وكيل الأزهر ورئيس قطاع المعاهد يتفقدان التصفيات النهائية لمشروع تحدي القراءة    شوقي علام يفتتح أول معرض دولي بدار الإفتاء بالتعاون مع روسيا (صور)    تراجع أسعار الريال السعودي في البنوك المصرية بختام تعاملات الخميس    الاتحاد الأوروبي: توقيع اتفاقية تمويل جديدة مع مصر لدعم التعليم الفني والمهني    الطاقة الإنتاجية لصناعة البتروكيماويات الإيرانية تزيد عن 100 مليون طن    4 قرارات جديدة لوزير المالية بشأن تقديرات القيمة الإيجارية والمشروعات الصغيرة    وزير الخارجية السعودي يبحث هاتفياً مع جوزيب بوريل خفض التصعيد في غزة    رسالة حسام عاشور إلى الخطيب وجماهير الأهلي.. ونصيحة لإمام    منتخب الصالات يختتم تدريباته قبل مواجهة أنجولا في نصف نهائي أمم أفريقيا    انطلاق مباراة سيراميكا والاتحاد السكندري بالدوري    بعد طرحها بساعات.. الترجي يعلن نفاد تذاكر مباراة صنداونز في دوري أبطال أفريقيا    بالأسماء.. 10 مصابين في حادث تصادم بأسوان    جثة أمام النادي الأولمبي.. علاقة شاذة تقود جامع القمامة إلى طبلية عشماوي بالإسكندرية    بعد تغيبه.. العثور على جثة طفل غارقا في ترعة بقنا    مؤلفات عالمية لموسيقى الحجرة بالأوبرا    الصحة تُشارك فى فعاليات المؤتمر العلمي لجمعية سرطان الكبد المصرية    أبرزها اقترابه من الشاشات.. علامات تكشف ضعف النظر عند طفلك    رئيس جامعة المنوفية يناقش الرؤى المستقبلية وخطط التطوير الطموحة للجامعة    طارق العشرى يعلن تشكيل الاتحاد لمواجهة سيراميكا    أرتيتا يرفض الاستسلام للأحزان بعد خروج أرسنال من دوري أبطال أوروبا    خاص.. لجنة الحكام تعترف بخطأ احتساب هدف الزمالك الثاني ضد الأهلي    زاخاروفا: مطالب الغرب بتنازل روسيا عن السيطرة على محطة زابوروجيا ابتزاز نووى    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره البولندي    ماركا: ريال مدريد استخدم أسلوب أرسنال الدفاعي لعبور مانشستر سيتي    حصيلة 24 ساعة.. ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالعملات ب15 مليون جنيه    تأجيل محاكمة حسين الشحات في واقعة ضرب الشيبي لجلسة 9 مايو    ضبط 3 أشخاص بالقاهرة لقيامهم بأعمال حفر بقصد التنقيب غير المشروع عن الآثار    وكيل الأزهر يتفقد التصفيات النهائية لمشروع تحدى القراءة في موسمه الثامن    رئيس قطاع المتاحف يتابع مستجدات تطوير متحف رشيد الوطني    توقعات برج العقرب في النصف الثاني من أبريل 2024: صحة جيدة ومصادر دخل إضافية    تعاون ثقافى بين مكتبة الإسكندرية ونظيرتها الوطنية البولندية    المفتي يفتتح أول معرض دولي بالتعاون مع جمهورية روسيا الاتحادية    «الحشاشين» يتصدر ترتيبا متقدما في قائمة الأكثر مُشاهدة على WATCH IT    وفاة معتمرة من بني سويف في المسجد النبوي بالسعودية    أمين الفتوى: سيدنا النبي نصحنا بهذه الأدعية    وزير قطاع الأعمال: التوسع في الصناعات التحويلية للوفاء بمتطلبات السوق المحلية والتصدير    5 خطوط جديدة خلال الربع الأول من العام تستقبلها موانئ دبي العالمية السخنة    توقيع الكشف الطبي على 1632 حالة في قافلة مجانية بالمنيا    برلمانية: إدخال التأمين الصحي في محافظات جديدة يوفر خدمات طبية متميزة للمواطنين    6 أمراض تهددك في الربيع- هكذا يمكنك الوقاية    الدعم الأمريكي مستمر.. مساعدات عسكرية جديدة بالمليارات لإسرائيل (فيديو)    النواب في العاصمة الإدارية.. هل يتم إجراء التعديل الوزاري الأحد المقبل؟    فى الجيزة.. التعليم تعلن جدول امتحان المستوى الرفيع والمواد خارج المجموع لطلاب النقل والإعدادية    إحالة 30 من العاملين بالمنشآت الخدمية بالشرقية للتحقيق    إعدام طن مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك الآدمي بسوهاج    مدفوعة الأجر.. الخميس إجازة للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة عيد تحرير سيناء    48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل.. من هم؟    السجن المشدد 3 سنوات لمتهم بإحراز سلاح بدون ترخيص فى سوهاج    تعَرَّف على طريقة استخراج تأشيرة الحج السياحي 2024 وأسعارها (تفاصيل)    "الوزراء" يوافق على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية    اتحاد المعلمين لدى «أونروا» في لبنان ينفذ اعتصاما دعما لغزة    طبيب الأهلي يكشف تطورات المصابين قبل مواجهة مازيمبي    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    دعاء العواصف.. ردده وخذ الأجر والثواب    مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون: «لا نتوقع ضرب إيران قبل عيد الفصح»    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع منظمة "الألكسو"    فيلم «عالماشي» يحقق إيرادات ضعيفة في شباك التذاكر.. كم بلغت؟    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون

كما انهارت أعظم المدنيات فى التاريخ تحت ضربات القبائل البربرية أصبحنا نخشى على ما تبقى من المدنية العربية أن تسحقها الهجمة المتطرفة المعاصرة، إن جماعات الإسلام السياسى بحكم منابع نشأتها وعقيدتها وتمويلها لن تتوقف حتى تقضى على الأخضر واليابس فى بلادنا.

فبعد أن سمحت الأنظمة المستبدة لهذه الجماعات من إخوان وسلف وجهاد بالانتشار فى مجتمعاتنا، لاستخدامها فى استقطاب الجماهير بعيدا عن الحركات والأحزاب السياسية المعارضة، وتغييب عقول الناس عن قضاياهم الحقيقية فى الحرية والتنمية والازدهار، إلى قضايا غيبية كالحجاب والنقاب والسحر وتفسير الأحلام والجن والعفاريت وبول الإبل ورضاع الكبير، من أجل القضاء على أى أمل فى ظهور مجتمع مدنى قوى وقادر على استخلاص حقوقه من هذه الطغم الحاكمة، تكاثرت هذه الجماعات وانتشرت كالخلايا السرطانية فى خلايا المجتمع.
وبعد ثلاثة عقود مما سمى بالصحوة الدينية المباركة، بدأت آثارها المدمرة تظهر الواحدة تلو الأخرى، من إسقاط الأسلوب العلمى من سلم القيم لحساب الخرافة والشعوذة، إلى انهيار البحث العلمى وخروج جامعاتنا من التصنيف العالمى، إلى تدمير المنظومة الأخلاقية نتيجة للتدين المزيف الذى لا يستطيع بحكم سطحية ثقافته أن يخاطب جوهر الإنسان ولا عقله ولا احتياجاته بل يدور حول المظهر الخارجى والغرائز الحيوانية، وأخيراً استطاعت هذه الجماعات الاستيلاء على الحكم فى بعض البلاد كالسودان وغزة بعد انقلابات دامية، وبدأت فى مسخ شخصية المواطن العربى، وتحويله من فرد حر مستقل قادر على الاختيار إلى عضو فى قطيع عليه السمع والطاعة، وتوالت المشاهد المفزعة..
كانت الخطوة الأولى التى اتخذتها الجماعة الحاكمة فى كل من السودان وغزة، هى إنشاء شرطة للفضيلة تقوم بالتجسس على الناس، ومراقبتهم وتتبع عوراتهم، وانتهاك حرماتهم، فالإسلام البدوى لا يعترف بما يسمى بالحريات الشخصية أو الخصوصية، ناهيك طبعا عن الحريات السياسية التى تعتبر نكتة مضحكة فى هذه الأنظمة، فجميع تصرفات الإنسان يجب أن تكون حسب النموذج الإيديولوجى للجماعة الحاكمة، وإلا تعرض للضبط، والإحضار، والسجن، والإهانة، ثم المحاكمة التى تنتهى غالبا بعقوبات بدنية كالضرب والجلد والقطع. ولقد اتخذت هذه الشرطة من هيئة الأمر بالمعروف السعودية أسوة ونموذجا، ولقد تصاعد الغضب الشعبى ضد ممارسات هذه الهيئة فى السنوات الأخيرة، وتعددت حوادث الاعتداء على رجالها بالضرب أو القتل، وكانت أشهر تلك الحوادث التى وقعت فى جامعة اليمامة منذ أسابيع، عند إقامة أول عرض مسرحى فى تاريخ المملكة، حيث دخل حوالى مائة من رجال الهيئة، واحتلوا الصفوف الأولى، وبدأوا فى التشويش والتكبير، مما استفز الطلاب، ودارت معركة استخدم فيها كل ما طالته الأيدى، وبدأت هيبة الهيئة فى التراقص على وقع لكمات الشباب السعودى. هذا النموذج ، تم استنساخه ثلاث مرات فى السنوات الأخيرة، مرة فى أفغانستان على يد حكومة طالبان، ثم فى السودان على يد حكومة الإنقاذ، ومؤخرا فى غزة بعد أن قامت حركة حماس بالسيطرة عليها، ولا يمر أسبوع دون أن تطالعنا الأنباء بما يندى له الجبين. ففى السودان الشقيق، قامت شرطة الفضيلة بإلقاء القبض على الصحفية اللامعة »لبنى أحمد الحسين«، بتهمة ارتداء بنطلون، أثناء وجودها فى احتفال عام يحضره ثلاثمائة شخص، حيث قام رجال الشرطة باقتحام المكان، وعزل الفتيات اللاتى يرتدين البنطلون، واقتيادهن كالعاهرات إلى المخفر، حيث تم عرضهن على النيابة وتحويلهن للمحاكمة، علقت لبنى على هذه المهزلة قائلة: »الحمد لله أننا ضبطنا فى مكان عام بتهمة ارتداء بنطلون وبلوزة، وليس فى مكان خاص بدون بلوزة وبنطلون«، ولقد وجهت لبنى دعوة مطبوعة للصحفيين والصحفيات لحضور جلسة المحكمة المرتقبة، وأردفت فى الدعوة أن الجميع مدعوون أيضا لحضور حفلة الجلد إذا ما أدانتها المحكمة، حيث إن سوابق الأحكام فى قضايا البنطلون فى السودان والتى طالت آلاف الفتيات كانت دائما أربعين جلدة، هذا بالإضافة إلى وصمة العار التي تلحق إلى الأبد بفتاة ألصقت بها تهمة ارتداء ملابس مخلة بالآداب العامة.
وليس الحال فى غزة بأفضل منه فى السودان، فالصحفية والروائية الفلسطينية »أسماء الغول« ضبطت على شاطئ غزة مع زملاء وزميلات، بدعوة من صديق وزوجته لقضاء بعض الأوقات على شاطئ غزة، فألقى القبض عليها من قبل شرطة الشاطئ بتهمة السباحة بالزى غير الشرعى، والضحك بصوت عال أثناء السباحة »دون أدب وبكل وقاحة، ودون وجود أحد من أهلها أو أقربائها معها« كما جاء فى نص البلاغ!! كما وجهت للجميع تهمة الاختلاط غير المشروع رغم وجودهم فى مكان عام، وهذا الذى حدث مع أسماء يتكرر يوميا عشرات المرات، ويلقى الرعب والإذلال فى قلوب المواطنين البسطاء فى غزة.
أهذا هو الإسلام الذى أنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ أو هكذا أمر الله ورسوله بالتجسس على الناس، وانتهاك حرماتهم، والتعدى على خصوصياتهم، واتهامهم فى شرفهم، والإساءة لسمعتهم؟!! دعونا نلقى نظرة على أحوال بنات الصحابة، وبنات بيت النبوة، وكيف كان المجتمع يتعامل معهن، ومع ملابسهن وسلوكياتهن مما جاء فى كتب التراث الثقات التى لا يقدح فيها أحد، لنرى بأنفسنا الفارق الكبير بين دين الإسلام ودين الصحراء، وسنكتفى هنا بأن نضرب مثلا بريحانتى قريش، سكينة بنت الحسين حفيد رسول الله، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله، أو طلحة الخير الذى افتدى الرسول، وأحد المبشرين بالجنة.
كان جمال سكينة يأخذ الألباب، فحين رآها أبوهريرة قال: »سبحان الله كأنها من الحور العين«، وإلى جانب الجمال اشتهرت سكينة بالتأنق فى ملابسها، وكانت نساء المدينة يقلدنها فى أزيائها، خاصة تسريحة شعرها المبتكرة التى سميت ب»الطرة السكينية« واختلفت الروايات فى عدد أزواج سكينة ووصلوا إلى ستة أزواج أشهرهم مصعب بن الزبير. كما عرفت سكينة بطول باعها فى الأدب والشعر، وكان بيتها فى المدينة صالونا أدبيا تستقبل فيه الشعراء والرواة والمطربين الذين كانوا يمكثون فى ضيافتها أياما وليالى، وكانت تطارحهم قصائد النسيب وتجادلهم فى أشعارهم، ومنهم المطرب البغدادى الشهير حنين النصرانى، والشاعر الماجن الأشهر عمر ابن أبى ربيعة الذى قال فيها شعرا كثيرا، منه قصيدته الشهيرة التى مطلعها: »قالت سكينة والدموع ذوارف منها على الخدين والجلباب«. أما عائشة، فيروى ابن إسحاق عن أبيه: (دخلت على عائشة بنت طلحة ،وكانت تجلس وتأذن كما يأذن الرجال، وقال لها أنس بن مالك: إن القوم يريدون أن يدخلوا إليك فينظروا إلى حسنك، قالت: أفلا أخبرتنى فألبس أحسن ثيابى، ويصفها الذهبى بأنها كانت أجمل نساء زمانها وأرأسهن، وأن حديثها مخرج فى الصحاح (أى أنها من العدول)، وعندما عاتبها زوجها مصعب بن الزبير على تبرجها الشديد قالت له: »إن الله وسمنى بمسيم الجمال فأحببت أن يراه الناس، فيعرفوا فضلى عليهم، وما كنت لأستره«.
أى أن سكينة وعائشة وبالتأكيد غيرهما من بنات الصحابة كن يحيين حياة أى امرأة عصرية ذات حسب وشرف وثقافة فى زماننا، ولم ينكر عليهن ذلك أحد، لا من فقهاء المدينة السبعة ومنهم ابن عمر، ولا من رجال بيت النبوة وعلى رأسهم الإمام على زين العابدين بن الحسين أخو سكينة، ولا أمرهما أحد بالحجاب أو بعدم الاختلاط بالرجال، كما لم يكن واقع المجتمع فى زمن النبوة والصحابة كما يصوره لنا السادة المتطرفون، »حجاب، وجلباب، واكتئاب، ونساء كالغفر ممنوعات من التجمل والتزين«، وبالتأكيد لم تكن هناك شرطة للفضيلة. فما الذى يفعله بأهلنا فى السودان وغزة هؤلاء المتطرفون؟ وإلى أية مرجعية يستندون؟ وما الذى يتبقى من الإنسان إذا فقد حريته، وأهينت كرامته، وجرى إذلاله بين الناس؟ إن هؤلاء يصدق فيهم قول الله »وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون«، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.