ليس أمرا غريبا أن تكون علي مكتب النائب العام المستشار «عبدالمجيد محمود» أكوام وأكوام من قضايا الفساد والجرائم الخطيرة التي يتعقبها، لكن الأغرب أن زحام هذه القضايا كان ملحوظا خلال الأيام الأخيرة في كل القطاعات تقريبا، وأقل هذه القضايا جماهيرية تلهب الرأي العام، والحديث يدور هنا عن قائمة طويلة من القضايا منها التي أمر بالتحقيق الفوري فيها، وأحيانا يكون ذلك بصورة غير علانية كما هو الحال في قضية «رشاوي مرسيدس» التي فتحت نقاشا علي صفحات الجرائد بين النائب العام ورئيس الوزراء لم يكن معتادا من قبل، وغالبا ما يكون علنيا كما هو في حالات كثيرة منها متابعة التحقيقات في القتلي المصريين «كترمايا» اللبنانية واليونان ونيجيريا والكويت. النائب العام.. أو «محامي الشعب» كما لقبته «روزاليوسف» من قبل علي خلفية طعنه في أحكام البراءة التي صدرت لصالح المتهمين في قضية غرق العبارة، والتي انتهت بأحكام سجن متنوعة أرضت أهالي الضحايا والرأي العام، لم يكتف بذلك بل قدم واحدة من أهم الاقتراحات التشريعية لحماية المصريين في الخارج، والتي أكدت تتابع حوادث القتل من أفريقيا لآسيا وأوروبا ضرورتها الملحة، وتتضمن إجراء تعديل عاجل علي قانون العقوبات يشمل إضافة فقرة تشير لاختصاص السلطات المصرية بجرائم الجنايات التي تقع خارج مصر وتهدد حياة المواطن المصري أو سلامة جسده أو حقه في الحرية وحماية ممتلكاته للسلطات المصرية احتراما لكرامة مواطنيها خارج حدود إقليمها، وتأكيد السيادة الدولية علي رعاياها، وحاول النائب العام تفعيل الأمر بسرعة بإرسال مذكرة تفصيلية بالتعديل لوزارة العدل، وأفاد النائب العام أن هذه الإجراءات تأتي في إطار متابعة النيابة العامة في حادث مقتل «المصري» في كترمايا وتزايد أفعال الاعتداء علي المصريين في الخارج، والتي تخرج عن نطاق نصوص المواد الأولي والثانية والثالثة من قانون العقوبات، ويجب أن يتضمن القانون ما يقره الدستور من صون كرامة المصريين داخل وخارج وطنهم. والمهم في تحركات «النائب العام» الذي زاد ثقل المنصب القانوني والقضائي وحوله لمنصب شعبي وسياسي جدا، هو المبادرة وإعادة الحق لأصحابه بسرعة ومحاصرة الفساد وهناك أمثلة كثيرة علي ذلك، ومنها قبل أن نترك طرف الحديث عن جريمة «كترمايا» هو متابعة التمثيل بمصري منذ متابعة وزارة الخارجية والقضاء اللبناني إلي قراره الحاسم بتشريح الجثة. ومثال لمختلف النوعية، هو الطعن علي براءة المتهمين بقتل قبطي في «ديروط» والتي كانت علي خلفية فتنة طائفية كبيرة في هذا المركز المنياوي بعد تردد شائعات حول تصوير القتيل المسيحي لفتاة مسلمة في أوضاع مخلة، وقال النائب العام إن حكم جنايات أسيوط فيه قصور بالتسبب وفساد في الاستدلال وخالف الثابت بالأوراق، وهذه هي العبارة الأشهر التي يفتح بها النائب العام قضايا تثير جدلا كبيرا بأحكامها بدلا من الحسم! وفي نفس الإطار المسيحي، فتح النائب العام ملفا مثيرا بعد الاتهام الذي وجهه «نجيب جبرائيل» للكاتب «يوسف زيدان» بازدراء المسيحية، والذي تلاه بلاغ ثان ب 24 ساعة من ممدوح نخلة يتهم فيه زيدان بالإساءة للأقباط وتشويه عقيدتهم، مستدلين بتصريحاته التي قال فيها إن العصور التي سبقت مجيء عمرو بن العاص لمصر كانت أكثر ظلاما وقسوة علي المسيحيين، وأن الأقباط عليهم أن يقيموا تمثالا لابن العاص، لأنه منذ أسس الكنيسة القبطية جعل لها مكانة، وأن ما يلقنونه للأطفال في «مدارس الأحد» ويحشون به أدمغة القاصرين ما هي إلا أوهام وضلالات تجعلهم في عزلة عن المجتمع، لهذا يسهل علي الكنيسة استخدامهم، وقال زيدان في كلامه أن التأثر بالأساطير هو الذي جعل المسيحيين يعتقدون أن الله هبط لينقذ البشرية علي الأرض، وعلق علي ذلك قائلا: «طب ما كان ينقذنا وهو فوق» واعتبر القساوسة الغاضبون هذا إساءة وتطاولا علي المسيحية! -- ولم يكن تدخل النائب العام في ملف «رشاوي مرسيدس» الذي تضخم بسرعة بعد التحقيقات الأمريكية المتسارعة وكشفت عن تورط مسئولين مهمين، أقل إثارة من مبادراته السابقة، خاصة بعد المواجهة التي نشبت بينه وبين رئيس الوزراء علي صفحات الجرائد بعد أن رد علي البيان الصحفي الذي وزعه رئيس الوزراء في سطور معدودة، ببيان آخر من عدة صفحات يؤكد فيه أن فتح هذا الملف لا يتعلق ببلاغ ومتابعات رئيس الوزراء، بل إنه يتابع الأمر منذ أكثر من شهر ونصف الشهر قبل تحرك رئيس الوزراء، وهو الذي خاطبه لإيضاح الأمر بالمعلومات، وما كان بلاغه إلا ردا علي إيضاحاته المطلوبة. واعتبر المراقبون هذا الموقف تطورا كبيرا في قضية «رشوة مرسيدس بنز» المتهم فيها مسئول مصري، وكانت قد بدأت علاقة النائب العام بالقضية الجماهيرية في 18 أبريل الماضي من خلال ما تناولته الصحف المصرية، حيث لديه مجموعة خاصة تتابع كل تفاصيل الجرائد المصرية، وتمت إحالة الأمر إلي رئيس الوزراء لطلب المعلومات المتوافرة لديه في هذا الشأن، وقدمت مذكرة مجلس الوزراء في 12 مايو الماضي، وأكد خلالها أن رئاسة مجلس الوزراء تقوم بالاستعلام من وزارتي الخارجية والتجارة والصناعة لإفادتها بالمعلومات، وأرفق الأمين العام لمجلس الوزراء صورة من حكم المحكمة الأمريكية المشار إليه. وأكد النائب العام أنه بصدد اتخاذ الإجراءات اللازمة ومخاطبة مختلف الجهات للوقوف علي التعاقدات التي جرت مع شركة «ديملر مرسيدس بنز» خلال الفترة من 1998 حتي ,2004 الكشف عن الرشوة المدعي بدفعها وعلاقتها بهذه التعاقدات لتحديد مدي اختصاص النيابة للتصدي لما ورد في الأوراق من وقائع وتطبيق القانون، خاصة أنه جاء في الحكم الأمريكي أن المسئول المصري تقاضي رشاوي 2,1 مليون مارك ألماني و322 ألف يورو، لكن لم يرد بالحكم تحديد لشخص أو اسم المصنع أو الجهة التي يعمل بها. -- وفي سياق آخر أكثر جماهيرية من «رشاوي مرسيدس» لأنها تهم كل بيت مصري، تدخل النائب العام الذي تلجأ إليه الحكومة قبل الشعب في «أحيان كثيرة»، للتحقيق في قضية اتهام وزارة الصحة باستيراد أمصال شلل أطفال فاسدة، رغم أن الوزارة ردت علي الاتهامات البرلمانية بالمستندات مؤكدة أن الأدلة المضادة مزورة، وكانت مبادرة اللجوء الأولية من رئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب «د.حمدي السيد» الذي طالب بتدخل النائب العام الذي يتابع الجرائد جيدا، فلم ينتظر تحركا فعليا من رئيس اللجنة البرلمانية، بل تدخل علي الفور للتحقيق في هذه الاتهامات المثيرة، التي وصلت إلي حد أن الأمصال الأندونيسية المستوردة غير مسجلة عالمياً وأهدرت فيها 48 مليون دولار، ووضعت في ثلاجات قطع عنها التيار الكهربائي بتعمد لإتلافها، وردت الوزارة بأنه تم استيراد مواد خام من هذه الشركة الأندونيسية في ,2001 ولم يستخدم منها إلا 10% والباقي تمت إعادة تصديره للهند بسبب قرار الوزارة استيراد أمصال شلل الأطفال بالكامل من الخارج من شركتين فرنسية وإنجليزية وعدم تصنيعها داخليا، ولاتزال التحقيقات مستمرة في سرية. -- وكان للنائب العام دور مهم وظهور مطلوب في قضية «نواب ضرب النار» عندما أحال علي الفور بلاغا ضدهم للتحقيق في نيابة وسط القاهرة الكلية، رغم أن هذا الملف تم حسمه من الناحية النيابية فقط بتبرئة اثنين وتوجيه اللوم للثالث الذي أدانه تفريغ شريط اجتماع اللجنة التي شهدت مواجهات نواب الوطني والمعارضة حول مظاهرات المعارضين. وليس بعيدا عن ذلك كان قد حسم النائب العام واحدة من أهم القضايا التي كشفت فضيحة جديدة في تنظيم الإخوان الدولي والمحلي بإيقاع خمس قيادات منهم في قضية غسيل الأموال الجديدة والمحالة لمحكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ مؤخرا، وأكدت التحقيقات أن الجماعة المحظورة تمول بأموال غسيل ومعروف أنها القضية الثانية بعد التي أسقط فيها نائب المرشد «خيرت الشاطر» المسجون حاليا! -- ولا تتوقف تدخلات النائب العام في هذا الإطار فقط، بل وصل إلي «التراث الغنائي» بعدما لجأ إليه وزير الإعلام «أنس الفقي» طالبا التحقيق في ملف صفقة بيع التراث الغنائي المصري لقناة روتانا في محاولة للحفاظ عليه، خاصة أنه يحوي حفلات أم كلثوم وعبدالوهاب وشادية وعبدالحليم حافظ وفايزة أحمد وعبدالمطلب وفريد الأطرش، وكانت الصفقة قد أجريت منذ 6 سنوات في شكل سري، وتم خلالها بيع 11 ألف دقيقة من الحفلات الغنائية لكبار المطربين بسعر 10 دولارات للدقيقة بما يخالف الأسعار المعتمدة والتي تتراوح بين 500 دولار إلي ألف دولار للدقيقة وبدون تحديد مدة زمنية لحق الاستغلال، وكانت هيئة الرقابة الإدارية قد تقدمت للوزير بتقرير في هذا الشأن كشف هذه الكارثة، التي ندعو النائب العام للتعامل معها بشكل أكثر حسماً، لأننا لا نترقب من الوزير اتخاذ أي إجراءات لإنقاذ تراثنا، وبالتالي سنلجأ لك كالمعتاد لإعادة حقوق المصريين حتي الغنائية منها، والمعروف أن النائب العام يحقق أيضا في ملف الاتهامات الموجهة إلي «ألف ليلة وليلة»، وكانت أحدث قراراته إحالة مدرس كفر الدوار لجنايات دمنهور بعد تحرشه ب 9 تلميذات.