اليوم.. منتدى القاهرة ل«التغير المناخى» يحتفل بمرور 100 عام على فعالياته بين مصر وألمانيا    استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة العشرات في قصف جوي إسرائيلي على شقة سكنية بخان يونس    هزة أرضية تضرب جزيرة «كريت» اليونانية الآن    اليونيسف: دخول 107 شاحنات لغزة أمر لا يكفي مطلقا إزاء الوضع الكارثي بالقطاع    ردا على من يشكك في دور مصر.. خبير عسكري ل"أهل مصر": امتلاك الاقتصاد والمال لا يعني النفوذ والتأثير بالمنطقة    حلمي طولان: تراجعنا عن تعيين البدري مدربًا للمنتخب لهذا السبب    أبوقير للأسمدة يسعى لتجاوز ديروط وحجز المقعد الأخير المؤهل إلى الدوري الممتاز    وزير الزراعة: صادرات مصر الزراعية إلى السعودية تتجاوز 12% من إجمالي صادراتها للعالم    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 24 مايو 2025    جهاز مستقبل مصر: نستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بنهاية 2027    تدخل الخدمة قريباً.. مميزات القطارات الجديدة للخط الأول للمترو    محافظ كفر الشيخ: إعادة تشغيل 50 معدة نظافة متهالكة بدسوق    مسابقة ال30 ألف معلم.. أسماء المقبولين في وظيفة مدرس مساعد بالمنوفية    قبول 648 مدرسًا جديدًا ببني سويف ضمن مسابقة 30 ألف معلم    ننشر أسماء المقبولين في وظيفة «معلم مساعد» بالمنوفية| صور    بالأسماء.. «تعليم الإسكندرية» تعلن قائمة المقبولين بمسابقة ال30 ألف معلم    وزارة الخزانة الأمريكية تصدر ترخيصًا بتخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا    صور عودة 71 مصريا من ليبيا تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي    وول ستريت تهبط بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبى    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. جوتيريش يرفض أى خطة لا تحترم القانون الدولى بشأن قطاع غزة.. ترامب يتوعد "أبل" ب25% رسوم جمركية.. وإصابة 12 فى هجوم بسكين بمحطة قطارات هامبورج بألمانيا    أسماء المقبولين في مسابقة 30 ألف معلم الدفعة الثالثة بالشرقية (مستند)    سعر الذهب اليوم السبت 24 مايو محليا وعالميا بعد الارتفاع.. بكام عيار 21 الآن؟    يوريشتش يستقر على تشكيل بيراميدز أمام صن داونز.. يجهز القوة الضاربة    إسقاط كومو لا يكفي.. إنتر ميلان يخسر لقب الدوري الإيطالي بفارق نقطة    نابولي يهزم كالياري بهدفين ويحصد لقب الدوري الإيطالي    كرة سلة - نهائي دوري السوبر بدون جماهير    "إعلان بطل الدوري الأربعاء".. المحكمة الرياضية ترفض الشق المستعجل لبيراميدز في أزمة القمة    تعرف على نتائج المصريين فى اليوم الثانى لبطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    الأرصاد الجوية: طقس الغد شديد الحرارة نهارا والعظمى بالقاهرة 37 درجة    مصر تعيد 71 مواطنا مصريًا من ليبيا    وفاة 3 شباب إثر حادث سير أليم بكفر الشيخ    أسماء المقبولين بمسابقة 30 ألف معلم المرحلة الثالثة بمحافظة الجيزة    النظام الملاحي الجديد يعزّز قدرات غواصات البحرية التشيلية بتقنيات متطورة من OSI    اليوم| محاكمة 35 متهمًا ب شبكة تمويل الإرهاب    مبلغ بغرقه في العياط.. انتشال جثة شاب طافية في نهر النيل بالمعادي    السيطرة على حريق بمخزن كراتين بالدقهلية    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    تامر حسني يقدم "كوكتيل تسعيناتي" مع حميد الشاعري في حفله بالقاهرة الجديدة (فيديو)    "الثقافة" تصدر "قراءات في النقد الأدبي" للدكتور جابر عصفور    «خليك فضولي».. 4 عادات صغيرة تجعل الناس يعجبون بك    أثارت جدلا بسبب «بطانة فستان» و«برنامج» وضعها في أزمة.. 16 معلومة عن البلوجر أروى قاسم    إلهام شاهين تشيد بخالد منتصر: "أحترم فكرك ووعيك.. ومبروك دماء على البالطو الأبيض"    سجين يرسم الحرية| سنوات السجن.. وولادة الكاتب من رماد القيد الذي أنضج الرواية    نصائح لتجنب الارتجاع المريئي، و7 أطعمة تساعد على تخفيف أعراضه    ارتفاع حالات الحصبة في الولايات المتحدة وسط مخاوف من انتشار واسع    أخبار × 24 ساعة.. حصاد 3.1 مليون فدان قمح وتوريد أكثر من 3.2 مليون طن    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    ما حكم الكلام فى الهاتف المحمول أثناء الطواف؟.. شوقى علام يجيب    انطلاق امتحانات العام الجامعي 2024–2025 بجامعة قناة السويس    مستشفى الحوض المرصود يطلق يوما علميآ بمشاركة 200 طبيب.. و5 عيادات تجميلية جديدة    حزب الإصلاح والنهضة: نؤيد استقرار النظام النيابي وندعو لتعزيز العدالة في الانتخابات المقبلة    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    إيفاد قافلتين طبيتين لمرضى الغسيل الكلوي في جيبوتي    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    البريد المصري يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة    بحضور انتصار السيسي، "القومي لذوي الهمم" ينظم احتفالية "معًا نقدر"    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإوزة البرية: تحفة أوغاي موري واضع حجر أساس الأدب الياباني الحديث
نشر في أخبار السيارات يوم 31 - 03 - 2018

ترجمة هذا العمل لها قصة يجب أن تُروي. مع بداية عملي في الترجمة الأدبية كنت قد تواصلت مع »دار التنوير مصر»‬ عن طريق الصديق الروائي محمد ربيع الذي كان يعمل محررا في الدار واتفقنا علي تقديم عدة أعمال للحصول علي منحة ترجمة من مؤسسة اليابان. وفي النهاية قررنا التقدم بعمل كلاسيكي قديم وعمل معاصر واخترنا الإوزة البرية من الأعمال الكلاسيكية الخالدة في الأدب الياباني خاصة أن مؤلفها أوغاي موري لم يحظ بأي انتباه من المترجمين العرب لأعماله التي وضعت حجر الأساس للأدب الياباني الحديث والمعاصر فلم تترجم له أي رواية حتي هذه اللحظة للغة العربية رغم كثرة ترجماته للغات الأجنبية وخاصة اللغة الإنجليزية. واخترنا من الأدب المعاصر رواية »‬حكاية قمر» للأديب الشاب كيئتشيرو هيرانو. ولكن في النهاية اختارت المؤسسة تقديم الدعم لرواية هيرانو »‬حكاية قمر» ورفضت رواية »‬الإوزة البرية» لأوغاي موري وهو ما لم أكن أتوقعه.
بعد التقديم علي المنحة وحتي ظهور النتيجة (وهي فترة حوالي ستة أشهر) عكفتُ علي استكمال ترجمة رواية »‬الإوزة البرية» علي أساس أنها هي التي ستُختار بلا أي ريب مني في ذلك. ولكن كانت المفاجأة أن اختيرت رواية »‬حكاية قمر». ولذا تركت العمل في ترجمة »‬الإوزة البرية» وهرعت لترجمة »‬حكاية قمر» حتي نستطيع الالتزام بشرط إصدار الرواية في الموعد المحدد من المؤسسة (كنا علي وشك فقد المنحة بسبب تأخر وصول النسخ المطلوبة من لبنان إلي القاهرة عدة أيام عن موعد تسليمها للمؤسسة ولكن الله سلّم). وبعد انتهاء العمل في »‬حكاية قمر» عرضتُ علي التنوير التقدم للحصول علي المنحة مرة أخري برواية »‬الإوزة البرية» ولكنهم رفضوا اعتقادا منهم أن العمل الذي رُفض مرة ليس له أمل في الحصول علي المنحة مرة أخري ولم يكن هذا صحيحا في رأيي ولكني احترمت رغبتهم ولم ألح عليهم في ذلك. وواصلتُ ترجمة العمل دون أن يكون هناك أي اتفاق لنشره.

بعد ذلك علمت بطريق الصدفة أن مشروع كلمة للترجمة قد أعد مئة عنوان للترجمة من اللغة اليابانية إلي اللغة العربية وذلك في أعقاب زيارة قام بها رئيس وزراء اليابان شينزو آبه للشرق الأوسط ومن ضمن الدول التي زارها الإمارات العربية المتحدة ووقع هناك عدة بروتوكولات واتفاقيات منها العمل علي ترجمة أمهات الكتب اليابانية إلي اللغة العربية، وأن من ضمن تلك الأعمال رواية »‬الإوزة البرية» ولكن كان من المقرر أن تتم الترجمة من لغة وسيطة هي اللغة الإنجليزية وليس عن طريق ترجمة مباشرة. وكنتُ وقتها قد انتهيت من ترجمة أولية للرواية فتواصلتُ بطريقة ما مع مسئولي المشروع وعرضتُ عليهم ترجمة »‬الإوزة البرية» مباشرة من اللغة اليابانية إلي اللغة العربية فأعطوني موافقة مبدئية علي نشر ترجمتي المباشرة للرواية بديلا عن الترجمة الوسيطة. ولكن مر حتي الآن أكثر من ثلاث سنوات علي الإعلان عن ذلك المشروع الضخم ولم يجد أي جديد وسمعتُ مؤخرا أن مشروع كلمة ذاته معرض للتوقف حاليا لبحث حالته والنتائج المحققة حتي الآن بعد إصدار ترجمات لما يقارب الألف عنوان من اللغات المختلفة. ولكني واصلتُ العمل علي ترجمة ومراجعة وتنقيح نص »‬الإوزة البرية» مع نشر أسطر من الترجمة وأخبارها في وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك. فلفت ذلك نظر الصديق سيف سلماوي مدير دار »‬الكرمة» فتفضل بعرض نشر أي عمل مترجم لي من الأدب الياباني فأرسلتُ له نصا شبه نهائي لرواية »‬الإوزة البرية» فلاقت الرواية استحسانه وتكرم بعرض لنشرها لتكون أول عمل روائي يُنشر باللغة العربية لأوغاي موري ذلك الأديب الياباني الكبير الذي يعتبر أحد أهم رواد الأدب الياباني الحديث في عصر ميجي العصر الذي دخلت فيه اليابان بقوة طور التقدم الحديث في شتي المجالات.
وليسمح لي القراء أن أعرض هنا بعض الآراء الهامة لثلاثة من المثقفين أولهم وهو البروفيسور روبرت كامبل الأستاذ السابق للأدب الياباني بجامعة طوكيو القومية وهي أعرق وأفضل الجامعات اليابانية والمتخصص في أدب عصر ميجي وما قبله وما بعده أي الفترة الذي عاش فيها أوغاي، فقد كتب عن رواية »‬الإوزة البرية» ما يلي عام 2012في معرض ترشيحه لها لترجمتها للغة العربية.
في البداية يعتبر د. كامبل أن أوغاي موري (1862-1922) أحد أعظم من يمثل الأدب الياباني بصفته كاتبا روائيا ومسرحيا وناقدا ومترجما. ويشير إلي أن أوغاي كتب رواية »‬الإوزة البرية» في عصر يمثل ذروة حركة التحول الصناعي في اليابان، حيث كانت سياسة اليابان متسارعة تحاول الاقتراب من تقدم الغرب.ويقول د. كامبل إن من بين الأعمال العديدة والمتنوعة لأوغاي تشتهر »‬الإوزة البرية»بأنها رواية عظيمة كُتبت بحساسية عالية وجمال رائع عن الفرد في اليابان وبصفة خاصة عن وعي المرأة وبحثها عن حريتها واستقلالها.
ويؤكد د. كامبل أن »‬الإوزة البرية» رواية ذات قيمة عالمية كبيرة فهي مع رسمها لقصة حب لم تتكمل إلا أنها تتخطي العلاقة بين الرجل والمرأة إلي علاقة الإنسان بالآخر، وفي نفس الوقت تطرح سؤالا عن احتفاظ ذلك الإنسان بهويته وذاته. وفي النهاية يختم د. كامبل بالقول:
»‬أنا متأكد تماما أنها الرواية الأنسب لترجمتها للتعريف بأدب أوغاي في العالم العربي للمرة الأولي. وأتوقع أنه من خلال اكتمال ترجمة الرواية وإصدارها ستكون سببا في انتشار أدب أوغاي موري بين العرب من جهة وستعمق تفهُّم العرب للثقافة اليابانية من جهة أخري».
الرأي الثاني هو للروائي كيئتشيرو هيرانو الفائز بجائزة أكوتاغاوا الأدبية العريقة الذي كتب ما يلي تعليقا علي ترشيح رواية »‬الإوزة البرية» للترجمة للغة العربية:
»‬يعتبر أوغاي موري مع سوسيكي ناتسوميه أهم روائيين في تاريخ الأدب الياباني الحديث، ومن المرغوب فيه التعريف بأعماله في العالم العربي وترجمتها في أسرع وقت».
ويشرح هيرانو أن العالم العربي سيتفهم من خلال معايشة نفس الشعور قيمة أوغاي الذي ذهب إلي أوروبا للدراسة إبان فترة تحديث اليابان في عصر ميجي، فأدخل العديد من الأفكار الجديدة إلي اليابان. ويوضح أن الصراع الذي عاني منه أوغاي عندما اصطدم بالتعارض بين ثقافة بلده الأصلية وثقافة أوروبا الجديدة غني بالكثير من ملامح حل تلك المشكلة حتي الآن. ويعطي هيرانوأهمية قصوي لتعبير أوغاي في رواياته باستفاضة بالغة عن قيمة أمور مثل الطبيعة والمجتمع والشعور الإنساني والصدفة إلخ التي لا تطالها قوة »‬الفرد» في الوقت الذي جُلبت فيه أفكار الفردية الجديدة الغريبة علي المجتمع الياباني، وسط لهفة من الدولة تجاه »‬تحقيق هوية حداثية». ويوضح هيرانو أن الجوهر الحقيقي لأدب أوغاي هو قضية الإنسان الذي يعيش وسط »‬قوي لا يمكن مقاومتها». ويقول إن أوغاي وصل لهذا السبب ذاتهفي نهاية سنوات حياته إلي موقف »‬الإذعان»، وإنه من أجل أن يضع البؤرة علي تلك القوي التي لا يمكن مقاومتها بالضبط كأديب واقعي حقيقي، فلقد تخلّي برغبته عن صناعة الحكايات، وبدأ يغير أسلوبه إلي أسلوب السيرة التاريخي الذي يُعَظِّم من »‬الطبيعة كما هي» في التاريخ. والسبب في ذلك أن نظرة أوغاي للعالم تري أن العناصر التي لا يمكن للفرد مقاومتها تحمل معاني في حياة الإنسان أكثر من إرادة الفرد.

ويلمح هيرانو إلي أنه ربما يبدو للوهلة الأولي أن شخصيات أدب أوغاي قليلي الجاذبية لشخصيات رئيسة في روايات الأدب الحديث، لأنهم ليسوا من نوع الأبطال العظام الذين يحققون أهدافهم بعد تخطيهم مصاعب الحياة. ولكن هيرانو يربط بين أوغاي والزلزال الضخم الذي حدث في 11 مارس عام 2011في اليابان، فيقول إن تبني أوغاي لفكرة »‬الإذعان» لأنه »‬يوجد في حياة الإنسان أحداث لا يمكن مقاومتها مطلقا»، كان يحمل عزاء ومواساة لا يمكن التعبير عنها بالكلمات للقارئ الحالي الذي أدرك تلك الحقيقة. ويقول هيرانو إنه علي يقين تام إن الوقت الحالي هو حقا الوقت الذي يجب فيه علي اليابان إعادة قراءة أوغاي، وإن الأمر نفسه ينطبق علي العديد من الدول التي تتعمق فيها الحيرة.
ويشيد هيرانو برواية »‬الإوزة البرية» بوصفها العمل الأفضل والأبرز وسط روائع أوغاي العديدة، ويوضح أنها تروي بكلمات معبرة وعبارات سلسة في منتهي الرقي مأساة عدم قدرة شاب وشابة علي الارتباط بسبب ما يمكن أن نطلق عليه صدف الحياة المعيشية اليومية وتحكماتهاأكثر مما يمكن إطلاق لفظ القدر عليها. ويقول هيرانو إن تلك النظرة المليئة بالحب الهادئ التي ملكها أوغاي وسط الحماس الطاغي للتحديث، أثرت تأثيرا عظيما في حياة اليابانيين حتي الآن.
ويري هيرانو أن قراءة أدب أوغاي موري تساعد علي فهم شخصية اليابانيين وكذلك تعطي دفعة للتفكيرالمحدد لمن يعيشون في مجتمعات تتجه نحو التحول إلي الديمقراطية.
أما يوكيو ميشيما أديب اليابان الذي يعده بعض النقاد أعظم عبقرية أدبية ظهرت في اليابان، فقد كتب مقدمة لأعمال أوغاي موري الكاملة التي صدرت عن دار نشر »‬تشوكورون» عام 1966ضمن سلسلة الأدب الياباني. وفي تلك المقدمة أولي ميشيما أهمية خاصة لرواية »‬الإوزة البرية» واعتبرها أعظم وأهم أعمال أوغاي موري. كانت المقدمة بعنوان »‬ماذا يمثّل أوغاي موري؟» ويبدأ يوكيو ميشيما كلامه فيقول:
»‬ماذا يمثل أوغاي موري؟ إن هذا التساؤل يشغل تفكيري وقتا وآخر في الفترة الحالية. وليس سبب ذلك هو أنني أنظر باستهانة إلي أدب أوغاي. بل الأمر علي العكس من ذلك، سبب هذا التساؤل هو احترامي وتقديري العميقين لأدب أوغاي. في الأصل لم يكن هناك أية مساحة في اليابان قبل الحرب العالمية الثانية لكي يُطرح سؤال »‬ماذا يمثل أوغاي موري؟» فقد كان أوغاي هو أوغاي. كان هدفا للاحترام لدرجة التقديس بلا قيد ولا شرط، بل كان صنما معبودا للمثقفين بصفة خاصة. وأغلب الناس الذين يستهزئون بكل ما يتعلق بالأدب، أولئك الذين يعملون في مهن حقيقية في المجتمع ويحتلون مناصب رفيعة، ويعتقدون أن الرواية عبارة عن لعب لإلهاء الفتيات والسيدات، يتعاملون مع أوغاي فقط علي أنه حالة خاصة، فيشملونه بعظيم الاحترام. ولذا يمكن القول إن أوغاي كان المثقف المعبود لمثقفي طوكيو بداية من عصر ميجي وفي نفس الوقت كان منشئ علم الجمال الذي يُنظر إليه علي أنه الأكثر مثالية، وإذا وصفنا بوصف مشاغب قليلا فقد كان النموذج الحي للفن والأدب».
ثم يضيف يوكيو ميشيما ويقول إنه شخصيا نشأ وترعرع في تلك البيئة التي جعلت من أوغاي موري صنما معبودا. وأن ترقّي أوغاي في المرتبة الاجتماعية حتي وصل لمنصب المراقب الطبي الأعلي للجيش، وامتلاكه خبرة عملية وتاريخ أكاديمي يعتبر قمة ما يمكن الوصول إليه في عصر ميجي قد أضاف إليسمعة وتقييم أوغاي الكثير.
ويوضح ميشيما أن الصورة المتبقية حتي اليوم في عقول الناس وقت كتابته المقدمة هي: »‬إن أوغاي فقط يختلف عن أدباء الدرجة الثالثة».

ثم يذكر ميشيما ما حدث معه شخصيا أثناء قضية رفعها عليه أحد سياسيي اليابان يتهمه فيها بالقذف والتشهير بسبب رواية ميشيما »‬بعد الوليمة» فيقول:
»‬أعتذر عن ذكر أمر شخصي خاص بي في هذا المقام، ولكن عندما رفع السيد هاتشيرو أريتا قضية ضدي في المحاكم منذ فترة ليست بعيدة بعد نشر رواية »‬بعد الوليمة»، قال السيد أريتا علانية في المحكمة: {حتي لو أصبحت حياتي نموذجا لعمل أدبي، فربما كان مقبولا لو كان الكاتب أوغاي موري أو سوسيكي ناتسوميه، ولكن أن يفعل ذلك أديب من الدرجة الثالثة ...} فأوغاي بالتأكيد لم يكن من أدباء الدرجة الثالثة! فقد كان يحلق شعر رأسه لأدني حد مثل الجنود، ولم يكن له أية علاقة بالأدباء الرومانسيين أصحاب الشعور الطويلة، وكان مختلفا تماما عن ثُلة الأدباء الذين يجلسون علي المقاهي بلا عمل يتبخترون بربطة شعرهم البوهيمية، أو المتشردين الذين تراهم ليلا ونهارا في الحانات بزيهم الرث المهلهل، ويبيعون زوجاتهم فرحين، أو يضعون فراشهم ومتاعهم في محل الرهونات. وقبل كل شيء كان أوغاي »‬مثقفا مختارا بعناية» بل إنه لم يكن من عينة المثقف الضعيف شاحب الوجه مرتاد المكتبات، بل كان قوي البنية ومعتادا علي ركوب الخيل، وكان كذلك المثال الأصلي والأصيل لمواكبة الموضة التي تعلمها أثناء حياته في بعثته الأوروبية رغم اجتهاده في نفس الوقت في عمله بالجيش».
ويوضح ميشيما أن تلك كانت صورة أوغاي التي تراها العيون الأكثر اعتدالا في اليابان. ويضيف: »‬إن مثقفي وفناني اليابان الذين يميلون نحو إعطاء ظهرهم للمجتمع والحياة الواقعية والعالم المعاش في هذه الدنيا، الأشخاص الذين يحسون بالحزن والوحدة، لا ينفكون يرون في أوغاي مثالية مفقودة وتمثال إلههم الميت. ثم بعد ذلك، الجيل التالي من المثقفين الضعاف الذين علي وشك اليأس من توحيد ودمج التربية والعلم الغربي مع التربية اليابانية، عندما رأوا أن أوغاي حقق ذلك بمنتهي السهولة، عبدوا أوغاي مع إحساسهم باليأس من اللحاق به».
ولكن يعود ميشيما فيوضح أن أوغاي كان له بالتأكيد صورة الإنسان بجانب صورة السوبرمان. ويقول إن الباحثين اكتشفوا أمورا عديدة تتعلق بصراع أوغاي في المعيشة اليومية، وعلاقته مع أصحاب السلطة والقرار في عصره، ومعاناته العائلية إلخ. ولكن رغم ذلك ظل أوغاي يحتمل تلك الوحدة ويصبر علي البلاء في إذعان كامل للقدر. ويشرح ميشيما أن ظروف الإذعان (resignation) المحيطة بحياة أوغاي زادت علي العكس من قوة تأثير صورة »‬أوغاي السوبرمان».
ويضيف ميشيما: »‬إذا تكلمتُ عني أنا شخصيا، فبداية إحساسي بالألفة مع أوغاي كانت علي العكس بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. حتي ذلك الحين درستُ في المدرسة رواية »‬القائمقام سانشو»، ولكني لم أشعر وقتها بأية متعة من قراءة الرواية. فقد كانت بسيطة وخفيفة وبلا حبكة بشكل زائد عن الحد. وعلاوة علي ذلك أن صورة »‬أوغاي العظيم» التي طُرقت بها أدمغتنا منذ عهد الطفولة كانت من القوة بحيث دفعتني إلي اتجاه الابتعاد عن أدب أوغاي تعظيما وتوقيرا له».
ثم يقول ميشيما إنه بدأ، يفهم ويستمتع بأدب أوغاي بعد دخوله الجامعة، وأنه أدرك جمال أدب أوغاي فجأة. ويشير ميشيما إلي أن تلقّي جيل الشباب بعد مرور عشرين عاما علي انتهاء الحرب لأدب أوغاي له أبعاد متنوعة. ويشرح ذلك بالقول:
»‬أعتقد أن صورة أوغاي التي كانت تجسيدا حيا لمثالية حكومة ميجي، صورة أوغاي التي وضعت قدما علي طريق التنوير وقدما علي طريق الحفاظ علي التراث، وكذلك صورة المثقف الذكوري المثالي في نظام الأسرة الأبوي، قد اختفت من الوعي الباطن لجيل الشباب الحالي، وحتي لو لم تختفِ فيمكن بسهولة ملاحظة فقدانها لبريقها وجاذبيتها. إن كل ما كان أوغاي يحمله يختلف مع الديمقراطية الأمريكية بعد الحرب، وكذلك يختلف أوغاي مع التقدمية السوفيتية أو الشيوعية الصينية اللتين لا تناسبان مزاجه نوعا ما. ثم مع إلغاء نظام المدارس الثانوية القديم في اليابان، رحلت إلي الأبد التربية والثقافة علي الطريقة الألمانية التي كان القاعدة الأساسية لظاهرة عبادة أوغاي».
ثم يطرح ميشيما سؤال: ماذا يعني أوغاي موري لنا؟
ويذكر أن تأثير انتقال اليابان من النمط الأوروبي إلي النمط الأمريكي إثر احتلال أمريكا لليابان في نهاية الحرب العالمية كان سببا في أن يشغل ذلك السؤال حيزا هاما من تفكيره. ويقول ميشيما:
»‬كان من المؤكد أن أوغاي لم يعد علي الأقل ذلك(الإله البديهي) الذي لا يحتاج إلي تفسير، ولكن مقابل ذلك ظل سوسيكي وهو »‬الأكثر شعوبية» محتفظا بإعجاب الأجيال الشابة به كما هو».
ويؤكد ميشيما علي أن طريقة التفكير التي تقول »‬الأكثر شعوبية» تلك لم تكن طريقة التفكير الخاصة به فقط. ولكن كان »‬فهم أوغاي» بالنسبة لجيله بأكمله هو المعيار الذي تقاس به الذائقة الأدبية، ويقول:
»‬بالطبع كان سوسيكي أديبا عظيما، ولكنه كان يُنظر إليه علي أنه أكثر شعوبية، وأسهل في فهمه بدرجة كبيرة عن أوغاي».
ويري ميشيما اندفاع الشباب إلي سوسيكي وتركهم أوغاي أمرا طبيعيا بعد أن زالت الفكرة العتيقة التي تري أن الأدب البسيط سهل الفهم أدبا شعوبيا وهي فكرة كانت تسيطر علي عقول المثقفين اليابانيين لعهود طويلة. ولكن ميشيما يسأل هل أوغاي فعلا »‬صعب الفهم»؟ ويجيب علي ذلك السؤال بقوله إن أسطورية وتأليه أوغاي اللتين شرحهما كانتا لهما قوة تأثير كبيرة تجعل الإجابة علي ذلك السؤال بسهولة أمرا مستحيلا. ويري أن أوغاي هو القمة العليا لأسلوب السهل الممتنع في الأدب الياباني منذ عصر ميجي وحتي الآن.

ويعاود ميشيما التساؤل: ماذا يعني موري أوغاي؟ويضيف:
»‬أن توجيه هذا السؤال الآن وبعد أن ذبلت وماتت العديد من أساطير أوغاي، يمثل الأمر الأكثر خطورة واستعجالا بالنسبة لي. بالطبع من الأهمية بمكان تقييم صفات أوغاي الإجمالية علي أنه (كلٌ واحدٌ) ولكن الآن بعد أن ماتت كل الأساطير، وضعفت هيبته إلهًا للمعرفة، يُعتقد أنه من المفترض أن جمال أدب أوغاي ذاته يتألق بوضوح ونقاء(حتي لو لم يكن مؤكدا أن تتقبله أغلبية الناس)».
ثم يؤكد ميشيما أن جمال أدب أوغاي، لا يشبه مطلقا ما أصطلح علي تسميته »‬جمال» في العصر الذي عاش فيه ميشيما. ويقتبس ميشيما من الشاعر والناقد كونوسكيه هيناتسو في معرض تقييمه لرواية أوغاي »‬هاناكو» قوله:
»‬تلك التلقائية والبساطة يتميز بها سلوك الشخص تفهّم بسهولة قوة وجمال المخطوطات القديمة لقدماء الصينيين».
ويقول ميشيما إن تلك الكلمات تشرح الأمر كله. ويوضح ميشيما أن »‬قوة وجمال المخطوطات القديمة لقدماء الصينيين»لا تظهر في شكلها الحي عند أوغاي علي هيئة حروف صينية مهيبة، بل أنها أصبحت لغة يابانية واضحة وموجزة بعد تنقيتها من خلال تربية وثقافة أوغاي الأوروبية.ويقول ميشيما إننا مع لغة أوغاي نتذوق الثقافة الصينية الطازجة التي جلبتها الطبقة العليا في عصر نارا،وليس علم اللغة الصينية المُظلِم الذي صار مُركّزا في عصرتوكوغاوا الإقطاعي، ويقول إن أدب أوغاي يجعل القارئ يسْكر من تلك اللغة اليابانية التي مزجت ثقافة الطبقة العليافي الشرق والغرب علي تباعدهما الزماني وفجوتهما المكانيةبروعة وكمال لا شك فيه. ويضيف ميشيما:
»‬لقد استخدمتُ الآن كلمة »‬يسْكر» بلا وعي، ولكن لا توجد لغة أبعد عن السُكر بمعناه الديونسيسي من لغة أوغاي. ولهذا السبب ذاته لا نسْكر بالشكل العادي. ولكنه يشبه السُكر الذي نصاب به بعد أن نصعد طريقا جبلية طويلة، ونكون قد بذلنا الكثير من العَرق ثم نشرب كوبا من ماء بئر بارد بعد وصولنا، نحن نسكر من تلك السلاسة والنقاء. وعند إعادة التفكير أجد أن سبب عدم محبتي أوغاي إلا بعد دخولي الجامعة هو أن التعرف علي ذلك »‬السُكر الرائق النقي»، مستحيل لطلبة المرحلة الإعدادية والثانوية».
ويبدأ ميشيما في تحليل رواية »‬الإوزة البرية» والتي تعتبر أعظم ما كتب أوغاي فيقول:
»‬نشر أوغاي أخيرا تحفته الخالدة الإوزة البرية في العام الرابع والأربعين من عصر ميجي (1911م) بعد بلوغه التاسعة والأربعين. وفي كل مرة أعيد قراءة تلك الرواية دائما ما أفكر في نفس الأمر، هل استطاع أي كاتب من الكُتّاب والروائيين الذين جاءوا بعد أوغاي يا تري امتلاك مثل هذه اللغة التي كان أوغاي يملكها، والتي يجمع فيها قطع الواقع التافه في اليابان مع نظرة الطائر الشمولية إلي أفكار العالم الضخمة، ومن الأدوات اليابانية الدقيقة إلي المناظر العملاقة، بحرية وبلا تفرقة أو تمييز بل ودون أن ينتقص ذلك من وحدة اللغة».
ويقارن ميشيما بين أوغاي والكتاب الذين جاءوا بعده فيقول إن لغة الروائي تاتسو هوري إن استطاعت أن ترسم مدينة كارويزاوا الراقية، فهي لا تصلح للتعبير عن المناطق المزدحمة والضوضاء التي في طوكيو. ويشير إلي أن لغة جونئتشيرو تانيزاكي استطاعت التعبير عن كل شيء بدرجة عظيمة، إلا أنها لا تناسب الأفكار المجردة. ويشير ميشيما إلي عدم ظهور كاتب ياباني امتلك أسلوبا أدبيا يحتوي بفنية عالية فوضي التحديث في اليابان مثل الدرجة التي امتلكها أوغاي. يعترف ميشيما بالطبع بظهور أدباء كثر بارعين في فن الحبكة الروائية، وظهور أدباء ذوي درجة عالية من التكثيف والتركيز الشعري وظهور أدباء يدخلون في أسلوبهم العادات والتقاليد السطحية بلا حدود ولا نهاية، ولكن كان كل ذلك بفضل عبقرية لغة أوغاي التوفيقية. ويتكلم ميشيما عن ظهور أدباء عباقرة في كتابة الأفكار التجريدية، ولكن ينقصهم قوة التصوير التي تخترق الأشياء مثل الأشعة السينية. ثم يأسي ميشيما لأن أوغاي الذي امتلك ذلك الأسلوب الأدبي بهذه القدرات، لسوء الحظ لم يكن لديه متسع من الوقت ليكتب لنا عملا روائيا ضخما وشموليا. ولكنه اعتبر »‬الإوزة البرية» بقدر ما هي عمل أوغاي العبقري الشامل الذي اقترب من الحالة المثالية المطلوبة.
ثم يبدأ ميشيما في تحليل الرواية بنظرته الثاقبة وعبقريته النقدية فيقول:
»‬تُسرد الرواية بواسطة الراوي بضمير المتكلم عن قصة حب لم تكتمل أو تتحقق للنهاية بين صديق الراوي أوكادا الشاب الوسيم صاحب الصفات المحمودة وبين أوتاما الفتاة الشابة الجديرة بأن تُحب، ولكن وضع أوتاما أنها محظية لمراب».
ويوضح ميشيما أن أوغاي تمكن من خلال أسلوبه الأدبي المتين والراسخ من إبراز عادات وتقاليد وطبيعة ذلك العصر داخل الرواية. ثم يشير إلي الصدفة القدرية التي تقوم علي أساسها الرواية عندما تظهر وجبة الإسقمري بصوص الميسو علي مائدة عشاء مسكن الطلبة في إحدي الليالي، فتفقد بذلك أوتاما فرصة التحدث مع أوكادا الذي خرج للتريض معها بمفردهما للأبد، ثم تُقتل أوزة برية كانت تعوم في بركة لوتس ذابل بعد أن قذفها طالب لا مبال بحجر. ثم يقول:
»‬يحكي أوغاي القصة داخل حركة حتمية وكل شيء يمضي في هدوء مثل حركة الأجرام السماوية، وشخصيات الرواية فقط طالب من جيله وإحدي المحظيات، ولكن يترك القدر الذي يُحتّم ألايتلاقيالاثنان أثرا لآلام لا تنتهي».
ويقول ميشيما إن سخرية أوغاي في رواية »‬الإوزة البرية» تجاه الأدباء من المذهب الطبيعي لا تظهر مطلقا، ورغم ذلك فالرواية تعالج ببراعة عيوب المذهب الطبيعي، ويضيف ميشيما أن أوغاي كتب رواية رمزية اعتمادا علي واقعية مؤكدة تتخطي بمراحل إتقان واقعية المذهب الطبيعي.
ثم يشرح ميشيما أن أوغاي عبّر بدرجة معينة من الحياء عن الحالة النفسية للبطلة أوتاما، والحالة النفسية للبطل أوكادا، بدون إظهار أي أثر للقبح، بل أنه أنجز ذلك التحليل بدون الخوض في تحليل جارح. ويري ميشيما أن أوغاي أوضح من خلال قصة حب تحتوي في داخلها علي مذهب الوصولية للفتي ومذهب النفعية للفتاة، شعاعا خافتا لنبل البشر الذين كانوا يعيشون بلا أي ريب في اليابان وقت أحداث الرواية، ويقول ميشيما إن أوغاي لم يبتهج بذلك الشعاع بل فصله عن الرومانسية ومحاه بالكامل. وربما بعد بضع سنين يتحول أوكادا إلي إنسان دنيوي بشكل كامل. ويقول ميشيما:
»‬ربما تكون رمزية رواية الإوزة البرية هي الإشارة إلي مثالية عصر حاول النهوض والطيران ولكنه فشل. ولكن أوغاي لا يري في موت الإوزة البرية شيئا عظيما وقويًّا بل أن الراوي وأوكادا مع صديقهما إيشيهارا يأكلون الإوزة البرية بلا مبالاة. وبذلك لم يكن قاتل الإوزة البرية قوة الزمن العنيفة، ولا ضغط الحكومة والقانون، بل إنه لم يزد عن كونه مجرد طالب عديم الإحساس، ولذا أكل هؤلاء الطلبة شبابهم علي شكل أوزة بأنفسهم بهذا الشكل علي شكل نَقْل لخمر الساكي. وكان موقف أوكادا تجاه أوتاما هو نفس هذا الموقف، فهو يرحل دون أن يفهم الشغف الذي تولد داخل قلب أوتاما، ولكن إذا سألنا حتي لو فهمه، هل كان سيتخلي عن مكانته ويقع في حب أوتاما؟ فالإجابة أنه لا يبدو أن أوكادا كان سيفعل ذلك بأي حال. فالأمر كله ينتهي في هدوء مؤلم من نوع لا يمكن وصفه فالبشر جميعا في النهاية كل فرد منهم يسير في مساره المحتوم، وليس أمامه إلا أن يحقق مصيره بنفسه».

ويقتبس ميشيما من مقالة »‬موقفي» التي كتبها أوغاي في عام 1887 ما يلي: »‬عندما أُسأل علي أفضل الكلمات التي تعبر عمّا أحس به داخل عقلي، فتبدو أن تلك الكلمة هي resignation (الإذعان). ليس ذلك في الأدب فقط. ولكن نفس الأمر في أي موقف من مواقف الحياة. وعلي غير المتوقع لا أكون في معاناة عندما يظن الآخرون أنني أعاني. ربما يكون موقف الإذعان resignationانعدام العزيمة. ولكني لا أعتقد أنني سأحاول الدفاع عن نفسي في تلك الحالة».
وينهي ميشيما تقييمه لأوغاي موري بالقول:
»‬يري القارئ الذي يقرأ أعمال أوغاي مرارة ومعاناة تتعمق تدريجيا من البداية مرورا بالإوزة البرية وحتي النهاية، وتتمركز تلك المرارة والمعاناة داخل أوغاي فقط ولا يُظهرها في العلن.
إن كان التطّير جبنا، إلا أن احتمال العذاب شجاعة. إن مرض العصر الذي عاش فيه أوغاي لا يستمر كما هو حتي العصر الحالي، ولكن في أي عصر، داخل ما يراه الناس من شعور الحركة والنشاط الإيجابي المزدهر البطولي، يختفي شعور الجبن والتذمر تجاه العصر، ولكن أوغاي علي الأقل، لم يكن من ذلك النوع الجبان. إن ما يطلق عليه أوغاي الإذعانresignation مصطلح يشرح في كلمة واحدة هدوء وشجاعة وعذاب قلب الشخص الذي لا يتخلي حتي النهاية عن وظيفته ودوره في الحياة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.