هل أصبحت مواقع «اليوتيوب والفيس بوك وتويتر» أكثر تأثيرا من الإعلام التقليدى؟ وهل سنشاهد خلال السنوات القليلة المقبلة عزوف الكثيرين عن متابعة البرامج التليفزيونية والاكتفاء بما يشاهدونه على مواقع الإنترنت المختلفة، خصوصا بعد أن خرجت الثورة المصرية من رحم موقعى الفيس بوك وتويتر وهو ما يسمى بالإعلام الشعبى البعيد عن الرسمية والتقليدية؟! ما زاد الإعلام الشعبى قربا من الناس هو ظهور البرامج النقدية الساخرة مثل «منى توف» و«باسم يوسف» إلى جانب مقاطع الفيديو النادرة والمبتكرة التى يفتقدونها فى وسائل الإعلام الأخرى وكذلك سرعة وصول الأخبار الطازجة إليهم. التواصل بين الناس على المواقع الإليكترونية بخلاف أنه يأخذ شكل التوك شو، فهو جيد التأثير أيضا على بعضهم البعض كما حدث أيام الاستفتاء على التعديلات الدستورية فكان التوجه من خلال الإعلام الشعبى ومن خلال الإعلان الشهير «أنا هقول لأ» من موقع «يوتيوب». ومشاهدة رموز المجتمع تقول «لا» للتعديلات الدستورية.. وهو ما يعنى أن الإعلام الشعبى أصبح له تأثير كبير فى توجيه الرأى العام فى الشارع المصرى. أيضا أصبح «الاستيتس» الخاص ب«محمد البرادعى» و«عمرو موسى» - المرشحين لرئاسة الجمهورية - على موقعى تويتر والفيس بوك بمثابة مصدر للأخبار فى كثير من وسائل الإعلام وكأن الإعلام الشعبى انتقل من مجرد ساحة لتعبير المواطنين عن أنفسهم وتحولهم من مجرد متلقى إلى مشارك بل وصانع للخبر فى بعض الأحداث، وليس مجرد وسيلة للتعبير عن الرأى بحرية أكبر. فى البداية يؤكد الإعلامى «طارق حبيب» أننا أمام إعلام حديث وغير مقيد وأكثر انتشارا وتأثيرا ولكن مجتمعنا المصرى تواجهه أزمة حقيقية بسبب انتشار الأمية التعليمية والثقافية ومستخدم تويتر والفيس بوك لا يستطيع توصيل فكره إلى غير القادر على القراءة والكتابة، وهو ما يرجح كفة التليفزيون، الذى نشاهده جميعا دون عناء أو مجهود. ويضيف «حبيب»: مع كامل تقديرى للنظم الحديثة وأهميتها وانشغال ثورة 25 يناير بها إلا أننى مازلت متحفظا بسبب الشريحة الكبيرة، غير المتعلمة فى مصر وعلينا أن نوعيهم بالمقام الأول. ويكمل: لاشك أن الأجيال الجديدة تتحاور وتتنافس من خلال التكنولوجيا الحديثة لأن المستقبل سيكون لهم ولأدواتهم المبتكرة ولن يستطيع الجيل القديم ملاحقتهم. محمود سلطان وعن فكرة وجود فوضى نتيجة عدم وجود رقابة قال «حبيب» هناك احتمال بوجود فوضى وأتخوف من هذا ولكن لابد أن يعلم الجميع أنها مسئولية ولابد أن نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا وبالتالى فالحرية بلا مسئولية تساوى فوضى عارمة، وأن يكون كل إنسان رقيب نفسه، وضميره هو رقيبه وحول مستقبل الإعلام الشعبى قال إن هذا الإعلام هو خير بديل لكن لابد أولاً من معالجة الأمية بتطوير التعليم ثم الإعلام من أجل إصلاح المجتمع، وإلا سنجد أنفسنا أمام إصلاح 50% فقط من المجتمع. أما «محمود علم الدين» رئيس قسم الصحافة بكلية إعلام القاهرة فقال: هناك عدة حقائق فى تاريخ الإعلام ولا توجد وسيلة تلغى الأخرى فى البداية كان هناك البرديات ثم المخطوطات ثم الإذاعة ثم التليفزيون ثم الأقمار الصناعية وأخيرا الإنترنت. ويضيف «علم الدين»: الخطورة التى ظهرت مع الإنترنت تكمن فى مدى التأثير والتأثر فى ركيزتين أساسيتين الأولى هى حجم الجمهور المستقطب والأخرى هى حجم الإعلانات التى تأتى لهذه المواقع ولاحظنا خلال السنوات الماضية ظهور نوعين من الإعلام الإلكترونى إعلام احترافى متمثل فيما نشاهده من مواقع إخبارية وإعلام غير احترافى متمثل فى المدونات وهنا أصبح هناك تأثير على الصحف التقليدية نتيجة دخول منافس جديد للسوق ولذلك حاولت تلك الجرائد التكيف مع المنافس الجديد عن طريق إنشاء مواقع لها على شبكة الإنترنت. ويقول: أما الآن فظهر الإعلام الشعبى وهو إعلام المواطن من خلال تطبيقات الويب المختلفة التى تتيح للمواطن العادى أن يكتب ما يشاء وقتما يريد ويعلق على كل شىء وتحول المواطن المتلقى إلى إعلامى ومصدر للخبر وكان لهذا تأثيره الإيجابى فى ظل وجود عصر الإعلام المؤسسى الذى أصبح مهدداً من الإعلام الشعبى الذى يتميز بسهولة الاستخدام والسرعة فى الوصول إلى كل ماهو جديد بالإضافة إلى أن تكاليفه رمزية وهو ما وضع الآلة الإعلامية التقليدية فى ورطة. أما الإعلامى «محمود سلطان» فاعتبر أن الإعلام التقليدى هو الأصلى وقال ما نشاهده الآن يذكرنى بفترة ظهور الإذاعة الرسمية عندما كان يسبقها وجود إذاعات أهلية كثيرة بها شتائم وفضائح مختلفة. خيرية البشلاوى ويضيف سلطان: لكنى أختلف فى فكرة أن يكون الإعلام الشعبى بديلا أو أكثر تأثيرا من الإعلام الأصلى لأنه سيظل للتليفزيون بريقه وجاذبيته وسيفوق الفيس بوك وتويتر وهو نفس الأمر الذى حدث منذ عدة سنوات عندما أثيرت قضية بشأن اختفاء الكتاب الورقى فى مواجهة الكتاب الإلكترونى. أيضا شريحة الشباب هى الأكبر فى استخدام الإعلام الشعبى والمتفاعلة معه أما باقى شرائح المجتمع فمازالت تتفاعل مع الإعلام الأصلى. كما أننا نشاهد فوضى كبيرة فى الإعلام الشعبى بسبب عدم وجود رقابة ومعظمهم هواة للأسف فالساحة مفتوحة لهم دون رقيب، فالحرية المطلقة تجنى ثمارا سيئة ولذلك لا يمكن أن يصبح الإعلام الشعبى هو الأساس بسبب عدم دقته وموضوعيته. الناقدة «خيرية البشلاوى» اتفقت أيضا مع فكرة الفوضى التى يخلفها الإعلام الشعبى بسبب عدم دقة معلوماته واعتبرته ووصفته ب«الفشار» لأنه هش من الداخل وقالت «كيف سيصبح الإعلام الشعبى مؤثرا ولا يوجد تواصل حقيقى مع المواطن فى الشارع؟» وهناك كتلة كبيرة من المواطنين لا يعرفون مسمى الإعلام الشعبى ولكن شريحة الشباب هى المتواصلة معه. وتضيف «البشلاوى»: يعتبر الإعلام الشعبى ذا حدين لأنه إيجابى فى تفريغ أفكار الشباب ومعرفة التوجه العام لهم ولأنه سلبى أيضا يخلق وعيا زائفا بسبب أن معظم من يكتبون به لا يوجد لديهم الحد الأدنى للثقافة. وبالتالى يخلق لنا جيلا غير مثقف بسبب ترديد كلام فلان على تويتر أو فيس بوك وهو كلام غير دقيق من الأساس أما الإعلام الرسمى فهو قطعا أكثر مسئولية ويعتمد على كبار المحللين وله مهمة تنويرية فى المجتمع ولا يمكن الاستغناء عنه. وتؤكد «البشلاوى» أن الرقابة شىء جيد ومطلوب لأننى لا يمكن أن أستمع لشخص يهذى بالكلام من منطلق الحريات! ولكن ما نشاهده فى الإعلام الشعبى هو «سداح مداح» ونشر للشائعات وما أسهل أن تشوه شخص وتطلق عليه حملة كاذبة. وهو مثل السيل المنهمر به الجيد وبه الردىء وأنت يمكن أن يكون لك قناة خاصة على اليوتيوب تعرض فيها ما تشاء مجانا ودون أن تتحمل أية أعباء مالية، وعن المستقبل الإعلامى فى مصر قالت سيبقى الإعلام الرسمى وسيكون هناك نوع من التكامل بين الإعلام الرسمى والإعلام الشعبى.