استمتع أعضاء مجلس الشعب الجديد بدفء المقاعد البرلمانية لعدة أيام، بعد انتخابات عامة ساخنة شهدت فوز الحزب الوطني بأغلبية كاسحة ليحكم سيطرته علي البرلمان كما لم يحدث من قبل، فبعد نشوة المكسب والانتصار علي المنافسين من داخل الحزب الوطني ومن خارجه، يواجه النواب الجدد أكبر تحد في حياتهم السياسية، كما يواجه الحزب الحاكم نفس المسئولية الجسيمة التي أعتقد أنه واع لها تماما. نتائج الانتخابات - بعيدا عن أثر التكتيكات الانتخابية - تعني تفويضا شعبيا للحزب الحاكم دون غيره، وتفضيلا لأن يحظي بفرصة ينفرد فيها بإقرار السياسات التي يراها ضرورية لتحقيق مصالح الشعب والتوصل إلي حلول مناسبة تخفف من الضغوط الحياتية الشديدة علي المواطن المصري التي تزايدت بصورة كبيرة. أما الأحاديث المتداولة عن الطعون وعن التزوير وغيرها من الانتقادات التي وجهتها وأشاعتها دوائر معينة، فالواضح أنها لم تنجح في اعتراض حركة المجلس الجديد وتعطيله عن العمل، لسبب جوهري في نظري مهما قال مراقبون آخرون، وهو أنها اعتراضات وانتقادات تفتقر إلي المساندة والتأييد الشعبي، ولو كانت تحظي بأي قدر ولو قليل من الشعبية لما استطاعت الحكومة تجاهلها . صحيح أن المجلس السابق والذي قبله، كان الحزب الحاكم يحظي بفرصة كبيرة نظرا للأغلبية الكبيرة لأعضائه، إلا أن الموضوع هذه المرة مختلف تماما خاصة بعد أن اتخذت الحملة الانتخابية شكل المنافسة الحزبية التي قدم فيها الحزب الحاكم برنامجا طموحا قال إنه برنامج عملي مبني علي دراسة الظروف والإمكانيات، في الوقت الذي كان النقد الجوهري الموجه إلي برامج الأحزاب الأخري، أنها تندرج تحت باب اللا برامج، أو وصفت بأنها تفتقر إلي الواقعية، أو أنها لا تراعي الإمكانيات المتاحة، جملة من الانتقادات ترجح رفضها لمصلحة إعطاء الحزب الحاكم فرصة أخري لاستكمال إجراءاته الإصلاحية. لذلك أعتقد أن الأغلبية الكاسحة التي حظي بها الحزب الوطني الحاكم تنم عن ذكاء فطري لدي الكتلة الانتخابية، فقد اتجهت إلي منح الحزب الوطني ومؤسساته الفرصة كاملة لإثبات وجهة نظره وإنجاز الإصلاح المرتقب. نلاحظ أن الرئيس مبارك في كلمته أمام الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشوري بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، أكد علي عدة أمور أري أنها بالغة الأهمية لأنها تعبر عن حجم التحدي الذي يواجهه أعضاء المجلس الجديد بتركيبته المساندة للحزب والحكومة. دعا الرئيس مبارك أعضاء البرلمان في دورته الحالية للانتهاء من تطوير عدد من القوانين، لتنظيم التجارة الداخلية والمعاملات التجارية بما يعزز مناخ الاستثمار ويطرح المزيد من التسهيلات للمستثمر الصغير قبل الكبير. قال الرئيس إنه سيحيل للبرلمان مشروع قانون لتنظيم استغلال أراضي الدولة يوفر لها الحماية من التعديات ويقطع الطريق علي الفساد ويوفر للمستثمرين واحدا من أهم عناصر الاستثمار. قال الرئيس إنه سيحيل للبرلمان مشروع قانون لتحقيق أقصي استفادة من الأصول المملوكة للدولة، وأن مشروع قانون التأمين الصحي يأتي علي رأس أولويات الأجندة التشريعية للدورة الحالية. أشار الرئيس إلي أنه سيحيل للبرلمان في دورته الحالية مشروع قانون لتطوير الإطار التشريعي الحاكم للإدارة المحلية يعزز دور مؤسساتها ويستكمل نقل الصلاحيات إليها. الدورة البرلمانية إذن تعبر عن مرحلة جديدة للعمل الوطني، تبني علي ما تحقق في السنوات الماضية.. وتسعي إلي انطلاقة جديدة نحو المستقبل، متمسكة برؤية استراتيجية ترتكز علي إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة.. وتعميق الوسطية والاعتدال، تنطلق من إعادة صياغة دور الدولة كمنظم ومحفز للنشاط الاقتصادي، وقيامها بدور محوري في توفير أكبر قدر من الرعاية للفئات الأكثر احتياجا. أعتقد أن الالتزام الحزبي في المرحلة المقبلة سيكتسب مضمونا جديدا يعطي نقطة إضافية ترجح الالتزام أمام المواطن في الشارع قبل الالتزام الحزبي بمعناه التنظيمي، وهو ما يعطي الدورة البرلمانية الجديدة طعما مختلفا نأمل أن يكون سائغا ومقبولا.