يعتقد البعض أن الصحافة وتحديداً الفنية تسمح بقدر من المجاملة وأن القارئ سوف يتسامح مع الكاتب أو الصحفي لأن الوسط الفني بطبيعته مجامل.... الحقيقة من واقع خبرتي أن هذا الرأي يجانبه الصواب. دعنا نفكر أولاً بصوت مسموع ونسأل: متي يضطر الصحفي للمجاملة هل مثلاً من أجل الصداقة البريئة؟ ممكن أن نفترض ذلك ولكن إذا اعتبرنا أن المجاملة من الممكن أن نحيلها إلي مقابل مادي فإن مشكلة الصحفي أنه لا يجامل من جيبه ولكن من جيب القراء. صحيح أن المجاملة صارت جزءاً من التعامل اليومي في حياتنا.. وهامش المجاملة يبدو أحياناً مطلوباً بل وضرورياً علي أرض الواقع إنها مثل البقشيش الذي تدفعه فوق الحساب ولا يلومك أحد لأنك تدفع من حر مالك إلا أن الأمر يختلف بالطبع في الصحفي الذي من المفترض أنه يكتب آراءه للقراء، والقارئ لا ذنب له في أن هذا الصحفي تربطه علاقة صداقة مع هذا الفنان أو تلك الفنانة وأرجو أن تلاحظوا أنني لا أتحدث عن مصلحة مباشرة ولكن فقط صداقة بلا منافع متبادلة ومباشرة في هدفها. إن المجاملة في هذه الحالة تصبح مثل أن يدس أحدهم يده في جيبك لكي يمنح بقشيشاً عن خدمة لم تقدم لك.. المجاملة هي آفة العمل الصحفي ومع الأسف ازدادت رقعة المجاملة في حياتنا الصحفية والمشكلة الأكبر أن البعض أصبح يتلمس الأعذار ويجد عشرات من المبررات لتلك المجاملات الفجة المنتشرة في كل جنبات بلاط صاحبة الجلالة!! أعرف بعض الزملاء بسبب المجاملات أصبح لديهم رأيان، واحد معلن تقرأه علي صفحات الصحف والمجلات التي يعملون بها والثاني يقولونه سراً لأصدقائهم المقربين.. تعود هؤلاء الزملاء أن يحضروا العرض الخاص للفيلم السينمائي ويبحثوا عن الفنان لتهنئته وعن القنوات الفضائية التي تسارع بتغطية مثل هذه الأحداث ولديها بالطبع أهدافها للحصول علي مادة إعلامية مجانية تبثها عبر برامجها وهكذا تزرع أكثر من 10 كاميرات وأحياناً 20 كاميرا علي حسب جاذبية النجم أثناء العرض الخاص ويبدأ هذا الصحفي أو الناقد في استقبال كل الدعوات التي توجهها له هذه القنوات وهاتك يا مديح في الفيلم، دائما ما أحاول بقدر المستطاع تجنب العروض الخاصة للأفلام لأنه ليس هذا هو الجمهور الحقيقي إنه جمهور خاص جداً ولكن أحياناً بسبب ظروف العمل الصحفي قد أضطر للذهاب لمشاهدة الفيلم في عرضه الخاص قبل العرض الجماهيري حتي أتمكن من الكتابة عنه في توقيت ملائم ولكني بمجرد أن ينتهي الفيلم وقبل إضاءة الأنوار أسارع بمغادرة موقعي في السينما إلي منزلي.. هذه عادتي حتي مع الأفلام التي أتجاوب إبداعيا معها لأنني أشعر أن الكتابة الصحفية هي الأبقي كما أنك من الممكن أن تتحكم في تدفق الكلمات المكتوبة وتتابعها بينما الكلمة التي تخرج أمام الكاميرا من الصعب ضبطها أو مراجعتها أو توضيحها حتي في حوار ثان، ولهذا أري أن الناقد عليه أن يتجنب بقدر المستطاع تلك المصيدة. أنا أعلم بالطبع أنه ليست كل المجاملات التي يتورط فيها البعض وراءها مصالح مادية أو حتي أدبية ولكنها عادة يمارسها عدد من النقاد والصحفيين كنوع من العرف السائد في حياتنا الاجتماعية انتقلت إلي حياتنا العملية مثل تلك القبلات التي نري الجميع يتبادلونها بمجرد أن يلتقوا حتي ولو كانوا قد تعارفوا قبلها بساعات قليلة.. وهكذا نري الرجال يقبلون الرجال والنساء يقبلن النساء وأحياناً تحدث أيضاً النوع الثالث من القبلات علي سبيل الصداقة والأخوة بين الرجال والنساء وهو بالطبع أفضل أنواع القبلات؟! لا بأس من قبلات النوع الثالث ولكن أرجو من زملائي أن يتجنبوا إرسال القبلات الصحفية الممزوجة بالمجاملات التي يكتبونها علي الورق لأنها تحمل فيروساً قاتلاً لشرف المهنة!!