ما يقوله الله سبحانه وتعالي هو رؤية صادقة بالنسبة للإنسان المؤمن، فالقرآن هو كلام متعبد بتلاوته حتي قيام الساعة، وقول الله »ألم تر» معناها أن الرؤية مستمرة لكل مؤمن بالله يقرأ هذه الآية. »أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ» يأخذ بعض المستشرقين هذه الآية في محاولة للطعن في القرآن الكريم.. فقوله تعالي : »أَلَمْ تر».. ورسول الله صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد في عام الفيل.. إنه لم ير لأنه كان طفلا عمره أيام أو شهور.. لو قال الله سبحانه وتعالي : ألم تعلم.. لقلنا علم من غيره.. فالعلم تحصل عليه أنت أو يعطيه لك من علمه.. أي: يعلمك غيرك من البشر.. ولكن الله سبحانه وتعالي قال: »أَلَمْ تَرَ». نقول إن هذه قضية من قضايا الايمان.. فما يقوله الله سبحانه وتعالي هو رؤية صادقة بالنسبة للإنسان المؤمن.. فالقرآن هو كلام متعبد بتلاوته حتي قيام الساعة.. وقول الله »أَلَمْ تَرَ».. معناها أن الرؤية مستمرة لكل مؤمن بالله يقرأ هذه الآية.. فما دام الله تبارك وتعالي قال: »أَلَمْ تَرَ» فأنت تري بايمانك ما تعجز عينك عن أن تراه.. هذه هي الرؤية الإيمانية، وهي أصدق من رؤية العين.. لأن العين قد تخدع صاحبها ولكن القلب المؤمن لا يخدع صاحبه أبدا.. علي أن هناك ما يسمونه ضمير الغائب.. إذا قلت: زيد حضر.. فهو موجود أمامك.. ولكن إذا قلت: قابلت زيدا.. فكأن زيدا غائب عنك ساعة قلت هذه الجملة.. قابلته ولكنه ليس موجوداً معك ساعة الحديث. إذن: فهناك حاضر وغائب ومتكلم: الغائب هو من ليس موجودا أو لا نراه وقت الحديث.. والحاضر هو الموجود وقت الحديث.. والمتكلم هو الذي يتحدث، وقضايا العقيدة كلها ليس فيها مشاهدة، ولكن الإيمان بما هو غيب عنا يعطينا الرؤية الإيمانية التي هي كما قلنا أقوي من رؤية البصر. فالله سبحانه وتعالي حين يقول: »الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».. »الله» غيب و»رَبِّ الْعَالَمِينَ» غيب.. و»الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».. غيب..و»مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» غيب.. وكان السياق اللغوي يقتضي أن يقال: إياه نعبد.. ولكن الله سبحانه وتعالي غير السياق ونقله من الغائب إلي الحاضر.. وقال »إِيَّاكَ نَعْبُدُ» فانتقل الغيب إلي حضور المخاطب.. فأصبحت رؤية يقين إيماني. فأنت في حضرة الله سبحانه وتعالي الذي غمرك بالنعم، وهذه تراها وتحيط بك لانه »رَبِّ العَالَمِينَ».. وجعلك تطمئن إلي قضائه لأنه » الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» أي: أن ربوبيته جل جلاله ليست ربوبية جبروت بل هي ربوبية »الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فإذا لم تحمده وتؤمن به بفضل نعمه التي تحسها وتعيش فيها، فاحذر من مخالفة منهجه لأنه »مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ». حين يستحضر الحق سبحانه وتعالي ذاته بكل هذه الصفات.. التي فيها فضائل الألوهية، ونعم الربوبية.. والرحمةالتي تمحو الذنوب والرهبة من لقائه يوم القيامة تكون قد انتقلت من صفات الغيب إلي محضر الشهود.. واستحضرت جلال الألوهية لله وفيوضات رحمته.. ونعمه التي لا تحد وقيوميته يوم القيامة.