لعل أحقر ما فى الجدل الصاخب والعبثى الذى شهدته مصر طوال الأيام الماضية حول النقاب واللانقاب هو ذلك الموقف الانتهازى الذى اتخذه بعض منتحلى الليبرالية أو الليبراليين على طريقة (ساعة لقلبك )! وفى حين تستطيع أن تفهم دوافع المتطرفين فكريا الذين يدافعون عن النقاب باعتباره معبرا عن صحيح الدين من وجهة نظرهم أو من وجهة نظر مصالحهم السياسية، فإنك لايمكن أن تحترم أبدا موقف بعض الكتاب أو الصحف أو رؤساء التحرير الذين لايخجلون من تناول الغداء على موائد الإخوان المسلمين ثم اللهاث للحاق بالعشاء على موائد الليبراليين ولا مانع من اللحاق بالفطور على مائدة بعض مسئولى الدولة إذا سمحوا! يجلس الواحد من هؤلاء ليقول لك أنا ليبرالى! بل أنا ليبرالى جدا ثم (أنا الليبرالى الوحيد فى مصر)! وعندما يحم القضاء ويحتكم الأمر ويصبح الناس فى حاجة إلى كلمة سواء ترشدهم فى المعركة العبثية والتافهة والخطيرة أيضا تجده يجمع بقايا مائدة الإخوان على بقايا مائدة الليبراليين ليصنع منها (ساندوتش) يسد جوعه لحين موعد المائدة القادمة ويقول لك أنا أدافع عن النقاب لأنه حرية شخصية! ولأنه يتسق مع حرية الملبس! وهو كلام يمكن أن تنهمك فى الرد عليه لولا أنك تعرف أنه هو الانتهازية بعينها وأنه مجرد لغو لا يراد به سوى كسب الوقت وتضييعه حتى يرى صاحبه من سيدفع أكثر الليبرالى أم المتطرف وعلى من سيرسو المزاد! أفراد الطابور الخامس الذين ينتسبون لليبرالية طمعا فى عطية أو منحة من هنا أو هناك يقول لك أحدهم متظارفا أن النقاب حرية شخصية! نعم ومن قال إن ارتداء النقاب ليس حرية شخصية تماما كما أن ارتداء الشورت وثياب النوم وثياب البحر حرية شخصية، لكن من قال أن الذهاب إلى أماكن العمل والدراسة بثياب البحر حرية شخصية؟ ومن قال إن اتخاذ قرار تنظيمى بعدم السماح للطالبات بدخول المعاهد الأزهرية للفتيات أو مدن الطالبات الجامعية ووجوههن مغطاة بالسواد انتقاص من الحرية الشخصية، ولو كانت الحرية الشخصية مطلقة فلماذا لاتدافع الجرائد التى تكتب على طريقة ساعة لقلبك عن حرية البعض فى الذهاب للجامعات بثياب البحر ولماذا لايسمح رؤساء تحرير بعض هذه الجرائد الإخوانية صباحا والليبرالية مساء بذهاب المحررين إليها بالجلباب؟ لقد بلغ البعض فى مجال الصحافة الحد الأدنى من الانتهازية السياسية والفكرية للدرجة التى تجعله عاريا أمام الجميع، بينما هو الوحيد الذى يتخيل أن ملابسه الوهمية تعجب الناس، وبدلا من أن كان البعض يطنطن بأنه يعبر عن أفكار الإخوان لأسباب غير نفعية وأبعد ما تكون عن أن الإخوان يمولون جريدته وجدنا الأمور تنحدر إلى الأسوأ وأصبحت هذه الجرائد تتبنى أفكار التيارات الأكثر تخلفا داخل الإخوان، والمعنى أن هناك متوالية من التراجع المهين والذى يصل إلى حد الخيانة لكل ما هو مصرى سواء من رموز الإسلام السياسى فى مصر أو من رموز الانتهازية السياسية الذين يبالغون فى تدنيهم فيعبرون عن أحط الاتجاهات فى هذا التيار بدلا من أن يعبروا عن التيارات الأكثر ليبرالية أو حضارية ولو من باب ذر الرماد فى العيون، ولعلى لا أبالغ إذا قلت أن المعركة الأخيرة على ضحالتها كانت كاشفة لنوع من العهر الفكرى والثقافى أصاب بعض المدعين والمنتسبين كذبا للصحافة ولليبرالية وللتعاطف مع الإسلاميين وهم كاذبون فى كل هذه الصفات، هذا العهر الذى يقتضى من صاحبه أن يرتدى قميص نوم ليبراليا إذا كان (الزبون) ليبراليا وأن يرتدى النقاب إذا كان اليوم هو يوم النوم مع المتطرفين!