التهجير ليس مجرد عملية نقل للسكان من أماكنهم بل هو جريمة ضد الإنسانية ومخطط خبيث يستهدف تغيير الخرائط السكانية وإعادة تشكيل المجتمعات بما يخدم أجندات استعمارية جديدة إنه الوجه القبيح للحروب الحديثة حيث لم يعد الاحتلال بحاجة إلى رفع السلاح بل يكفيه أن يخلق الفوضى ويزرع الرعب ثم يفرض الأمر الواقع بتفريغ الأرض من سكانها الأصليين . في خضم هذه العواصف السياسية التي تعصف بالمنطقة تبقى مصر ثابتة على موقفها المبدئي الصلب لا تهجير ولا تفريغ للأوطان ولا تلاعب بحقوق الشعوب فمنذ اندلاع الأزمات في دول الجوار وخاصة القضية الفلسطينية كان الموقف المصري واضحًا لا لبس فيه رفض قاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم ورفض كل المساعي التي تهدف إلى إعادة هندسة التركيبة السكانية للمنطقة على حساب الحقوق التاريخية للشعوب . التهجير.. أداة استعمارية قديمة بثوب جديد لطالما كان التهجير أداة يستخدمها الاحتلال والاستعمار لإعادة رسم الجغرافيا السياسية بما يخدم مصالحه وهو ليس مجرد حدث عرضي بل سياسة ممنهجة فمنذ نكبة فلسطين عام 1948 شهد العالم أكبر عملية تهجير قسري في التاريخ الحديث حيث أُجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على مغادرة وطنهم تحت وطأة المجازر والتهديد واليوم يحاول الاحتلال إعادة إنتاج المشهد ذاته بوسائل جديدة مستغلاً حالة الضعف والانقسام التي تعاني منها المنطقة . لكن المخطط هذه المرة اصطدم بجدار مصري صلب إذ تدرك القيادة المصرية أن القبول بمبدأ التهجير ولو لمرة واحدة يعني فتح الباب أمام سلسلة لا تنتهي من التنازلات وهو ما يهدد الأمن القومي للمنطقة بأكملها فالتجربة أثبتت أن التخلي عن حق واحد يؤدي إلى خسارة كل الحقوق وأن كل خطوة إلى الوراء تعني تقدم المحتل خطوة أخرى في مشاريعه التوسعية . مصر.. حائط الصد الأخير أمام مخططات التهجير لم يكن الموقف المصري الرافض للتهجير مجرد شعارات دبلوماسية بل كان قرارًا استراتيجيًا ينبع من إدراك عميق لخطورة هذه السياسات فمصر التي احتضنت القضية الفلسطينية لعقود وقدمت آلاف الشهداء دفاعًا عن الحق العربي لا يمكن أن تكون شريكة في أي مشروع يؤدي إلى تفريغ فلسطين من سكانها . وفي هذا السياق أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر لن تقبل بأي محاولات لفرض واقع جديد على حساب الحقوق الفلسطينية وأنها لن تسمح باستخدام أراضيها كمساحة لاستيعاب المهجرين لأن ذلك يعني عمليًا تصفية القضية الفلسطينية وشرعنة الاحتلال وهذا الموقف لم يكن مجرد تصريح عابر في أزمة مؤقتة بل هو عقيدة مصرية ثابتة ترى أن الأمن القومي العربي كلٌ لا يتجزأ وأن التفريط في حق واحد يعني تعريض المنطقة بأسرها لمخاطر لا تحمد عقباها . لماذا ترفض مصر التهجير القسري؟ الموقف المصري الرافض للتهجير ليس فقط موقفًا أخلاقيًا بل هو أيضًا ضرورة أمنية واستراتيجية فالقبول بمبدأ التهجير يفتح الباب أمام تفكيك الدول وإعادة رسم الخرائط السكانية بما يخدم مصالح قوى خارجية وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إفراغ الأرض من سكانها الأصليين مما يُسهل على المحتل فرض سيطرته دون مقاومة وخلق أزمات إنسانية جديدة حيث يصبح المهجّرون بلا وطن ويواجهون مصيرًا مجهولًا في مخيمات اللجوء وإضعاف الأمن القومي للدول المستقبلة للمهجّرين حيث تتحول قضية اللجوء إلى قنبلة موقوتة تهدد استقرار المجتمعات وتصفية القضية الفلسطينية تدريجيًا عبر تفريغ الأرض الفلسطينية وإعادة تشكيلها ديموغرافيًا لصالح الاحتلال . الرهان على الصمود.. وليس الاستسلام إن ما يريده الاحتلال ليس مجرد نقل السكان بل انتزاع القضية من جذورها وخلق واقع جديد يجعل العودة مستحيلة ولكن في مواجهة هذه المخططات يبقى الرهان على الصمود وليس الاستسلام وهذا ما تدركه مصر جيدًا فهي لا ترى الحل في إخراج الفلسطينيين من أرضهم بل في تمكينهم من الدفاع عن حقوقهم والبقاء في أرضهم مهما كانت التحديات وفي هذا الإطار تعمل مصر على تكثيف الجهود الدبلوماسية والسياسية لوقف العدوان ودعم صمود الشعب الفلسطيني مع التأكيد على أن المجتمع الدولي مسؤول عن ضمان حقوق الشعوب وليس التواطؤ مع المحتل في سياسات تهجيرية تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض . الخلاصة : موقف مصر ثابت لا يتغير التاريخ سيسجل أن مصر كانت ولا تزال الحارس الأمين على حقوق الشعوب والدرع الحامي ضد المخططات التي تستهدف تفتيت المنطقة ففي زمن تزايدت فيه الضغوط وتكاثرت فيه المؤامرات كانت القاهرة هي الصوت العربي الصلب الذي رفض التلاعب بالمصير الفلسطيني ورفض الانخراط في أي مشاريع تهدف إلى تفريغ الأرض من أهلها . إن التهجير ليس مجرد مأساة إنسانية بل مشروع سياسي خطير لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم بل يهدد الأمن القومي العربي برمته ولكن مصر بموقفها الثابت تثبت للعالم أن هناك من لا يزال يقف في وجه هذه المخططات رافضًا الانكسار أو التهاون في حقوق الأوطان فالتاريخ لا يرحم والشعوب لا تنسى ومصر ستظل في طليعة المدافعين عن الحق العربي مهما اشتدت الرياح وعظمت التحديات .