«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.محمد عبدالقادر حاتم يكتب: الإعلام والثقافة.. وثورة يوليو

مر الرأى العام المصرى بتجارب عنيفة منذ مطلع العصر الحديث، حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، وظل يبحث عن المبادئ التى تحقق له حريته واستقلاله، وإنهاء الاحتلال البريطانى.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 اتخذت لنفسها مبادئ قبلها الشعب، لأنها عبرت عن اتجاهاته، لذلك كان اقتناع الشعب بسلامة المبادئ يعنى اقتناعه بأن نظام الحكم الجديد لا يخدعه مثل نظم الحكم السابقة.
ومنذ 23 يوليو 1952 حتى أكتوبر 1956 كان اقتناع الشعب المصرى بنظام الحكم يزداد رسوخاً.
وبين 26 يوليو و29 أكتوبر 1956 أصبح الرأى العام المصرى فى قمة تأييده لنظام الحكم عن اقتناع لم يسبق له مثيل.
وعندما بدأنا نمارس عملنا الإعلامى، كان الرأى العام مهيأ لخوض المعركة، ولم نكن فى حاجة إلى إقناعه بحقه فى الحياة، بل كان علينا أن تقدم له دائماً المواد الإعلامية التى تزيده إصراراً على هذا الحق.
لقد عبر الشعب مرحلة الاقتناع إلى مرحلة الإصرار، وتحقق المبدأ الأساسى الذى يجب أن يلتفت إليه رجل الإعلام فى مثل هذه الظروف التى خضنا المعركة داخل إطارها.
هذا المبدأ الأساسى هو الاقتناع.
لقد بدأنا نشرح للشعب العربى حقيقة الصهيونية وكان لها 880 جريدة فى العالم وأصدرنا مجموعات من الكتب المبسطة لها التى كشفت القناع عن هذه الحركة لأول مرة أمام أعين الشعب العربى بطريقة علمية.
وبدأت الصحافة والإذاعة تسيران فى نفس الخط وانتشرت فى العالم العربى كله حقائق كانت مجهولة عن الحركة الصهيونية.
ومازلت أذكر أننا أجرينا حصراً للصحافة الصهيونية فى العالم فى ذلك الوقت فوجدناها تمتد فوق القارات الخمس، وبمختلف لغات العالم وكانت الحركة الصهيونية تملك أكثر من خمسمائة جريدة ومجلة أو تسيطر عليها، إلى جانب محطات الإذاعة والتليفزيون وشركات السينما.
وكان من الواضح فى عام 1956 أن إسرائيل دبرت عدوانها على مصر بعد الاتفاق مع بريطانيا وفرنسا اللتين لم تلبثا أن تدخلتا تدخلاً عسكرياً سريعاً كان مدبراً من قبل للانقضاض على مصر.
وكانت بريطانيا تهدف من ذلك إلى القضاء على الثورة المصرية التى ألهبت العالم العربى كله وجعلته يثور على الاستعمار البريطانى ويهدد مصالحه.
وكانت فرنسا فى ذلك الوقت تحاول القضاء على ثورة الجزائر وأدركت أن ثورة مصر هى المنبع لثورة الجزائر وهى السند لها، فأرادت أن تحطم ثورة مصر حتى يسهل عليها تحطيم ثورة الجزائر.
إذا كان الإعلام فى الظروف العادية يحتاج إلى يقظة بالغة فى معالجة المشكلات، ومواجهة الصعوبات فإنه فى حرب السويس كان أكثر يقظة، لأن خطأ واحداً كان كفيلاً بأن يحطم خطة إعلامية كاملة.
وقد قام المخطط الإعلامى الذى أعددناه على أسس ودعائم لا خلاف عليها، وهى:
أولاً: الحرص على صلابة الجبهة الداخلية.
ثانياً: محاولة تحطيم نفسية العدو.
ثالثاً: كسب الرأى العام العالمى ومداومة الاتصال به فى كل مناسبة.
وحتى يمكن تنفيذ هذا المخطط بدقة وكفاءة يجب أن تكون أجهزة الإعلام المنفذة فى غاية الكفاءة والمقدرة خاصة فيما يتعلق بالتوقيت.
إن التوقيت فى العمل الإعلامى أثمن من كل شىء وهو لا يقل أهمية عن توقيت المعارك العسكرية ومسايرة خططها أثناء التنفيذ بالتعديل أو التغيير أو الاستمرار وفق ظروف المعركة.
لذلك فإن الإعلام يسير وفق خطط محددة على النحو التالى:
أولاً: خطط طويلة المدى.
ثانياً: خطط قصيرة المدى.
ثالثاً: خطط وقتية ولحظية.
ولم تكن هناك عمليات إثارة فى الصحافة المصرية، بل إنها سلكت طريق سرد الحقائق المجردة مع تبريرها تبريراً منطقياً واقعياً، فعندما انسحبت القوات المصرية من سيناء وبدأت ملامح الغزو لبورسعيد تتضح لم تخف الصحف هذا النبأ الخطير، بل إنها نشرته وحللت عمليات الانسحاب وشبهتها بعملية «دنكرك» الشهيرة فى الحرب العالمية الثانية.
وقد قدمنا للصحافة كل التسهيلات التى تمكنها من أداء رسالتها على الوجه الأكمل، ولم تكن فى حاجة إلى توجيهات متكررة أو إصدار تعليمات أو حتى فرض رقابة صارمة عليها، بل على العكس من ذلك تحقق الانسجام والتآلف بين جهاز الإعلام المصرى وصحافة مصر التى أصبحت فى لحظة واحدة خلية مخلصة وفية لمبادئ الوطن.
ولقد وضعنا كل الأخبار والصور تحت يد الصحافة، بل إننا وضعنا جبهة القتال نفسها تحت أنظار الصحفيين الذين مارسوا عملهم فى بورسعيد والسويس والإسماعيلية.
ولم يكن كل جهدنا منصرفاً إلى الصحافة المصرية، بل إننا وجهنا جهداً أكبر نحو الصحافة العربية والصحافة الأجنبية، وكان مراسلو الصحافة العربية والأجنبية على صلة دائمة بجهاز الإعلام المصرى، وقد وجدوا فيه السند الأول فى عملهم الصحفى أو فى أعمالهم المتصلة بالصحافة كالإذاعة والتليفزيون والسينما.
وبينما كان العدو يكذب ويشوه الحقائق، كان جهاز الإعلام المصرى يقدم الأخبار الصادقة والصور الفوتوغرافية للصحافة العالمية لتقف على حقيقة العدوان.
وقد لعبت الإذاعة دوراً كبيراً فى المعركة. فبالنظر إلى أن صوت الإنسان يكسب الحجة حياة ويقوى العقيدة ويزيد من حماس الجماهير ويقنعها بالحجة والمنطق، فقد لعبت الإذاعة دوراً مهماً فى المعركة. وبالنظر إلى أن سرعة الرد على الأعداء، وتلهف الشعب لمعرفة أخبار بلادهم وماذا يجرى فى العالم مسألة مهمة، فقد قامت الإذاعة بدورها وكسبت معركة الثقة.
كما استجاب المؤلفون والملحنون والمغنون سريعاً للأحداث، وتحولت كلمات الكفاح إلى أغنيات حماسية رددتها الجماهير.
وكان أثر هذه الأغنيات والأناشيد عظيماً فى إثارة حماس الناس وجمع شملهم فى العالم العربى كله.
كانت اللغة المناسبة فى الإذاعة المصرية لكل من مصر والبلاد العربية وفى الإذاعات الموجهة إحدى الوسائل المهمة التى استخدمتها أجهزة الإعلام المصرية.
فمثلاً كانت اللغة العربية المبسطة هى التى استخدمت فى مصر بينما استخدمت فى إذاعة صوت العرب اللغة العربية الفصحى، أما الإذاعات الموجهة فقد استخدمت أكثر من 30 لغة أجنبية خصوصاً للبلاد الأفريقية والآسيوية من سواحيلى إلى أوردى... إلخ.
ومع ذلك كانت اللغة التى يخاطب جهاز الإعلام المصرى بها الجماهير سواء فى خارج مصر أو فى داخلها هى لغة واحدة، حيث إننا لم نأخذ إطلاقاً بأسلوب الاستهلاك المحلى والاستهلاك الخارجى.
أذكر أيضاً فى عام 1956 اتبعنا مبدأ إعلامياً هو: «ينتصر الشر إذا تقاعس المصلحون عن العمل».
وكانت هناك جلسة للبرلمان الفرنسى سيتحدث فيها المسيو جى موليه، رئيس الوزراء الفرنسى، عن هذا العدوان على مصر، وأراد جى موليه أن يكسب هذه المعركة البرلمانية بكل الوسائل، وكانت الفكرة التى اتبعها هى أنه قال إن القوات الفرنسية تقدمت من بورسعيد إلى الإسماعيلية وانتصرت انتصاراً باهرا، وهنا تعالت الهتافات بحياة فرنسا وحياة جى موليه، ولكن الخطأ الكبير الذى وقع فيه هو أنه لم يقل الحقيقة، إذ أن الحقيقة هى أن القوات الفرنسية لم تدخل الإسماعيلية، ولكن وكالات الأنباء العالمية سارعت بإرسال نص خطبة جى موليه فى البرلمان الفرنسى، ووصلت أنباء هذه الخطبة لمصر بعد خمس دقائق من إلقائها فى باريس.
وفى مصر قامت مصلحة الاستعلامات المصرية، التى كانت مختصة بالإعلام، بالرد المباشر، وكانت الفكرة التى اتبعتها فكرة الصدق، فقد كان فى مصر فى فندق سميراميس مجموعة من المراسلين الأجانب الفرنسيين والبريطانيين، وحينما وصل نبأ أن جى موليه كذب على البرلمان الفرنسى، نبتت فكرة لدى جهاز الإعلام المصرى، وهى أن تقوم على الفور مجموعة المراسلين الأجانب، ليذهبوا فوراً إلى الإسماعيلية ويروا بأعينهم أن المصريين مازالوا فى المدينة وأن العلم المصرى يرفرف على مبنى شركة قناة السويس العالمية، وفعلاً أعدت مصلحة الاستعلامات عدداً من العربات نقلت هؤلاء المراسلين الأجانب إلى الإسماعيلية، ومن هناك أرسلوا برقياتهم، ومنها برقية مدير الوكالة الفرنسية التى قال فيها: «إن جى موليه كذاب.. كذاب، فقد دخلت الإسماعيلية مع أكثر من مائة صحفى ورأينا جميعاً العلم المصرى يرفرف على مبنى شركة القنال العالمية..».
وإذا نظرنا إلى هذا المثال، من ناحية نظرية الاتصال الإعلامى، فإنه استخدم فكرة صادقة. وهكذا كان الشأن فى معركة الإعلام المصرية عندما واجهت دعايات العدوان الثلاثى عام 1956. كان الوصول إلى الأفكار هو المرحلة الأولى فى التكتيك الإعلامى المصرى.
وقد حدد جهاز الإعلام هدفه تحديداً واضحاً.. وهو العمل المستمر لكسب الرأى العام العالمى.
ولم يكن النظر إلى هذه القواعد جامداً لا يتحرك. بل إننا نظرنا إليها على أنها أسس ودعائم علمية ونتيجة خبرات ودراسات فى فن الإعلام الذى اقترن فى عصرنا بعلوم أساسية منها علم النفس الإعلامى وعلم الاجتماع الإعلامى وهما العلمان الأساسيان فى الدراسة النظرية والعملية فى مجال الإعلام، إلى جانب الدراسات الأخرى التى ترتبط بالتاريخ والجغرافيا السياسية والعلوم السياسية والاقتصادية واللغات والآداب، فضلاً عن الدراسات المتعلقة بوسائل الإعلام.
وكان الاتجاه إلى النظرة العلمية مسيطراً على تفكيرنا، فلم نندفع عاطفياً نحو خيالات لا أساس لها، بينما كانت دعايات العدوان غارقة فى الانفعال الوهمى.
خلاصة القول إنه بالنسبة للإعلام فى مواجهة العدوان الثلاثى، فإننى أعتقد أن العبارة التى قالها بن جوريون عام 1956 «لقد هزمنا الإعلام المصرى».. توضح بجلاء مدى فاعلية الدور الذى قام به الإعلام فى معركة العدوان الثلاثى.
لقد اتبع الإعلام المصرى الأسلوب العلمى فى مخاطبة الرأى العام العالمى بالحرص على تحرى الدقة والصدق فى نشر الحقائق ودحض أكاذيب الدول المعتدية. يكفى أن تعلم أنه كانت هناك إحدى عشرة محطة إذاعة سرية تذيع البرامج والأخبار المليئة بالافتراءات ضد مصر، فكان جهاز الإعلام المصرى يذيع الأكاذيب التى كانت تذكرها تلك المحطات ويكتشف مدى زيفها والحقائق الدامغة عنها.. إلى جانب أن الإذاعة المصرية لم تتوقف عن الإعلان عن تطورات المواقف الحقيقية أولاً بأول.
وأذكر أيضاً أسلوباً إعلامياً لجأنا إليه فى هذه الفترة وهو إصدار مجموعة من المطبوعات باللغات المختلفة تضم وثائق تاريخية عن قناة السويس وكلها تؤكد بالأسانيد القانونية حق مصر الواضح فى ملكية القناة وبالتالى حقها فى التأميم.
ولقد عملنا على التخطيط لتقوية الإذاعة وتطويرها، فتم إنشاء 3 محطات إذاعية جديدة هى إذاعة القرآن الكريم وإذاعة صوت العرب وإذاعة الشرق الأوسط، إلى جانب الإذاعات الموجهة التى كانت لها دور رئيسى فى تأييد حقوق الشعوب العربية والأفريقية فى التحرر من الاستعمار وكشف أساليبه وأطماعه.
كما أنشأنا وكالة أنباء «الشرق الأوسط»، وكانت أول وكالة أنباء وطنية كتعبير عن استقلال إرادتنا، ولكسر الاحتكار الأجنبى فى هذا المجال الإعلامى الحيوى لقضايانا الوطنية.
عن الثقافة والسياحة:
لعل أبرز ما وفقنا الله إلى إنجازه فى مجال الثقافة، كان تحقيق ديمقراطية الثقافة فى مصر.. ذلك أنه عندما قامت ثورة يوليو 1952، كانت المنح الثقافية بمفهومها العصرى مقصورة على فئة قليلة أو شريحة من المجتمع وتتركز فى الوقت نفسه فى القاهرة فى معظمها.. أما القطاعات الواسعة من الجماهير فى مختلف ربوع البلاد فكانت شبه محرومة من ألوان الثقافة المعروفة كالسينما والمسرح والفنون التشكيلية والمكتبات العامة وغيرها.
وكان من أثر ذلك بطبيعة الحال وجود فجوة ثقافية كبيرة بين الذين فى أعلى قمة الهرم الثقافى والذين يعانون أمية ثقافية تكاد تكون كاملة فى القاعدة العريضة.
ومن هنا كان لابد من أن نخطط للعمل الثقافى بمعناه المتكامل بمعنى تحقيق مبدأ الثقافة للجميع من خلال عدة قنوات أو مسارات.. وقطعنا فيها بفضل الله، وبشهادة الجميع، خطوات واسعة، وفى إطار مفهوم حضارى عصرى يليق بمكانة مصر فى مرحلة تاريخية مهمة، تمثل إضافة بارزة لتراثها العريق.
وكان تشريفى بالمسؤولية عن الإعلام والسياحة إلى جانب الثقافة أحد العوامل فى تهيئة التكامل والتنسيق بين الفكر التخطيطى والجهد التنفيذى الذى أثمر كل المشروعات التى لاتزال تقف شاهدة حتى اليوم، تعيش حية نابضة فى عقول وقلوب كل من عاصروها وكل من شاركوا فيها، بكل التفانى والإخلاص من أجل مصر العزيزة، وأنا أذكرهم جميعاً بكل الخير.
ففى أول مرة فى تاريخ مصر تنشأ بيوت ودور للثقافة فى عواصم المحافظات، كمنارات ومراكز إشعاع ترعى المواهب المحلية وتفتح النوافذ أمام الطاقات الفنية الكامنة للتعبير عن إبداعاتها، كما تنطلق منها قوافل الثقافة تحمل الكتاب والفيلم السينمائى والفن المسرحى إلى النجوع والقرى.. ليتحقق التواصل والأخذ والعطاء المتبادل.
وكانت النهضة المسرحية التى كانت فرق التليفزيون المسرحية أكبر رموزها، هى التى أتاحت الفرصة لظهور ونجومية معظم الأسماء المعروفة، التى قدمت العديد من الأعمال فى مختلف فنون المسرح خاصة الفنون الشعبية، ورائدتها فرقة رضا، ولاتزال تجتذب اهتمامات الجماهير وإعجابهم.
ولا يختلف أحد على أن إنشاء التليفزيون، الذى وصفه النقاد بأنه ولد عملاقاً، حيث راعينا فى التخطيط له أن يغطى مصر كلها، وكان يذيع على ثلاث قنوات قد أسهم أيضاً من خلال البرامج العديدة المتنوعة لمختلف ألوان الثقافة فيما يمكن أن نسميه الإعلام الثقافى الذى يرضى ويلائم مختلف الأذواق والمستويات.
والحقيقة أن هذا الإعلام الثقافى الذى بدأناه فى الداخل قد شرعنا فى تطبيق نفس أسلوبه فى العالم الخارجى من خلال مراكزنا ومكاتبنا الإعلامية وتوسيع مجالات أنشطتها كالمشاركة فى المعارض الدولية والسعى إلى جذب الاهتمام العالمى بتراثنا الحضارى الإنسانى الذى بلغ الذروة فى الحملة الشهيرة لإنقاذ معبد «أبوسمبل»، ثم الإعداد لعرض نماذج من آثارنا الخالدة، وهى فى الحقيقة خطوات كان لها أكبر الأثر فى المكانة الغالية التى احتلتها مصر فى هذه الحقبة، وتجنى ثمارها حتى يومنا هذا.
هذا إلى جانب تشجيع زيارة مختلف الفرق الفنية من جميع بلدان العالم، لتقديم عروضها فى مصر وكذلك عقد المهرجانات الدولية وغيرها من الأنشطة التى دعمت علاقات التبادل الثقافى بين مصر والعالم.
كما كان إصدار المجلات الثقافية باللغات الأجنبية مثل مجلة «سكرايب»، وما كانت تضمه صفحاتها من نماذج لإبداع أدباء مصر وفنانيها ومفكريها عاملاً آخر فى الإعلام الثقافى بجانب المطبوعات الأخرى المتتابعة التى كانت تصدرها أجهزة وزارات الإعلام والثقافة والسياحة.
أما على الصعيد الداخلى، فإن تيسير وصول الكتاب الذى يغطى جميع الاهتمامات الأدبية والفنية والعالمية فى طبعات رخيصة لتكون فى متناول الجميع، يمثل أملاً يتمنى الكثيرون أن يتحقق!!
كانت المطابع تصدر كتاباً كل 6 ساعات.. ولا يتجاوز ثمن الكتاب 3 قروش للطبعة الشعبية و30 قرشاً للسلاسل الثقافية كالقصص الأدبية لكبار المؤلفين وروائع المسرح وغيرها.. ويفخر أبناء الجيل الذى عاصر هذه الملحمة الثقافية بأنه يدين لها بتكوينه الثقافى بفضل الزاد الذى نهلوه من ينابيعها.
فإذا انتقلنا إلى مجال السياحة أو عالم السياحة فإنه تكفى إشارات سريعة لبعض الإنجازات.
■ 45 فندقاً على أرقى وأحدث مستوى عالمى..
■ مرة أخرى 45.. لمن يعرف معنى وعمق لغة الأرقام ومدلولاتها من واقع ما يحدث اليوم...!
■ إعداد وتسيير أول باخرتين سياحيتين فى نيلنا العظيم بين القاهرة وأسوان، وكذلك القوارب السريعة (الهيدروفيل) بين أسوان وأبوسمبل.
■ بدء أول رحلات الطيران العارض «الشارتر» لنقل أفواج السياح بأسعار تنافسية إلى مصر.
■ أول مشروعات التعمير فى الساحل الشمالى (منطقة سيدى عبدالرحمن) وساحل البحر الأحمر (الغردقة) كعنصر جذب سياحى غير تقليدى بالنسبة لهذه الفترة حين كانت السياحة الأثرية هى محور النشاط الوحيد.
■ السماح بالشركات السياحية الأمريكية هيلتون وماريوت.. إلخ للعمل فى مصر.
قلت للرئيس عبدالناصر سأقدم لسيادتكم كنزا كبيرا هو السياحة فقال إنها تقدم فقط 12 مليون جنيه، فقلت له ستكون أكثر من مليار دولار سنوياً، وفعلاً تحقق الكنز الكبير.
وقناة السويس بعد فتحها بواسطة اليابانيين بعد حرب أكتوبر تعطى 4 مليارات دولار سنوياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.