وأنا أجهز نفسي للذهاب إلى التليفزيون السنغالي للقاء عن دور الأزهر في محاربة الإرهاب وقت أن كنت رئيسا لبعثة الأزهر بالسنغال وجدت من يدق على باب سكني ، وجدت رجلا يبلغ من العمر عِتيا وفي أدب جم وهو يحني رأسه قال إسمي بَرهام جُوب وجئت إليك من مدينة أمبور (100 كيلو من العاصمة داكار) أريد من وقتكم خمسة دقائق فقط سيدي عبد اللطيف ، قلت له تفضل على الرحب والسعة ، دخل عم برهام وجلس وجلست بجواره على الأرض فقام الرجل وآبى أن يجلس حيث قال إن أنت جلست أنا أقف أو تجلس أنت في مكان مرتفع فأنتم العلماء ونحن عامة القوم ، قلت له يا عم برهام الإسلام ساوى بين الناس فكلكم لأدم وأدمُ من تراب، قال لا سيدي عبد اللطيف قال الله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )ۗ هذه كانت بداية الحديث الذي ظل الرجل لا يرفع بصره في بصري كما قال من باب الاستحياء ،قال لي عم برهام لقد شيدت ثلاثة مدارس لكي يتعلم الفقراء أمور دينهم ودنياهم ثم أنشئت سبعة عشر بئرا لاستخراج المياه للشرب فنحن نعيش في منطقة فقيرة جدا ثم إنني بلغت فوق الثمانين من العمر ولم أتعلم العلم فكيف أقابل الله تعالى ؟ قلت له الأموال التي شيدت بها المدارس والكتاتيب والآبار هل هي أموالك ؟ قال نعم عندي أموال عندما تنمو أأخذها وأقوم فورا ببناء مدرسة أو كُتاب أو حفر بئر ، قلت يا عم برهام أرى ثيابك وهي مرقعة والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ؟ قال إن قريتنا فقيرة للغاية ويحتاجون للطعام والعلم وغيري لا يجد ما يستر عورته فكيف ألبس الجديد وهناك من يحتاج ثمن هذا الثوب الجديد ؟ قلت يا عم برهام أنت بهذا تتاجر مع الله تعالى في أفضل تجارة فأنت تعلم الأولاد وتقوم بدور عظيم في التكافل الاجتماعي بكساء المحتاجين وتنشئ الآبار للشرب فأي شيء أفضل من هذا يمكن أن يقوم به الإنسان ؟ يا عم برهام بل أنت الذي يجب أن يجلس في مكان مرتفع وأنا اجلس عند قدمك ، هنا وقف الرجل منتفضا باكيا بصوت متهدج علمني القرآن حتى إذا ما قابلت ربي فلا أقابله وأنا جاهل ، قلت إذن يجب أن يكون بيننا لقاء أخر لارتباطي بلقاء في التليفزيون السنغالي بعد قليل ، قال عم برهام هل يمكن أن أكون لك حارسا حتى ترجع إلى بيتك مرة أخرى سيدي عبد اللطيف ؟ قلت له الناس هنا كلهم أخوتي وأحبتي ويخافون علي ، قال حتى إذا ما ذهبت إلى قريتي أقول لهم إنني رافقت ممثل الأزهر ومشيت خلفه ،قلت له سنزور قريتكم حتى أفتخر وأحدث أولادي عنكم ، وللحديث بقية