عدتُ سريعاً إلي شارع الشيخ ريحان، ورأيتُ -وأنا ماشية أتطلع إلي البيوت- مسجد عماد الدين الذي أقيم عام 1979، والذي يجلس أمامه عدد كبير من الشحاذين والغلابة. لكم أحب أن أتطلع إلي البيوت، وإلي نوافذها. أري أن النوافذ هي عيون البيوت، وكما تعكس العين روح صاحبها، تعكس النافذة روح البيت. وبيوت عابدين أرواحها طيبة. كنتُ منتبهة جيداً للطريق - الذي كان يطول، أو هكذا هُيئ لي- حتي لا أنحرف عن الوصفة، أنه بمجرد أن أجد »ورشة الكوتش»، أكون قد وصلت إلي مجمع طلعت القواس الذي يقبع بجواره ضريح، لا يعرف من قابلتهم هويته. وبالفعل، وصلت إلي الورشة، وسألت صاحبها عن طلعت القواس، كان ظريفاً للغاية، سألني عن البطاقة، فصمتُّ، وكنت علي وشك أن أشتمه، فقالت لي امرأة تقف بجواره، وترتدي عباءة سوداء، أنه يمزح معي. لم أكن أرغب حينها في أن أدخل في حوار معهما، وسألتهُ ثانية، فقال لي إنني لو تعبت نفسي ورفعت رأسي قليلاً سوف أجده أمامي. فعلت ذلك. وكان طلعت القواس يقع في نهاية الشارع الذي أقف علي ناصيته. مشيتُ إليه بخطي بطيئة، كنتُ قد تعبت للصراحة، ولمحتُ علي سوره لافتة مكتوباً عليها »حارة البراموني». كان هناك رجل يجلس بجوارها. سألته عما إذا كان في هذا الشارع ضريح. تلعثم. وقال: »مش عارف». ثم أردف: »لحظة. أنتِ بتقولي ضريح. آه آه. المسجد اللي وراكي دا جواه ضريح». كان المسجد متوسط الحجم، وكان هادئاً للغاية، وتشع من داخله العتمة. وبدا كأنه بُني أمس. إذ كانت جدرانه التي تم طلاء نصفها بالأبيض، والنصف الآخر بالأخضر، ومعها الشبابيك والباب، تلمعُ. علي أحد جدرانه، عُلقت لوحة مكتوباً عليها (الله نور السموات والأرض)، أما علي بوابته فعُلقت لوحة صغيرة باسم المسجد؛ الشيخ علي البراموني. دخلتُ وأنا أضع يدي علي قلبي. إذ كنتُ خائفة أيضاً. لا أعرف لِمَ أنا خائفة لهذا الحد من الأضرحة. ربما لغرابتها، وشعوري أنها تغرق في العزلة. كان الضريح يقع بجوار »الميضة». وكان مُغلقاً بباب زجاجي. ويبدو أنه مُهمل، وأن أحداً لم يدخله لينظفه منذ فترة طويلة. وأنا أنحني قليلاً لأري ما بالداخل. سمعتُ أحداً يكحُ، فانتفضت. كان شاباً يريد أن يمر ليتوضأ. خرجتُ وأنا حاملة صندلي في يدي، متجهة لأقرب محل من المسجد. كان محلاً غريباً، لا يوجد فيه سوي ماكينة كبيرة. وكانت تجلس أمامه امرأة عجوز، ترتدي عباءة سوداء، وتمسك بيدها سبحة. اسمها أم إبراهيم. قالت إنها تدق الطعمية والكفتة، وإنها من سُكان الحارة. - أنا يا عين أمك ماعرفش حاجة عنه، التاريخ اللي يعرف.. والشارع باسمه - أيوا أخدت بالي - والنبي يا بنتي أوعي تكتبي اللي قولته.. أصل ناس كتير زيك طلبوا مني أنهم يكتبوا عن حياتي، وأنا رفضت. قبل أن أتركها، أشارت إلي محل بقالة صغير، وأخبرتني أن صاحبه ساهم في تجديد المسجد. ذهبتُ إليه، ووجدتهُ غارقاً في الصمت، وفي الضوء الخفيف الذي ينفذ إلي الداخل. اسمه عادل والي. وعمره 55 عاماً. ما يعرفه، أو ما سمعه، أن الشيخ علي البراموني كان عالماً أزهرياً، وكان دائم الجلوس في هذا المسجد، حيث كان يعطي فيه دروساً لطالبي العلم، وأنه قبل أن يموت طلب أن يُدفن فيه، ومع الوقت أقام له الناس هذا الضريح، الذي لا تهتم به وزارة الأوقاف. قائلاً: »لولا الأخوة اللي هنا في الحارة كان زمان المسجد بقي خرابة». أخبرني أيضاً أن هناك ضريحاً آخر علي بعد خطوات منّا، ويقع أمام المسجد، وهو ضريح الشيخ فرج، الذي لم آخذ بالي منه، لصغر حجمه، ولوجوده بجوار عمارة فارهة.