بقلم : د. طارق زيدان يظل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر سواء اختلفت معه أو اتفقت موضع احترام الجميع حتى من أعدائه ويكفيه طهارة يده ونزاهته ذلك الأمر الذى انعكس على جميع المحيطين به وأدى فى النهاية إلى أن تكون الدولة المصرية أبعد ما تكون عن الفساد والمحسوبية والرشوة على عكس المراحل التالية بعده فيكفينا كم الفساد الذى عايشناه جميعا فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك لكى ندرك جيدا قيمة طهارة يد رئيس الجمهورية أعتقد فى رأيى الشخصى أن ما كان يميز عبدالناصر وجعله زعيما لمصر والدول العربية بل زعيما عالميا هو (الصدق)، حيث كان الرجل صادقا فيما يقوله ومؤمنا به إيمانا كاملا الأمر الذى أدى إلى أن دخلت كلماته قلوب الناس ولكن الكمال لله وحده فكما كانت هناك إنجازات عظيمة فى عهده كانت هناك كوارث عظيمة أعظمها هزيمة 1967 التى ما زلنا نقاسى منها حتى الآن، الأمر الذى يدفعنا إلى تحليل هذه الفترة الثرية من تاريخنا واستخلاص العبر منها وأهمها أن الأمم لا تبنى بالإخلاص والصدق فقط، ولكن أيضا بالكفاءات والعدل وسيادة القانون وأن حرية الشعوب هى الضمان الوحيد للتقدم. ولابد أن نتساءل: هل الضباط الأحرار بأخلاقهم ووطنيتهم كانوا يصلحون لإدارة شئون بلد كبير مثل مصر. والإجابة بالقطع أنهم لم يكونوا مؤهلين أو مستعدين لذلك، لذا كان يجب أن يعود الجيش إلى ثكناته بعد ثورة 23 يوليو ويتم بناء دولة مؤسسات وتؤول إدارة البلاد إلى أهل الخبرة والكفاءة وليس أهل الثقة كما حدث. ذلك الأمر الذى يلقى بظلاله على ثورة 25 يناير حيث أصبح الجيش شريك الثورة، ولكن يجب أن يعود الجيش لثكناته وتتولى إدارة البلاد سلطة مدنية منتخبة حتى لا يتكرر الخطأ التاريخى لجمال عبد الناصر وهو عدم تنفيذ مبدأ من أهم مبادئ ثورة 23 يوليو وهو إقامة حياة ديموقراطية سليمة. ولكن تظل فترة حكم الزعيم جمال عبد الناصر هو أكثر الأنظمة الحاكمة التى انحازت لمحدودى الدخل والبسطاء والفلاحين والعمال حتى تتحقق مكاسب هائلة لهذه الفئات التى كانت مهمشة ومطحونة فى عهد جمال عبد الناصر فقط، كما اتسعت فى عهده حجم الطبقة المتوسطة فى مصر ومعروف أنها هى الطبقة التى تقود التنمية فى أى مجتمع.. والغريب أن معظم الكتاب والمفكرين الذين يهاجمون جمال عبد الناصر وفترة حكمه هم الذين استفادوا من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية فى عهده، حيث لولا مجانية التعليم التى حققها عبد الناصر للشعب المصرى لما تعلم الكثير منهم وأصبحوا كتابا ومفكرين، والحق يقال إن جمال عبد الناصر كان قائدا لثورة حقيقية قامت بتغيير جذرى من الناحية الاقتصاية والاجتماعية والسياسية وإنه لولا تآمر الغرب والصهيونية العالمية ونكسة 1967 لأصبحت مصر دولة كبيرة وقوة إقليمية يحسب لها ألف حساب ويظل مشهد وفاة جمال عبد الناصر وجنازته الشهيرة مشهدا لا ينسى فعلى الرغم من أن الشعب المصرى كان لا يزال لم يغسل بعد عار نكسة 1967 فإنه حزن حزنا عميقا وبكى الجميع على رحيل عبدالناصر مشهد مؤثر وله دلالة عميقة على ارتباط الشعب المصرى برجل منهم أحبهم بصدق فأحبوه بإخلاص. ورحل عبدالناصر، لكن رحلت معه قيم كثيرة ومعانٍ جميلة نفتقدها جميعا لذا سمينا أيام عبد الناصر (أيام الزمن الجميل). الآن مصر فى حاجة إلى قائد جديد يلتف حوله الشعب المصرى ويرتبط به كما ارتبطوا بعبد الناصر ليعبر بمصر بر الأمان بعقل وحكمة. فهل تخرج ثورة 25 يناير قائدا شعبيا فى حجم شعبية جمال عبد الناصر؟ دعونا ننتظر .. رحم الله أبا خالد ورحم ابنه خالد وأدخلهما فسيح جناته.