دعيت يوم الثلاثاء الماضي من الفريق سامي عنان (رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة ونائب رئيس المجلس العسكري) لحضور لقاء مغلق ضم رموز النخبة الفكرية والسياسية والإعلامية والفنية في مصر، بالإضافة إلي عديد من أعضاء المجلس العسكري. انعقد اللقاء الذي استمر ما يقرب من 5 ساعات تحت عنوان ذكره الفريق سامي عنان في بداية حديثه هو (رؤية تحليلية للمشهد القائم وكيفية الخروج من الأزمة). وقد أكد علي قاعدة رئيسية هي أن الانحياز والحماية والرعاية والتأييد الكامل لثورة 25 يناير هي أحد ثوابت القوات المسلحة. وهو الموقف المعلن لها بكل وضوح منذ بداية الثورة.. رغم خطورة ذلك الموقف علي أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. إذا ما فشلت الثورة. حدد الفريق عنان التحديات التي تواجه مصر في: الفراغ الأمني (الأمن)، والموقف الاقتصادي، والإعلام، والفتنة الطائفية التي وصفها بأنها لب المشكلات في مصر. كما ذكر بوضوح أن المجلس العسكري مصمم علي تسليم البلاد لسلطة مدنية، ولن يسمح لأي سلطة بمساس حق الشعب المصري في وجود دولة مدنية مصرية حديثة ترتكز علي انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وهو خط أحمر لن يتم السماح بتجاوزه. وأنه لا وجود لما أطلقت عليه وسائل الإعلام مواد فوق دستورية أو غيرها، وإنما حديث القوي السياسية الذي انصب حول مواد حاكمة تكون محل اتفاق بين الجميع. أكد الفريق عنان علي أن المجلس العسكري لن يتنازل عن السيادة المصرية.. فهي خط أحمر غير قابل للتهديد، وهو المنطلق الذي تتعامل به القوات المسلحة الآن في حل مشكلة سيناء، والتي من المقرر أن يصدر لها قانون خاص خلال الأيام القادمة من أجل إعادة تنميتها وبنائها بشكل يتناسب مع أهميتها لنا. •• الجدير بالذكر أن هذا هو اللقاء الثاني من نوعه بعد لقاء أول مصغر انعقد من قبل. وقد أسهم الأستاذ مصطفي بكري (رئيس تحرير جريدة الأسبوع) في عقد هذا اللقاء حسبما أشار الفريق عنان، وقد ضم اللقاء الذي ترأسه الفريق عنان 4 لواءات من المجلس العسكري هم: اللواء ممدوح شاهين، واللواء سعيد العصار، واللواء إسماعيل عتمان، واللواء محمد أمين. وحضره 25 شخصية من مختلف التيارات الفكرية والسياسية، وهم حسب جلوسهم علي المائدة المستديرة: السيد ياسين، وحسن اللبيدي، ود. عمرو هاشم ربيع، ود. رفيق حبيب، وهاني لبيب ود. رفعت لقوشة، ود. محمد الجوادي، وإبراهيم أبو عليان، وأحمد عز الدين، ود. سمير عليش، وسعد هجرس، وضياء رشوان، ومصطفي بكري، ود. عمرو الشوبكي، ود. محمد السعيد إدريس، ود. حسن أبو طالب، ومحمود مسلم، ويوسف القعيد، والفنان محمد صبحي، وجمال الغيطاني، وسكينة فؤاد، وعصام سلطان، وعاصم الدسوقي، ود. السيد فليفل. •• اتسم الحوار بين أعضاء المجلس العسكري والنخبة بسمتين رئيسيتين هما: الصراحة في الحوار المتبادل، واستماع الفريق عنان وأعضاء المجلس العسكري وإنصاتهم لملاحظات النخبة ونقدها اللاذع في الكثير من قضايا الحوار.. والرد عليها.. وتدوين أهم الأفكار. ولم يهمل أي رأي تم طرحه خلال اللقاء. من الملاحظ أيضاً في الحوار بين الفريق عنان والنخبة الفكرية والسياسية والإعلامية والفنية أن الحوار لم يتطرق إلي العديد من الموضوعات، وعلي سبيل المثال: محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، وقانون الغدر، والعلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدةالأمريكية، وقضية العلاقات الخارجية المصرية مع بعض الدول العربية التي كانت ترتبط بعلاقات وطيدة مع نظام الرئيس السابق حسني مبارك. •• أعتقد أن من أهم الأفكار الجدلية التي وردت علي لسان الحضور من النخبة الفكرية والسياسية.. ما يلي: - مطالبة البعض ببقاء المجلس العسكري في حكم البلاد.. لتحقيق المزيد من الانضباط وإصلاح ما يمكن إصلاحه. وهو الأمر الذي رد عليه الفريق عنان بأن القوات المسلحة ترفض هذا الأمر، كما أن النخبة الفكرية والسياسية ترفضه أيضاً، وأنه لا يمكن للمجلس العسكري أن يحقق كل الطموحات السياسية المطلوبة في التغيير. وإنما يحكم المجلس العسكري أولويات تحقيق أمن المجتمع وتهيئة المناخ لإجراء انتخابات نزيهة أمام العالم كله لكي يتم تسليم السلطة لبرلمان حقيقي منتخب ولرئيس جمهورية منتخب بشكل يعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب المصري.. لكي يستكملوا إعادة بناء مؤسسات الدولة المصرية... فالمجلس العسكري الآن هو نائب للشعب في هذه الفترة الانتقالية، وليس بأي حال من الأحوال بديلاً عن النظام السابق. - تم فتح النقاش حول قضية الانتخابات القادمة.. غير أنها لم تأخذ حقها من الوقت في النقاش. ولقد تم التأكيد علي أن قانون تقسيم الدوائر الانتخابية سيتم إصداره قبل نهاية الشهر الجاري. كما رد اللواء ممدوح شاهين (مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية) علي النقد الذي وجهه أحد الحضور لقانون مجلس الشعب بأن المجلس العسكري قد درس هذا القانون بعناية فائقة.. كما تم الاستناد إلي رأي المحكمة الدستورية العليا والهيئات القضائية وأساتذة القانون الدستوري في مسألة أن تتم الانتخابات علي أساس 50 % للقائمة و50 % للفردي. •• وأذكر هنا بعض الملاحظات الشخصية التي أتيح لي أن أطرحها في هذا اللقاء، وهي: أولاً: إن المجلس العسكري قد اتبع سياسة الاحتواء لكافة التيارات السياسية في الشارع المصري بدون إقصاء أو استبعاد. ولكن بعد مرور ما يقرب من 7 شهور علي الثورة.. أعتقد أنه من المفيد أن يحرص المجلس العسكري علي شرح مواقفه للرأي العام لعدم فقد الثقة في تصرفاته وقراراته.. خاصة أن وسائل الإعلام تنشر الكثير من المتناقضات علي لسان مصدر عسكري ومصدر رسمي بدون تحديد من صرح بذلك الخبر أو تلك المعلومة. وهو ما يؤكد أهمية تحويل سياسة الاحتواء إلي إحلال القانون وتنفيذه بدون استثناء. وقد قال الفريق عنان في هذا الصدد: إذا فسد الإعلام لا يكون فساداً؛ بل إفساداً لأنه يؤثر في المجتمع بشكل سلبي. ثانياً: نحتاج إلي مشروع ثقافي لإعادة صياغة مكونات الشخصية المصرية، وهو ما يتطلب قوة القانون في ذلك سواء بتفعيل بعض القرارات أو بإصدار بعض القوانين التي من شأنها استرجاع أمن المجتمع المصري، وتجريم البلطجة والفساد برادع قانوني حاسم. ومثال ذلك.. أنه لا يمكن ترك المظاهرات والاعتصامات بهذا الشكل العشوائي.. الذي يصيب البلاد كلها بالجمود. ثالثاً: نحتاج إلي إعادة النظر بشكل حاسم في قضايا الأزمات والتوترات الطائفية بعيداً عن نظرية المؤامرة من خلال استثمار هذه القضية وتوظيفها من الخارج.. فالمهم أن نحل مشكلاتنا بأنفسنا قبل أن نطلب من غيرنا عدم التعليق علي ما يحدث داخل مجتمعنا من تمييز وانتهاك. وطالبت بإلغاء ما يطلق عليه (جلسات الصلح العرفي) أو حسبما أحب أن أطلق عليها (جلسات التهريج العرفي) لأنها تحمل استبعادا مباشرا لتنفيذ العدالة بقوة القانون، وبالتالي استبعاد كيان الدولة المصرية. وتكريس المناخ الطائفي الذي يكرس الانقسام في المجتمع المصري. ولكي لا نكرر أخطاء النظام السابق. رابعاً: لا أجد أي تفسير لكون القانون المصري يحكم علي تاجر المخدرات بعقوبة تصل إلي حد الإعدام.. رغم أنه يؤثر في عدد محدود في نهاية المطاف. ولا يحكم علي من يثبت تورطه وإدانته في إثارة التوترات والأزمات الطائفية التي يصل مداها للمجتمع كله بالإعدام. خامساً: أهمية الاهتمام بالشباب المسيحي المصري الذي خرج للمرة الأولي من داخل أسوار الكنيسة إلي الشارع للاعتصام والاحتجاج. غير أنه قد خرج في وقت غير مناسب بسبب عدم استقرار الدولة، وما أخشاه أن يرتدوا مرة أخري إلي داخل أسوار الكنيسة. •• أعتقد أن المجلس العسكري بمثل تلك اللقاءات التي من المقرر استمرارها.. يجتهد في تشييد جسور من العلاقات مع النخبة الفكرية والسياسية من جهة، وتقديم نفسه من خلال رؤية واضحة المعالم بالحوار المتبادل البناء من أجل الخروج من الأزمة من جهة أخري.