طلبت منهم أن يصفوا لي كيف أذهب إلي الأضرحة الثلاثة. وقبل أن أتركهم، عرض عليّ صاحب المحل الزواج قائلاً: »لما تروحي للشيخ حمزة وترجعي، تكوني فكرتي في الموضوع». كنتُ متعجبة من هذه الجرأة، أو الوقاحة، وظللتُ أضحكُ من الهمِ. دخلتُ حارة طويلة، قالوا إنها ستصل بي إلي شارع البلاقسة، وما عليّ هناك سوي أن أسأل عن حمزة المغازي، وبالفعل حين وصلت، سألت، فأشار لي أحدهم إلي بيت، قائلاً إن الضريح تحته. ارتبكت قليلاً. وقلت له: »مش فاهمة». قال بعصبية: »روحي هناك وهتشوفي». دخلت حارة تُدعي حارة الطاحونة، وظللتُ ألف حول نفسي، باحثةً عن الضريح، وخشيتُ أن أسأل فيتهمني أحدهم بالعمي. كانت هناك ورشة نجارة، ينبعث منها صوت عاصي الحلاني، وهو يشدو بأغنيتي المُفضلة: »قلبي عشقها والعيون، هويتها وأهلها مايرضون»، شعرتُ بالألفة، خصوصاً أن الورشة كانت ضيقة جداً، وتحمل لافتة مكتوباً عليها (ما شاء الله.. لا قوة إلا بالله). سألت ولداً صغيراً يقف بجوار الأخشاب، والبضاعة، التي رصت في الشارع، والمسنود غالبيتها علي الجدران، عن الضريح، فقال: »اللي وراكي دا». لم أستوعب للحظات، إذ كان هناك رجلٌ يجلس بجوار الباب المفتوح، سانداً بكوعه الأيمن علي عكاز، سألته هو أيضاً، فأكد لي أن هذا هو الضريح. رفعت رأسي، فوجدت فوق الباب الخشبي، كتابة منحوتة في الجدار، تفيد أن هذا مقام (سيدي حمزة السرسي المغازي)، وأيضاً (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). كما وجدت لافتة مُهملة، مائلة إلي اليمين قليلاً، مكتوباً عليها هذه الآية: »إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً». وحين درتُ حول الضريح وجدت اللافتة الأصلية باسمه، والأشجار التي تحيط به من الناحية الأخري. دعاني الرجل الذي يُدعي حمادة عبد العزيز إلي الدخول، لأري الضريح من الداخل، فوجدتهُ علي شمالي مباشرة، وحيداً، ومُعتماً، والتراب يكسوه من كل جانب، ووجدت أيضاً رجلاً يصلي بالداخل في الزاوية المُلحقة بالضريح، والتي كانت مُعتمة أيضاً، عرفتُ بعد ذلك، أن هذا الرجل هو صاحب ورشة النجارة، الذي يستغل حوائط الضريح الخارجية في العمل، كما وجدت مَنوَر البيت، نعم البيت الذي فوق الضريح، والذي هو عبارة عن أربعة طوابق تقريباً، ويتبع الأوقاف، مفتوحاً عليه، والذي بإمكانك الدخول فيه لتري نوافذ المطابخ والحمامات. وحين خرجتُ، سألت الحاج حمادة عما يعرفه، أخرج سيجارة من جيبه، وأشعلها، وأغلق عينيه قليلاً وهو يقول: »سوري في اللفظ أنا إطهرت هنا». يبلغ حمادة من العمر 53 عاماً، وهو من السُكان القُدامي، الذين عاصروا التغيرات التي طرأت علي المنطقة، لكنه أكد أن الضريح هكذا منذ رآه أول مرة وهو طفل. الذي تغير فقط أنه منذ العام الماضي لم يقيموا له المولد السنوي، والذي كانت تأتي فيه الأحصنة والمراجيح. متابعاً أن هناك عائلة تُدعي عائلة الشيخ فخر، هي التي تتولي مهمة خدمة الضريح. اتجهتُ لصاحب ورشة النجارة أيضاً، لأسأله، لكنه كان متحفظاً للغاية، ولم يقل لي حتي اسمه، وحاول أن يتبرأ من الضريح، قائلاً: »مابصليش هنا كتير، أنا بس كسلت أروح مسجد الكريدي». لا يهتم سكان حارة الطاحونة وشارع البلاقسة بهذا الضريح، ويتعاملون معه علي أساس أنه بيت، حتي الأجيال الجديدة لا تدركه من الأساس، ويمرون من أمامه، كأنهم يمرون من أمام اللاشيء. بعد قليل جاء هشام فخر الدين، حارس الضريح، والذي لم يفعل شيئاً سوي أنه أشار علي صورة مُثبتة في جدار الضريح، قائلاً إن هذه صورة والده الذي لم يترك الضريح يوماً في حياته، كما قال إنه من أدخل الكهرباء إلي الضريح، ومن جدده، رحمة ونور علي والده، وعلي الشيخ حمزة. تركتهم، وعيناي لا تريدان أن تتركا البيت الذي به ورشة النجارة، والمدوّن علي أعلاه هذه الآية »وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم»، والذي من شدة ألفته وقفت أمامه، لأودعه.