسكندرية بواسطة أحد أجهزة لوميير، على أنه ما لبث أن توقف العرض حتى عام 1900، عندما أقيمت أول صالة للعرض يملكها م. س كونجولينوس بالمدينة نفسها. أما في القاهرة فلم يبدأ عرض الأفلام السينمائية إلا فى أبريل 1900 فى صالة قهوة سانتى بجوار الباب الشرقى لحديقة الأزبكية، بواسطة فرانشيسكو بونفيلى وزوجته. وكانت أسعار الدخول تتراوح بين قرش واحد وثلاثة قروش، وأحدث ذلك العرض دهشة عظيمة ولقى نجاحاً كبيراً، مما نبه إلى عظم ما يمكن أن يدره الاستغلال السينمائى من أرباح. وهكذا بدأ تأسيس دور خاصة للعرض السينمائي. وشهد عام 1905 وجود ثلاثة دور للعرض فى القاهرة. ويتألف جمهور السينما فى ذلك الوقت أساساً من عامة الشعب، فضلاً عن التلاميذ، والطلاب الذين أقبلوا عليها لكونها تسلية رخيصة الثمن، علاوة على حداثة اختراعها. أما المثقفون والأوساط المحافظة فلم تبد عليها إقبالاً يذكر. بعد أن استقرت السينما وأصبحت من أهم مقومات الاقتصاد فى العالم كله، ومع ظهور الفكر الاقتصادى المستنير متمثلاً فى طلعت باشا حرب، كان لابد أن يتم النظر إلى السينما المصرية كصناعة يمكن أن تدر دخلاً يساعد فى بناء النهضة المعمارية والاقتصادية فى البلاد، فسارع طلعت باشا حرب فى إنشاء شركة ستوديو مصر لتصبح نواة لرسوخ السينما فى مصر كصناعة من أهم الصناعات ككل، ويصبح ستوديو مصر مصدر دخل مهماً لاقتصاد مصر. تأسست شركة مصر للتمثيل والسينما عام 1925 برأسمال 15 ألف جنيه، بعد أن كانت قسماً للسينما تابعاً لشركة مصر للإعلانات كأحد شركات بنك مصر، الذى أسسه طلعت حرب ليكون ركناً من أركان النهضة الاقتصادية المصرية، وقد طالب فى ذاك الوقت محمد كريم بتمصير صناعة السينما، وبضرورة إنشاء شركة قومية للسينما برأسمالٍ مصري. وفي عام 1932 عرض فيلم (أولاد الذوات) وهو أول فيلم مصري ناطق قام ببطولته يوسف وهبي وأمينة رزق كما شهد هذا العام ظهور أول مطربة مصرية وهي «نادرة» وذلك في فيلم (أنشودة الفؤاد) الذى اعتبر أول فيلم غنائى مصرى ناطق، بينما كان أول مطرب يظهر على الشاشة هو محمد عبد الوهاب في فيلم (الوردة البيضاء). أما أول فيلم مصري فعرض في خارج مصر فكان فيلم (وداد) من بطولة أم كلثوم، كما أنه أول فيلم ينتجه (ستوديو مصر) الشركة التى ستحدث لاحقاً تأثيراً فى صناعة السينما المصرية.