مديرة «قادرون باختلاف» تشيد بالخدمات المقدمة بالمجمع الشامل لخدمات الإعاقة بالجيزة    شيخ الأزهر: لا سلام دون دولة فلسطينية مستقلة    جدول مواقيت الصلاة غدًا الثلاثاء 28 أكتوبر بمحافظات الصعيد    توقيع اتفاقية مصرية - إيطالية لإنتاج الغاز الحيوي ودعم الطاقة النظيفة    «الصحة» تبحث التعاون مع «E-Health» و«Rain Stella» لدعم التحول الرقمي بالقطاع    هيئة تعاونيات البناء والإسكان تعلن فتح باب الحجز ل 253 وحدة سكنية بمواقع متميزة    متي يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025؟    وزير الخارجية الصيني: ترامب وشي جين بينج يحترمان بعضهما    رئيس جامعة بنها يهنيء الباحث بلال سالم بمناسبة اكتشاف عالمي جديد    تشكيل منتخب مصر تحت 17 سنة لودية قطر استعدادا للمونديال    انطلاق مباراة سموحة والجونة في الدوري    بث مباشر.. الفتح في ضيافة الرياض الليلة الساعة 5.35 في دوري روشن السعودي 2025    محمد صلاح ضمن القائمة المختصرة لأفضل 11 لاعبًا في العالم لعام 2025    ضبط المتهم بقيادة سيارة ملاكي وتحميل ركاب بالمخالفة لشروط التراخيص    العثور على جثمان الطفل سليم المعروف ب "صغير شبرا الخيمة" داخل شبكة صرف    "تعليم القاهرة" تخصص جزء من الإذاعة المدرسية للمتحف المصري الكبير    الجمهور يشيد بالمخرج محمد حماقي بعد تألقه في مسلسل "لينك"    «فنانون ومبدعون».. ما هي الأبراج التي تتمتع بخيال واسع؟    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    هل يقع طلاق المكره والسكران؟.. خالد الجندي يوضح آراء الفقهاء    وزير التعليم العالي يهنئ جامعة الإسكندرية بمناسبة تصنيف مركز القسطرة التداخلية ضمن ال 7 الأفضل عالميًا    قبول طلبات منظمات المجتمع المدني للقيد بقاعدة بيانات متابعة الانتخابات والاستفتاءات    ختام مهرجان "دي كاف" بدورته الثالثة عشرة بمشاركة 18 دولة.. صور    الكاتب أسامة علام: تعلّمت من محمد المخزنجي أن الكتابة عن الكاركتر هو البطل الحقيقي    محافظ سوهاج يوجه بالإعلان عن تعريفة "التوك توك" ولصقها على المركبات    مصر تواصل إرسال مساعداتها إلى غزة.. وصول شاحنات وقود وغاز (فيديو)    عمان.. مباحثات أردنية أمريكية بشأن تثبيت وقف إطلاق النار غزة    انتخابات الأهلي - رويدا هشام: فخورة بثقة الخطيب وسأكون صوت المرأة في المجلس    رسمياً.. يوفنتوس يقيل تودور بعد أسوأ سلسلة نتائج منذ 2009    اليوم.. عزاء شقيق فريدة سيف النصر بمسجد عمر مكرم    عاجل- إنهاء حالة الطوارئ في جنوب إسرائيل لأول مرة منذ 7 أكتوبر    أوعى «الوعي» !    مشهد صادم على الطريق.. سائق ميكروباص يدخن "شيشة" وهو يقود في الإسكندرية    نجاح عملية دقيقة لإزالة كيس بالفك العلوى لفتاة بمستشفى جهينة في سوهاج    بيان من مستشفى بدر الجامعى بحلوان بشأن حادث طريق القاهرة السويس    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    أول صورة لضحية حادث تصادم سيارتين ملاكي وتريلا في قنا    فتح: رئيس لجنة إدارة غزة يجب أن يكون وزيرا بحكومة فلسطين    رئيس الوزراء يتابع مع محافظ بورسعيد عددًا من المشروعات الاستثمارية الجاري تنفيذها في المحافظة    ريال مدريد يقرر الاستئناف على طرد لونين في الكلاسيكو    وزير الثقافة يشهد احتفالية اليوم العالمي للتراث غير المادي (صور)    «تعليم أسيوط» يعلن تلقى طلبات الراغبين في العمل بالحصة لمدة عشرة أيام    وزير العمل: إصدار القانون الجديد محطة فارقة في تحديث التشريعات الوطنية    قنا: تحرير 330 مخالفة تموينية وإحباط تهريب 50 طن أسمدة مدعمة خلال أسبوع    بكين: المقاتلة الأمريكية تحطمت أثناء تدريب عسكرى فى بحر الصين الجنوبى    بكام الطماطم النهارده؟.. أسعار الخضراوات والفاكهة فى الوادى الجديد    شيخ الأزهر: الحروب العبثية كشفت انهيار النظام الأخلاقي في العالم    هل ستتعرض القاهرة الكبري لأمطار خلال الساعات المقبلة ؟ الأرصاد تجيب    تأجيل محاكمة 24 متهما بالإنضمام لجماعة الأخوان الإرهابية لمرافعة النيابة العامة    بكم طن عز الآن؟ سعر الحديد اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025 محليا و أرض المصنع    «الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول لإعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي    دعاء الحج والعمرة.. أدعية قصيرة ومستحبة للحجاج والمعتمرين هذا العام    ترامب يحذر الحوامل مجددًا| لا تستخدمن دواء "تايلينول" إلا للضرورة القصوى    بعد قليل.. محاكمة المتهمين ومصور فيديو الفعل الفاضح أعلى المحور    بالفيديو.. الأوقاف: "مسابقة الأئمة النجباء" تعكس نقلة نوعية في تطوير الخطاب الديني    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ ريحان
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 09 - 2018

عدتُ ثانية إلي شارع الشيخ ريحان، لأبحث عن الحارة التي يقبع بها ضريحه، والتي دخلتها وأنا مُعبئة بالحكايات التي سمعتها عن البئر الموجودة بداخله، والتي يغطسون فيها الأطفال الرضع، كي يشفيهم الله من الأمراض، في طقس يشبه طقس التعميد في المسيحية.
لم أصدق نفسي حين وصلت، لم أصدق أنه هو الآخر محض بيت. بيت يُشبه البيوت الريفية. بيت له سور، لا تزال محارته صامدة، وبوابته أيضاً صامدة، والتي كانت تُشبه بوابة أي بيت عادي؛ مُفرغة ومطلية باللون الأخضر.
أذكر اللون ليس لأن من البديهي أن يكون أخضر، لكونه باب ضريح، ولكن للتأكيد علي أن البسطاء ليسوا بالبساطة، أو السذاجة، التي نظنها عنهم.
كان يجلس بجوار السور مجموعة من الرجال الذين يعملون في تصليح الموتوسيكلات، والذين يرتدون الزي الخاص بهم، الذي يُدعي »العفريتة»‬. دققت النظر أكثر لأتأكد أنني لستُ مُخطئة، فوجدتُ لافتة سوداء، حسمت لي الأمر، إذ كُتب عليها باللون الأبيض طبعاً، ما يؤكد أن هُنا ضريح الشيخ ريحان، وأنه يتبع مشيخة السادة الأحمدية السلامية. وتحت اللافتة، دُون رقم موبايل لشخص يُدعي (الحاج عزت). خمنت علي الفور أنه خادم الضريح، أو مالك البيت!
سألت الرجال عنه، وعن الشيخ ريحان.
ضحكوا، وتطوّع أحدهم يُدعي رضا بالحديث عنهم، قائلاً بنبرة تشي بالسخرية: »‬مانعرفش حاجة عنه، إحنا هنا عاملين زي الإسرائيليين، والحيوانات، شوفي ابني اللي هناك دا».. »‬عامل زي الكلب، وتقريباً اللي خلفه كلب».
»‬طيب، عايزة أدخل الضريح». قلتُ. فوقف رضا ليفتح لي الباب، الذي كان موارباً، قائلاً لي: »‬ماتخفيش هنا السمك بنحطه.. ماينزش مايه».
لم أفهم صراحة، وهذا ما جعلني أتسمر قليلاً في مكاني، ربما لأخمن ما يقصده، وربما لأنني كنتُ حقيقةً خائفة.
حين دخلتُ، وجدتُ علي يميني ساحة فارغة، وعلي الفور لمحتُ البئر التي يتوسطها، بدت من الوهلة الأولي بئراً مُهملة. كما وجدتُ حماماً رديئاً للغاية، حماماً ليس له باب، وعلي شمالي وجدتُ غرفة، كما يقولون »‬علي المحارة»، غرفة ليس بها شيء سوي الجدران.
»‬أين الضريح إذن؟» سألتُ نفسي، وحين استدرتُ، وجدتُ ممراً في نهايته باب. مشيتُ إليه، وأنا في ذهني الصورة المُعتادة لأي ضريح. وحين فتحتُ الباب، شهقت، والله شهقت، لأن المشهد كان يفوق تصوراتي، إذ رأيت حجرة مكتملة، بها سرير، وتليفزيون، ومروحة، ومنضدة، وبعض المستلزمات التي يحتاجها أي فرد من أطباق، وملابس، وأشياء أخري متكوّمة فوق بعضها البعض، وفي وسط كل ذلك يوجد المقام، فتذكرت علي الفور مسلسل (السبع وصايا)، ورسمت في بالي صورة متخيلة للحاج عزت هذا، أنه رجل قصير وسمين، وله شارب عريض، ويرتدي قميصاً وبنطلوناً، ويتحدث بدهاء وبخبرة العارفين بالأمور.
وأنا أهمُ بالخروج، لا أعرف لِمَ شممتُ رائحة الموت، والتي لم أشمها في أي من الأضرحة التي زرتها. وقلت ربما هذه إشارة أن ثمة أحداً مدفوناً هُنا. لكنني عتبت علي نفسي، وقلت في سري »‬يبدو أن الخرافات أثرت عليكِ».
رجعتُ إلي الرجال، وسألتهم عن الحاج عزت، قال الرجل المتطوع بالحديث عنهم إنه يجلس هناك -وأشار بإصبعه- علي القهوة، وطلب من أحد الصبية، أن يذهب، ويناديه.
انتهزت الفرصة لأسألهم ثانية عن هوية الشيخ ريحان، أكدوا بحسمٍ أنهم لا يعرفون شيئاً، وأنه هُنا من قديم الأزل. وأن الحاج عزت ورث عن عائلته خدمة الضريح.
قال رضا: »‬أوعي تصدقيه في حاجة.. دا ممكن يقولك إنه ابن الشيخ ريحان». وراح يُقهقه.
أتي الحاج عزت، مُحطماً صورتي الذهنية عنه، كما فعل من قبله الضريح، أو المقام، إذ كان رجلاً طويلاً، ونحيفاً، وعجوزاً للغاية. يرتدي جلباباً، ويتعثر في مشيته، وتنبعث من فمه رائحة الموت!
كانت له عينان مربكتان، عينان لا تنظران إلي شيء محدد، لدرجة أنني كدتُ أسأله: »‬هل تراني؟».
قلت له في البداية، إنني أريد أن أعرف من هو الشيخ ريحان، فقال لي بنبرة المسئول المُنشغل دائماً: »‬عدي عليا يوم الجمعة، أكون جبت الورق اللي فيه كل حاجة عنه». فقلت له بذات النبرة: »‬لا.. أنا مش فاضية يوم الجمعة». تنهد، أو بالأحري، نفخ في وجهي. وقال: »‬تعالي ورايا، بس ماتخفيش».
لم يكن يعرف أنني قد سبقته، وتعرفت علي المكان.
اصطحبني إلي الداخل، ووجدته يرفع غطاء المقام، ويجلب من تحته الورق الذي يثبت أحقيته بخدمة الضريح، بعد الست ظُهره، أخته، قلت له: »‬انت بتضحك عليا بقا». لم يرد، فخمنت أنه لم يسمعني، وعرفتُ من الأوراق أن اسمه عز، وليس عزت، عز الدين محمود محمد، وأن الضريح خاضع للمجلس الأعلي للطرق الصوفية، وأنه قد سبق واشتكي للمجلس، الذي رفع بدوره الشكوي إلي محافظة القاهرة، من قيام جمعية (تنمية المجتمع لأبناء حي الشيخ عبد الله الخيرية) - والذي أخذني ليُريني إياها والتي تقع خلف الضريح علي ناصيتي عطفة الشيخ ريحان وعطفة العجمي- بتغيير معالم الضريح واستخدام جزء من أرضه، بمعاونة عضو مجلس المحافظة، »‬في أنشطة لا تمت للتصوف بصلة».
ظل يقول لي كل دقيقة: »‬ها، لقيتي مكتوب إيه». كما ظلت عيناه لا تنظران إليّ. ثم أردف: »‬الضريح موجود منذ 250 عاماً، وورثت خدمته عن جدودي وإخوتي، أما أنا فموجود هُنا منذ عشر سنوات، ولديّ حُجة بالأرض.. هذا بيتي، لقد رممته علي حسابي، فقد كان هذا السور علي وشك الانهيار، وأنا من بنيت هذه الغرفة الفارغة لأنام فيها، وحين وجدتُ أن الجمعية تريد أرض الضريح الذي تُقدر بستة قراريط دخلت وأقمتُ بجوار الشيخ ريحان، لأحتمي به».
- طيب يا حاج مين الشيخ ريحان دا؟
- يووووه.. قولتلك ماعرفش
شعرت بخيبة أمل، ولم يكن الرجل مُبالياً بي، بل رأي فيّ فرصة لا تعوض لأن يقول من خلالي، إن أرض الضريح ملكه، طالباً مني أن أصوّره بجوار الضريح، وأن أصوّره وهو جالس علي السرير، وهو واقف بجوار البئر. وطلبتُ منهُ بدوري أن أصوّره وهو جالس بجوار الباب الخارجي.
وحين خرجتُ، وجدتُ الرجل الحشري، الذي كانت هيئته مثل هيئة القراصنة، يضحك ببلاهة، ويسألني: »‬ها قالك إيه؟».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.