لم أكن متذكرة بالضبط الشارع الذي سيصل بي إلي وزارة الأوقاف، فخرجتُ من هدي شعراوي علي أحد الشوارع المتفرعة منه، وهو شارع يوسف الجندي، الذي تقع علي ناصيته البطريركية، فوجدتُ نفسي في شارع محمد صبري أبو علم، ومشيتُ، مُعطيةً ظهري لتمثال طلعت حرب، لأجد نفسي أقترب شيئاً فشيئاً من الوزارة، التي بمجرد أن وصلت لها، شعرتُ بحيرة بشأن الحارة التي يقع فيها ضريح ومسجد أبو السباع. كنت أقف فيما يشبه الميدان، حيث تقاطع شارع شريف مع شارع البستان. رأيتُ من بعيد محلاً اسمه (بيت العطارة المصري)، بدا عليه القِدَم، فذهبت إليه، ربما يعرف أحداً فيه الضريح. خرج لي رجل ضخم، اسمه سيد البنهاوي، أشار إلي حارتين، بإمكاني أن أصل من خلالهما إلي المسجد، وهما حارة الشيخ أبو السباع، وحارة باب اللوق، التي تواجه الوزارة، لكنه أخبرني أن المسجد ليس به ضريح. قلت: حسناً.. لنر. واخترتُ أن أدخلَ من الحارة التي علي اسم الشيخ. والتي ظهر في نهايتها المسجد بواجهته البدائية. إذ كانت لافتته قديمة للغاية، ومكتوباً عليها (مسجد عبد الرحمن أبو السباع)، بينما ظهرت كتابة بالخط العربي فوق الباب، تم طلاؤها باللون الأخضر، تفيد أن المسجد تم تجديده في عصر الخديوي عباس الثاني. لم أستطع الدخول لأن المسجد ليس به مصلي للسيدات، ولم يكن هناك عامل، أو شيخ لأساله. فاضطررتُ إلي اللجوء لأحد الرجال الذين كانوا يملؤون الحارة، والذين يعملون لدي مخازن التوحيد والنور، وأسأله عما إذا كان صحيحاً أن لا ضريح بالداخل. أوقفت رجلاً يحمل علي كتفه كرتونة كبيرة، لا أعرف لِمَ اخترته علي وجه التحديد، المهم أنني أوقفته، فأخبرني أنه يصلي دائماً في المسجد، ولم يرَ في يوم أي ضريح. - طيب عايزة أوصل لإمام المسجد - خبطي علي البيت دا هما معاهم رقمه فعلت ذلك، فخرج لي ولد في عقده الثاني من البلكونة. أخبرته أنني أريد رقم الشيخ أحمد ربيع، فهز رأسه بالإيجاب، قائلاً: ماشي. نزل ومعه الموبايل. كان أهله قد اتصلوا بالشيخ، وأعطوه خلفية. أعاد الاتصال به ثانية، فجاء صوته الذي علي سفر، معتذراً عن عدم وجوده، وموضحاً أن الضريح تم إزالته منذ 30 عاماً، لكن عبد الرحمن أبو السباع لا يزال مدفوناً داخل المسجد، ولا أحد يعرف ذلك سواه هو والعمال، وأن قبره يقع في الغرفة التي يستريح فيها. وظل يؤكد علي أنه يراعي حرمته جيداً، فهو لا يتحدث بصوت عالٍ، ويجعل موبايله دائماً »سايلنت». أما عن هوية أبو السباع، فقال إنه بحث عنه كثيراً، ولم يصل لشيء، سوي أنه شيخ يُنسب إلي السباعيين، وهم طائفة من آل البيت، وجذورهم تمتد إلي المغرب. شكرته كثيراً، وأخبرني في نهاية المكالمة أن المسجد سيتم تجديده خلال هذا الشهر. وشكرت أيضاً الولد، الذي وجدت أخته قد أحضرت لي كرسياً، وكوباً من عصير المانجا.