من يتصور أن المصادمات الدامية التى وقعت بين حماس والجماعة السلفية الجهادية "جند أنصار الله" ستمر على خير، فهو خاطئ، وما الأجواء التى تمر بها غزة الآن إلا مجرد هدوء يسبق عاصفة ستحول القطاع إلى أفغانستان أو صومال جديدة، وهذه الاحتمالات غير المستبعدة بالطبع تمس الأمن القومى المصرى، ولذلك كان من الضرورى أن نواجه هذا الخطر، خاصة لو علمنا تفاصيل خريطة الجماعات السلفية فى غزة، والغريب أن أغلبها فى جنوب رفح بالمنطقة المتاخمة للحدود مع مصر! الملاحظ أنه لم يسمع أحد صوتا لهذه الجماعات المتشددة خلال الاحتلال الإسرائيلى للقطاع، فلم يشاركوا فى أعمال المقاومة، فعلى سبيل المثال لم يعرف أحد فى غزة هذا الشيخ السلفى الجهادى، موسى عبداللطيف الذى اقتحم الشاشات العربية والدولية من فوق منبر مسجد ابن تيمية بجنوب رفح قبل أن تفجر قوات حماس منزله ليعلن عن إمارته الإسلامية التى لم تدم سوى عدة ساعات، لم يرفع صوته فى وجه الاحتلال قبل ذلك، وخرج من كنف حماس، حيث كان أحد كوادرها فى فترة طويلة من حياته !.. وكانت هناك مناورات بين جماعته وبين حركة حماس منذ الانقلاب وحتى الآن، حيث تركت حماس الحبل لهذه الحركات على الغارب حتى تعززت قوتها ولا ينقصها سوى بعض الوقت والأسلحة والمساعدات الخارجية التى حصلت عليها حماس من قبل حتى تصبح قوة فعلية، وتتبلور طبائع الوضع الأفغانى والصومالى فى القطاع بالفعل! ولمن لا يعرف فإن عناصر من هؤلاء السلفيين هم الذين قاموا باختطاف الجندى الأسير "جلعاد شاليط" فى وقت شهر العسل مع حماس، ولذلك كان التعاون وثيقا بينهما حتى تنافرت المصالح، وأصبح الفرقاء أعداء، وأتذكر أننا أثناء إجراء حوار مطول مع السفير السابق بفلسطين فى روز اليوسف منذ قرابة العامين كان أن حذرنا من العديد من القوى الإسلامية التى تنشط فى القطاع من السلفية وحتى السلفية الجهادية وإلى الشيعة وتحذيرات المحللين لا تخرج عن إطار تكرار النموذج الصومالى والأفغانى عندما تصارع الإسلاميون فيما بينهم حتى الموت وتناسوا العدو، لكن هناك من أشار إلى إمكانية تكرار أيضا نموذج القاعدة فى العراق حينما راعتها العشائر السنية اعتراضا على نظام الحكم هناك، حيث هرب الرافضون لنظام حماس فى غزة ومنهم فتحاوية إلى "عبد اللطيف" الشيخ الذى اشتهر بانتقاد حماس واستوطنوا مسجده ابن تيمية حتى تضخمت ذاته ودعا للإمارة الإسلامية فى بيت المقدس انطلاقا من غزة، وبالتالى كان منطقيا أن يحارب "حماس" قبل إسرائيل، فى غباء متبادل من حماس ومن أتباع عبداللطيف أصله غياب الشرعية. والخطر كل الخطر من تداعيات ذلك على مصر خاصة أن هناك أنباء حول سقوط 11 دانة خلال مواجهات حماس والجماعة السلفية الجهادية التى راح فيها عشرات القتلى ومئات المصابين! الأغرب من ذلك أن »حماس« التكفيرية التى مثلت بجثث الفتحاوية فى شوارع غزة، اشتكت من وصايا عبداللطيف التكفيرية ضدهم وانتقاده الجارح للحركة وفق وصفهم، فاضطرت لمواجهته عسكريا لأنه متعنت ومتعال ورافض للحوار كما يدعون!.. وبالطبع تحاول قيادات حماس خلال الأيام الأخيرة أن تضعف من أثر هذه الصدمة الفكرية والسيادية التى تعرضت لها، رغم أنها استغلتها لتستعرض مدى دموية ردها على أية محاولة للتمرد عليها كما فعلت مع فتح قبل عامين لكن الرسالة وصلت للبعض بالعكس، حيث فهمها متابعون على أنها تعكس مدى خوف حماس الذى يدفعها للدموية حتى إنها فجرت مسجدا لتتخلص من عدوها الفكرى، فلا أحد يعيش فى غزة أو يراقب أوضاعها ولا يعرف أن هناك منافسة وتحديات بين حماس الإخوانية وهذه التنظيمات السلفية والجهادية مهما كان صغرها، ومهما كانت تعمل تحت سطوة الحركة الإسلامية التى أصبحت لا تستطيع السيطرة عليهم خاصة أنها حاولت القبض على بعض قيادات هذه الجماعات لكنها فشلت لتهديدهم بالتصعيد العسكرى والقيام بعمليات انتحارية ضد سلطة حماس! ولا يعنى بذلك قمع حماس لجنون القتيل عبد اللطيف أو أبو النور المقدسى أن جنده انتهوا وأن أيديولوجيتهم اختفت، فبقايا الجماعة هددوا بالانتقام كما أشرنا من وسط أطلال مسجدهم، والأكثر تعقيدا أن هناك جماعة سلفية أعلن عنها اسمها "سيوف الحق" وتبدو أكثر تطرفا، وهناك أيضا جماعة "جلجلة" التى تهدد بعمليات واسعة والانضمام للقاعدة، أى أن هناك تطوراً ملحوظا فى هذا الإطار المتشدد الذى كان يقف عند حد حرق كافيه إنترنت أو محل فيديو أو حتى كنيسة، امتد الآن حتى طلبنة المجتمع الغزاوى برعاية حماس وبالقوة. والمثير للسخرية أن البعض يتساءل هل تنظر حماس للأمور بشكل صحيح بعد أن ذاقت التطرف وتقدم ما أسمته بالتنازلات للوصول لحل نهائى مع فتح فى الحوار المتعطل الآن دون سبب واضح؟ .. وبالفعل هذا شبه مستحيل، فلن تترك حماس السلطة مادامت وصلت لها.. فهذا هو الفكر الإخوانى الأسود والمشهد المصرى غير بعيد عن هذه الأحداث فى غزة بكل أبعاده، فحتى القائد السلفى الذى قتل شر قتلة، فهو خريج كلية الطب جامعة الإسكندرية وكان يواظب على حضور دروس العديد من الشيوخ منهم سعيد عبد العظيم ومحمد إسماعيل المقدم وأحمد فريد وأحمد إبراهيم، ويقال عنه أنه تأثر بالمجتمع السلفى فى الإسكندرية حتى إنه تأثر بالتوتر بين السلفيين والإخوان فى الإسكندرية، حتى إن علاقته كانت سيئة بحماس طوال الوقت، ويرى البعض أن الدموية التى تعاملت بها حماس مع الموقف كانت لتأكيد أنها لن تسمح بإثارة المشاكل فى غزة، لأنها تدرك أن المصريين لا يريدون أى توتر فيها، فى محاولة للتقرب من القاهرة.. وكانت بعض التقارير الإعلامية قد أشارت أن "عبداللطيف" يأوى أحد المطلوبين فى القاهرة وهو "أبوعبدالله المهاجر" سورى الأصل الذى ينتمى لتنظيم الجهاد العالمى والذى حاولت حماس إلقاء القبض عليه دون فائدة بسبب المظاهر العسكرية التى تبديها هذه الجماعات فى شوارع غزة ضد قوات حماس حتى وقعت الواقعة على جانب آخر كان الإسرائيليون يترقبون الموقف، ومن ناحيته قال المحلل الإسرائيلى يورام كوهين نائب رئيس الشاباك سابقا أن هذه الجماعات السلفية لا ترتبط بشكل مباشر بالقاعدة لكن قوتها تتزايد بمرور الوقت، وهى أميل للاستقلال عن سلطة حماس، وقد تشكل خطرا قريبا عليها بل وعلى المصالح الإسرائيلية والغربية فى المنطقة، ومعروف أن أشهر هذه الجماعات هى جيش الإسلام الذى يقوده الزعيم العشائرى القوى ممتاز دغمش ، وفتح الإسلام بقيادة سليمان أبولافى و رفيق أبو عكر ، جيش الأمة بقيادة إسماعيل حامد ، وكان قد انشق هؤلاء القادة المحليون عن جماعات إسلامية أخرى رافضة للسلام، مثل حماس والجهاد معتبرينها غير عنيفة بما فيه الكفاية، وهناك أيضا جماعات أخرى مثل جيش الله و التكفير و عرين الأسد للمجاهدين المقاتلين و قصف الرعد ويفيد هذا القيادى الأمنى الإسرائيلى أن قوام كل جماعة من هؤلاء يتعدى عدة عشرات من الأشخاص المسلحين وأحيانا يكون بينهم أجانب، ويدعى أن منهم مصريين، وتحاول كل جماعة رغم ضعف إمكانياتها القيام بعمليات عنيفة كبيرة لجذب الشباب لها والحصول على تمويلات من الخارج!.. فعلى سبيل المثال خطط جيش الإسلام و فتح الإسلام معا لمهاجمة تونى بلير مبعوث اللجنة الرباعية الدولية، أثناء زيارته الأخيرة للقطاع، لكن إسرائيل علمت بالخطة فحذرت بلير!.. وأشار إلى هجمات هؤلاء السلفيين على مؤسسات مسيحية وغربية فى غزة منها اختطاف مراسل ال بى بى سى آلان جونستون عام 2006 وتفجير مكتبة الشباب المسيحيين، فى المقابل نفت القيادات السلفية الأنباء التى ترددت حول أن بينهم أجانب. ومن الواضح أن أغلب هذه الجماعات السلفية أصبحت تعادى »حماس« فحتى »جيش الإسلام« اللذين تعاونا معا لخطف شاليط وقعت اشتباكات مسلحة بينهما منذ عدة شهور قليلة فيما لا تقف حماس فى وجه أخرين مثل »سيوف الحق« الذين يقولون أنهم يحاربون الفساد والرذيلة ويضربون الفتيات المتبرجات، وحاولت جلجلة أن تغتال الرئيس الأمريكى جيمى كارتر خلال زيارته الأخيرة لغزة، ويقول قادتها أن أفكارهم مثل القاعدة!.. ويترقبون مبايعة من بن لادن حتى يكونوا فرعا له فى القطاع كما يقولون!.. والأخطر أنهم يعملون على تجميع الجماعات السلفية الجهادية فى جماعة واحدة قوية! ويصل تطرف هذه الجماعات إلى تفجير القبور بما فيها على اعتبار أنها غير شرعية،وهناك جماعات إسلامية قديمة فى غزة مثل »التبليغ والدعوة« التى وصلتها فى نهاية السبعينيات، لكنها لا تتدخل فى السياسة وعلاقتها جيدة بكل الفصائل، ولهذا فصلنا خريطة الجماعات السلفية والسلفية الجهادية فى غزة التى تعززت قوتها خلال العامين الماضيين فى محاولة لتقدير الخطر الذى يقف على بعد أمتار من الحدود المصرية مع القطاع، خاصة أن مسجد ابن تيمية الذى تم تفجيره منذ أيام كان يبعد002 متر فقط من حدودنا فهل تنجو غزة من هذا السيناريو الأسود؟.. نأمل