كثيرون شاهدوا وسمعوا دعاء المنتخب الجزائرى عقب فوزه على المنتخب المصرى فى أم درمان بالسودان، والذى قام التليفزيون الجزائرى ببثه على الهواء مباشرة.. دخل لاعبو المنتخب إلى غرفة خلع الملابس وهم يغنون مهللين بالفوز حتى أوقفهم شخص ما وحثهم على الدعاء فتوقفوا عن غنائهم وتجمعوا فى شبه دائرة رددوا الفاتحة وراءه بحماس وأسلوب به مزيج من الروحانية الصوفية وشكل الصلاة المسيحى حيث فردوا أذرعهم على أكتاف بعضهم البعض وخفضوا رءوسهم وأغمضوا أعينهم وبدأ الحماس يزداد عندما رددوا وراء الرجل دعاءه «لله ما قلت وقولك الحق ادعونى أستجب لكم». وازداد الحماس أكثر وأكثر حينما جاء ذكر المنتخب المصرى الذى أطلق عليه الرجل مسمى (الفراعين) قائلا «اللهم لك الحمد إنك اغتلت الفراعين» فردد وراءه لاعبو المنتخب بحماس المحاربين المؤمنين.. فى المقابل فى مصر كانت الحملة الإعلانية لشركتى الاتصالات السابقة للمباراة شعارها «يااااارب» حتى أن إحداهما أطلقت حملة تحت مسمى «الدعاء قبل الماتش بخمس دقايق» وكان المعلق يقول «كل الناس بتقول يارب»، والناس تردد بصوت مؤمن مؤثر «ياااااااارب».. فاز منتخب الجزائر وضاع حلم منتخب الساجدين بالمشاركة فى كأس العالم رغم استحقاقه كما أثبت فيما بعد.. هل كان ذلك يعنى أن المنتخب الجزائرى كان أكثر إيمانا واعتصاما بحبل الله من منتخب الساجدين؟ أم أن الله أراد ان يبتلى منتخب الساجدين، لأن المؤمن مصاب أم أنه عز وجل أراد أن ينصر الجزائريين ليفضح شرهم فيما بعد، فتكون كسرتهم كسرة كبرى، لأنه يمهل ولا يهمل لكن لماذا يفعل ذلك بفريق مؤمن؟ أم أنه وفى ظل دعاء الفريقين المسلمين له، قسَّم بينهما المباريات قسمة العدل؟ أم لعله أراد ان يعاقب بعض اللاعبين المصريين على إثم غير معلوم لنا.. لكن لو كان الله يعاقب بلدا ما بخسارة منتخبها القومى بسبب ذنوبهم لكان المنتخب المصرى خسر كل المباريات بسبب الجماهير التى تشاهد المباريات على الوصلات المسروقة والشفرات المفكوكة والتى تسب وتلعن بأقذع الشتائم أثناء المباريات.. إلا أن منتخبنا حقق أرقاما قياسية فى البطولة الأخيرة.. ولماذا لم يأخذ الله- جل جلاله- المنتخب بذنب عصام الحضرى مثلا الذى سافر إلى الخارج وعاش حياة الأجانب وسمح لزوجته بخلع الحجاب؟.. إلا أن ما يحدث هو أن (السد العالى) يزداد تألقا وحرفية وأخطاءه تكاد تكون منعدمة.. على عكس الحاج محمد أبو تريكة الذى تخلت عنه موهبته فجأة حتى أصبح تأثيره فى الملعب شبه منعدم وربما الرحمة الإلهية الوحيدة التى انتابته كانت إصابته التى منعته من المشاركة فى المباريات الأخيرة والتى حفظت ماء وجهه. ما قد لا تعلمه أن الخلط بين الدين والكرة نشأ من الأساس فى الغرب وليس فى الدول الإسلامية.. وكان أول لاعب تشهده الملاعب يسجد أثناء المباراة شكرا لله هو الأمريكى (هرب لاسك) الذى لعب فى منتخب فيلادلفيا لمدة 3 مواسم وذلك قبل أن يصبح قسيسا وينشىء كنيسته الخاصة وكان ذلك عام .1977 ومنذ ذلك التاريخ وعدد اللاعبين المتدينين بالمنتخب الوطنى بفيلادلفيا فى ازدياد مستمر.. معظمهم يقيمون الصلوات بعد المباريات ويحرصون على حضور عظة فى أيام الآحاد ويتشاركون فى دراسة الإنجيل ويتحدثون عن إيمانهم بالمسيح فى كل حواراتهم الصحفية والتليفزيونية ويعملون جاهدين على إقناع غير المؤمنين منهم بالانضمام إلى أنشطتهم الروحانية! فى المجمل العام هناك تخوفات دينية طوال الوقت فى الغرب والدول المسيحية عموما من أن تتسبب كرة القدم معشوقة معظم جماهير العالم فى ابتعاد الناس عن أمور دينهم.. وعظات رجال الدين لا تخلو من توبيخ على ترك الصلاة فى الكنائس لحضور مباريات كرة القدم خاصة أن معظم المباريات يتم لعبها فى أيام الآحاد وعدد كبير من الدراسات يعتبر كرة القدم الدين الأسرع انتشارا فى العالم والذى يهدد المسيحية الدين الأكثر انتشارا حتى أن أحدهم أخذ يعدد أوجه الشبه بين كرة القدم والدين.. فقال: إنه فى الكنيسة يجتمع كثيرون من أجل الترنيم والتسبيح بشكل حماسى وفى كرة القدم تجتمع الجماهير وتغنى أيضا أغانى تشجيعية حماسية جدا.. كما أن مشجعى مختلف الفرق يتعصبون لفرقهم بشدة ويكنون لبعضهم البعض كراهية معلنة تماما كما يفعل أتباع الديانات المختلفة.. ومن هنا أخذ رجال الدين المسيحى بالغرب والدول المسيحية بمبدأ «صاحب عدوك» فبدلا من أن يهاجموا كرة القدم أخذوا يسخرونها من أجل نشر دعوتهم وترسيخ إيمان الناس فانتشرت مدارس الكرة المسيحية والروابط التى شملت اللاعبين المحترفين المسيحيين المؤمنين من مختلف الفرق العالمية.. نادى «هاللويا» بكوريا الجنوبية مثال على هذه النوعية من المدارس.. وهو لا يعتبر مجرد نادٍ للهواة إنما نادٍ للمحترفين لكنه مبنى على أساس دينى وبعد أن تم إنشاؤه عام 1980 على رسالة معلنة وواضحة وهى أنه ناد لا يهدف فقط إلى تطوير كرة القدم بكوريا إنما يقوم بأعمال تبشيرية من خلال كرة القدم داخل كوريا وخارجها حيث يقوم لاعبو النادى بعمل زيارات لمخيمات الجيش ويقيمون مباريات مع الجنود تتبعها عادة عظات دينية كما شهد العام الماضى مشاركتهم فى مباريات كأس الملكة بتايلاند معقل البوذية.. وتبع إنشاء نادى هاللويا لكرة عدد من الأندية المسيحية واليهودية المماثلة. ومن أشهر المنتخبات القومية التى تعلن معتقدها الدينى من داخل الملعب منتخب البرازيل .. معظم لاعبيه ينتمى إلى الطائفة البروتستانتية.. يحرصون على الصلاة قبل كل مباراة ومعظم اللاعبين البرازيلين الذين يلعبون فى أندية أوروبية بصفة عامة هم أعضاء فى جمعيات مهتمة بنشر الإيمان المسيحى وعادة مايحرصون على التبرع بعُشْر دخلهم لكنائسهم. محمد أبو تريكة الذى اكتسب شهرته وجماهيريته من تدينه إلى جانب حرفيته عندما رفع فانلته كاشفا عن عبارة «فداك يا رسول الله» لم يكن أول من يرتدى فانلة تحمل شعارا دينيا.. فإن لاعبى المنتخب البرازيلى هم أول من ابتكروا هذه التقليعة وعلى رأسهم «كاكا» الحائز على لقب «أحسن لاعب» من الفيفا لعام 2007 والذى يلعب فى نادى ريال مدريد فى الوقت الحالى إلى جانب منتخب بلده.. قبل تعليمات الفيفا المشددة بحظر ارتداء أى ملابس تحمل شعارات دينية او سياسية فى الملعب كانت فانلة كاكا الشهيرة التى كان يكشف عنها كلما أحرز هدفا مكتوب عليها عبارة I belong to Jesus أى «أنا أنتمى إلى يسوع» وكانت فانلة كاكا الشهيرة تباع فى كبرى محال للملابس الرياضية لكن فى المقابل كان المعارضون لخلط كاكا بين الكرة ومعتقداته الشخصية يبيعون فانلات مكتوب عليها «I belong to pie» و«أنا أنتمى إلى الفطيرة».. كنوع من السخرية إلا أنه ورغم الهجوم ظلت فانلته مرتبطة فى أذهان جماهير الكرة بالانتصارات الساحقة التى حققها مع مختلف الفرق التى انضم إليها حيث إنها الفانلة التى كشف عنها بعد أن أطلق الحكم صافرته معلنا فوز البرازيل بكأس العالم عام 2002 وانغمس بعدها فى لحظات صلاة كما كشف عنها بعد فوز فريقه باللقب فى الدورى الإيطالى فى ميلانو عام 2004 وبعد فوز البرازيل على الأرجنتين 4-1 فى كأس القارات عام 2005 وبعد حصوله على دورى أبطال أوروربا عام 2007 كما كان يرتدى هو وزملاؤه أحيانا فانلات مكتوبا عليها «يسوع يحبك» إلا أن (كاكا) صرح فى أكثر من مرة أنه لا يسعى إلى دعوة زملائه بالفريق غير المؤمنين باعتناق الإيمان المسيحى وذلك على عكس زميله اللاعب البرازيلى «بوردون» الذى دائما ما ينتهز أى فرصة لوعظ زملائه عن سر الحب الإلهى الذى يحتويه فى ضيقاته مما أدى إلى مشاكل مع عدد من اللاعبين الرافضين لدعوته حتى صرح اللاعب البرازيلى «ألتون» لوسائل الإعلام أنه يرفض كل ما يدعو إليه «بوردون» وأنه أى بوردون اتهمه بأنه بذلك يسمح بدخول الشيطان إلى الفريق!! قبل مباراة مصر وغانا الحاسمة نشر على الموقع الرسمى للحكومة الغانية إعلان رئيس الدولة «جون إيفانز» عن برنامج اليوم القومى للصلاة المفترض إقامته فى الشوارع وأماكن التجمع فى الرابع عشر من مارس القادم وعن أهمية الصلاة فى حياة الشعوب حسب معتقد الرئيس الغانى قال «كل الأمم المزدهرة لديها أسس روحية قوية».. وفى معرض الحديث عن برنامج اليوم ذكر موقع الحكومة أن القس «آجين آسار» أثناء تحضير برنامج اليوم القومى للصلاة صلى فى حضور الرئيس من أجل فوز منتخب غانا ببطولة أنجولا.. كان مستوى الفريقين المصرى والغانى متكافئا إلا أن المنتخب المصرى قد فاز محطما كل توقعات الخبراء.. ومنذ عامين فاز منتخب الساجدين على منتخب كوت ديفوار الذى كان يقوم لاعبوه برسم الصليب على صدورهم أثناء المباراة.. والأسلوب الذى هتف به المعلقون الرياضيون والطريقة التى رفع فيها المصحف فى وجه الكاميرا عقب الفوز أوحت لجماهير المشجعين كما لو أنه انتصار دين على آخر او استجابة دعاء المسلمين عن غيرهم من غير المسلمين.. مشهد مشابه شهده الملعب الأوليمبى بطوكيو عندما قام فريق «بوهانج ستيلرز» الكورى الجنوبى الذى يدين معظمه بالمسيحية بالسجود على أرض الملعب بعد الفوز بدورى أبطال آسيا بعد مباراة نهائية مع اتحاد جدة السعودى التى فاز فيها بهدفين مقابل هدف مما أثار حفيظة بعض المسلمين الذين اعتبروه حسبما ذكرت عدد من الصحف نوعا من الاستهزاء.. لكن هذا لم يكن غريبا على الفريق الكورى الذى يصل تعصبه إلى حد تصريح أحد لاعبيه ويدعى «لى يونج بيو» فى بطولة كأس العالم الماضية أن زيادة عدد المسيحيين المؤمنين بالفريق سيزيد من احتمالية فوز الفريق.. «فيما مضى كنا 6 مسيحيين الآن نحن 12 فانا أومن أن المسيح سوف يعطينا نتيجة رائعة فى هذه البطولة». ترى فى أى من المباريات السابقة كان الفوز مكافأة إلهية للاعبين على إيمانهم؟ لا أعلم كيف يفكر هؤلاء اللاعبون سواء مسيحيين أو مسلمين فى مشجعيهم وجماهيرهم من أتباع الديانات الأخرى؟ أعرف أن فى مصر عدداً من الكنائس خصصت قاعاتها لمشاهدة مباريات كأس أمم أفريقيا.. كيف تكون مشاعر المشاهدين داخل الكنائس الذين يشجعون منتخب وطنهم ضد من يرسمون الصليب على صدورهم من أبناء المنتخبات الأخرى بعدما يجدون أن نصر بلدهم قد صنف على أنه نصر دينى؟ وكذلك بالنسبة لمسلمى الدول المسيحية التى يخلط لاعبوها بين الرياضة والدين؟ فى نفس الوقت الذى اعتبر فيه المنتخب الجزائرى وصوله للمونديال عملا إلهيا ونصرا دينيا واغتيالا للفراعين كتب أحد المحللين الرياضيين بالأرجنتين قائلا إن وصول منتخب الأرجنتين إلى كأس العالم معجزة إلهية مائة بالمائة، وإنما ذهب إلى أبعد من ذلك قائلا «بل إننى أؤمن أن الله أرجنتينى الجنسية» لأن فريقنا ضعيف وهناك فرق أخرى كانت أحق منّا فى الوصول وإن ذلك يتطلب منا حمد الله وشكره على توفيقه.. فإذا كان هؤلاء يؤمنون أن وصولهم إلى كأس العالم تم بعمل إلهى.. لكن: كيف يفسرون خروجهم من البطولة فى المراحل المبكرة منها؟ وما هو رأيهم بشأن منتخبات الدول الإسلامية الأخرى التى تصلى أيضا قبل المباريات ثم تخسرها كلها؟ يمكننا أن نقول أن التدين له مردود نفسى يتيح حالة من الارتياح والرضاء عن الذات أيا كانت الديانة، مما يفسح المساحة للطاقات الخلاقة بالتدفق داخل الإنسان، كما أن الالتزام بقواعد دينية أيا كانت يدرب اللاعب على الالتزام بشكل عام والالتزام أهم عوامل النجاح فى عالم كرة القدم، كما يقول الخبراء والمهتمون بها، وهذا قد يفسر لنا أسباب تمسك عدد من اللاعبين المسلمين بالفرق الأوروبية بصيام رمضان مثل فردريك عمر كنوتى الحائز على لقب أحسن لاعب فى أفريقيا عام 2007 وكذلك محمدى ديارا وكريم بن زمة بريال مدريد وغيرهم مما يثير جدلا كبيرا فى الغرب بالرغم من أنه غالبا مايكون دافعا لهم لمزيد من الالتزام . كذلك حمد الله وشكره على كل نجاح فى الحياة هو أمر حميد وجيد إلا أن تفسير نجاحات الحياة على أنها تفوق لدين ما، هو أمر أراه سطحياً وينم عن جهل وفى حاجة إلى إعادة النظر من رجال الدين.؟