تأتي زيارة الرئيس محمد حسني مبارك إلي الولاياتالمتحدة في ظروف مواتية يمكن أن تفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الدولتين منذ قيام ثورة يوليو التي انتصرت ومصر خاضعة للاستعمار والاحتلال البريطاني. وكان من أهداف ثورة يوليو التحرر من الاستعمار وتكوين جيش وطني قومي.. ووجدت أنه يمكن تحقيق ذلك عن طريق التعاون مع الولاياتالمتحدة التي لم تكن مصنفة من دول الاستعمار القديم الذي استعمر بعض دول من آسيا وأفريقيا وحولها إلي مستعمرات تسيطر علي شعوبها وتستغل خيرات أرضها.. وبادرت الثورة بإرسال عدة وفود إلي واشنطن في محاولة للحصول علي أسلحة للقوات المسلحة التي كان تسليحها خاضعا تماما لنفوذ وإرادة الاستعمار البريطاني. سافر إلي واشنطن اللواء محمد إبراهيم رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقائد الجناح علي صبري الذي كان يعمل ضابط مخابرات في سلاح الطيران وكلفته الثورة عند قيامها بطمئنة السفارة الأمريكية بأنه ليست هناك نية لاعتداء الثورة علي الأجانب، وكما سافرت الدفعة 31 من خريجي كلية أركان الحرب التي كنت عضوا فيها وتخرجت عام .3591 وكان أحد أهم أهداف هذه الزيارات محاولة الحصول علي أسلحة للقوات المسلحة.. ولكن لم يتحقق هذا الهدف نتيجة مساندة الولاياتالمتحدة لإسرائيل، والتخوف من تقوية الجيش المصري. أذكر خلال زيارة دفعتنا في كلية أركان الحرب إلي واشنطن عام 3591 أن برنامج اليوم الأول كان يتضمن عرضا موسيقيا للقوات الأمريكية في أحد الملاعب الرياضية، الأمر الذي أثار ضيق أبناء الدفعة الذين كانوا يتطلعون إلي مشاهدة تقدم أمريكي في العلوم العسكرية.. وبادر القادة الأمريكيون بتغيير برنامج الزيارة بعد أن أبلغنا غضبنا للسفير أحمد حسين والملحق العسكري عبدالحميد غالب، وقمنا بزيارة إلي البنتاجون مقر القيادة العسكرية الأمريكية حيث دارت حوارات مفيدة. واستمرت العلاقات طيبة مع الولاياتالمتحدة التي قدمت عرضا بتمويل السد العالي في مرحلته الأولي ثم تراجعت عنه بعد حصول مصر علي صفقة الأسلحة التشيكية من الاتحاد السوفيتي بعد مؤتمر باندونج الذي عقد في إبريل .5591 وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي في أكتوبر 6591 بعد تأميم قناة السويس، وقف الرئيس الأمريكي إيزنهاور ضد العدوان؛ لأن أمريكا كانت تتطلع إلي زيادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط بعد انحسار قوة الاستعمار البريطاني من جهة، ولأن دول العدوان الثلاثي لم تنسق هجومها مع أمريكا ولم تأخذ موافقتها المسبقة من جهة أخري. وبعد أن تشكلت حركة عدم الانحياز في بداية الستينيات بجهد مشترك من الزعماء جوزيف بروز تيتو، وجواهر لال نهرو، وجمال عبدالناصر دخلت العلاقات في مسار جديد أدي إلي تقديم أمريكا مساعدة عسكرية لثورة الإمام البدر المضادة لثورة الشعب اليمني عام 2691 وذلك في بعثة كومر التي عبرت للأراضي السعودية ثم تدبير عدوان 5 يونيو 7691 علي مصر بتعاون مشترك بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية. ومع ذلك لم تنقطع العلاقات تماما بين الدولتين.. فقد بادر وليم روجرز وزير الخارجية الأمريكي عام 0791 بتقديم مبادرته التي عرفت باسم مبادرة روجرز لوقف حرب الاستنزاف التي بدأت مباشرة بعد هزيمة يونيو 7691 واستمرت ثلاث سنوات وشهرين كانت إسرائيل تتكبد فيها خسائر شبه يومية.. ودخلت مبادرة روجرز حيز التنفيذ يوم 8 أغسطس في هدنة استمرت ثلاثة شهور.. وكانت هذه الهدنة الأولي بين العرب والإسرائيليين منذ عام .9491 شاء القدر أن ينتقل جمال عبدالناصر خلالها إلي رحاب الله يوم 82 سبتمبر .0791 وبعد رحيل عبدالناصر، وانتهاء فترة هدنة روجرز الأولي التي كان مقرراً أن تنتهي في نوفمبر 0791،ئ؟ دخلت العلاقات المصرية الأمريكية في مسار جديد لعبت فيه الإدارة الأمريكية دورا بارزا انتهي بإقرار المعاهدة المصرية الإسرائيلية عام 9791 ،ئ؟ بعد التوقيع علي اتفاقيات كامب دافيد عام 8791،ئ؟ التي أعقبت زيارة الرئيس أنور السادات للكنيست. ويمكن القول بأنه قد بدأت مرحلة جديدة في العلاقات المصرية الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الاشتراكي.. ولكنها تأثرت بسياسات الرئيس جورج بوش العدوانية التي بدأت مع القرن الواحد والعشرين وغزو واحتلال العراق وأفغانستان. ولكن انتهاء فترة رئاسة بوش، وانتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، وزيارته لمصر ومخاطبته للعالمين العربي والإسلامي من القاهرة في أول زيارة له إلي المنطقة يعتبر تغييرا جذريا في السياسة الأمريكية يحتاج إلي مرونة وواقعية في التعامل بين واشنطنوالقاهرة. ولذا تعتبر زيارة الرئيس محمد حسني مبارك إلي واشنطن يوم 81 أغسطس فرصة لتسجيل صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الشعبين والدولتين.