فى نهاية عام 2025.. وبينما تنشغل التحليلات بالأزمات الإقليمية.. وصراعات الخرائط.. وضغوط الاقتصاد العالمى.. يظل هناك بطل حقيقى يجب أن ينصفه الخطاب العام، وهو «المواطن المصرى». ليس بطلا دراميا .. ولا نموذج مثاليًا بلا أخطاء.. لكنه الطرف الذى تحمل العبء الأكبر، واتخذ الموقف الأصعب، ودفع الثمن من معيشته وصبره ووعيه. هذا العام لم يكن سهلا على أحد.. المنطقة من حولنا كانت وما زالت على صفيح ساخن.. من حرب مفتوحة فى غزة .. إلى تهديدات مباشرة للأمن القومى.. فضلا عن محاولات فرض أمر واقع بالقوة، على رأسها مخطط التهجير الذى مثل لحظة اختبار حقيقية للدولة والمجتمع معا. أمام هذه اللحظة الفارقة.. لم يكن الرهان فقط على المؤسسات.. بل على وعى المواطن وقدرته على التمييز بين الخطر الحقيقى والدعاية.. بين الدفاع عن القضية والانزلاق إلى الفوضى. فى مواجهة مخطط التهجير.. اصطف المواطن المصرى بوضوح خلف الدولة والقيادة السياسية. لم يكن هذا الاصطفاف نتاج توجيه أو ضغط.. بل نتيجة إدراك عميق بأن المساس بالأرض أو السيادة ليس ملفا سياسيا قابلا للمزايدة، بل مسألة وجود. المشهد كان لافتا.. دعم واسع للموقف الرسمى.. ورفض شعبى لأى حلول تنتقص من الحقوق الفلسطينية أو تهدد الأمن القومى المصرى فى آن واحد.. هنا، لعب الوعى الشعبى دور خط الدفاع الأول. لكن البطولة لم تتوقف عند السياسة الخارجية. داخليا، كان العام مليئا بتحديات اقتصادية قاسية، هى فى جزء كبير منها انعكاس لأزمات إقليمية وعالمية متراكمة.. اضطراب سلاسل الإمداد.. ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.. ضغوط الديون.. وتراجع العملات فى دول كثيرة، وليس فى مصر وحدها، وسط كل هذا.. تحمل المواطن المصرى تبعات الإصلاح الاقتصادى.. رغم قسوته.. وتأثيره المباشر على مستوى المعيشة. التحمل هنا لا يعنى الرضا المطلق، ولا غياب النقد للحكومة.. بل يعنى إدراك السياق. المواطن أدرك أن البديل عن الإصلاح، مهما كان مؤلما، هو الانهيار، وأن الدول لا تدار بالعواطف، بل بحسابات دقيقة، غالبا ما يدفع ثمنها المواطن أولا. ورغم الضغوط، لم تنزلق الدولة إلى فوضى اجتماعية، وكان ذلك بفضل درجة عالية من الصبر والقدرة على الاحتمال لدى الناس. على المستوى السياسى، كان الرهان الأكبر هذا العام على وعى المواطن فى مواجهة محاولات المال السياسى، وشراء الأصوات، واستغلال الاحتياجات الاقتصادية للتأثير على القرار الانتخابى بانتخابات الشيوخ والنواب. مرة أخرى.. أثبت المواطن أنه ليس مجرد رقم فى معادلة.. بل طرف واع يدرك خطورة تحويل السياسة إلى سوق. الرسالة التى خرجت من هذا المشهد كانت واضحة.. الوعى هو خط الدفاع الأهم عن الدولة..لا القوانين وحدها.. ولا الأجهزة وحدها، بل مواطن يعرف مصلحته، ويميز بين الاختلاف المشروع ومحاولات الهدم.. وبين النقد البناء والاستغلال الرخيص. ربما لا يظهر المواطن المصرى كثيرا فى الصور.. ولا يتصدر العناوين بوصفه «بطلا»، لكنه فى الحقيقة كلمة السر فى بقاء هذه الدولة آلاف السنين. الدولة المصرية لم تعش طويلا لأنها كانت الأقوى عسكريا فقط، ولا لأنها الأغنى اقتصاديا، بل لأنها امتلكت دائما مجتمعا قادرا على التكيّف، والصبر، وإعادة التماسك فى لحظات الخطر. هذا العام.. المواطن لم يكن متفرجا.. بل شريك فى تحمل التكلفة.. وفى حماية الاستقرار.. وفى إفشال محاولات العبث بالوعى. قد يختلف مع السياسات، وقد ينتقد الأداء، لكن حين يتعلق الأمر بوجود الدولة، يعرف أين يقف.. لهذا.. ومع حصاد عام مليء بالاضطراب.. يمكن القول بثقة.. بطل 2025 الحقيقى هو المواطن المصرى.