رغم الأزمات السياسية والنووية والعسكرية التي تعج بها المنطقة خاصة مع دخول الحرب الحوثية ضد السعودية واليمن شهرها الثاني، إلا أن الكارثة الاقتصادية التي تتعرض لها دبي في الشهور الأخيرة وتبلورت بشكل مخيف منذ أيام، سحبت البساط من كل هذه الأزمات التي تحاصرنا، والتي جاءت في وقت لازالت تعاني فيه مصر والمنطقة العربية من ضربات الأزمة المالية العالمية علي الاقتصادات والبورصات ومعدلات النمو. لكن السؤال الأكثر إلحاحا هو: إلي متي تستمر هذه الأزمة الجديدة؟، وهل ستضر بنا خاصة أن البورصة المصرية نالت قسطا كبيرا من الأذي في الأيام الأولي من الضربة، حتي حققت ثاني أكبر خسارة لها في تاريخها بعد الأولي التي كانت عقب إعلان إفلاس بنك ليمان الأمريكي وانخفضت فيها البورصة16٪؟ لكن الأهم من ذلك.. هل من الممكن أن نستفيد من هذه الأزمة خاصة أن كل سياساتنا الاقتصادية تركز علي أن نكون دولة محورية اقتصاديا في الشرق الأوسط، ومنطقة ترانزيت بترولية وصناعية؟ وتحدثنا كثيرا في ضرورة أن نكون ندا لدبي .. لكنها تعرضت إلي مأزق كبير تحاول تجاوزه الآن فيما تتوالي التأكيدات المصرية من البنك المركزي الذي يطمئن الجميع بأن الاقتصاد المصري محمي بإصلاحات واقعية تعترف بها كل الجهات الاقتصادية المستقلة المحايدة قبل الرسمية. -- برغم تداعيات هذه الأزمة علي الاقتصاد المصري بشكل كبير إلا أن خبراء البنوك والاقتصاد أكدوا لنا أن ما حدث في دبي لن يؤثر علينا بشكل مباشر.. لأن التجربة الإماراتية تتعرض لهذه الورطة بعدم تنويع محفظتها الاستثمارية وتركزها في القطاع العقاري فقط.. فضلا عن أن الخلط بين دور الدولة كرقيب وكمنافس في السوق يتعارض مع فكرة السوق الحرة ونظرة العالم لدبي علي أنها سوق عالمية تمتلك أكبر صندوق سيادي في العالم يقدر ب 800 مليار دولار.. إلا أن هذه النظرة قد تختفي علي المدي القريب، وذلك لأن المستثمرين في دبي يقومون حاليا بتسييل محافظهم خارج بلادهم حتي لا يحدث بيع لكامل أصولهم مما ترتب علي ذلك التأثير علي كل بورصات العالم بما فيها بورصة مصر، وقالوا إن ما حدث في البورصة المصرية من انهيارات سببه ارتباطها في المقام الأول بباقي بورصات الخليج والعالم، حيث قامت الشركات العملاقة في دبي بتأجيل سداد التزاماتها وديونها لمدة ستة شهور، مما تسبب قي قلق المستثمرين وخاصة الأجانب من الوضع في الشرق الأوسط. ومن المنتظر أن تستمر تأثرات البورصة المصرية بالأزمة الإماراتية التي تشهد تناطحات بين دبي وأبوظبي حتي قرابة الشهر، لتعويض الخسارة التي تقدر ب 56 مليار جنيه، فكانت أياماً سوداء في عز عيد الأضحي، لكن من غير المتوقع أن تطاول البورصة تداعيات قوية جديدة خاصة أن المصريين يكسبون كثيرا من هذه الهزات. -- أكدت د.يمن الحماقي رئيس قسم الاقتصاد بجامعة عين شمس أن دبي في الفترة الأخيرة نجحت في جذب الاستثمارات العربية والأجنبية إليها بعمل مشروعات نموذجية يحتذي بها في التنمية، لكن النظام الاقتصادي في دبي يتخلله الكثير من نقاط الضعف مما جعله يتأثر بالأزمة المالية العالمية بشكل كبير، بالرغم من تدخل حكومة دبي من وقت لآخر لضخ المزيد من الاستثمارات للحد من الآثار السلبية للأزمة علي قطاع الاستثمار.. وعلينا ألا نغفل أن نموذج دبي ليس هو بالنموذج الأمثل الذي علينا الاحتذاء به.. فهو مجرد تجربة لها خصوصيتها بالرغم من اتباعها النظام الرأسمالي إلا أنها عشوائيا تعاني من أسوأ نتائج هذا النظام بسبب عدم التخطيط الكافي ،والدليل علي ذلك أن هناك مبالغة في الاستثمارات العقارية القائمة علي الديون بدون وجود غطاء للسداد مما يوقعها باستمرار في أزمة الرهن العقاري، وأضافت أن الإصلاحات البنكية والمالية التي اتخذتها الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة ستساعدنا علي مواجهة أي أزمة، ودعونا لا نقارن ما حدث في دبي بالرغم من الأزمات التي طالت مصر فإنها ظلت صامدة ولم يؤجل قسط واحد من الديون أو الفوائد.. ويكفي أن ما حدث من احتياطات بالبنك المركزي وتحفظاته في قروض التمويل العقاري الذي حدده ب 5٪ .. كل ذلك يجعلنا لا نقارن اقتصادنا والإصلاح الذي تم مؤخرا بنموذج دبي الاستثنائي، مشيرة إلي أن هذه الأزمة ستكون لها تداعيات كبيرة علي المنطقة وخاصة فيما يتعلق بحجم الاستثمارات الإمارتية في مصر، بالرغم من أن البنوك المصرية ليس لها ودائع أو استثمارات داخل بنوك الإمارات خاصة والخليج عامة مما سيقلل من التداعيات السلبية للأزمة وإن كانت ستؤثر بشكل كبيرعلي أسواق المنطقة، وأوضحت أن هذه الأزمة المفاجئة تختلف تماما عما حدث في جنوب شرق آسيا فترة التسعينيات، مؤكدة أن الإمارات دخلت في استثمارات مكلفة للغاية وليس لها عائد حقيقي.. مثل قيامها ببناء قطار كهربائي.. وكذلك بنائها صالة للتزحلق علي الجليد في مناطق حارة.. فكل هذه الاستثمارات وهمية لأنها قائمة علي القروض وليس وراءها عائد حقيقي للتنمية، وقالت إن هذه الأزمة تعطينا عدة دروس أهمها طريقة تمويل أي مشروع مع دراسة الجدوي الاقتصادية منه، مشيرة إلي أن الدولة لابد أن يكون لها دور واضح في مراقبة الاستثمارات وحجم الأموال التي تحتفظ بها في مصارفها المحلية. -- من جهته قال م.إبراهيم محلب رئيس شركة المقاولون العرب: إن ما حدث في دبي متوقع خاصة أن اقتصادها مبني فقط علي الخدمات ودائما ما ترفع شعار دعه يعمل.. دعه يمر.. ومثل هذه الشعارات البالية في العادة لا تنتج اقتصادا قويا قادرا علي الصمود، مضيفا: علينا ألا ننظر للأمور بسطحية؛ فدبي بالرغم من كونها أكبر منطقة استثمارية علي مستوي الدول العربية إلا أنها خالية من وجود خطط مستدامة لأي مشروع استثماري تقوم به عكس نظام الاقتصاد المصري، الذي نجح في تحصين نفسه في الإصلاحات البنكية والمالية وبالتالي لن نتأثر بهذه الأزمة، مشيرا إلي أن الأزمة سيكون تأثيرها قصير المدي ولن يطول ،خاصة أن دبي نجحت خلال 15 شهراً في أن تسيطر علي توابع الأزمة المالية العالمية في التحكم في حجم استثماراتها. أما د.هاني سري الدين رئيس هيئة سوق المال سابقا فقال إن التجربة الإماراتية لها إيجابياتها وسلبياتها ولا يمكن أن أقيس عليها دولة متكاملة في اقتصادها كما في بعض اقتصاديات الدول الناشئة ككوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة، ويكفي أن الإمارات تقوم فقط علي الاستثمارات في القطاع العقاري، كما أن هناك خلطاً بين دور الدولة كرقيب وكونها في نفس الوقت منافسا في السوق.. وهذا يتعارض مع فكرة السوق الحرة، ورغم هذا فذلك لا يجعلنا نحكم علي التجربة بالفشل، فدبي كمدينة جزء من اقتصاد كلي وهو الإمارات الذي تأثر كثيرا بتداعيات هذه الأزمة، أما الجوانب الإيجابية التي نجحت دبي في استثمارها فهي الانفتاح علي العالم الخارجي والقدرة علي جذب الاستثمارات إليها، ولكني أعتقد أن تأثير الأزمة المالية التي سرت بدبي لن يكون لها تأثير كبير علي الاقتصاد العالمي.. وهذا يعود لضخامة المبالغ التي تم ضخها من قبل حكومة دبي لاحتواء الأزمة.. فالإمارات قادرة علي استيعاب هذه الأزمة، أما الاقتصاد المصري فيتميز بتنوع محفظته الاستثمارية مما جعله يقف حائلا أمام أي أزمة يتعرض لها، وبشكل عام فإن بعض الشركات الإماراتية الموجودة في مصر قد تأثرت.. ولكن بشكل محدود وإن كانت شركات الأوراق المالية والاستثمار العقاري قد تتأثر بنسبة كبيرة. وأوضحت د. هالة السعيد مدير المعهد المصرفي التابع للبنك المركزي علي هذه الأزمة قائلة: من الذي أطلق علي دبي مركز تجاري عالمي فكل هذه الفرقعات والاستثمارات التي تتعدي مليارات الدولارات لا ترتكز إلي أي أساسيات حقيقية: فلم تنمُ علي أساس جدي عكس الاقتصاد المصري الذي بدأ ينمو في مختلف قطاعاته سواء في الصناعة أو الزراعة أو الصادرات، أما الاقتصاد الإماراتي فلم يقم إلا علي الثروة العقارية والخدمات المالية والبترول، مؤكدة أن الأزمات التي مر بها الاقتصاد العالمي والتي قضت بانهيار بعض المصارف العربية والأجنبية تحتاج إلي إصلاح دوري في القطاع المصرفي في شكل خطط قصيرة المدي حتي نحمي اقتصاد أي دولة من التأثر من هذه الأزمات الطارئة،ورغم ذلك فإن القطاع المصرفي المصري في مأمن ولن يتأثر بشكل كبير في اقتصاديات هذه الدول لوجود نظام رقابي قادر علي حماية عملائه مع استثمار الفائض لديه من الاحتياطات الدولية لدي الخارج في سندات وأذون خزائنهم علي الحكومات الكبري كأمريكا وألمانيا وإنجلترا.. ورفضت د.علا الحكيم مدير مركز التنمية الإقليمية بالمعهد القومي للتخطيط وعضو مجلس الشوري التنبؤ بتداعيات أزمة دبي علي الاقتصاد المصري، الذي كان يأمل أن يضاهي سوق دبي العالمية واكتفت بأننا علينا أن نصبح علي حذر في الفترة القادمة في تطبيق سياستنا النقدية حتي نتجنب أي آثار سلبية لأي أزمة قد تحدث في العالم. أما مصطفي القاياتي وكيل لجنة الإسكان بمجلس الشعب فقال إن الإمارات لم تكن سوقا عالمية بالمعني المتعارف عليه، فهي سوق قائمة في المقام الأول علي البترول، أما نحن فننوع في مصادر ثروتنا ما بين قطاعات صناعية وزراعية مشيرا إلي أن أزمة دبي ستؤثر بشكل كبير علينا، خاصة أننا مازلنا في مرحلة استكمال التعديلات التشريعية والتحول من الاقتصاد الاشتراكي إلي الاقتصاد الحر، وبالتالي فمن الطبيعي أن نمر بهذه الاهتزازات خاصة أننا نراعي البعد التنموي والاجتماعي في علاقاتنا مع المستثمرين ولسنا بمعزل عن العالم وبالتالي فسوف نتأثر.. والأمر يتوقف علي درجة مناعتنا وقدرتنا علي تحمل الآثار السلبية لأي أزمة. -- من جهته أوضح المهندس حسين صبوررئيس شركة الأهلي للتنمية العقارية أن تجربة دبي لم تكن مبهرة وإن أعطت عدة مميزات للمستثمرين لسرعة تنفيذ مشروعاتهم وبرغم هذه التسهيلات التي منحتها حكومة دبي للمستثمرين، إلا أنها كانت وهمية ولم ترقَ إلي درجة الانتعاش الاقتصادي، بل ستؤدي في الفترة القادمة إلي هروب رءوس الأموال للخارج. مشيرا إلي أن الإصلاح البنكي الذي اتخذته الحكومة ليس كافيا.. فهناك عدة مؤشرات للنهضة يضعها العالم.. منها استصدار التراخيص والنزاع القضائي والتسجيل في الشهر العقاري.. وكل هذة المؤشرات مازالنا نحتل فيها المراتب المتأخرة.. حتي الحصول علي الأراضي فبعد تسجيلها تجد عدة جهات تتنازع ملكيتها. وأضاف: الخوف في الوقت الحالي أن تلجأ الشركات الاستثمارية العقارية الإماراتية لتصفية حجم استثماراثها الخارجية خاصة في مصر والتي تحتل فيها المركز الثالث عربيا بعد السعودية والكويت. وتساءل د.علي شاكر رئيس هيئة التمويل العقاري سابقا كيف تدير حكومة دبي هذة الأزمة بتلك السذاجة وعدم الاحترافية؟! فكيف تعلن عن حجم الديون المستحقة البالغة 60 مليار دولار دون وجود غطاء فبمجرد هذا الإعلان فلم يتأثر فقط الاقتصاد الوطني المحلي، بل تأثرت جميع الأسواق الأوروبية والخليجية ويكفي أن البورصة المصرية انخفضت بنسبة 8.7٪ برغم أن صلتنا بهذه السوق ضعيفة.. وهذا دليل علي أن الإصلاحات التي قمنا بها مؤخرا مازالت لم تؤتِ ثمارها.. وكلها إصلاحات شكلية. وقال إن ما حدث في دبي يكشف عن أن النظام المالي العالمي تسيطر عليه أيد خفية علي حساب صغار المستثمرين.وتوقع عبده عبد الهادي خبير أسواق المال أن تصبح تأثيرات الأزمة مؤقتة رغم أنها أربكت المتعاملين من العرب والأجانب، حيث أفرزت موجة بيع عشوائية تفوق خسائرها أسواق الإمارات نفسها، وأضاف: إن مصر ليس لها أموال ببنوك الإمارات علي عكس اقتصاديات أمريكا وأوروبا وخاصة بريطانيا التي ترتبط بتلك العاملة بالإمارات. وأوضح عبده أنه بالرغم من أن الأزمة أدت إلي تعليق الإمارة الاستثمارات في مصر إلا أنه بالنظر إلي المدي المتوسط نجد أن مصر ستستفيد من الأزمة بالرغم من قيام شركة دبي القابضة بتجميد أكبر مشروعاتها الخارجية والذي كانت تنوي إقامته بمنطقة الساحل الشمالي علي مساحة 100 مليون متر مربع بتكلفة استثمارية تقدر ب 60 مليار جنيه في الوقت الذي ألغت فيه شركة إعمار مصر توسعاتها مكتفية بمشروعين هما المقطم في القاهرة والمراسي في الساحل الشمالي ولكن كل ذلك سيتم بشكل مؤقت، وقال إن الأسهم الكبري كانت الأكثر تضررا نتيجة ارتباطها التقليدي بحركة أسواق المال العالمية خاصة الأمريكية والأوروبية والتي ستتأثر حتما بأزمة دبي حيث قاد هذه الخسائر أسهم أوراسكوم تيلكوم وأوراسكوم للإنشاء والصناعة والبنك التجاري الذي يشارك بقوة في معظم البنوك الأجنبية وأشار إلي أنه برغم الهبوط الكبير للسوق إلا أن الأفراد سجلوا تعاملات متميزة منفردين بالشراء في محاولة لاقتناص فرص هبوط الأسعار إلي مستويات متدنية.