البورصة تحقق مكاسب سوقية 4 مليارات جنيه قبل اجتماع البنك المركزي اليوم    محافظ القليوبية يضبط 4 سيارات نقل تلقي مخلفات بناء في أرض زراعية    «عاشور» يشارك في المنتدى العالمي للتعليم بلندن بحضور 122 من وزراء الدول    لا رادع لجرائم الإسرائيليين.. «القاهرة الإخبارية» تكشف الوضع المأساوي في غزة    حزب العدل يشيد بموقف إسبانيا والنرويج وأيرلندا حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية    هيئة البث الإسرائيلية: حكومة الحرب ستدعم مقترحا جديدا لمفاوضات غزة    السبت.. بدء أعمال تقدير درجات الشهادة الإعدادية ببني سويف    «حياة كريمة» تطلق قوافل طبية مجانية في الشرقية والمنيا    «صحة المنيا»: تقديم الخدمات العلاجية ل7 آلاف مواطن خلال شهر    تخرج الدفعة العاشرة من طلاب برنامج التصميم الجرافيكي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة    الداخلية تُحرّر 170 مخالفة للمحال المخالفة لترشيد استهلاك الكهرباء    تمريض القناة تنظم مؤتمرا حول "القبالة والصحة النفسية للمرأة" (صور)    موعد ورابط الاستعلام عن نتيجة الصف السادس الابتدائي بالقاهرة والجيزة    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع تكتيكي بجنود بالذخيرة الحية    نعش الرئيس الإيرانى يصل مدينة مشهد مسقط رأسه تمهيدا لدفنه    إصابة طفلين فلسطينيين برصاص الاحتلال شرق مدينة قلقيلية    "العدل الدولية" تصدر غدا حكمها بشأن تدابير الطوارئ في قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل    إسرائيل تقر بمواجهتها تحديات في رفح    إعلام عبري: العدل الدولية تستعد لإصدار أمر بوقف الحرب في غزة    "5 أساطير سبقوه".. هل يسير صلاح على نهجهم وينضم للمنتخب الأولمبي؟    حسن مصطفى: الفوارق واضحة بين الأهلي والترجي التونسي    الثانية للفريقين هذا الموسم.. أمين عمر حكما لمواجهة الزمالك ضد مودرن فيوتشر    صباح الكورة.. صدمة في الزمالك ودور ممدوح عباس في الأزمة الكبرى.. لبيب يكشف موقفه من ضم حجازي والشناوي يتدخل لحل أزمة نجم الأهلي وحسام حسن    تريزيجيه: أنشيلوتي خطط للتعاقد معي.. وهذا موقفي من اللعب ل الزمالك    عضو مجلس الزمالك: نعمل على حل أزمة بوطيب قبل انتقالات الصيف    في الجول يكشف تفاصيل إصابة عبد المنعم وهاني بتدريبات الأهلي قبل مواجهة الترجي    وفاة عصام ابو ريدة شقيق رئيس اتحاد الكرة السابق    وزير الري يلتقي مدير عام اليونسكو على هامش فعاليات المنتدى العالمي العاشر للمياه    جهود حملات قطاع الأمن الاقتصادي بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة    تعليم القاهرة تعلن تفاصيل التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الأبتدائي للعام الدراسي المقبل    تعرض طالبة الإغماء خلال إمتحانات الإعدادية بالفيوم    ضبط عنصر شديد الخطورة بحوزته 80 بندقية خرطوش بقصد الإتجار    اتفاق بين مصر وألمانيا لتمويل البرنامج الوطني للمخلفات الصلبة ب80 مليون يورو    "مظهر غير لائق".. يدخل أحمد الفيشاوي تريند "إكس"    مسلسل البيت بيتي 2.. هل تشير نهاية الحلقات لتحضير جزء ثالث؟    مسلسل دواعي السفر يتصدر قائمة الأعلى مشاهدة على منصة WATCH IT    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    أسعار البقوليات اليوم الخميس 23-5-2024 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    رئيس جهاز تنمية المشروعات يستقبل وفد «الجايكا» اليابانية    "شوف جمال بلدك".. النقل تعلن تركيب قضبان الخط الأول للقطار السريع - فيديو    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيي طابا وسانت كاترين يجنوب سيناء طبقا للمعايير القومية المعترف بها دوليا    رئيس جامعة المنيا يفتتح مهرجان حصاد «نوعية» في نسخته الأولى    رئيس منطقة الشرقية الأزهرية يتابع استعدادات بدء أعمال تصحيح امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية    ضبط فني أشعة انتحل صفة طبيب وأدار مركزًا ببني سويف    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزيرة الاقتصاد والتخطيط التونسية    أول تعليق من دانا حمدان على حادث شقيقتها مي سليم.. ماذا قالت؟    الجريدة الرسمية تنشر قرارين جمهوريين للرئيس السيسي (تفاصيل)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    فضل الأعمال التي تعادل ثواب الحج والعمرة في الإسلام    الأرصاد: انخفاض مؤقت في درجات الحرارة يومي الجمعة والسبت    توريد 211 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة حتى الآن    مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة يختتم فعالياته بحضور رئيسته الشرفية إلهام شاهين    ل برج الجوزاء والميزان والدلو.. مفارقة كوكبية تؤثر على حظ الأبراج الهوائية في هذا التوقيت    أحمد العوضي ب «لوك جديد» في احدث ظهور له..ويوجه رسالة (صورة)    أمين الفتوى ينفعل على زوج يحب سيدة متزوجة: ارتكب أكثر من ذنب    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.محمد عبدالقادر حاتم يكتب: الإعلام والثقافة.. وثورة يوليو

مر الرأى العام المصرى بتجارب عنيفة منذ مطلع العصر الحديث، حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، وظل يبحث عن المبادئ التى تحقق له حريته واستقلاله، وإنهاء الاحتلال البريطانى.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 اتخذت لنفسها مبادئ قبلها الشعب، لأنها عبرت عن اتجاهاته، لذلك كان اقتناع الشعب بسلامة المبادئ يعنى اقتناعه بأن نظام الحكم الجديد لا يخدعه مثل نظم الحكم السابقة.
ومنذ 23 يوليو 1952 حتى أكتوبر 1956 كان اقتناع الشعب المصرى بنظام الحكم يزداد رسوخاً.
وبين 26 يوليو و29 أكتوبر 1956 أصبح الرأى العام المصرى فى قمة تأييده لنظام الحكم عن اقتناع لم يسبق له مثيل.
وعندما بدأنا نمارس عملنا الإعلامى، كان الرأى العام مهيأ لخوض المعركة، ولم نكن فى حاجة إلى إقناعه بحقه فى الحياة، بل كان علينا أن تقدم له دائماً المواد الإعلامية التى تزيده إصراراً على هذا الحق.
لقد عبر الشعب مرحلة الاقتناع إلى مرحلة الإصرار، وتحقق المبدأ الأساسى الذى يجب أن يلتفت إليه رجل الإعلام فى مثل هذه الظروف التى خضنا المعركة داخل إطارها.
هذا المبدأ الأساسى هو الاقتناع.
لقد بدأنا نشرح للشعب العربى حقيقة الصهيونية وكان لها 880 جريدة فى العالم وأصدرنا مجموعات من الكتب المبسطة لها التى كشفت القناع عن هذه الحركة لأول مرة أمام أعين الشعب العربى بطريقة علمية.
وبدأت الصحافة والإذاعة تسيران فى نفس الخط وانتشرت فى العالم العربى كله حقائق كانت مجهولة عن الحركة الصهيونية.
ومازلت أذكر أننا أجرينا حصراً للصحافة الصهيونية فى العالم فى ذلك الوقت فوجدناها تمتد فوق القارات الخمس، وبمختلف لغات العالم وكانت الحركة الصهيونية تملك أكثر من خمسمائة جريدة ومجلة أو تسيطر عليها، إلى جانب محطات الإذاعة والتليفزيون وشركات السينما.
وكان من الواضح فى عام 1956 أن إسرائيل دبرت عدوانها على مصر بعد الاتفاق مع بريطانيا وفرنسا اللتين لم تلبثا أن تدخلتا تدخلاً عسكرياً سريعاً كان مدبراً من قبل للانقضاض على مصر.
وكانت بريطانيا تهدف من ذلك إلى القضاء على الثورة المصرية التى ألهبت العالم العربى كله وجعلته يثور على الاستعمار البريطانى ويهدد مصالحه.
وكانت فرنسا فى ذلك الوقت تحاول القضاء على ثورة الجزائر وأدركت أن ثورة مصر هى المنبع لثورة الجزائر وهى السند لها، فأرادت أن تحطم ثورة مصر حتى يسهل عليها تحطيم ثورة الجزائر.
إذا كان الإعلام فى الظروف العادية يحتاج إلى يقظة بالغة فى معالجة المشكلات، ومواجهة الصعوبات فإنه فى حرب السويس كان أكثر يقظة، لأن خطأ واحداً كان كفيلاً بأن يحطم خطة إعلامية كاملة.
وقد قام المخطط الإعلامى الذى أعددناه على أسس ودعائم لا خلاف عليها، وهى:
أولاً: الحرص على صلابة الجبهة الداخلية.
ثانياً: محاولة تحطيم نفسية العدو.
ثالثاً: كسب الرأى العام العالمى ومداومة الاتصال به فى كل مناسبة.
وحتى يمكن تنفيذ هذا المخطط بدقة وكفاءة يجب أن تكون أجهزة الإعلام المنفذة فى غاية الكفاءة والمقدرة خاصة فيما يتعلق بالتوقيت.
إن التوقيت فى العمل الإعلامى أثمن من كل شىء وهو لا يقل أهمية عن توقيت المعارك العسكرية ومسايرة خططها أثناء التنفيذ بالتعديل أو التغيير أو الاستمرار وفق ظروف المعركة.
لذلك فإن الإعلام يسير وفق خطط محددة على النحو التالى:
أولاً: خطط طويلة المدى.
ثانياً: خطط قصيرة المدى.
ثالثاً: خطط وقتية ولحظية.
ولم تكن هناك عمليات إثارة فى الصحافة المصرية، بل إنها سلكت طريق سرد الحقائق المجردة مع تبريرها تبريراً منطقياً واقعياً، فعندما انسحبت القوات المصرية من سيناء وبدأت ملامح الغزو لبورسعيد تتضح لم تخف الصحف هذا النبأ الخطير، بل إنها نشرته وحللت عمليات الانسحاب وشبهتها بعملية «دنكرك» الشهيرة فى الحرب العالمية الثانية.
وقد قدمنا للصحافة كل التسهيلات التى تمكنها من أداء رسالتها على الوجه الأكمل، ولم تكن فى حاجة إلى توجيهات متكررة أو إصدار تعليمات أو حتى فرض رقابة صارمة عليها، بل على العكس من ذلك تحقق الانسجام والتآلف بين جهاز الإعلام المصرى وصحافة مصر التى أصبحت فى لحظة واحدة خلية مخلصة وفية لمبادئ الوطن.
ولقد وضعنا كل الأخبار والصور تحت يد الصحافة، بل إننا وضعنا جبهة القتال نفسها تحت أنظار الصحفيين الذين مارسوا عملهم فى بورسعيد والسويس والإسماعيلية.
ولم يكن كل جهدنا منصرفاً إلى الصحافة المصرية، بل إننا وجهنا جهداً أكبر نحو الصحافة العربية والصحافة الأجنبية، وكان مراسلو الصحافة العربية والأجنبية على صلة دائمة بجهاز الإعلام المصرى، وقد وجدوا فيه السند الأول فى عملهم الصحفى أو فى أعمالهم المتصلة بالصحافة كالإذاعة والتليفزيون والسينما.
وبينما كان العدو يكذب ويشوه الحقائق، كان جهاز الإعلام المصرى يقدم الأخبار الصادقة والصور الفوتوغرافية للصحافة العالمية لتقف على حقيقة العدوان.
وقد لعبت الإذاعة دوراً كبيراً فى المعركة. فبالنظر إلى أن صوت الإنسان يكسب الحجة حياة ويقوى العقيدة ويزيد من حماس الجماهير ويقنعها بالحجة والمنطق، فقد لعبت الإذاعة دوراً مهماً فى المعركة. وبالنظر إلى أن سرعة الرد على الأعداء، وتلهف الشعب لمعرفة أخبار بلادهم وماذا يجرى فى العالم مسألة مهمة، فقد قامت الإذاعة بدورها وكسبت معركة الثقة.
كما استجاب المؤلفون والملحنون والمغنون سريعاً للأحداث، وتحولت كلمات الكفاح إلى أغنيات حماسية رددتها الجماهير.
وكان أثر هذه الأغنيات والأناشيد عظيماً فى إثارة حماس الناس وجمع شملهم فى العالم العربى كله.
كانت اللغة المناسبة فى الإذاعة المصرية لكل من مصر والبلاد العربية وفى الإذاعات الموجهة إحدى الوسائل المهمة التى استخدمتها أجهزة الإعلام المصرية.
فمثلاً كانت اللغة العربية المبسطة هى التى استخدمت فى مصر بينما استخدمت فى إذاعة صوت العرب اللغة العربية الفصحى، أما الإذاعات الموجهة فقد استخدمت أكثر من 30 لغة أجنبية خصوصاً للبلاد الأفريقية والآسيوية من سواحيلى إلى أوردى... إلخ.
ومع ذلك كانت اللغة التى يخاطب جهاز الإعلام المصرى بها الجماهير سواء فى خارج مصر أو فى داخلها هى لغة واحدة، حيث إننا لم نأخذ إطلاقاً بأسلوب الاستهلاك المحلى والاستهلاك الخارجى.
أذكر أيضاً فى عام 1956 اتبعنا مبدأ إعلامياً هو: «ينتصر الشر إذا تقاعس المصلحون عن العمل».
وكانت هناك جلسة للبرلمان الفرنسى سيتحدث فيها المسيو جى موليه، رئيس الوزراء الفرنسى، عن هذا العدوان على مصر، وأراد جى موليه أن يكسب هذه المعركة البرلمانية بكل الوسائل، وكانت الفكرة التى اتبعها هى أنه قال إن القوات الفرنسية تقدمت من بورسعيد إلى الإسماعيلية وانتصرت انتصاراً باهرا، وهنا تعالت الهتافات بحياة فرنسا وحياة جى موليه، ولكن الخطأ الكبير الذى وقع فيه هو أنه لم يقل الحقيقة، إذ أن الحقيقة هى أن القوات الفرنسية لم تدخل الإسماعيلية، ولكن وكالات الأنباء العالمية سارعت بإرسال نص خطبة جى موليه فى البرلمان الفرنسى، ووصلت أنباء هذه الخطبة لمصر بعد خمس دقائق من إلقائها فى باريس.
وفى مصر قامت مصلحة الاستعلامات المصرية، التى كانت مختصة بالإعلام، بالرد المباشر، وكانت الفكرة التى اتبعتها فكرة الصدق، فقد كان فى مصر فى فندق سميراميس مجموعة من المراسلين الأجانب الفرنسيين والبريطانيين، وحينما وصل نبأ أن جى موليه كذب على البرلمان الفرنسى، نبتت فكرة لدى جهاز الإعلام المصرى، وهى أن تقوم على الفور مجموعة المراسلين الأجانب، ليذهبوا فوراً إلى الإسماعيلية ويروا بأعينهم أن المصريين مازالوا فى المدينة وأن العلم المصرى يرفرف على مبنى شركة قناة السويس العالمية، وفعلاً أعدت مصلحة الاستعلامات عدداً من العربات نقلت هؤلاء المراسلين الأجانب إلى الإسماعيلية، ومن هناك أرسلوا برقياتهم، ومنها برقية مدير الوكالة الفرنسية التى قال فيها: «إن جى موليه كذاب.. كذاب، فقد دخلت الإسماعيلية مع أكثر من مائة صحفى ورأينا جميعاً العلم المصرى يرفرف على مبنى شركة القنال العالمية..».
وإذا نظرنا إلى هذا المثال، من ناحية نظرية الاتصال الإعلامى، فإنه استخدم فكرة صادقة. وهكذا كان الشأن فى معركة الإعلام المصرية عندما واجهت دعايات العدوان الثلاثى عام 1956. كان الوصول إلى الأفكار هو المرحلة الأولى فى التكتيك الإعلامى المصرى.
وقد حدد جهاز الإعلام هدفه تحديداً واضحاً.. وهو العمل المستمر لكسب الرأى العام العالمى.
ولم يكن النظر إلى هذه القواعد جامداً لا يتحرك. بل إننا نظرنا إليها على أنها أسس ودعائم علمية ونتيجة خبرات ودراسات فى فن الإعلام الذى اقترن فى عصرنا بعلوم أساسية منها علم النفس الإعلامى وعلم الاجتماع الإعلامى وهما العلمان الأساسيان فى الدراسة النظرية والعملية فى مجال الإعلام، إلى جانب الدراسات الأخرى التى ترتبط بالتاريخ والجغرافيا السياسية والعلوم السياسية والاقتصادية واللغات والآداب، فضلاً عن الدراسات المتعلقة بوسائل الإعلام.
وكان الاتجاه إلى النظرة العلمية مسيطراً على تفكيرنا، فلم نندفع عاطفياً نحو خيالات لا أساس لها، بينما كانت دعايات العدوان غارقة فى الانفعال الوهمى.
خلاصة القول إنه بالنسبة للإعلام فى مواجهة العدوان الثلاثى، فإننى أعتقد أن العبارة التى قالها بن جوريون عام 1956 «لقد هزمنا الإعلام المصرى».. توضح بجلاء مدى فاعلية الدور الذى قام به الإعلام فى معركة العدوان الثلاثى.
لقد اتبع الإعلام المصرى الأسلوب العلمى فى مخاطبة الرأى العام العالمى بالحرص على تحرى الدقة والصدق فى نشر الحقائق ودحض أكاذيب الدول المعتدية. يكفى أن تعلم أنه كانت هناك إحدى عشرة محطة إذاعة سرية تذيع البرامج والأخبار المليئة بالافتراءات ضد مصر، فكان جهاز الإعلام المصرى يذيع الأكاذيب التى كانت تذكرها تلك المحطات ويكتشف مدى زيفها والحقائق الدامغة عنها.. إلى جانب أن الإذاعة المصرية لم تتوقف عن الإعلان عن تطورات المواقف الحقيقية أولاً بأول.
وأذكر أيضاً أسلوباً إعلامياً لجأنا إليه فى هذه الفترة وهو إصدار مجموعة من المطبوعات باللغات المختلفة تضم وثائق تاريخية عن قناة السويس وكلها تؤكد بالأسانيد القانونية حق مصر الواضح فى ملكية القناة وبالتالى حقها فى التأميم.
ولقد عملنا على التخطيط لتقوية الإذاعة وتطويرها، فتم إنشاء 3 محطات إذاعية جديدة هى إذاعة القرآن الكريم وإذاعة صوت العرب وإذاعة الشرق الأوسط، إلى جانب الإذاعات الموجهة التى كانت لها دور رئيسى فى تأييد حقوق الشعوب العربية والأفريقية فى التحرر من الاستعمار وكشف أساليبه وأطماعه.
كما أنشأنا وكالة أنباء «الشرق الأوسط»، وكانت أول وكالة أنباء وطنية كتعبير عن استقلال إرادتنا، ولكسر الاحتكار الأجنبى فى هذا المجال الإعلامى الحيوى لقضايانا الوطنية.
عن الثقافة والسياحة:
لعل أبرز ما وفقنا الله إلى إنجازه فى مجال الثقافة، كان تحقيق ديمقراطية الثقافة فى مصر.. ذلك أنه عندما قامت ثورة يوليو 1952، كانت المنح الثقافية بمفهومها العصرى مقصورة على فئة قليلة أو شريحة من المجتمع وتتركز فى الوقت نفسه فى القاهرة فى معظمها.. أما القطاعات الواسعة من الجماهير فى مختلف ربوع البلاد فكانت شبه محرومة من ألوان الثقافة المعروفة كالسينما والمسرح والفنون التشكيلية والمكتبات العامة وغيرها.
وكان من أثر ذلك بطبيعة الحال وجود فجوة ثقافية كبيرة بين الذين فى أعلى قمة الهرم الثقافى والذين يعانون أمية ثقافية تكاد تكون كاملة فى القاعدة العريضة.
ومن هنا كان لابد من أن نخطط للعمل الثقافى بمعناه المتكامل بمعنى تحقيق مبدأ الثقافة للجميع من خلال عدة قنوات أو مسارات.. وقطعنا فيها بفضل الله، وبشهادة الجميع، خطوات واسعة، وفى إطار مفهوم حضارى عصرى يليق بمكانة مصر فى مرحلة تاريخية مهمة، تمثل إضافة بارزة لتراثها العريق.
وكان تشريفى بالمسؤولية عن الإعلام والسياحة إلى جانب الثقافة أحد العوامل فى تهيئة التكامل والتنسيق بين الفكر التخطيطى والجهد التنفيذى الذى أثمر كل المشروعات التى لاتزال تقف شاهدة حتى اليوم، تعيش حية نابضة فى عقول وقلوب كل من عاصروها وكل من شاركوا فيها، بكل التفانى والإخلاص من أجل مصر العزيزة، وأنا أذكرهم جميعاً بكل الخير.
ففى أول مرة فى تاريخ مصر تنشأ بيوت ودور للثقافة فى عواصم المحافظات، كمنارات ومراكز إشعاع ترعى المواهب المحلية وتفتح النوافذ أمام الطاقات الفنية الكامنة للتعبير عن إبداعاتها، كما تنطلق منها قوافل الثقافة تحمل الكتاب والفيلم السينمائى والفن المسرحى إلى النجوع والقرى.. ليتحقق التواصل والأخذ والعطاء المتبادل.
وكانت النهضة المسرحية التى كانت فرق التليفزيون المسرحية أكبر رموزها، هى التى أتاحت الفرصة لظهور ونجومية معظم الأسماء المعروفة، التى قدمت العديد من الأعمال فى مختلف فنون المسرح خاصة الفنون الشعبية، ورائدتها فرقة رضا، ولاتزال تجتذب اهتمامات الجماهير وإعجابهم.
ولا يختلف أحد على أن إنشاء التليفزيون، الذى وصفه النقاد بأنه ولد عملاقاً، حيث راعينا فى التخطيط له أن يغطى مصر كلها، وكان يذيع على ثلاث قنوات قد أسهم أيضاً من خلال البرامج العديدة المتنوعة لمختلف ألوان الثقافة فيما يمكن أن نسميه الإعلام الثقافى الذى يرضى ويلائم مختلف الأذواق والمستويات.
والحقيقة أن هذا الإعلام الثقافى الذى بدأناه فى الداخل قد شرعنا فى تطبيق نفس أسلوبه فى العالم الخارجى من خلال مراكزنا ومكاتبنا الإعلامية وتوسيع مجالات أنشطتها كالمشاركة فى المعارض الدولية والسعى إلى جذب الاهتمام العالمى بتراثنا الحضارى الإنسانى الذى بلغ الذروة فى الحملة الشهيرة لإنقاذ معبد «أبوسمبل»، ثم الإعداد لعرض نماذج من آثارنا الخالدة، وهى فى الحقيقة خطوات كان لها أكبر الأثر فى المكانة الغالية التى احتلتها مصر فى هذه الحقبة، وتجنى ثمارها حتى يومنا هذا.
هذا إلى جانب تشجيع زيارة مختلف الفرق الفنية من جميع بلدان العالم، لتقديم عروضها فى مصر وكذلك عقد المهرجانات الدولية وغيرها من الأنشطة التى دعمت علاقات التبادل الثقافى بين مصر والعالم.
كما كان إصدار المجلات الثقافية باللغات الأجنبية مثل مجلة «سكرايب»، وما كانت تضمه صفحاتها من نماذج لإبداع أدباء مصر وفنانيها ومفكريها عاملاً آخر فى الإعلام الثقافى بجانب المطبوعات الأخرى المتتابعة التى كانت تصدرها أجهزة وزارات الإعلام والثقافة والسياحة.
أما على الصعيد الداخلى، فإن تيسير وصول الكتاب الذى يغطى جميع الاهتمامات الأدبية والفنية والعالمية فى طبعات رخيصة لتكون فى متناول الجميع، يمثل أملاً يتمنى الكثيرون أن يتحقق!!
كانت المطابع تصدر كتاباً كل 6 ساعات.. ولا يتجاوز ثمن الكتاب 3 قروش للطبعة الشعبية و30 قرشاً للسلاسل الثقافية كالقصص الأدبية لكبار المؤلفين وروائع المسرح وغيرها.. ويفخر أبناء الجيل الذى عاصر هذه الملحمة الثقافية بأنه يدين لها بتكوينه الثقافى بفضل الزاد الذى نهلوه من ينابيعها.
فإذا انتقلنا إلى مجال السياحة أو عالم السياحة فإنه تكفى إشارات سريعة لبعض الإنجازات.
■ 45 فندقاً على أرقى وأحدث مستوى عالمى..
■ مرة أخرى 45.. لمن يعرف معنى وعمق لغة الأرقام ومدلولاتها من واقع ما يحدث اليوم...!
■ إعداد وتسيير أول باخرتين سياحيتين فى نيلنا العظيم بين القاهرة وأسوان، وكذلك القوارب السريعة (الهيدروفيل) بين أسوان وأبوسمبل.
■ بدء أول رحلات الطيران العارض «الشارتر» لنقل أفواج السياح بأسعار تنافسية إلى مصر.
■ أول مشروعات التعمير فى الساحل الشمالى (منطقة سيدى عبدالرحمن) وساحل البحر الأحمر (الغردقة) كعنصر جذب سياحى غير تقليدى بالنسبة لهذه الفترة حين كانت السياحة الأثرية هى محور النشاط الوحيد.
■ السماح بالشركات السياحية الأمريكية هيلتون وماريوت.. إلخ للعمل فى مصر.
قلت للرئيس عبدالناصر سأقدم لسيادتكم كنزا كبيرا هو السياحة فقال إنها تقدم فقط 12 مليون جنيه، فقلت له ستكون أكثر من مليار دولار سنوياً، وفعلاً تحقق الكنز الكبير.
وقناة السويس بعد فتحها بواسطة اليابانيين بعد حرب أكتوبر تعطى 4 مليارات دولار سنوياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.