رمضان صبحى يومًا ما أشبه بلحن صاعد فى سماء كرة القدم المصرية، كل من شاهده فى بداياته كان يدرك أن أمامه لاعبًا مختلفًا، ليس مجرد موهبة جديدة تلمع ثم تختفى، بل مشروع نجم قادر على أن يحمل منتخب بلاده إلى مراحل لم يصل إليها منذ زمن، كونه خرج من المدرسة الكروية التى اعتادت صناعة الأبطال فى النادى الأهلى. لكنه لم يخرج كنسخة مكررة ممن سبقوه، رمضان كان يمتلك هيبة فى الملعب أكبر من سنه، يتحرك بثقة يطلب الكرة فى أصعب لحظات المباراة، ويصر على أن يكون طرفًا فى كل هجمة، كأن لديه يقينًا داخليًا بأنه ليس مجرد واحد من أحد عشر لاعبًا، بل عنوان اللقاء نفسه. حين تفتح الأبواب مبكرا أمام لاعب صغير، يكون ذلك اختبارًا قاسيًا لقدرة العقل، قبل قدرة القدم، ولأن رمضان اقتحم الفريق الأول فى عمر لم يكن يسمح له بأن يتعايش بسهولة مع صخب الشهرة، كان المطلوب منه أن يواجه كبار الدورى المصرى وهو لا يزال فى مرحلة تكوين شخصيته كلاعب وكإنسان، وقد فعل ذلك بجرأة لم يملكها كثيرون، فكان يستفز الخصوم بسرعته، ويراوغ بثقة، ويحتفل بانتصارات صغيرة كأنها إنجازات عظيمة، وكانت تراه الجماهير رمزا لتمرد إيجابى يعيد روحًا افتقدها الأهلى بعد سنوات من التغييرات والتذبذب. وبسرعة بدأت الصحافة تكتب عن المعجزة الجديدة، وتحولت تلك الكلمات إلى جزء من صورته كلاعب لا يهاب شيئا، يتحرك باندفاع ويدخل المنافسات كأنه مخلوق ليأخذ ما يريد. ثم جاءت اللحظة التى يحلم بها كل لاعب مصرى فى مثل عمره، وهى الاحتراف والانتقال إلى أوروبا، وبدا كأنه يخطو أولى درجات السلم نحو الاحتراف الحقيقى، حيث الكرة التى لا تعرف المجاملات، فكان طبيعيًا أن يتعثر، فمن ينتقل من بيئة يعرف كل تفاصيلها إلى دورى جديد وثقافة مختلفة ومنافسين لا يرحمون ومدربين لا ينظرون إلى الموهبة، بقدر ما ينظرون إلى التزام يتكرر يوما بعد يوم، خاصة أن أوروبا ليست مكانًا للانفعالات ولا للفخر الشخصى، بل مسرح كبير يحتاج إلى انضباط صارم، وعمل فى صمت وتواضع شديد، ونحن هنا فى مصر انتظرنا بريقه لكننا لم ندرك أن الموعد هذه المرة ليس مع فتى الأهلى الجريء، بل مع لاعب يحاول أن يثبت لمدربه أنه يستحق دقائق إضافية، وأن يثبت لنفسه أن التحدى لا يمكن أن يكون مجرد انتقال، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، وعاد رمضان سريعًا إلى مصر. عاد رمضان مجددًا لكنه لم يعد كما خرج، لقد عاد محملًا بأضواء تشبه النجومية أكثر من كونها تشبه التجربة، كان الجمهور قد رسم له مسارًا محددًا متوقعين أنه سيعود أفضل مما ذهب، يسيطر على الملعب، ويثبت أن الاحتراف الخارجى لم يكن إلا نقطة انطلاق، لكنه لم يكن مستعدا لمواجهة نوع جديد من الضغوط، حين تصبح كل مباراة اختبارًا، وكل قرار موضع تحليل وكل تصرف مادة للنقاش، فالأداء داخل الملعب لم يكن سيئًا، بالعكس ظل رمضان قادرًا على صناعة الفارق، يسجل ويصنع ويقود الهجمات كما اعتاد، إلا أن كرة القدم الحديثة لا تقيس قيمة اللاعب بما يفعله خلال 90 دقيقة فقط، بل بما يفعله طوال العام، وما يفعله خارج الملعب كما داخله. من هنا بدأت الأزمة الحقيقية، فالأزمة ليست فنية كما يظن البعض، بل أزمة عقلية، اللاعب الذى كان يملك ثقة مفرطة فى موهبته بدأ يدخل مناطق رمادية فى حياته الشخصية والمهنية، والأضواء التى كانت تشجعه فى بداياته أصبحت خانقة، ورغبة الجماهير فى رؤيته يقف على القمة تحولت إلى سيف يقطع من رصيده كلما أخطأ، بعض اللاعبين يقودهم النجاح إلى مزيد من الاجتهاد، أما رمضان فقد بدا كأنه يحاول الحفاظ على مجد لم يعد قادرًا على حمايته بالشكل الصحيح. وبدأت المشكلات القانونية والنفسية تظهر، وظهرت قضايا لا علاقة لها بالكرة، وتحولت حياته من مسيرة رياضية إلى سلسلة من الأخبار المتلاحقة، وبدلًا من الحديث عن مراوغاته أصبح الجمهور يتابع تفاصيل التحقيقات، ينتظر الأحكام. لكن يجب الاعتراف بأن مسئولية السقوط لم تكن على اللاعب وحده، كان رمضان ضحية مجتمع كروى لا يعرف الكثير عن كيفية تهيئة لاعبيه نفسيًا. دعونا نقارن مسيرة محمد صلاح، ليس لأنهما يلعبان فى نفس الجيل، بل لأنهما يمثلان طريقين مختلفين تمامًا، كلاهما موهوب وكلاهما خرج مبكرًا، لكن الفرق بينهما ليس فى مقدار المهارة بل فى طريقة التفكير، صلاح فهم أن الاحتراف ليس مبارزة جماهير، ولا سباقا على الألقاب المحلية، بل إن النجاح يحتاج إلى هدوء وصبر وصرامة نفسية، لذلك نجح فى بناء نفسه نقطة فوق نقطة، وتقبل الفشل قبل أن يحتفل بالنجاح، وكان يملك القدرة على التراجع خطوة من أجل أن يقفز عشر خطوات لاحقا، لذلك وصل إلى القمة ليس لأنه كان لاعبًا خارقًا منذ البداية، بل لأن عقله كان أقوى من كل الضغوط التى مرت به. رمضان لم يكن أقل موهبة لكنه لم يمنح نفسه الفرصة النفسية التى منحها صلاح لنفسه، كان يحتاج إلى من يشرح له كيف يتعامل مع الصعود وليس السقوط فقط، كان يحتاج إلى من يقول له إن الفكرة ليست أن الناس يحبونك بل أن تكون قادرا على الاستمرار عندما يرحل هذا الحب، حياته اليوم ليست مجرد أزمة لاعب تراجع مستواه، بل تجربة تعكس هشاشة التعامل مع المواهب، وتجسد الفارق بين لاعب يصعد لأنه يحمى عقله، ولاعب يسقط لأنه يترك عقله بلا حراسة. لكل لاعب شاب يحلم بأن يصبح نجمًا، هذه ليست قصة عن رمضان صبحى فقط، بل درس واضح، فلا تعتمد على موهبتك وحدها، فهى مجرد مقدمة، النجاح الحقيقى يبدأ عندما تتعلم أن تعمل على نفسك كل يوم، وعندما تدرك أن الشهرة لا تصنع منك لاعبًا بل قد تدمر ما تملكه، إن لم تكن مستعدا لها، الطريق بين من يظل مجرد موهبة ومن يصبح رمزًا كرويًا ليس طريقًا مفروشًا بالتصفيق، بل طريق ملىء بالصبر والسيطرة على الذات، والقدرة على مواجهة نفسك قبل مواجهة الخصوم، الفكرة ليست كرة فى القدم، فقط بل عالم كامل يسكن فى العقل، من ينجح فيه هو من يفهم تلك الحقيقة قبل فوات الأوان.